التعمير البشري بمنطقة قالمة من خلال الشواهد الأثرية
(منطقة الركنية انموذجا)
أ.د. عبد المالك سلاطـنـيـة
جامعة08 ماي 1945- قالمة
توطئــــــــة:
إن الدارس لتاريخ الجزائر القديم تستوقفه العديد من المحطات التاريخية، التي تركت بصماتها الظاهرة، والتي ترجع إلى مختلف المراحل من الشواهد التاريخية والمعالم الأثرية.
- التعريف بموقع الركنية:
يقع موقع الركنيةRoknia بضواحي بلدية الركنية، شمال غرب مقر ولاية قالمة "ملكا القديمة"، على مسافة 35كلم. وهي ولاية حدودية مع ولاية سكيكدة"روسيكادا "، لا تبعد عن مدينة عنابة الحالية "هيبون القديمة" الا بمسافة تقدر بحوالي 60كلم. كما أنها ممر هام نحو قسنطينة "سيرتا" عاصمة المملكة النوميدية.
شهدت هذه المنطقة استقرار باكرا للإنسان بها، وأهم مواقعها "المقبرة الميغاليثية" التي توجد بها "القبور المنضدية" و"قبور الحوانيت". تقع "المقبرة الميغاليثية" شمال غرب مدينة قالمة1 على بعد 35 كلم شمال حمام ادباغ (حمام المسخوطين سابقا)، على مسافة 12 كلم2.
ويمكن الوصول إلى المقبرة من طريق ثاني، وهو الذي يربط عزابة بالركنية على مسافة 45 كلم.(انظر الشكل رقم 1و2). يحدها من الناحية الشرقية "جبل أدباغ" الذي يصل ارتفاعه إلى 1050 متر والذي يتربع على مساحة تقدر بـــــــ 2925 هكتار.
ومن الناحية الجنوبية "مشتة السطحة" و"وادي ادواخة"، ومن الناحية الشمالية قرية الركنية. أما من الناحية الغربية فيحدها كل من "جبل اشعايرية" المسمى "جبل المنشار " و"جبل لقرار"، الذي يصل ارتفاعه إلي 1070 متر وهو بذلك يعد أعلى قمة في المنطقة.
أما إذا عدنا إلي الخريطتين الطبوغرافيتين ذات السلم 1 / 50000 و 1/ 25000، ففي الأولى تقع المقبرة ما بين خطي 904 و905 شمالا جنوبا. وخطي 366- 368 شرقا غرب، أما في الثانية فنجدها بين خطي 339- 342 شمالا جنوبا، و4042- 4044 شرق غربا.
تـمتد الـمقبرة على مساحة تقدر بـــــــ3 كلم طولا. وما بين700 إلى 800 متر عرضا بمحاذاة أراضى السطحة1.
ويرى بورقينا: "أن أسباب اختيار هذا الموقع مكانا أبديا للموتى الى كون "الركنية كانت عبارة عن حمام طفئ وبنى القدماء من فوقه معالم جنائزية...معتقدين بأنها تكون تحت حماية جهنمية...، وفضلوا توجيه المعالم الجنائزية نحو أفران كانت مشتعلة تتسرب منها الحرارة"2.
ويبدو من خلال الدراسة التي قام بها "بورقينا" أنه ربط بين الدراسة الجيولوجية لحمام المسخوطين والركنية، نظرا لوجود العديد من الخصائص المشتركة في البنية الجيولوجية. من حيث نشأة وتكون الصخور الرسوبية. ويبدو أن اختيار هذا الموقع كان نتيجة عدة عوامل يمكن حصرها في النقاط التالية:
- طبيعة المنطقة الصخرية التي وفرت المادة الأولية لإنجاز القبور، دون عناء البحث عنها في أماكن أخرى. وكذا هشاشة بنيتها فهي تتكون أساسا من صخور الترافرتين ، والتي يسهل على قلاعي الصخور التحكم فيها دون مشقة.
- تواجد المقبرة بمحاذاة أراضي خصبة صالحة للزراعة وهي أراضى "السطحة". فقد تكون هذه الأخيرة قد زرعت في فترات معينة من قبل بناة المقابر، هذا بالنظر إلى الاستقرار البشري الضخم، الذي كان بالمنطقة من حيث حجم وعدد القبور التي تزيد على 3000 قبر.
