تقديم مجلة هيرودوت للعلوم الإنسانية والاجتماعية

fanter

أ.دمحمّدحسينفنطر

         يسعدني ويشرّفني تقديم هذه المجلّة التي أسّسها الأستاذ الدكتور عبد المالك سلاطنية، المختص في الآثار والتاريخ القديم والانثروبولوجيا. وقد أرادها مجلّة علمية ثقافية مفتوحة تعنى بنشر كل ما قد يمتّ بالصلة إلى مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية، من تاريخ وآثار والنقائش القديمة، وتراث بمختلف فروعه وأفنانه، وأدب ولسانيات وفلسفة وعلوم تربوية.

تستجيب المجلّة لشواغل القارئ في مختلف البلدان العربية وغير العربية، على اختلاف لغات البيئات. فهي علمية ثقافية تفيد الجميع وتتجاوب ورغبات الجميع، بعيدا كلّ البعد عن الدروب المطروقة وعن ضحالة المعتاد.

ولكن لماذا سمّاها مؤسّسها هيرودوت؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من الاعتراف بوجود مجلّة فرنسية تحمل نفس الاسم. هي مجلّة تعنى بنشر دراسات تتناول قضايا الجغرافيا والسياسة، فهي إذن لا تتقاطع مع المجلّة الجزائرية. ولئن سمّاها هيرودوت فذلك لأن لها مواصفات البحوث، التي تناولها أول مؤرّخ عرفته شعوب المتوسّط. فهو الذي وضع منهجية البحوث التاريخية التي عبّر عنها ابن خلدون أحسن تعبير حين قال إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق. فالإخباريون يختلفون عن المؤرّخين، ذلك ان المؤرّخ يستنطق المخبرين ويسألهم ويناقش رواياتهم ويقارن بينها وبين روايات الآخرين. وقد يبتعد عن البتّ ويترك باب الحوار مفتوحا أمام السامع والقارئ، بل قد يدخل في جدل مع مخبريه. أمّا الإخباري فيقتصر عادة على رصد الروايات ليمرّرها إلى من يريدها دون ما نقاش.

وبالإضافة إلى ما سبق، لا يغيب على أحد أنّ صاحب المجلة أراد من خلال اسمها التنويه بهيرودوت باعث العلوم التاريخية والأنثروبولوجية.

ثمّ انّه أوّل من اعتنى باللوبيين سكان شمال إفريقيا الأصليين. فذكر القبائل بأسمائها مع تحديد مجال كلّ قبيلة ومواصفاتها من طرق عيش وعادات وتقاليد. لقد أفرد هيرودوت فصولا عديدة في السفر الرابع من تاريخه إلى اللوبيين. والمرجّح أنّه استقى أخبارهم ومعلومات أخرى كثيرة حولهم من مصر، ومن قورينة وهي المستوطنة الإغريقية التي أقامتها جالية نزحت من ثيرة في النصف الثاني من القرن السابع قبل ميلاد المسيح. وثيرة جزيرة إغريقية من جزر سيقلاديز الواقعة بين بلاد الإغريق وسواحل غربي بلاد الأناضول.

يبدأ المؤرّخ حديثه بتقديم قبيلة الأدروماشيد مشيرا الى تأثير المصريين فيهم، ولكنّهم بقوا حريصين على أصالة أزيائهم وطرافتها.كما نوّه بأناقة نسائهم اللاتي، كنّ تتحلين بخلاخل من الجلد، وتتركن شعورهن طويلة حتّى تراها تتبختر فرعاء.

كما أشار هيرودوت الى بعض التقاليد الخاصة بالزفاف، فيبدو أنّ اللوبيين كانوا ممّن يقدمون الجميلات من العرائس الى سيّد القبيلة أو من يقع اختياره ليتولّى السهر على شؤونها. ومن طرائف التقاليد لدى بعض القبائل أن ترى الرجل يحلق شعر النصف الأيسر من رأسه، ويترك شعر النصف الأيمن طويلا. ومن عادات بعض القبائل الاخرى صباغة أجسامهم بلون أحمر، يستمدّونه من بعض المواد المعدنية والطينية كالمغرى. وبقيت هذه العادة في الطقوس الجنائزية عند اللوبيين منتشرة الى زمن متأخّر.

وقد أثبتته الحفريات الأثرية التي نفّذت في مدافن بونية نوميديّة، تعود إلى أواخر الألف الأولى قبل ميلاد المسيح. ومن الأناقة وأساليب الإغراء أن تكون المرأة وركاء، فهل كانت المرأة النحيفة عندهم تستعمل وسائل لتعظيم عجيزتها؟ قد يكون.

وفي الفصول التي أفردها هيرودوت للتعريف بالقبائل اللوبيّة، ورد ذكر أسماء البعض منها كالمكسويين والزويقيين والجوزيين، وقبائل أخرى لا يتّسع المجال لذكر جميعها، بيّن أنها صنفان هما الفلاحين والرعاة. كما ذكر بعض الحيوانات البرية التي تعيش في ربوع لوبة كالجواميس والغزلان والفيلة والأسود والدببة وغيرها. ومن الزواحف ذكر أصنافا من الأصلال، ومن الطيور أشار إلى صنف من الصقور ذيولها بيضاء. من الغريب أن يذكر أصنافا خيالية كتلك التي لا رؤوس لها أو تلك التي عيونها على صدورها. أمّا الحديث عن النبات فهو مقتضب ومنها الريحان والسلفيوم.

