مظاهر الفكر الوحدوي في برنامج الحركة الإصلاحية

(الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها) أنموذجا

 

ﺃ. د.  حميدي ابو بكر الصديق

ﺃ. محمد علي   مساعد

-جامعة محمد بوضياف  - المسيلة - الجزائر

 

الملخص:                                                                   

            لقد بدأ تبلور الحركة الوطنية الجزائرية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وظهرت تيارات سياسية وشخصيات وطنية ممثلة للشعب الجزائري، وكانت مختلفة في التوجهات والمشارب السياسية (استقلالي، إصلاحي، إدماجي، شيوعي) مما جعل برامجها السياسية تختلف من تيار إلى آخر، هذا الإختلاف كان عائقا في توحيد العمل السياسي للحركة الوطنية الجزائرية، وبالرغم من ذلك فقد كانت هناك محاولات لتوحيد العمل السياسي في جبهة واحدة ضد الاستعمار الفرنسي.

إن أغلب الدراسات التي تتناول مظاهر العمل الوحدوي في الفكر الإصلاحي منذ إرهاصاته الأولى إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية تتطرق في دراساتها إلى المحاولات الوحدوية في الحركة الوطنية الجزائرية التي كانت الحركة الإصلاحية الجزائرية طرفا فاعلا فيها منذ محاولاتها الأولى التي تمثلت في المؤتمر الإسلامي سنة 1936، مرورا بتحالف أحباب البيان سنة 1943، إلى غاية ظهور جبهة التحرير الوطني، دون تسليط الضوء والتعمق في دراسة الجبهة الجزائرية من أجل الدفاع عن الحرية واحترامها التي ظهرت سنة1951، وضمت كل التيارات الحركة الوطنية في جبهة واحدة للدفاع عن حقوق الجزائريين.

ويعد العمل الوحدوي في الفكر الإصلاحي الجزائري مظهرا سعت إليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حيث سعت إلى خلق أرضية توافيقه بين مختلف تيارات الحركة الوطنية الجزائرية ومن ابرز مظاهر العمل الوحدوي لدى الحركة الإصلاحية هي الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها سنة 1951. وسنحاول من خلال هذا المقال إبراز والتركيز على مجموعة من العناصر قصد تسليط الضوء على الرؤية التوافقية في الفكر الإصلاحي لدى جمعية                                                     العلماء المسلمين الجزائريين وذلك من خلال :                        

1- مظاهر العمل الوحدوي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 

2- دور الجمعية في تأسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها     

3- تكريس الفكر الإصلاحي في برنامج الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها 

4- تجسيد المطالب الإصلاحية من خلال مطالب الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها مقدمة :  

اتجهت الجزائر مع مطلع القرن العشرين بعد فشل المقاومات الشعبية إلى المقاومة السياسية ، وقد تطورت هذه المقاومة في شكل تيارات وأحزاب عديدة ، وبرامج متباينة وأهداف متقاربة وهي العمل والإعداد لاستقلال الجزائر وإنقاذها من الاستعمار الفرنسي.

وقد لعبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا مهما وبارزا في التقارب السياسي الذي حدث بين مختلف أطياف الحركة الوطنية الجزائرية، وذلك من اجل جلب الجزائريين اليها ، وتجنيدهم في المعركة ضد الاستعمار .

وبالفعل فان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على غرار باقي تيارات الحركة الوطنية قد كان لها اليد الفضلى في الرؤية التوافقية التي حدثت بينها ، كما في سنة 1936 في المؤتمر الإسلامي ، وقد كان هدف الجمعية من هذه التحالفات هو التحرر والاستقلال والهوية العربية الإسلامية ، وفي الحقيقة لقد سعت الجمعية على وجود تكتيك تعمل بواسطته لتصل إلى الهدف المنشود ،فتكتيك العلماء كان في التركيز على الهوية الجزائرية العربية الإسلامية ، ولقد سعت الجمعية إلى تجسيد مطالبها وأهدافها خاصة في بداية خمسينيات القرن العشرين وذلك في ايطار الرؤية التوافقية بين أحزاب الحركة الوطنية والتي تجسدت في تشكيل الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها سنة 1951.

وسنحاول في هذا المقال التركيز على إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها، من خلال طرحنا لهذه الإشكالية:

كيف ساهمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تشكيل جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها ؟

والى أي مدى استطاعت الجمعية تجسيد مطالبها ومبادئها من خلال مطالب الجبهة؟

 1– مظاهر العمل الوحدوي في برنامج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و دور جمعية العلماء في تأسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

       توجت الاتصالات والمشاورات العديدة بين مختلف تشكيلات الحركة الوطنية الجزائرية،بعقد سلسلة من الاجتماعات الممهدة للإعلان الرسمي عن ميلاد الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها, وعقدت هذه الاجتماعات أيام 22,23,24 جويلية 1951م,أسفرت عن تشكيل لجنة إنشائية لتأسيس الجبهة والتي أصدرت بلاغا مشتركا باسم حركة الانتصار ,الاتحاد الديمقراطي,الحزب الشيوعي,جمعية العلماء وشخصيات حرة يوم 25 جويلية 1951م، وقد كان هذا البيان عبارة عن نداء وحدوي بين مختلف الهيئات السياسية الجزائرية .