- توفر الينابيع المائية، التي لها دورا هاما في الاستقرار. والتي من أهمها ينبوع عين القصر الذي يعرف "بعين لزة" وكذا "عين ديرا". ويقع على حافة الوادي بالقرب من المقبرة. ومنه فإن اختيار هذا الموقع يكون قد خضع بالضرورة لعوامل عدة متداخلة، بين ما توفره الطبيعة وحاجات الإنسان في ذلك الوقت.
تحتوي "المقبرة الميغاليثية" بالركنية على أكثر من 3000 قبر من نوع الدولمن، مختلفة الأحجام والأنماط. هذا في الوقت الذي نجد فيه عددا كبيرا من هذه القبور قد تحطم بفعل عوامل عديدة، كما هو الحال بالنسبة لموقع "قلعة بوعطفان" وموقع "بونوارة" [1]
الشكل رقم 1. موقع الركنية بالنسبة للشرق الجزائرى وحوض المتوسط
شكل رقم 2. موقع الركنية على وادى ركنية شمال غرب قالمة.
- التركيب الجيولوجي للموقع:
لقد سهلت تركيبة المنطقة الجيولوجية على الإنسان الذي عاش واستقر فيها، عملية قطع الكتل الحجرية. التي تعتبر المادة الأساسية لإنجاز قبور "الدولمن". وكذا حفر "الحوانيت" على الواجهة المقابلة لجبل "اشعايرية"، والمحاذية لوادي الركنية. وقد استعمل في إنجاز الصروح الجنائزية نوعين من الصخور إحداها رسوبية، وهي الغالبة الاستعمال والأخرى نارية وهي نادرة بالموقع.
أ. الصخور الرسوبية:
تكون هذا النوع من الصخور نتيجة عمليات الترسب وتعرف بالصخور الطباقية[2]. وهي عبارة عن مواد متفتتة سواء من صخور نارية أو رواسب كيميائية وعضوية[3]. والحجارة بموقع الركنية تأتي من المكان نفسه.
وهي عبارة عن صخور مسامية تتجمع من الترسبات حول الينابيع. مما يسهل على قلاعي الحجارة استخراجها دون عناء1. وصخور ترافرتين Travartin، هي صخور مشابهة "للتوفنه" سهلة الانكسار[4] ، هذا ما يسر إنجاز عدد كبير من القبور عبر حقبات طويلة من الزمن.
ولقد قام "بورقينا" بإجراء تحاليل على هذا النوع من الصخور ( صخور الترافرتين) فتحصل على النتائج التالية :
المـادة |
النسبــة |
كاربونات الجير والمنغنيز |
% 95,21 |
كاربونات السنرونتيان |
% 0,24 |
اكسيد الحديد |
% 0,60 |
سلفات الجير كاربونات الحديد |
% 2,60 |
مواد أخرى |
% 1,35[5] |
صورة رقم 3: الصخور الرسوبية بموقع ركنية
ب. الصخور النارية :
كان استعمالها نادرا جدا في المقبرة، بحيث كل قبور "الدولمن" استخدم في إنجازها صخور الترافرتين الهشة. عدا قبر واحد احتوى في تركيبته على صخور نارية. والتي قد يكون مصدرها "جبل ادباغ" او "أشعايرية". لكن المعاينة الميدانية أثبتت التطابق التام بين هذا النوع من الصخور، المستخدم في إنجاز قبر مزدوج الغرفة. وصخور "جبل ادباغ"[6] . هذا، مع العلم أن الصخور النارية تتميز بصلابتها، وصمودها في وجه العوامل الطبيعية القاسية.
ج. المنـاخ :
يسود المنطقة مناخ البحر المتوسط، الذي يّتّميز بشتائه المعتدل وصيفه الحار، ويصل التساقط أقصاه خلال شهر جانفي، يبلغ 111 ملم[7]. نظرا لقرب المنطقة من الساحل، وبالتالي تعرضها للتيارات الهوائية الدافئة شتاء، والمعتدلة صيفا. وهي تبعد عن ساحل سكيكدة "روسيكاد القديمة"، بحوالي 60 كلم وعن عنابة(بونة) بـــــــ 80 كلم. وعليه فالركنية تقع بين درجتي عرض °36 و°37 على خطوط العرض الشمالية، في مركز رباعي، بين عنابة وسكيكدة في الشمال القسنطيني، وسوق أهراس في الجنوب. وبالتالي فإن هذه المنطقة تكتسي نظاما مناخيا شبيها بذلك الموجود في مجموع هذه المدن[8].