وأيّا كانت المواصفات اللوبية التي ذكرها هيرودوت، فهي جديرة بالعناية لأنّها خلاصة ما تحصّل عليه من مصادر مكتوبة، أو من روايات شفوية يعسر الوقوف على مصادرها بكلّ دقّة.

ولكن الثابت أنّه لم يدخر جهدا للحصول عليها وتصنيفها ونقدها وتقديمها لقرائه. فلا غرو أن يكون له حضور في محفل الذين كتب لهم الخلود. أليس من الطبيعي أن تتأسّى به أجيال المؤرّخين، وكل الذين يعملون في مروج الإنسانيات كالتاريخ والأنثروبولوجيا والفلسفة والتراث والألسنية والأدب بفروعه والفن بمحاريبه وعلم النفس ومغاويره.

نرجو لمجلّة هيرودوت التألق والانتشار والتوفيق، على أن تكون مجلّة جامعية جامعة محكّمة، حريصة على المستوى العلمي الذي ترتضيه الجامعات ومراكز البحوث في العالم حتّى تضمن الإضافة والنّشر.

                                                                                                                                أ.د. محمّد حسين فنطر

                                                                                                          أستاذ متميّز بالجامعة التونسية

                                                                                                     ومدير عام سابق بالمعهد الوطني للتراث.

وسائل الإصلاح عند الإمام عبد الحميد بن باديس

من خلال أبرز تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

 

د. إسعد لهلالي

- جامعة سطيف2

ملخص

تتناول هذه الدراسة موضوعا مهما يتعلق  برائد من رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر ألا وهو؛ العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، والخدمات الجليلة التي قدمها لوطنه دفاعا عن الدين الإسلامي واللغة لعربية ضد السياسة الاستعمارية التي حاولت طمس معالم الشخصية الجزائرية ،ونشر المسيحية واللغة الفرنسية  ، وحسب بعض تلامذة الشيخ بن باديس فإن هذا الأخير اعتمد في مشروعه الإصلاحي على المدارس والمساجد إضافة غلى النوادي، ولم يهمل دور الصحافة فقد كانت لسان حال جمعية العلماء المسلمين التي أسسها مع ثلة من العلماء الذين ركزوا في نشاطهم على إحياء كل ما له علاقة بالدين واللغة والوطن.

الكلمات المفتاحية:الحركة الاصلاحية،المدارس، المساجد،النوادي،الصحافة.

مقدمــــة

يتناول يعتبر الإمام عبد الحميد بن باديس أحد أقطاب الحركة الإصلاحية في الجزائر ورائد النهضة الجزائرية، والحقيقةأن هذا الرجل قدم خدمات جليلة في مواجهة السياسة الاستعمارية الفرنسية شعاره في ذلك " الإسلام ديننا، العربية لغتنا والجزائر وطننا"،وقد عاش مع أبناء جلدته في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية واجتماعية وثقافية مزرية ، وحاول الاستعمار الفرنسي طمس كل ما له علاقة بثوابت الهوية الوطنية .

لقد كان ظهور العلامة عبد الحميد بن باديس انتصارا للدين واللغة والوطن وهو الشعار الذي رفعته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها الإمام مع ثلة من العلماء لمواجهة السياسة الاستعمارية، التي عاث من خلالها المستعمر فسادا في الأرض واستغلالا لخيراتها وثرواتها.

وسنركز على الوسائل التي اعتمد عليها الإمام ابن باديس في نضاله الإصلاحي وذلك من خلال أبرز تلامذة الجمعية الذين التقينا بهم ومن بينهم: الشيخ محمد الصالح رمضان، الشيخ عبد الرحمن شيبان، عمار مطاطلة ، إبراهيم مزهودي ومصطفى بوغابة .فماهي الوسائل التي اعتمد عليها الإمام بن باديس في سبيل تجسيد أهداف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟.

 - مفهوم الإصلاح عند الباحثين وتلامذة العلامة عبد الحميد ابن باديس:

والحقيقة أن مفهوم الإصلاح مرتبط بالحركة الإصلاحية التي ظهرت في الجزائر وتزعمتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي تأثرت بتيار الجامعة الإسلامية الذي كان وراءه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا الذين دعوا إلى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الصحيح ومحاربة البدع والخرافات وكل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله.

وحسب أبو القاسم سعد الله فإن الكثير يربط الإصلاح في الجزائر بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين لكن الإصلاح أوسع من مفهوم الجمعية، ويستدل بعدد من المثقفين من أصحاب الثقافة العربية الذين كانوا مصلحين ولم ينضموا إلى الجمعية، حيث خالفوها في بعض المبادئ والأهداف ن كما ان الجمعية قد شخصت الحركة الإصلاحية في الجزائر وكونت مدرسة جديدة لم يقم بها الإصلاح القديم والجمعية ولدت نتيجة الحركة الإصلاحية.