وقد قامت اللجنة الإنشائية بتحرير النظام الداخلي لهذه الجبهة،والذي سيعرض يوم 5 اوت 1951 م على  الحاضرين،ويتمثل هذا النظام أساسا في تأسيس هيئتين :

1-المجلس الإداري: وهو عبارة عن اللجنة الإدارية للجبهة،وتتكون من ممثلي الهيئات الوطنية الأربعة والشخصيات المستقلة ,حيث مثلت كل هيئة بستة أعضاء,وبالتالي عدد أعضاء هذا المجلس هو ثلاثون عضوا وتتمثل مهامه أساسا في :

أ) احتفاظ المجلس الإداري بحقه في رفض مسؤولية أي عمل باسم الجبهة من طرف اي كان من المشاركين فيها ، ذ لم يحظ سلفا بموافقة المكتب الدائم للجبهة.

ب) رفع مسؤولية اللجان عن اي عمل يهم الجبهة إلا أمام المجلس الإداري للجبهة.

ج) عقد فروع الجبهة لاجتماعات عامة في القطر الوطني يوجهون أثناءها تصريحا موحدا إلى السلطات الفرنسية

د) الشروع في حملة صحفية على إثر الاجتماع العام الذي سيعقد يوم 05 اوت 1951م.

2)المكتب الدائم:الذي هو عبارة عن الأمانة العامة للجبهة ,وتتكون من عشرة أعضاء,عضوان لكل حركة ,وعلى هؤلاء أن يقيموا في العاصمة، وقد حددت مهامه بما يلي:

- طبع وتوزيع قائمة من اللوائح الاحتجاجية للإمضاء على اللجان والهيئات وأتباع الأحزاب والحركات والشخصيات،ذلك من اجل تثبيت الأهداف التي ترمي إليها الجبهة.

- توجيه وفد إلى فرنسا مهامه :

*عقد ندوات صحافية.

*الاتصال بالأحزاب السياسية والشخصيات والمنظمات الديمقراطية والفرق البرلمانية.

*تنظيم اجتماعات عامة.

وفي الأخير أكدت الهيئات على أن هذا الاتفاق لا يمس باي حال من الاحوال استقلال ونشاط كل حركة في ميدانها الخاص خارج الجبهة.

عقدت الجمعية التأسيسية للجبهة الجزائرية يوم 05 أوت 1951م ,في قاعة السينما دانيا زاد بقلب العاصمة ,حضرها حوالي 500 مندوب ,نقلت أحداثه جريدة المنار ,من خلال مقال مطول جاء فيه ما يلي"يوم الأحد 3  ذو القعدة 1370 الموافق 05 أوت 1951 م,انعقد بقاعة دانيا زاد بالجزائر العاصمة الاجتماع العام الذي دعت إليه اللجنة الإنشائية لتأسيس الجبهة ,...وقد لبى الدعوة عدد عظيم من الجزائريين اقبلوا من سائر أنحاء القطروجلهم من المسؤولين عن الحركات الديمقراطية في المدن والقرى المختلفة ,وحضر الاجتماع بعض النساء ,وقد اكتظت القاعة بالحاضرين...". وتلا عقد هذه الجمعية،نشر بلاغ في جريدة المنار أعلنت فيه الجمعية عن الميلاد الرسمي للجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها .

 جاء فيه:" ان الجمعية العامة قد انعقدت في الجزائر العاصمة ...وبعدما سمعت إلى مختلف الخطباء ,صادقت على تأسيس الجبهة الجزائري للدفاع هن الحريات واحترامها ".

أهداف الجبهة:

جاءت أهداف الجبهة في خمس نقاط نشرتها جريدة المنار ضمن البلاغ الذي نشرته الجبهة الإنشائية يوم 25 جويلية 1951م وهي :

  • إلغاء الانتخابات التشريعية المزعومة التي جرت في 17 جوان 195م ,والتي في الواقع تعيين الإدارة لا أشخاص لم يكلفهم الشعب الجزائري بتمثيله,وينكر عليهم التحدث باسمه.
  • احترام حرية الانتخاب في القسم الثاني .
  • احترام الحريات الأساسية :حرية الضمير,الفكر,الصحافة والإبداع.
  • محاربة القمع بجميع أنواعه,لتحرير المعتقلين السياسيين,ولإبطال التدابير الاستثنائية الواقعة على مصالي الحاج.
  • إنهاء تدخل الإدارة في الديانة الإسلامية.

تعتبر هذه الأهداف الخمسة التي أنشئت من اجلها الجبهة هي نفسها الدوافع التي دفعت الحركات السياسية إلى تأسيسها. ومن الوهلة الأولى يظهر لنا بوضوح بصمات كل حركة كتعبير عن مطالبها ومواقفها ومبادئها,وكذلك الدوافع التي تقف وراء انضمامها لهذا التجمع(الجبهة),فحركة الانتصار وجدت نفسها في مأزق سياسي كبير بعد إن دخلت معترك الانتخابات ,وكانت النتيجة إن توجهها لم يكن سليما,وأثبتت الأيام فشله في تحقيق مطالب الجزائريين,بل وأكدت صحة وجهة نظر الجناح الثوري المطالب بالكفاح المسلح,فكان لابد على قيادتها إن تجد مخرجا لهذا المأزق,وهكذا التقت جهودها مع جهود ورغبات الحركات الأخرى في تأسيس الجبهة.