ومن خلال الدراسات التي تمت حول المنطقة، فإن مناخها شهد تغيرات جمة منذ عصور ما قبل التاريخ. أين كان متوسط الحرارة لا يتجاوز 10 درجات[9].
ويرى "بورقينا" أن مناخ الركنية كان ساخنا نظرا لتواجد حمام ضخم بها، إلا أنّه اختفى وصار المناخ باردا. كما كانت تتميز المنطقة بغطاء من الغابات نظرا لمناخها الرطب المتوسط الحرارة. ومع مرور الزمن أصبح المناخ شيئا فشيئا جافا، والغابات التي كانت تستقبل الرطوبة بدأت تختفي تدريجيا.[10]
ويقدر المعدل المناخي لمنطقة الركنية ب °17,5 وب 144 يوم أمطار من 365 يوم. وإننا عندما نقارن الطبقات العليا "للميغاليث" بتلك الموجودة في أعالي "جبل طاية[11] Taya"، فإننا نلاحظ بأن تلك الموجودة في الركنية هي الأكثر انهيارا، والأقل سمكا ، والأكثر خشونة. وهذه الخصائص ترجع أساسا إلى اختلاف الارتفاع. فمقبرة الركنية تقع على علو430 متر بينما يصل جبل طاية إلي 1200 متر[12].
اعتمد "بورقينا" في دراسته التغيرات المناخية لمنطقة الركنية على القواقع Holix. والملاحظ أن هذه التغيرات المناخية قد انعكست على الوجه الحقيقي للمقبرة. فكثيرا من قبور "الدولمن" انهارت وتشققت.
ويمكن القول أنه غير شكلها نسبيا نتيجة العوامل الطبيعية والمناخية من رياح وحرارة ومطر ورطوبة. هذه العناصر المناخية التي لا يمكن لنا، بأي حال من الأحوال، أن نهمل أثرها في بنية الموقع، وتركيبة كل معلم. تبين الجداول التالية لما مدى الاختلاف الواضح بين سنوات 1987 - 9931- 1994 ، من حيث التغيرات المناخية الخاصة بالمطر والحرارة والرطوبة والتبخر والرياح .
هذا مع الإشارة أن العوامل المناخية كانت خلال فجر التاريخ وبعده مناسبة للاستقرار البشري. و ما ساعد على إنجاز مقبرة ضخمة تكون قد استغلت لقرون طويلة من الزمن. مع الملاحظة ان الإنسان استغل الجغرافيا وصخرها لخدمة استقراره بالمنطقة.
- قبور الدولمن )القبور المنضدية):
تنتشر قبور "الدولمن" بموقع الركنية عند منحدر واديها بصورة غير منتظمة. حيث إذا انطلقنا من "مشتة السطحة" تبعا لخط توزيع "الدولمن" نحو نهايته، نلاحظ بأن المقبرة تبدأ ببعض القبور الصغيرة الحجم، ثم تتطور لتصبح القبور أكثر تطورا وأضخم من حيث نوعية الصخور المستعملة.
يرى "كامبس" أن "الدولمن" الشمال الإفريقية ذات أبعاد صغيرة، وهي في الأصل مخصصة للدفن الفردي1. يضيق الموقع في الناحية الجنوبية ويبدأ في الاتساع حيث تنحصر الأراضي الزراعية، وتزداد المقبرة أتساعا كلما اتجهنا شمالا. فتمثل كل المنحدر الجبلي، وعليه فإنه يمكن ان نقف عند الملاحظات التالية:
- تطور قبور الدولمن من حيث الحجم والشكل كلما اتجهنا من الجنوب نحو الشمال.
- هذا التطور الحضاري يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ المنطقة الجنوبية خصصت للدفن.
- تزامن هذا التطور مع تطور "قبور الحوانيت" الّتي تحتوي عليها مقبرة الركنية.
- تتواصل قبور الركنية في شكل خطوط مستمرة، مما يدفعنا إلى القول بأن هذه القبور المتتابعة في خط واحد قد تكون لنفس العائلة التّي كانت تدفن موتاها بالتعاقب2.