وليس العكس ويرى مصطفى الأشرف أن الجمعية اقتصر عملها على الصعيدين الثقافي والديني بقوله:" إن التراث السياسي الثقافي الذي تولى الرعيل الأخير من النخبة المثقفة   القسطنطينية 1887 نقله إلى الخلف من خطوطه العامة قد انشق أو يكاد عندما انتقل إلى جمعية العلماء التي خففت أو أهملت جوانب السياسة الصرفة وركزت على جوابه التربوية (نشر اللغة العربية) والروحية (محاربة العقلية الخرافية التي يروجها المرابطون والمطالبة بفصل الدين عن الدولة) والشريعة (العمل من أجل استقلال القضاء الإسلامي الأصيل".

إن الإصلاح الذي قامت به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هو في الحقيقة من وضع الامام عبد الحميد بن باديس وهذا الإصلاح انطلق من آلام وآمال الشعب الجزائري ويقول في ذلك الدكتور عبد الكريم بو صفصاف ."والحق أن ابن باديس لم يفصل في حركته بين النظرية والتطبيق أو بعبارة أدق لم يفرق بين العقيدة والعمل، وقد بدأ الإصلاح سهلا هينا جعل المستعمر يظن أن لا خطر فيه ، ذلك أنه بدأ يتكلم عن الدين والأخلاق والعقيدة وضرورة الإصلاح الديني ، والنصيحة من أجل الآخرين والشورى عند الملمات استعدادا لمرحلة الجهاد والكفاح ، أي أنه وضع البذرة وتعهد النبتة".

ويرى الشيخ عبد الرحمن شيبان أن الإصلاح بدأه الإمام عبد الحميد بن باديس وأقرانه من العلماء أمثال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والشيخ الطيبالعقبي، وغيرهما فيقول:" الفكر الإصلاحي عند ابن باديس هو فكر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، ومبارك الميلي والعربي التبسي، وشعارهم في ذلك لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، ومن صفاء العقيدة لا تشوبها البدع والضلالات"                                         

لقد كان الإصلاح عند العلماء عبارة عن عمليات متواصلة ركزت على إصلاح النفس بإتباع الدين الصحيح بالكتاب والسنة، كما ركزت على إصلاح المجتمع بنشر الفضائل والآداب وكذا إصلاح الشباب وذلك بضرورة تعلمهم ومعرفتهم بلغتهم وإحياء تاريخهم وأمجادهم وليس معنى هذا أن العلماء لم يكونوا معنيين بالسياسة بل كانوا كذلك كما يقول أبو القاسم سعد الله:" والإصلاح بالمعنى الشامل قد يبدأ بالثقافة أو بالدين أو بالمجتمع ولكنه في نهاية الأمر يغطي كل مظاهر الحياة في مجتمع ما بما في ذلك السياسة ، فالإسلام كما هو معروف دين ودولة، ولا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح في الإسلام مجردا من معنى الدولة وهذا حتما هو عين السياسة ".

لقد اعتمد الإمام ابن باديس على عدة وسائل في نشاطه الإصلاحي حيث ركز على المدارس والمساجد والنوادي والصحافة وهذا ما أكده تلامذة الجمعية الذين التقينا بهم ومن بينهم الشيخ محمد الصالح رمضان، الشيخ عمار مطاطلة ، الشيخ عبد الرحمن شيبان ، الشيخ إبراهيم مزهودي ، والشيخ مصطفى بوغابة.

أولا – المدارس:                                                                                   

كان المظهر الرئيسي لنشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على المستوى التربوي والتعليمي هو تأسيس المدارس العربية التي لم تكن تحت سيطرة الفرنسيين ، حيث كان العلماء أكثر تمسكا بإنشاء هذه المدارس، فقد عمل الإمام بن باديس على بناء المدارس التعليمية الحديثة في كل ناحية من نواحي القطر الجزائري محاولا بذلك إخراجها من التعليم التقليدي المألوف الذي كان يتم في الكتاتيب القرآنية والزوايا المعروفة إلى تجهيز المدارس بوسائل تعليمية تتماشى وطرق التربية الحديثة فذاع صيت هذه المدارس فأصبحت  أخطر منافس للمدارس الفرنسية.

كما شجع الإمام ابن باديس العلماء للحصول على رخص لفتح المدارس في جهات متعددة من الوطن ، وكانت مدارس العلماء في أغلبها مدارس ابتدائية لتعليم الأطفال الصغار نهارا والشباب والكهول ليلا، وتستغرق الدراسة في المدارس الابتدائية ست سنوات  وتتكون من ثلاث أقسام هي القسم التحضيري، القسم الابتدائي والقسم المتوسط، وكل قسم مدته سنتان، أما المناهج الدراسية المتبعة في مدارس الجمعية فكانت تحتوي على ثلاث أسس هي التربية الاسلامية والثقافة العربية ومبادئ أولية للمعارف العلمية.