وكذلك كان الحال مع الحركات الأخرى التي عرف هي الأخرى في بداية الخمسينات انسدادا سياسيا وفقدت زمام المبادرة،وكانت الإدارة الفرنسية قد استعادت التحكم في الوضعية السياسية,وفرضت على تلك الأحزاب الركون إلى موقف الدفاع عن النفس,فأسسوا الجبهة الجزائرية.

وللتأكيد على تلك البصمات التي تحدثنا عنها سابقا في تحديد أهداف الجبهة,نعود إلى ما جاء في تدخلات الممثلين الرسميين للحركات الجزائرية المؤسسة لهذه الجبهة أثناء انعقاد الجمعية التأسيسية,حيث صرح العربي تبسي عن العلماء في خطاب طويل قائلا :"...هذه الجبهة لا تسأل أحدا ان كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا,إنما تسأله هل هو مناضل في سبيل الحق,مكافح في سبيل الحرية,...إن الجبهة ملك لكل الجزائريين...وان ما يشغلني هو حرية العقيدة الإسلامية,...يجب ان نترك الإسلام ينشغل بأموره,فالدين المظلوم ينضم الى سائر المظلومين,ويكون واجهة الكفاح معهم"

      أما احمد بومنجل عن الاتحاد الديمقراطي نقتطف من حديثه ما يلي: "...فالجبهة الجزائرية لن تقف حتى يتحطم القهر الأعمى الذي قهر شعبنا وشبابنا,ولن نتوقف حتى يتمتع الجزائريون من دون تفضيل بينهم بجميع الحريات:حرية الفكر,حرية التعبير,حرية التنقل,...".

   بينما تحدث احمد مزغنة عن حركة الانتصار وجاء في حديثه:"...إن النضال منن اجل إلغاء الانتخابات والقمع,ومن اجل حرية التصويت أصبح ضروريا...".

   وفي نفس السياق جاء حديث العربي بوهالي الأمين العام للحزب الشيوعي.

     إن هذه الأهداف كانت محدودة,لذلك كان نشاط الجبهة محدودا في إطار هذه الأهداف,ففي هذا الصدد نشر الحزب الشيوعي مقالا حول هذه الأهداف نقتبس منه هذه الأسطر:"...من 21 جويلية 1946 الى 21 جويلية. خمسة أعوام من إعلان الحزب الشيوعي الذي طالب بالوحدة, لكن هذه الجبهة ليست تلك التي ندعو إلى تأسيسها, لأنها محدودة في الأهداف,...ولكن هذا لا يمنع من تقويتها لقيادة شعبنا إلى الاستقلال الوطني".

كما اعتبرت حركة الانتصار إن هذه الأهداف محدودة, وجاء ذلك على لسان زعيمها مصالي الحاج الذي بعث ببرقية من فرنسا يوم تأسيس الجبهة للمجتمعين نقتطف منها :"...لقد تتبعت باهتمام كبير تطور المساعي في الاتحاد والتي تكللت في النهاية بالنجاح ,فالأحزاب الجزائرية والشخصيات التي وصلت بعد جهود عظيمة إلىإنشاء الجبهة قد قاموا بعمل جليل...ولكي يكون الاتحاد مثمرا ... يجب أن يمتد إلى أهداف أكثر سعة... يجب على الجبهة أن توسع برنامج عملها إلى الاستقلال والسيادة القومية في بلادنا...".

وقد أيد هاذين الرأيين الأستاذ محمود بوزوزو صاحب جريدة المنار الذي كان في البداية متفائلا بميلاد الجبهة, وعبر عن ذلك في مقال مطول بعنوان "بارقة أمل...خطوة كبيرة في سبيل تحقيق الاتحاد القومي", حيث وصف الجبهة بالبشري ومما جاء في كلامه ما يلي "...أنها لبشرى تشرح الصدور وتنعش الآمال وتقوي التفاؤل بمستقبل هذا الوطن,...بشرى تشحذ القرائح ونزكي الهمم وتدفع بالعاملين الى مضاعفة الجهود,...بشرى تهز الضمائر الجامدة"

3- موقف الإدارة الفرنسية من تأسيس الجبهة:

  أثار تكوين الجبهة الجزائرية سخط الإدارة الاستعمارية وأبواقها من وسائل الإعلام التي يوجهها المعمرون وتصريحات المسؤولين الاستعماريين,فقد جن جنون جريدة "البرقية اليومية"La  dépêche quotidienne للمعمر بورجو.حيث كانت هذه الجريدة معروفة بعدائها للعروبة والإسلام, وكانت هذه الجريدة السباقة لشن حملة ضد الجبهة ,فأصدرت مقالا في 07 اوت 1951,إي يومين بعد التأسيس الرسمي للجبهة,أكدت فيه إن الخطر الحقيقي يأتي من الوطنيين وان هذه الجبهة هي جبهة شغب وفوضى معادية لفرنسا,ولقد تم تحالف التعصب الشيوعي الشمولي مع التعصب الإسلامي.