يختلف حجم "دولمن" الركنية من قبر لآخر، وهي تتراوح عموما ما بين 0,80 م إلى 3 م طولا. و55 .0 إلى 1,70م عرضا. فهي بذلك أصغر بكثير من "دولمن" "قلعة بوعطفان" التي تتّميز بالضخامة وكبر حجمها.
صورة رقم 4: منظر جوي للموقع يوضح انتشار قبور الدولمن والحوانيت بالموقع
4. قبور الـحـوانـيـت:
لم تقتصر المدافن المغربية على الأنواع السالفة الذكر، بل شهدت نوعا آخر من المدافن التي تعرف غالبا بالحوانيت. Haouanets. و "الحوانيت" (جمع، مفردها حانوت Hanout). يطلق هذا المصطلح على تلك القبور المحفورة في الصخور وواجهات المرتفعات الجبلية، وهي ذات أشكال متعددة تختلف من موقع لأخر، تتميز بمداخلها الضيقة.
يرى بربريجر Berbrugger : " أن سكان الركنية هم أول من أطلق هذه التسمية على هذا النوع من القبور" [i].كما أشار "جزيل" إلى الحوانيت بأنها ذات حجم صغير مداخلها شبيهة بالنوافذ2 5.
يصف حسين فنطر الحوانيت: " الحانوت تسمية اصطلاحية تشير إلى قبور منقورة أفقيا، في جوانب الهضاب والصخور الكبيرة"36.
ويعرفها إبراهيمي: " أنها عبارة عن حجر مكعبة الشكل محفورة في الصخر وتغلق بواسطة ألواح حجرية مركبة رأسيا كما توحي الحّزات المحفورة في حوا ف الفتحة4".
كما يتركب "الحانوت" من عنصر واحد أو عنصرين، وقد تقدم الغرفة بهو أو معبر صغير، وتكون الحوانيت متتابعة عموديا أو أفقيا.
ويجمع أغلب الدارسين على أن "الحوانيت" تغلق من الخارج بواسطة بلاطة معدة خصيصا للغلق، ويمكن التأكد من ذلك في حوانيت مدينة تبسة .1 ففي "حوانيت" مدينة الركنية ، صقلت حوافها بدقة، مما يسمح بوضع البلاطة في شكل منسجم مع المدخل. كما تفتقد البلاطات بالمواقع بسبب ضياعها بعد عملية فتح "الحوانيت"، فضلا عن ذلك فإن ما يميز " الحوانيت" خلوها من الرسومات عدا ما عثر عليه في مواقع قليلة..
ويرى حسين فنطر : أن المدافن اللوبية2 شديدة التنوع وهي تختلف عن بعضها البعض من حيث الفترة التاريخية التي ظهرت بها.
وقبور "الحوانيت" أحد نماذج المدافن الحجرية المنتشرة في حوض المتوسط، وهي تختلف عن باقي المدافن الأخرى من حيث شكلها وطريقة حفرها في الصخور والمرتفعات الجبلية سواء بطريقة جماعية أو منعزلة.
ويرى جزيل:" بأن مداخل هذه القبور المنقورة في الصخور صغيرة شبيهة بالنوافذ"3 حيث تكون في الغالب عمودية لا يزيد ارتفاعها عن 0,80 مترا.4 عدا بعض الحالات التي نجدها كما هو الحال في الركنية أين تفوق المتر الواحد.
مع الإشارة إلى أن هناك خلطا بين "قبور الدولمن" و"الحوانيت"، حيث يذكر شاربونو Cherbonneau أن "الدولمن" الكبيرة "بسيجوس" كان يطلق عليها من قبل السكان المحليين "الحوانيت"5.
كما عرفت الحوانيت باسم بيت الحجار "Bit-Elhadjar " في منطقة على الحدود التونسية جنوب مدينة الطارف الجزائرية 6.