وخلال لقائنا- الباحث- مع الشيخ عمار مطاطلة – تلميذ الإمام عبد الحميد بن باديس- ذكر لنا أن الإمام كان يجلس على كرسي ويحضر معه كراسه ، وفي بعض المواد لا يحضر كراسته، وكان عدد التلاميذ حوالي 300 تلميذ ، وفي القاعة أكثر من 50 تلميذ ، ومن التلاميذ الذين درسوا مع الشيخ مطاطلة الفضيل الورثيلاني، الشيخ صالحي، رشيد أمير، عمر دردور وأكد أن الإمام بن باديس كان يقول لهم دائما " تعلموا، تحابوا ، تعاونوا"،ويضيف الشيخ مطاطلة أنه كان يدرس صباحا الموطأ ثم مقدمة ابن خلدون ثم الألفية أما مساءا فدروس أخرى، كما أن أستاذهم الإمام بن باديس كان له بيت خاص بمدرسة التربية والتعليم ، ويقوم أخوه الأصغر عبد الحق بن باديس بإحضار الأكل والقهوة إليه لأن الإمام كان يعطي أهمية كبيرة للوقت ، وقد أكد لنا أخوه عبد الحق في لقائنا معه ما ذكر عمار مطاطلة بأنه فعلا يحضر ما يحتاجه في الصباح الباكر ، وحتى طريقة التعامل كانت مثل بقية تلامذته.

   وقد استمر النشاط التعليمي لابن باديس في إطار جمعية العلماء التي عرفت تطورا ملحوظا وتزايد عدد مدارسها ، إذ تذكر المصادر أن عدد مدارس الجمعية قد بلغ ما بين سنتي 1931 و1934 حوالي سبعين مدرسة ذات القسم الواحد أو القسمين وحسب إحصائيات عامل عمالة قسنطينة سنة 1938 فإن مدارس الجمعية قد بلغ عددها في عمالة قسنطينة وحدها خمسة وثمانين مدرسة فيها حوالي أربعة آلاف تلميذ، أما في عمالة الجزائر فقد بلغ في نفس السنة حوالي ثمانية وستين مدرسة، وهذا ما يبين أن نشاط الإمام بن باديس كان مكثفا لأنه كان يدرك أهمية المدرسة في مواجهة الساسة الاستعمارية القائمة على الفرنسة والإدماج ، فقد تفانى هو وأقرانه من العلماء في بناء المدارس وواصلوا نهجهم في خدمة العلم وإعداد جيل مثقف انطلاقا من فكرتهم الراسخة بضرورة تعليم الشباب وتثقيفه لأن تحرير الجزائر لن يكون إلا بإنشاء جيل يحمل فكرة الجمعية .

ورغم أن مدارس الجمعية كانت كثيرة في تلك المرحلة إلا ان أهمها كانت مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة التي أسسها الإمام بن باديس، حيث كانت المدرسة معهدا للنشاط التربوي والتعليمي إضافة إلى صرح آخر عرف بمدرسة دار الحديث بتلمسان والتي افتتحت في صيف 1937، حيث أشرف الشيخ محمد البشير الإبراهيمي على تأسيسها ووضع تصميمها ، واشتملت على عدة أقسام كل قسم مختص لعمل معين كالصلاة والمحاضرات والتعليم ، وعين لإدارتها محمد الصالح رمضان.

ثانيا- المساجد والنوادي:                                                                   

رغم اهتمام الجمعية الكبير بالمدارس إلا أنها لم تهمل المسجد الذي كان له دور كبير في بلورة فكرة الإصلاح التي تبنتها جمعية العلماء، وقد بين الإمام بن باديس أهمية المسجد في مقالاته المنشورة في الشهاب بقوله:"إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم فإن العامة التي ترتاد المساجد تكون من العلم على حظ وافر وتتكون منها طبقة مثقفة الفكر العقيدة وبصيرة صحيحة، بالدين فتكمن هي في نفوسها ولا تهمل وقد عرفت العلم وذاقت حلاوة بتعليم أبنائها وهكذا ينشر العلم في الأمة ويكثر طلابه من أبنائها ".

لقد اتخذ الامام عبد الحميد بن باديس المسجد وسيلة لتربية النشء تربية دينية وترسيخ تعاليم الدين الصحيحة لدى العامة من الناس إذ أن المسجد مقصد للجميع ولم يخصص لفئة معينة ولذلك عملت الجمعية منذ أول عهدها على تقديم دروس الوعظ والإرشاد والتوجيه الإسلامي العام للكبار والصغار.

وكانت تعقد لهذه المهمة الرحلات والجولات في أنحاء الوطن حيث تجوب وفود العلماء في كل المناطق الجزائرية، واعتادت جمعية العلماء على أداء هذه المهمة التربوية إذ أكد) العلماء أن إصلاح الأمة مرهون بدروس الوعظ والإرشاد والتعليم المسجدي. وكانت تلك الدروس مستمرة طوال أيام السنة دون انقطاع مع تكثيف النشاط في شهر رمضان المبارك حيث تعمم الدروس على كل مدينة وقرية ،ويتوزع العلماء على قرى ومدن العمالات الثلاث ومن أهم المساجد التي ركز ابن باديس نشاطه فيها : المسجد الكبير ،الجامع الأخضر ، سيدي قموش وغيرها من المساجد التي كانت من أهم وسائل الإصلاح عند العلامة عبد الحميد بن باديس إلى جانب المدارس.                                    