     من خلال هذا المقتطف من المقال,نلاحظ إن الجريدة اتهمت الجبهة بالشغب والفوضى وصنفتها في التيار المعادي لفرنسا,رغم أن هذه الجبهة لم تقم بأي عمل أو تصريح يمكن من خلاله إصدار الحكم عليها واتهامها بأنها من إيعاز جمعية العلماء المسلمين والحزب الشيوعي, بدون ذكر الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والشخصيات الحرة,مما يدل على ان الجريدة بقيت وفية لخطها المعادي للإسلام. ومن جهة أخرى كانت الولاية العامة ترى أن الجبهة تأسست على التعصب الديني والإسلامي مادامت الجمعية عضوا فيها,ودليلها على ذلك وجود الشيخ العربي تبسي والشيخ محمد خير الدين في الأمانة الدائمة للجبهة وورود مطلبها المتمثل في فصل الدين عن الدولة من ضمن مطالب الجبهة.

ودائما في إطار رد فعل الإدارة الاستعمارية نشرت جريدة صدى الجزائر للمستعمر دوسيرينيDussirini تصريح للمعمر ريمون لاكير RAYMAND LAQUIRE مضمونه "ان الجبهة الجزائري هي عبارة عن تحالف الأحزاب المسلمة مع أطراف أجنبية,والمقصود هنا هو إعادة ما حدث سنة 1945م...وان المبادرة في هذا التجمع هي من أصل ستاليني(شيوعي)".

   يحاول صاحب هذا التصريح أن يعيد إلى الذاكرة مأساة مجازر 08ماي 1945م والتي جاءت حسب تعبيره, نتيجة لتجمع أحباب البيان والحرية الذي استقطب كل الجزائريين, لذلك فالشيء الذي يفهم من هذا التصريح إن إدارة الاستعمار تخشى من وحدة الجزائريين, لذلك اتهمت الجبهة أنها بمبادرة شيوعية بغية تشتيت الوحدة.

وجاء في نفس السياق تصريحا أخر لجاك شوفالييJacques CHEVALIER نشرته جريدة المستقبل L'avenir أكد فيه أن الحزب الشيوعي الجزائري بالنسبة للجبهة الجزائرية ليس بمجرد متنفس فقط, بل هو المنشط أو المحرك لهذه الوحدة، وقد جاء في كتابه نحن الجزائريون (Nous Algériens) إن الجبهة الجزائرية تأسست من إيعاز الحزب الشيوعي الذي دعي الأحزاب والهيئات الوطنية إلى ضرورة الوحدة والاتحاد يوم 21 جويلية 1946,وذلك بتأسيس جبهة وطنية ديمقراطية جزائرية,وبعد مضي خمس سنوات عن هذه الدعوة, تأسست الجبهة أمام أزمة حكومية فرنسية.

      يمكننا القول بصفة عامة أن الإدارة الاستعمارية شنت حملة إعلامية على الحزب الشيوعي واتهمته انه هو الذي كان وراء تأسيس الجبهة الجزائرية, رغم انه كان مثل بقية الأعضاء المؤسسين.

4-تكريس الفكر والمطالب الإصلاحية من خلال برامج ومطالب الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

بعد الجمعية التأسيسية للجبهة, شرع المكتب الدائم(الأمانة) في عمله وذلك بنشر مناشير ونداءات وتأسيس لجان وبعث وفد إلى منطقة الاوراس لتقصي الحقائق عن الوضعية المزرية التي تعيشها المنطقة جراء أعمال العنف, وقد نشرت جريدة المنار تقرير ذلك الوفد جاء فيه :"...إن الجبهة الجزائرية بمجرد تشكيلها فاجأتهاحوادث "اوراس" التي صدر التنبيه على خطورتها, فعينت الجبهة وفدا توجه حينا إلى تلك الأماكن لا جراء التحقيق...".

تعدو أصول هذه الأحداث التي تعيشها الاوراس حسب التقرير, إلى الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 جوان 1951م, ذلك أن الناخبين الذين أرادوا "القواد"إرغامهم على التصويت على المرشحين الرسميين احتجوا بكل قوة على هذه الأساليب. كما أشار نفس التقرير إلى طبيعة السياسة الاستعمارية المنتهجة في الاوراس وهي طبيعة إرهابية قمعية.

      حل لهذه الوضعية,قام المكتب الدائم للجبهة بإيفاد وفد يوم 23اوت 1951م الى الولاية العامة,وطلب مقابلة الكاتب العام, فاعتذر هذا الأخير بحجة انه كان في اجتماع.

اعتبر كلود كولو ايفاد الجبهة لوفد منها إلى جبال الاوراس عمل فريد وجديد في النضال ضد العنف.

       كما شرعت الجبهة في الدفاع عن حرية الفكر والصحافة ,بإصدار بيان تستنكر فيه مصادرة السلطات الاستعمارية للعدد رقم ثلاثين من جريدة الجزائر الحرة,جاء فيه:"...حيث ان العدد الثلاثين من الجزائر الحرة قد صودر يوم السبت 11 اوت 1951م بأمر من عامل عمالة الجزائر,...وحيث إن الجزائر الحرة منذ صدور العدد الأول منها لاتزال هدفا للمصادرات والمطاردات من قبل الاستعمار,...وحيث إن هذه المصادرات تصيب في الصميم الحريات الأساسية المسجلة في ميثاق الأمم المتحدة والدستور الفرنسي نفسه,...فنحن نعلن عن عزمنا على القيام بعمل في سبيل فرض احترام حرية صدور جريدة الجزائر الحرة,وحرية الصحافة في الجزائر...".وفي هذا السياق نشر المؤرخ الدكتور عبد الحميد زوزو تقارير الشرطة الاستعمارية التي تناولت عملية مصادرة هذه الجريدة ابتداء من نوفمبر 1947م إلى غاية سبتمبر 1951م,حيث جاء في التقرير الخاص بمصادرة العدد ثلاثين من الجريدة إن الشرطة الفرنسية قامت بحجز عشرين ألف نسخة منها.