بعض مواقع مقابر الحوانيت |
||
الجزائر |
تونس |
المغرب الأقصى |
الركنية بوشقوف(دفيفي)1 تيبازة واد ارهيو الشلف بجاية |
بيلارجيا طبرقة جربة الحاروري جبل بهاليل |
تازة ازمور |
ويعد موقع الركنية من المواقع القليلة التي جمعت بين صنفين من المدافن وهي "قبور الدولمن"، و"قبور الحوانيت". وهذا التواجد الكبير لها بالموقع يدفع إلى ترسيخ فكرة الاستقرار البشري الطويل المدى بهذه المنطقة. يرى غانم محمد الصغير : "أن توفر المدافن الحجرية بكثرة في المنطقة الممتدة من مكثر شرقا وحتى منطقة سيرتا غربا يدل على الكثافة السكانية في المنطقة"2. والجدير بالذكر أن عدد حوانيت الركنية يتجاوز300 حانوت بكل الأنواع المعروفة في الموقع.
يرى بورقينا أن حوانيت الركنية استعملت في بادئ الأمر للدفن وبعد قرون صارت أماكن للعيش3، هذا في الوقت الذي يطرح فيه الضابط جاكو Jacquot استفسارا حول طبيعة المساكن التي استقر فيها بناة المقابر، هل عبارة عن خيم وأكواخ؟4
وفي هذا الشأن يرى الضابط دبوسردون De Bosredon بأن الحوانيت لم تكن خاصة بالسكن لأن أبعادها ضيقة، فساكنوها يتحتم عليهم أن يتركوها مفتوحة ليلا ونهارا لأنها لا تغلق إلا من الخارج5، كما تتميز "حوانيت الركنية" بأنها عميقة نسبيا مقارنة ببعض "حوانيت قاسطل" .
5. كرنولوجية الموقع:
يوجد اختلاف وتضارب في تحديد الفترة الزمنية "بدوقة" لإنشاء هذه المقبرة، ويرى "بورقينا" الذي قام بدراسة الموقع في القرن الماضي، اعتمادا على دراسة القواقع بأنّ "دولمن" الركنية تعود إلى 2200 ق م[13].
أما بروكا Broca فإنه يرجعها إلى القرن 14 ق م[14] ،هذا ويري ريجاس بأنّ الاعتماد على القواقع في تحديد عمر المقابر طريقة غير مجدية في تحديد تاريخ دقيق لها. خاصة بعد تطور العلوم واكتشاف طرق علمية أكثر دقة في تحديد عمر الآثار.
وعليه فإنه يصعب علينا تحديد فترة زمنية محددة لعمر "دولمن" الركنية، والملاحظ أن شكل وطبيعة موقعها وكذا الدراسات التي تمت حول الأثاث الجنائزي، تعكس قدم الموقع. وكذا الفترة الزمنية الطويلة التي استغل فيها من قبل السكان، كما قد يكون ممتدا الى العهد الروماني ويصنف موقع الركنية ضمن المواقع الليبية البونية.
6. التنقيـبات الأثرية والدراسات التاريخية:
بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830 وبداية التوسع، بدأت حّمى البحث عن الآثار وتاريخ الأجناس. فبرزت معهما عمليات التنقيب ، التّي كانت في معظمها تفتقر إلى القواعد والشروط العلمية والموضوعية، التي تمّيز عالم الآثار. خاصة فأستغل بذلك العسكري والهاوي والمغامر والباحث عن الكنوز تلك الأوضاع، وتمخضت عن ذلك عمليات تنقيب أهم ما يميزها الفوضى والعشوائية. ولم تشذ "المقبرة الميغاليثية" بالركنية مثل غيرها من تنقيبات الهواة والعسكر بّين والباحثين عن الكنوز[15]
تمت الحفريات الأولى باكرا على يد بربرجر Berbrugger سنة1864 ، ولوتورنو Letourneux وشميط Schmit عام 1865 . غير أن أهم الحفريات هي تلك التّي قام بها بورقينا Bourguignat وفيدهارب Faidherbe سنة 1867. وكذا حفرية الكي Alquier سنة 1932 . التي لم تترك لنا أي شيء مكتوب عدا ما يوجد "بمتحف الباردو" من أواني، وتقدر بـ 50 آنية فخارية، و60 قطعة من نوع "المساقل".
ﺃ. الحفريات الأثرية:
- حفرية بورقينا:
لقد كان بورقينا أحد المهتمين بالآثار فقد قام بالعديد من الأعمال، أين قــام بحفر بعض "التيملوس" بالصحراء[16]. كما قام بحفريات أخرى بتونس[17]. ولمساعدة الجنرال فيدهارب القائد العسكري لمنطقة "بون" انتقل بورقينا مع فريق من الهواة والمهتمين بالآثار إلى منطقة قالمة. فقام بحفريات "بالمقبرة المغاليثية "بالركنية في شهر جوان من سنة 1867 أين قام بحفر28 قبرا من نوع "الدولمن".