أما النوادي فقد ركزعليها ابن باديس نظرا لأهميتها لأنها كانت تجمع الشيوخ والشبان واهتمت بتربيتهم تربية دينية ، إضافة إلى ما كانيقدم من نشاطات تثقيفية وأهم النوادي نادي الترقي الذي تأسس سنة 1927 وكان مقرا لجمعية العلماء كذلك نادي السعادة ونادي الاتحاد ونادي الإرشاد وغيرها وكلها كانت تهذيبية ، كم أكد لنا تلامذة الجمعية كالشيخ عمار مطاطلة والشيخ محمد الصالح رمضان وعبد الرحمن شيبان ومصطفى بوغابة وإبراهيم مزهودي أهمية تلك النوادي وكيف أن الإمام بن باديس كان يراها مكملة لنشاط المدرسة والمسجد ، وذلك لم يكن سهلا في ظل الظروف التي كانت تعيشها الجزائر لأن السلطات الاستعمارية لم تغفل عن نشاط الجمعية  وكان رد فعلها بغلق المدارس والمساجد وملاحقة المدرسين .                                         

ثالثا – الصحافة:                                                                              

لقد كانت الصحافة من أهم الوسائل التي اعتمدها الإمام عبد الحميد بن باديس في نشاطه الإصلاحي في إطار جمعية العلماء، فبالإضافة إلى تركيز العلماء على المدارس للحفاظ على اللغة العربية وتخريج العلماء المثقفين والمساجد للوعظ والإرشاد فالصحافة هيأت الأرضية المناسبة للمصلحين لاقتناع المجتمع بالتغيير وقبوله بالابتعاد عن الخرافات والأباطيل والدفاع عن الدين واللغة والوطن.                                                   

وحسب تلامذة الجمعية الذين التقينا بهم – الباحث- فإن الإمام ابن باديس قد برز نشاطه الصحفي قبل تأسيس جمعية العلماء مع جريدة المنتقد سنة 1925 وكذا الشهاب، ثم تأسيس، جريدة السنة النبوية سنة 1933تحت إشراف الإمام ابن باديس وكانت تصدر يوم الاثنين من كل أسبوع ، وتأسست الصحيفة لهدف أساسي هو نشر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى إتباع كل ما أتى به القرآن من أقوال أو أفعال وبعد صدور، قرار تعطيلها في جويلية 1933 خلفتها جريدة الشريعة النبوية المحمدية في جويلية 1933 ، وكانت آنذاك لسان حال الجمعية إلا أنها صودرت بعد مدة قصيرة وآخر عدد لها كان في 28 أوت 1933 ، وخلفتها صحيفة الصراط السوي التي ظهر عددها الأول في  11سبتمبر 1933  وتم تعطيلها هي أيضا بقرار من وزارة الداخلية الفرنسية بعد صدور سبعة عشر عددا منها. وبعد تعطيل هذه الصحف الثلاثة لم تتمكن الجمعية من إصدار صحيفة أخرى إلا بعد سنتين، حيث أصدرت جريدة البصائر وقد صدر العدد الأول في27ديسمبر 1935. واستمر نشاطها إلى غاية 1939 وبسبب الحرب العالمية الثانية أوقفت الجمعية صحفها ونشاطها.وفي يوم 16 أفريل 1940 توفي الامام بن باديس لكن نشاطها استمر بعد الحرب العالمية الثانيةبرئاسة الشيخ محمد البشير الابراهيمي.

خاتمة

يمكن القول أن الإمام عبد الحميد بن باديس اعتمد على المدارس والمساجد والنوادي والصحافة لما لها من أهمية في إيصال أفكاره الإصلاحية ليس فقط كما كتب عنها الكثير وإنما من خلال شهادات من عايشوا المرحلة عن كثب من تلامذته الذين أجمعوا وأكدوا أن الرجل حقيقة هو رائد النهضة الجزائرية الحديثة.

 كما أن الصحافة التي تبناها الإمام عبد الحميد بن باديس كانت من أهم وسائله في نشاطه الإصلاحي لأنها كانت تحمل راية البيان العربي، وكافحت من أجل إحياء اللغة العربية وتنقية الإسلام ونشر فكرة الإصلاح الديني كما عمل ابن باديس على محاربة الطرق الصوفية والإدارة الاستعمارية وإحياء الشخصية الوطنية الجزائرية وربطها بالوطن العربي والإسلامي، وحارب السياسة الفرنسية الرمية إلى التجنيس وإدماج وفرنسة الجزائريين.