ولاستقطاب الجماهير، قامت الجبهة بعقد اجتماعات ومهرجانات، وفي هذا الصدد قامت بتنظيم اجتماع في الملعب البلدي حسين داي(الجزائر العاصمة) يوم 19 اوت 1951م, حضره جمهور يتراوح عدده بين سبعة إلى ثمانية آلاف شخص , ترأسه خمسة شخصيات ممثلة للهيئات الوطنية المختلفة,وانصبت تدخلاتهم حول إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والفاء الانتخابات المزورة,احترام الحريات الأساسية ,إيقاف التدخل في الديانة الإسلامية.

اصدر المكتب الدائم في للجبهة في نهاية الاجتماع قرار باسم سكان الجزائر العاصمة وضواحيها الذين اجتمعوا في الملعب البلدي يعلنون فيه تأييدهم التام للجبهة،ومما جاء في التقرير مايلي:"...إن سكان الجزائر العاصمة يعلنون تأييدهم للجبهة في سبيل فرض احترام الحريات الأساسية,ويستنكرون القمع بجميع أنواعه,...ويحتجون ضد تدخل الإدارة في الإسلامية,...ويدعون جميع الجزائريين دون تمييز في الفكرة والجنس والدين الى تأييد الجبهة..." .

1-المشكلة الانتخابية :

         كانت مشكلة الانتخابات مطروحة قبل سنة 1951م,فقد كان الاتحاد الديمقراطي يرفض المشاركة فيها بسبب التزوير,وكذلك نفس الشيء لحركة الانتصار التي صرحت عشية انتخابات مارس 1949م على عدم المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت  في 20 و27 مارس 1949م,لأنها لا تعبر في نظرها عن الإرادة الشعبية,عكس الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان في كل مناسبة انتخابية يقحم قوائمه للمشاركة فيها.

صرح الحزب الشيوعي يوم 27 سبتمبر 1951م في جريدة الحرية,ان اللجنة المركزية للحزب قد اجتمعت يومي 22.21 سبتمبر,واعتكفت من اجل تجسيد أهداف الجبهة في إطار المصلحة العليا للجبهة,واحترام حرية الانتخاب في القسم الثاني.كان الحزب الشيوعي يحاول أن يقحم الجبهة الجزائرية في هذه المعركة الانتخابية باقتراحه تكوين قائمة موحدة تتفق عليها كل الأحزاب, فرد عليه الاتحاد الديمقراطي باجتماع طارئ أيام 26 و27 سبتمبر 1951م لدراسة المشكلة الانتخابية,الذي انتهى بقرار عدم مشاركة الحزب في الانتخابات.

كما كان هناك رد فعل جماعي على تصريحات الحزب الشيوعي, حيث اصدر كل من الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيون تصريحا مشتركا نشرته جريدة الجمهورية الجزائرية,جريدة المنار, وهو عبارة عن بيان استنكاري للسياسة الانتخابية التي تمارسها الإدارة الفرنسية في الجزائر منذ افريل 1948م,وأعلنوا عدم المشاركة فيها,وفي نفس الوقت دعوة للشعب الجزائري إلى مقاطعة الانتخابات المقررة يوم 07 اكتوبر, ومما جاء فيه:"...إن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيون,بعدما درسوا المشكلة الانتخابية الجزائرية في القسم الثاني على ضوء التجارب المكتسبة منذ افريل 1948م ,...وحيث ان الحكم الاستعماري والإدارة الجزائرية والحكومة الفرنسية قد جعلت – وذلك قصدا-هذه الانتخابات مهازل محزنة,...أن الموقعين أسفله,اعتبارا بأنه لا يتصور أن يكونوا آلات للخديعة الانتخابية التي يشرع في تدبيرها في 07 و14 اكتوبر 1951م,...إنهم وطدوا العزم على حض الناخبين على مقاطعتها...".

وفي هذا الإطار قام المكتب الدائم للجبهة بالإعلان عن موقف الجبهة من الانتخابات,وبعد ان استمعت إلى أراء كل الهيئات السياسية الجزائرية,قررت أن لا تشارك في هذه الانتخابات بهذه الصفة.ويعود ذلك حسب تقديرنا إلى اتقاء الانشقاق الذي ظهر في أعضائها,لذلك جاء تصريحها معتدل اى لم تدع صراحة إلى المقاطعة ولم تدع إلى المشاركة في الانتخابات,بل تركت المبادرة لكل حزب,وهذا منطقي لان الاتفاق الذي حصل أيام 22,23,24 جويلية كان ينص في مادته التاسعة إن هذا الاتفاق لا يمس باستقلال ونشاط كل حركة خارج الجبهة,كما يمكن تفسيره أيضا على أنمه حل توفيقي يرضي كل الأطراف المشاركة في الجبهة.دخل الحزب الشيوعي الانتخابات،وكان برنامجه يحتوي على النقاط التالية:

-1 إلغاء الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 17 جوان 1951 في القسم الثاني.