اسم الأثري |
تاريخ الحفرية |
عدد الدولمن المنقب فيها |
عدد الأواني الفخارية |
عدد الحلي |
العظام البشرية |
بورقينـا |
جـوان 1867 |
28قبر |
45 آنية مختلفة الأشكال |
13حلية من البرونز 2 حلية من الفضة |
عظام 48إنسان تم إثبات 20رجلا و17 امرأة |
وأقل ما يقال عن حفرية بورقينا أنه بغض النظر على الخيال الواسع الذي استعمله في تفسير كثير من القضايا، فإن حفريته[18]، تبقي واحدة من بين الحفائر الشبه منظمة.
- حفرية الجينرال فيد هارب Faidherbe:
لم تتوقف حملات البحث والتنقيب في المقبرة الميغاليثية، بل مباشرة وبعد أن كانت حفرية بورقينا في جوان من سنة 1867، تلتها حفرية فيد هارب. الذي كان يشتغل بالسينغال، عين كقائد عام لقطاع بون (عنابة الحالية). وهذا بعد سنتين من ميلاد "مدرسة هيبون" سنة 1865، وقبلها الجمعية التاريخية الجزائرية سنة 1856، ثم الجمعية البيئية سنة 1861[19]. ولقد نصب فيدهارب خيمه بمشتة الركنية، التي كانت مركزا هاما من مراكز التجمع السكاني منذ القديم. لأن قرية الركنية الحديثة ولدت مع نهاية القرن التاسع عشر، بعد استقرار المستوطنين بها. ويعد فيد هارب من المعارضين لأطروحة برتراند الكسندر Alexandre Bertrand القائلة بأن بناة "الدولمن" من الأوربيين، وقد قدموا من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا نحو أفريقيا الشمالية[20].
وكان فيدهارب أيضا من الذين قاموا بحفريات شبه منظمة في "مغارة طاية" رفقة بورقينا، أين عثر على كمية معتبرة من العظام. كما قام بالتنقيب بالمقبرة، حيث وضع في النهاية مخطط لتوزيع "الدولمن" نحو:
اسم الباحث |
تاريخ الحفرية |
عدد الدولمن المنقب فيها |
عدد الهياكل التي عثر عليها |
اللقى الأثرية: فخار/ حلي |
الجنرال فيد هارب |
أكتوبر 1867 |
15 قبرا |
مجموعة من الجماجم والعظام |
مجموعة من الحلي والفخاريات |
ويرى فيد هارب بأن " المقابر تتابع في نفس الاتجاه في خط متواصل بحوالي ثلاثين "دولمن" في كل خط... ويعتقد أن نفس العائلة كانت تدفن أمواتها بالتعاقب[21]. وعليه فإن حفرية الجنرال فيدهارب إلى جانب حفرية بورقينا تعد من أهم الحفريات التي جرت في الموقع وتركت لنا رصيدا معرفيا وأظهرت بعض اللقى الأثرية.
- حفرية السيدة الكي Alquier :
بعد أن تمت حفرية كل من فيد هارب وبورقينا سنة1867، لم تجرى أي حفريات بالمقبرة، عدا بعض المقالات الوصفية. التي كانت تظهر من حين لأخر حول المنطقة، مثل ما كتبه سوليSouley سنـة .1869
وشـارل مـولىM. charles mollet ، و روبوReboud سنة 1881، وكذا فوفـال Fauvelle [22]
عام 1890.و بلوخ Bloch الذي درس سنة 1896 الجنس البشري. أما مع مطلع القرن 20 فقد كان من أهم ما كتب، هو ما تركه جاكو Jacquot سنة 1916 [23]. وتعد السيدة الكيAlquier من الذين قاموا بحفريات ذات أهمية نظرا لما أسفرت عنه من لقي أثرية.