ورغم تناول الباحثين لجوانب كثيرة متعلقة بحياة الرجل إلا أنها تبقى قليلة مقارنة بما قدمه الرجل كيف لا وقد  صرح  ذات يوم بأنه يعيش من أجل الإسلام والجزائر ، وكان بإمكان الرجل أن يعيش حياة هنيئة  بالنظر إلى واقع أسرته الاجتماعية ومكانتها في قسنطينة  ، إلا أنه فضل أن يكون في صف أبناء وطنه وواجه السياسة الاستعمارية ووظف جهده وعلمه وماله في خدمة مبادئ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وتكوين جيل مدرك لهويته وجذوره التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ،هذا الجيل الذي حرر الجزائر من قيود الاستعمار الفرنسي .  

المصادر والمراجع:

-أبو القاسم سعد الله: أفكار جامحة، م.و.ك، الجزائر 1988.

-ابو القاسم سعد الله:الحركة الوطنية الجزائرية،ج1،ط4،دار الغرب الإسلامي بيروت. 1992.

- أبو القاسم سعد الله:الحركة الوطنية الجزائرية،ج2،ط4،دار الغرب الإسلامي بيروت. 1992.

-مصطفى الأشرف:الجزائر الأمة والمجتمع، تر حنفي بن عيسى، م.و.ك،الجزائر.1983.

- عبد الكريم بوصفصاف: الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية في حركتي محمد عبده وعبد الحميد بن باديس، ج1، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في التاريخ الحديث والمعاصر، جامعة تونس، السنة الجامعية 1996-1997.

-عبد الكريم بوصفصاف:جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلاقتها بالحركات الجزائرية الأخرى 1931-1945،رسالة ماجستير قسنطينة. 1983.

- محمد الطيب العلوي: مظاهر المقاومة الجزائرية من عام 1830 حتى ثورة نوفمبر 1954، ط1، دار البعث قسنطينة. 1985.

-رابح تركي: جمعية العلماء المسلمين التاريخية1931-1956. نط1، م.و.ف.م،2004.

-رابح تركي:الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر، ط5،م.و.ك، الجزائر.2001.

- العربي التبسي:مقالات في الدعوة إلى النهضة الاسلامية في الجزائر،القسم الثاني، ط1، جمع وتعليق أحمد الرفاعي الشرفي، دار الشهاب باتنة 1984.

-سليمان الصيد :نفح الأزهار عما في مدينة قسنطينة من الأخبار، ط1،الجزائر 1994.

-عبد الحميد بن باديس: "بواعثنا، عملنا ،خطتنا، غايتنا"، جريدة السنة المحمدية،العدد: 1 ، 1933.

-عمار الطالبي: ابن باديس حياته وآثاره، ج1. 

-محمد خير الدين :مذكرات ، ج2 ،مؤسسة الضحى، الجزائر 2002.

-عبد الرحمن شيبان: مقابلة شخصية، مقر جمعية العلماء بالجزائر العاصمة، يوم 4 أفريل.2005.

- محمد الصالح رمضان: مقابلة شخصية بمنزله بالقبة، الجزائر العاصمة يوم 21 جوان.2005.

-عمار مطاطلة: مقابلة شخصية بمنزله بالأبيار الجزائر العاصمة، يوم 12 نوفمبر 2008.

-مصطفى بوغابة: مقابلة شخصية:بمنزله بقسنطينة، يوم 25 ماي.2009.

- عبد الحق بن باديس: مقابلة شخصية بمقر مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة يوم 1 جوان. 2009.

-Mahfoud kaddache : Histoire du nationalisme Algérienne,1919-1951,t 2,S.N.E.D ,Alger.

عائلة القسطلاني من خلال كتب التراجم والطبقات:

محاولة في الإحاطة بصنف من النخب العلمية المهاجرة إلى المشرق ومكانتها في المجتمع.

 

ﺃ. هشام صمايري

- كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية-تونس

 

مقدمة

لئن تعدّدت الأبحاث التي اهتمت بهجرة النخب العلميّةالمغربيّة إلى المشرق،وبدراسة أوضاع الجاليات المستقرة في مختلف المدن والعواصم الموجودة على طريق الحج والتجارة، فإن معرفتنا بالعائلات العلمية المغربيةالمهاجرة ظل يكتنفها الصمت والغموض باستثناء ما ورد في ثنايا أخبارهم من إشارات شحيحة أوردتها هذه الدراسات بكيفية عفوية وغير كافية.

لعل أول العوامل المفسّرة لهذا الصمت هو الفقر الوثائقي في الكتابة التاريخية الوسيطةوصعوبة تتبع هذه العائلات من خلال المصادر، فاذاكانت مهمة الباحث في تاريخ الأوروبي ميسّرة إلى حد ما بفعل الوفرة النسبيّة للوثائق التي تحتويها الخزانات والمؤسسات الثقافية والدينية، فإن مهمّة نظيره في التاريخ الإسلامي تبدو عسيرة ومحفوفة بالصعوبات والعراقيل، فلم يصل إلينا حول هذه العائلات إلا ما احتفظت به المصنّفات التاريخيّة والأدبيّة على وجه الخصوص من معلومات تتطلب جهدا كبيرا لإعادة تركيبها وترتيبها،إلى جانبوجود العديد من النقائص المتعلقة بهذا النوع من المصادر، والتي من شأنهاأن تعطلالحصول على نتائج واضحة ومسلم بها.