-2 احترام حرية الانتخاب.

-3 احترام الحريات الأساسية .

-4 إﻧﻬاء تدخل الإدارة في الدين الإسلامي .

-5 إيقاف حرب الفيتنام وإعادة الجنود الجزائريين إلى الجزائر.

-6 عقد اتفاق دولي لحظر الأسلحة النووية.

نلاحظ في هذا البرنامج أن النقاط الأربع الأولى كانت من بين أهداف الجبهة الجزائرية,أما النقطة الخامسة فهي مطلب خاص بالحزب الشيوعي,بينما النقطة السادسة كانت من مطالب الاتحاد السوفيتي,لذلك فمن الضروري القول بان الحزب الشيوعي الجزائري لم يكن مستقلا في قراراته وبرنامجه,بل هو تابع للحزب الشيوعي الفرنسي وهذا الأخير تابع للأممية الشيوعية العالمية,أي لا يمكن عزل الحزب عن العالم الشيوعي.

كانت نسبة المقاطعات في هذه الانتخابات مرتفعة وصلت إلى 45%,بينما وصلت إلى 80% في القسم الثاني,خسر على إثرها الحزب الشيوعي في القسم الأول أربع مقاعد ولم يحصل على أي مقعد في القسم الثاني, ويمكننا إرجاع نسبة المقاطعة إلى استجابة الشعب الجزائري للدعوة التي نادت إلى المقاطعة وما يبرر ذلك أن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والشخصيات الحرة أصدروا تصريحا مشتركا بعد الانتخابات العمالية(الإقليمية)جاء فيه:"...إن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيين,يسجلون بارتياح تام إن ناخبي المدن والبادية قد قاطعو الانتخابات بأغلبية ساحقة وأنهم بهذا قد ايدو موقف المنظمات    الوطنية المشترك...",كما أدت هذه الهيئات في نفس التصريح بعدة ملاحظات  فيما يخص تلك الانتخابات نوجزها في أربع نقاط هي:

-1 الانتخابات العمالية قد جرت بصفة عامة في مثل ظروف انتخابات اﻟﻤﺠلس الجزائري والبرلمان الفرنسي.

-2 جميع المترشحيين الحكوميين لم يقع انتخاﺑﻬم- كما هو مزعوم – بل وقع تعيينهم كموظفين.

-3 عدد الأصوات التي نسب إحرازها إلى هؤلاء "المختلسين "للمقاعد ,إنما هو إلا نتيجة اختلاس واسع, وان هؤلاء الخدمة للاستعمار الفرنسي لا يمكن اعتبارهم نوابا للشعب الذي لم يمنحهم ثقته,بل ينكر عليهم كل قيمة تمثيلية.

-4 هذا الاستفتاء كان دليلا واضحا على احتقار الناخب الجزائري لهذه الانتخابات المزورة وجاء هذا التصريح بإمضاءات من ممثلي الهيئات التي أدلت بها التصريح. الاستنتاج الذي نخرج به من خلال هذه الانتخابات,هو أن هذه الأخيرة تعتبر أول امتحان للجبهة,فكانت في نفس الوقت أول هزة زعزعت أركان هذه الوحدة وذبذبت موقفها وشتت رأيها وظهرت كتلتين:

1- الأولى: أقلية يمثلها الحزب الشيوعي الذي شارك في الانتخابات,وكان في رأيه وتصوره أن فرض حرية الانتخاب في القسم الثاني واحترام الحريات الأساسية لا يكون إلا بالمشاركة في الانتخابات.

2 - الثانية: أغلبية ممثلي الجبهة (حركة الانتصار، الاتحاد الديمقراطي، العلماء والديمقراطيون )،الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات لأن هذه الأخيرة أصبحت مهزلة ووسيلة في يد الاستعمار الفرنسي جراء التزوير.

       وقد أثرت هذه الانتخابات على نشاطات الجبهة وانتشارها، ويظهر ذلك جليا في

تأسيسها للجان المحلية، ففي ظرف قياسي مدته ثلاثة أسابيع (من 05 أوت إلى 04 سبتمبر 1951)أسست الجبهة سبعة عشر لجنة، لكن ابتداء من منتصف أكتوبر إلى ﻧﻬاية ديسمبر 1951 ، لمدة شهرين ونصف لم نسجل إلا تأسيس تسعة عشر لجنة محلية، خمسة عشرة منها تأسست في ما بين 20 أ كتوبر و 06 ديسمبر1951، وأربعة فقط تأسست من 10 ديسمبر 1951 إلى 02 جانفي1952.

نلاحظ أن طول هذه المدة الزمنية (من 05 أوت 1951 إلى 02 جانفي1952 )، قامت اللجنة بتأسيس ستة وثلاثين لجنة فقط، أغلبيتها في الجزائر العاصمة (عشرين لجنة)، ثم قسنطينة من(تسعة لجان),وأخيرا وهران فيها سبعة لجان، وهذا العدد ضئيل جدا نظرا لشاسعة الجزائر والآمال المعلقة على الجبهة من طرف الشعب.