صاحب الحفرية |
السنة |
عدد الدولمن المنقب فيها |
عدد الفخاريات |
الحلي |
السيدة الكي
|
1932 |
؟ |
52 آنية |
60قطعة من نوع cyprès محارة مروحية |
- دراسة جبريال كامبس :
يعد كامبس أحد الباحثين البارزين الذين اهتموا بهذه الفترة الحساسة في تاريخ منطقة شمال أفريقيا عموما. وكان موقع الركنية Roknia ، أحد المواقع التي اهتم بها في أبحاثه، خاصة ما تعلق بالمقارنات بين المواقع أو البقايا الأثرية. كما قام بدراسة الأواني الفخارية التي عثر عليها كل من فيد هارب والكي لمعرفة الفروقات الموجودة بين كل مجموعة وأخرى[24] .هذا، واهتم كامبس بمعظم ما كتب حول الموقع من مقالات أو حفريات أثرية.
ولقد كان من النتائج التي توصل إليها كامبس حول تشريب الفخار بالماء، الى وجود ثلاث عشائر كبرى. دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع مناطق جلب التربة التي تختلف من حيث تركيبتها.
في ختام هذا المقال المختصر يمكننا ان نشير إلى الملاحظات والنتائج التالية:
- شساعة وكبر موقع ركنية جعله يستغل لفترة طويلة، مع ملاحظة استعمال نفس القبر للدفن المتكرر.
- المقبرة تتشكل من أكثر من 3000قبر من نوع "القبور المنضدية"، وحوالي 400 قبر من "نوع الحانوت".
- خلو الأثاث الجنائزي من مختلف أنواع الأسلحة.
- تنوع المصنوعات الفخارية والمعدنية ذات الاستعمالات المتنوعة.
- استقرار الإنسان بالموقع.
خاتمة :
من خلال مامر يمكننا أن نؤكد من خلال المعطيات الأثرية على أن منطقة الركنية شهدت استقرارا بشريا كبيرا على مدار الاف السنين ، والمعالم الأثرية المتواجدة كشواهد مادية تشير إلى التنوع الحضاري والاستقرار البارز الذي تمخض على مجتمع محلي تاثر بالحضارات الوافدة ترك بصمات هامة تجسدت من خلال المخلفات الأثرية.
قائمة المصادر والمراجـــــــــــع:
أبو العينين، حسن سيد احمد. (1979). كوكب الأرض وظواهره التضاريسية الكبرى (ط5). بيروت: دار النهضة العربية.
تريكار،ج ، روشفور ، م ، رمبير، س . (1982). مدخل إلى الأعمال التطبيقية في الجغرافيا. (حليم عبد القادر، مترجم). الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.
فنطر، محمد حسين. حول المدافن في المغرب الكبير قبل الغزو الروماني. مجلة افريقية، عدد سنة 1985.
غانم، محمد الصغير. (1981) . التواجد الفينيقي البوني في الجزائر. رسالة دكتوراه غير منشورة. الجزائر: قسم التاريخ. جامعة الجزائر.
Bertrand. (1863). Monuments dits celtiques de la province de Constantine. T.VIII.
Berbrugger. )1864. (Chronique Archéologique Roknia. R.AF.
Bosredon. (1879-1877). Promenade Archéologique dans les environs de Tébessa . R.S.A.C. T.XVIII.
Bourguignat,J. R., (1868). Histoire malacologique de la région de Tunis. Paris.
Bourguignat , J. R., (1868). Histoire des monuments mégalithiques de Roknia pré de Hammam Meskhoutine. Paris.
Camps. (1961). Aux origines de la Berberie, monuments et rites funéraires protohistoriques, Paris: A.M.G .
Cherbonneau. (1868). Excursion dans les Ruines de Milev. Sigus. Sela . T.II. R.S.A.C.
Faidherbe, G., (1868). Recherches anthropologiques sur les tombeaux mégalithiques de Roknia . T. IV . B.A.H.
fauvelle. Quelques Considération sur les dolmens de Roknia (1890). Paris: Association Française pour l'avancement des Sciences.
Fiorini , S., (1935). Hammam Meskhoutine Antique station thermale .Paris .
Jacquot. (1916). La nécropole dolménique de Roknia. dans R.S.A.C.T.L.
Letourneux. (1868 ) . Sur les Monuments Funéraires de l'Algérie Orientale. Archive für. Anth.,
Reboud. (1881). Notes sur la nécropole mégalithique de Roknia .Alger: A.F.A.S.
Reygasse. (1950(. Monuments funéraires préislamique de l'Afrique du nord. Paris.
Seltzer, P., (1946). Le Climat de L’Algérie. Tableau n. 38. Alger.