ونحن نسعى من خلال هذه المحاولةإلى نفض الغبار على إحدى أهم عائلات إفريقية المهاجرة إلى المشرق في العصر الوسيط، مع محاولة توظيفالمعلومات المتوفرة حولها في المصادرلإثارة عدة نقاط متعلقة بالهجرة وظروف الاندماجفي المجتمعات المشرقيّة، كما سوف نهتم في السياق نفسه بتفسيروتحليل الكيفية التي استطاعت بها هذه العائلة المحافظة على مكانتها وتوريث مكتسباتها الرمزية والمعنوية عبر أجيال متتالية.فما هي إذنآليات تكون هذه النخبة الاجتماعية النافذة والفاعلة، وكيف كانت سيرورة تدرجها نحو الامتياز والمكانة؟ثمما هو مصدر مكتسباتهاالرمزيةوالاعتبارية؟ هل هو موروث أم مكتسب ؟هل كانت هذه الأسرة المهاجرة مدعوة إلى المواكبة والتجديد لتدافع عن مصالحها ونفوذها واستمراريتها؟

لا يتأتى الجواب على هذه التساؤلات إلا من خلال تتبع آثار هذه العائلة في كتب التراجم والطبقات والإلمام بكل تفاصيل هجرتها وتفرعها ومناطق استقرارها وعلاقاتها مع الفئات المكونة للمجتمعات المشرقية.

  • الظرفيّة التاريخية لهجرة آل القسطلاني إلى المشرق:

استطاعت عائلة القسطلاني المحافظة على مكانة اجتماعية متميّزة في ظل مختلف الأنظمة التي تعاقبت على مصرمنذ بداية القرن السادس ه/ 12 مإلى حدود القرن الحادي عشر الهجري/ 17 م. وبنو القسطلاني الذين نعرفهم في مختلف هذه العصور هم أبناء وأحفاد الحسن بن عبد الله بن أحمد الميموني، أصيل قسطيلية من بلاد الجريد، وكانت قد برزت في الميادين العلمية والاجتماعية مع شخصيتيناثنتين عرفت الأولى باسم : أبي العباس أحمد بن علي بن محمد (559 - 636ھ / 1163 - 1238 م) الذي اشتهر في علوم الفقه والزهد والحديث فدرّس سنينا طويلة بالمدرسة المالكية بمصر، ثم أصبحت الرحلة إليه خاصة في الفترات الأخيرة من حياته لما تميّز به من تضلع في رواية الحديث وعلو الإسناد. والثانية: شخصية وقع ذكرها في ترجمة أبي العباس أحمد، وهو خاله الحسن بن أبي بكر عتيق بن الحسن القسطلانيالمعروف بالقاضي المرتضى (527 -598 ھ/1138–1201 م)، والذي يذكره مترجموه بأنه من فضلاء مصر، لكن دون معلومات إضافية حول حياته واختصاصاته العلميّة. ويفهم من خلال ما ورد حول هاتين الشخصيتين أن هذه العائلة كانت قد هاجرت من إفريقية إلى مصر قبل ظهورهما بكثير، أي تخمينا خلال الفترة الممتدة بين أواسط القرن الخامس إلى بداية القرن السادس الهجري/ 12 م.

لكن للأسف لا تدلنا النصوص المتوفرة لدينا عن أي معلومة حول ظروف هذه الهجرة وتاريخها، كما أننا لم نعثر على ترجمة لأي فرد من أفراد هذه العائلةخلال المرحلة الإفريقية، سوى ما ذكر حول هجرة أحد أقارب أبي العباس أحمد خلال بداية القرن السابع الهجري/ 13م. وهوالفقيه ضياء الدين محمد بن عمر بن محمّد القسطلاني(598 – 663ھ/1201 – 1264 م ).

وأمام غياب نصوص واضحة وصريحة حول الدوافع أو الأسباب الكامنة وراء تخييرهؤلاء الأعلام مغادرة إفريقية بشكل نهائي، نرى أنه من الأجدر الوقوف على التحوّلات التي شهدتهاالمنطقة خلال القرن الخامس/ 11 م، للخروج بتصوّر سليم يكشفالنقاب عن خبايا هذه الهجرةوخلفياتها.خاصة وأنالعوامل التي تفسّر حالات التنقل لدى النخب العلميّة، تتعددوتختلف من فترة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر،فيمكن أن تكون رغبة طوعيّة في الاستقرارعلى إثر الرحلات الحجيّة والعلميّة التي كان يقوم بها المغاربة إلى المشرق،لكن لا يخفى علينا أيضا أن ما كان يدفع العلماءأكثر إلى المغادرة النهائية لأوطانهم هي الأحداث والاضطرابات الكبرى المتعلقة بالأوضاع السياسيّة والدينيّة كالفتن والحروب وانعدام الأمن، إلى جانب حالات النّفي والإبعاد التي يمكن أن يتعرض لها هذا الشخص أو ذاك أثناء قيامه بوظائفه.لذلك يخيّل إلينا أن تحليل المعطيات التاريخية الموجودة والمتوفرة حول الفترة المدروسة كفيل بدفع الفرضية إلى الأماموالإجابة على بعض التساؤلات المتعلقة بهجرةأسلاف بيتالقسطلاني إلى المشرق.