قامت الجبهة الجزائرية في الفترة الممتدة من 28 أكتوبر إلى 22 نوفمبر 1951 بعقد حوالي خمسة عشر اجتماعا في المدن الرئيسية الجزائرية، نذكر منها: اجتماع انعقد بعنابة حضره حوالي ألفين مناضل، واجتماع أخر انعقد في سوق أهراس بحضور حولي ألف وخمسمائة شخص، وتجمع آخر في البليدة يوم 12 نوفمبر 1951 حضره حوالي ألف مناضل، كما انعقد اجتماع في العاصمة في 18 نوفمبر من نفس السنة حضره حوالي ألف ومائتين مناضل.

ولما فتحت محكمة البليدة ستة وخمسين ملفا للمعتقلين السياسيين يوم 22 نوفمبر 1951 م، قامت الجبهة بنشر إعلانات ونداءات ضد العنف وتطالب بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين، وفي نفس الإطار قامت اللجان المحلية المختلفة بحملة إمضاءات واسعة لصالح هؤلاء المعتقلين، كما أصدرت قرارات ولائحة لمساندﺗﻬم، وفي هذا الصدد قامت لجان وهران بإرسال رسالة إلى السلطات الفرنسية تندد بالعنف وتطالب بالإفراج عن المعتقلين.كما قامت لجنة العاصمة بإصدار نداء نشرته جريدة المنار جاء فيه:"...حيث أن هؤلاء الجزائريين قد اعتقلوا ظلما بتهمة واهية هي "المؤامرة على امن الدولة",...وحيث انه نكل بهم شر تنكيل,...وحيث أن هؤلاء الوطنيين لم يحاكموا ألا من اجل أفكارهم السياسية وتثبتهم بالسيادة الوطنية,...وحيث جعل جلسة المحكمة سرية يوم 22 نوفمبر لا يعبر إلا عن إرادة الاستعمار إخفاء الحقيقة,...فان لجنة العاصمة للجبهة الجزائرية تؤكد تضامنها التام مع ستة وخمسون جزائريا المحاكمين بالبليدة وتطالب بإطلاق سراحهم,...وتدعو سكان العاصمة إلى النضال لفرض احترام حرية الرأي... ".

وفي نفس الإطار قامت الجبهة ببعث برقية إلى لجنة حقوق الإنسان الدولية، تلفت

نظرها إلى حالة اثني عشر سجين في سجن الأصنام الذين قاموا بالإضراب عن الطعام منذ أربعة وعشرين يوما بغية تحسين حالتهم المعنوية والمادية، وتعلمها بسكوت الإدارة الاستعمارية إزاء هذه الوضعية الخطيرة والمتدهورة لهؤلاء المساجين.

لم يقتصر نشاط الجبهة داخل البلاد، بل تجاوزه إلى حلفائه الطبيعيين، كتبني قضاياالأشقاء في تونس والتصدي لما يتعرض له الإخوة التونسيون هناك من اعتقالات وقمع من أساليب السياسة الاستعمارية، وفي هذا الصدد قام المكتب الدائم للجبهة بإصدار بيان احتجاجي على تلك الاعتقالات والإعلان عن تضامنها مع الشعب التونسي، نقتطف منه هذه الأسطر"...إن الأمانة العامة للجبهة بعدما علمت بنبأ الحوادث الدامية التي جرت في تونس, ترفع بكل استنكار احتجاجها ضد الاستفزازات البوليسية التي سلطت على الشعب التونسي الشقيق, وتستنكر بشدة إيقاف الوطنيين والزعماء التونسيين ,...إن الأمانة الدائمة تؤكد تضامن الشعب الجزائري مع شقيقه التونسي...".

ودائما في إطار تضامن الشعب الجزائري مع الشعب التونسي، أرسلت الجبهة الجزائرية إلى اﻟﻤﺠلس الوطني الفرنسي ومجلس الوزارة ووزير الخارجية برقية نقتبس منها:"...إن الجبهة الجزائرية التي هي الترجمان الصادق للشعب الجزائري,...تحتج ضد الأساليب العتيقة التي يتوخاها الاستعمار الفرنسي,وتطالب بتحرير الوطنيين والزعماء التونسيين...,وتؤكد تضامنها التام مع الشعب التونسي...".

كما قام مصالي الحاج ببعث رسالتين باسم الشعب الجزائري، الأولى إلى الحبيببورقيبة،والثانية الى صالح بن يوسف،يؤكد فيهما باسم الجزائر تضامنه مع الشعب التونسي.

3- مصير الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

      إذا كانت الجبهة الجزائرية من 05 أوت 1951 إلى غاية ﻧﻬاية جانفي 1952 قد قامت بعدة نشاطات سواء على المستوى الوطني، بعقد اجتماعات وتأسيس لجان ونشر بيانات واحتجاجات، أو على المستوى الإقليمي بتضامنها مع الشعب التونسي، فإﻧﻬا ابتداء من فيفري 1952 دخلت الجبهة في سبات عميق أدى في الأخير إلى ظهور الانشقاق في 19 ،20 ماي1952 م عندما دعت الجبهة إلى عقد جلسة، ولكن غياب ممثلي الاتحاد الديمقراطي بحجة أﻧﻬم كانوا خارج العاصمة حال دون عقدها مما أدى إلى تأجيلها، وعلى إثر ذلك قام الحزب الشيوعي وحركة الانتصار بنشر نداء مشترك لعقد يوم وطني للكفاح ضد التعذيب وضد نفي مصالي الحاج، وذلك بتنظيم لقاءات ومظاهرات، حيث دعوا جميع الوطنيين إلى المشاركة فيتلك التظاهرات المقررة يوم 23 ماي 1952 ، فرد على هذا النداء المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي ببلاغ يؤكد فيه أن النداء لا يلزمها بشيء كونه صدر من حزبين وليس من المكتب الدائم للجبهة.

 تعتبر هذه التصريحات والنداءات مؤشرا واضحا لبداية ﻧﻬاية الجبهة وعدم فعاليتها، حيث شهد شهر ماي انسحاب الاتحاد الديمقراطي منها وبذلك بدأت الوحدة في التفكك والتشتت, ويظهر ذلك جليا عندما اقترح الحزب الشيوعي يوم 02 جويلية للأمين العام للجبهة بإقامة تجمع شعبي يوم 05 اوت 1952 أوت بمناسبة مرور سنة على تأسيس الجبهة،لكن هذا الاقتراح لم يجد أي استجابة من الأعضاء الباقين في الجبهة والتي غادرﺗﻬا حركة الانتصار في نوفمبر من نفس السنة، وبالتالي عرفت الجبهة نفس المصير الذي عرفه المؤتمر الإسلامي عام1936 وتجمع أحباب البيان والحرية عام 1945 ، أي تلاشت هذه الوحدة بسرعة، وتبعثرت جهودها وعادت كل هيئة سياسية إلى العمل بشكل منفرد.

الخاتمة :

من خلال تتبعنا لسلسلة الأحداث التي أدت إلى ميلاد الجبهة الجزائرية وتتبع مراحل تأسيسها ونشاطها وتطورها، وتدقيق النظر في برنامجها وأهدافها،نجدها محدودة وقليلة النشاط والحيوية بالنسبة لتطلعات الشعب الجزائري.وابتداء من سنة 1947 أصبحت جمعية العلماء أكثر دعوة إلى الاتحاد أكثر من باقي الأحزاب الوطنية الأخرى، وقد لعبت جمعية العلماء المسلمين دورا بارزا في الجبهة حيث ان المؤتمر التأسيسي ترأسه الشيخ التبسي نائب رئيس جمعية العلماء.

وقد حاولت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جاهدة تكريس مبادئها في الحفاظ الهوية الوطنية العربية الإسلامية وعدم تدخل الإدارة في الدين وذلك من خلال مطالب جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها، إلا أن مصير هاته الجبهة كان الفشل وعدم الاستمرارية لعدة أسباب وظروف واختلاف في الرؤية والإيديولوجية بين التيارات الوطنية.

المصادر والمراجع :

المصادر:/ا

1-توفيق المدني احمد،حياة كفاح،مذكرات، ج2، (1925-1954)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر،1977

2-عباس فرحات ، ليل الاستعمار ، ترجمة ابوبكر رحال ، مطبعة فضالة ، المحمدية ، الجزائر، د.ت

ب/المراجع:

1- زوزو عبد الحميد ،المرجعيات التاريخية للدولة الجزائرية الحديثة ، دار هومة ، الجزائر،  2005

2- العمري مومن ، الحركة الثورية فيالجزائرمن نجم شمال افريقيا (-1926, 1954)، دار الطليعة للنشر والتوزيع ، قسنطينة ، 2003.

ج/الجرائد:

1- بوزوزو محمود، "اين انصار الديمقراطية "، جريدة المنار ، السنة الاولى ، العدد 08،(31اوت1951)

2- بوزوزو محمود،"بارقة امل خطوة كبيرة في سيبل تحقيق الاتحاد القومي "، جريدة المنار، السنة الاولى ، العدد 06، (30جويلية 1951)

3- بوزوزو محمود، "حاجتنا الى جبهة تحريرية" ،جريدة المنار، السنة الثانية ، العدد 09،(15اوت1952)

4- بوزوزو محمود ،" الشعب الجزائري يريد حقه في تقرير مصيره"، جريدة المنار ، السنة الاولى ، العدد 12، (21ديسمبر1951)

5-  بوزوزو محمود "مرحبا بالفجر الصادق"، جريدة المنار،السنة الاولى، العدد7،(15اوت 1951)

  • مجهول " خطاب مشترك من الاحزاب والحركات القومية الجزائرية الى لجنة مساعدة ضحايا القمع"، جريدة المنار،السنة الاولى ، العدد06.

7- مجهول "لجنة انشائية لتاسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها"، جريدة المنار، السنة الاولى ، العدد 06

1-COLLOT, Claude : « le front algérien pour le respect et la défense desliberté », revue algérienne de sciences juridiques, économiques, etpolitiques, n°02 (juin 1977)

2- GAMON,(l) : « Akacha avait Mont : Cheikh El OKBI et Abbas Turqui son remit ont en liberté »,Echo d’Alger, 9507 (15 août 1936).

3-Gouvernement général de l’Algérie : Bulletin mensuel des questions islamiques juillet,1951

4-  LACHRAF, Mustapha : « les français, premiers pirates de l’air », le journal EL watan, n° spécial, la guerre de la libération nationale, 1954- 2004 (31 octobre 2004)