فقد شهدت إفريقية خلال القرن الخامس الهجري/ 11 م وضعا أمنيا متردياوأزمة شملت شتى مظاهر الحياة، من علاقات مذهبية وسياسيّة ومعاملات اقتصاديّة،كما تضافرت عوامل داخليّة وأخرى خارجيّة في مزيد تعميق الأزمة وإحداث تحوّلات كبرى على المستوى الديموغرافي والبشري، ويمكن تلخيص هذه الظروف في النقاط التالية:

  • أفضتالمواجهات العسكريّة المتكرّرة بين الزيريين والقبائل الزناتيّة، إلى إلحاق أضرار كبيرةبواحات الجريدوانعكست سلبا على إيرادات التجارة الصحراوية، فتحدثت المصادر بإطناب عن الحملات العسكريّة الرسميّة وردود الفعلوالغارات التي كانت تقوم بها القبائلالزناتية على واحات الجريد ونفزاوةوما خلفتهمن آثارلا تقل ضراوة على سياسة الأرض المحروقة.
  • زادتهذه الصراعات في استفحال المجاعاتوانتشار البؤس والفقر فيبعض سكان واحات الجنوب الشرقي الذين أصبحوا يتقلبون من مكان إلى آخر بحثا عن مورد للعيش.
  • في حين أخذت ظواهر ودلالات الانقسام المجتمعي تظهر في شكل مجموعات سياسية ودينية مستقلة على هامش الدولةالزيرية مثلما هو الأمر في طرابلس والجريد.
  • وابتداء من تلك الحقبة أصبحت إفريقية تتعرض للضغط المتزايدجرّاء تقدّم القبائل الهلالية نحو وسط البلاد، حتى كانت هزيمة حيدرانسنة 447 ه/ 1056 م سببا مباشرا في سقوط الدولة الزيرية وتدحرج البلاد نحو وضععمراني واقتصاديواجتماعي أكثر تعقيدا من الفتراتالسابقة.

ولا شك أن هذه الظروف الأمنية قد ساهمت بشكل كبير في تغيّر المكوّنات البشريّة داخل المدن والبوادي، ودفعت بالعديد من السكان إلى الهجرة نحو مناطق متفرّقة.فتحدث محمد حسن على وجود تحرّك سكانيهام كان يتم في خط أفقي يمتد من جهة طرابلس إلى جهة وارجلان وأن البعض منأهالي الواحات قد لاذ بالفرار نحو الجزر المتوسطية.في حين شهدت القيروان على إثر انهيار السلطة الزيريةوخرابالمدينةبداية من سنة 447 ه/ 1055 م،هجرة مكثفة للأهالي والعديد من النخب العلمية نحو الساحل والمدن المغربية، حيث عكست روايات المعاصرين من أمثال الحصري وابن رشيق وابن شرف بكل وضوح التأثر الكبير للعلماء بهذا الحدث وما ولدته بينهم من هجرة وانجلاء.

فهل تعلقت هجرة بيت القسطلاني بهذه الظروف التي تواصلت حتى موفي القرن السادس الهجري؟

رغم أننا لا نستبعد ذلك بالمرة فأن المصادر التي استقصت أسماء المهاجرين من بلاد الجريدبكل دقّة خلال الفترة المشار إليهالا تحمل اسم أي فقيه، قد غادر افريقية لظروف أمنية متعلقة بالضغط الهلالي مثلما هو الأمر بالنسبة إلى القيروانين. فالتراجم التي تحصّلنا عليها تكتفي في أغلب الحالات بتدوين بعض الرحلات الحجيّة المتعلقة بالشخصيات المشهورة والمتميزة في الميادين العلميّة. فقد سافرمثلا عبد الله بن يحيى بن علي بن زكريا الشقراطسي (توفي سنة 466 ه/ 1073 م) إلى المشرق حاجا ولقي أثناء رحلته أعلاما وروي عنهم، وعند رجوعه إلى بلده اشتغل بالتدريس وانتفع به مجموعة من الطلبة منهم أبي الفضل يوسف بن محمد المعروف بابن النحوي (توفي سنة 513 ه/ 1119 م).كما أن المصادر لا تقل وضوحا فيما يتعلق بالمكانة التي احتلها عبد الملك بن الكردبوس التوزري (حيا سنة 575 ه - 1179 م)، بعد عودته من رحلته بإجازات علمية مُنحت له من قبل علماء مصر ومكة ومن كان بها من المشاهير.

لذلك بإمكاننا الاعتقاد أن بلاد الجريد قد حافظت على الأقلحتى اختفاء هذه الوجوه البارزة على نشاط علمي هام،مكنها من احتلال مكانة متميزة على الساحة العلمية بإفريقية.حتىأن الصراعات المتأجّجة من حين لآخر لم تحل دون تواصل النشاط الثقافي والتوسع الحضري،والدليل أنالمدينة قد شهدت بناء المسجد الجامع الجديد وهو ما يتناسب مع الامتداد العمراني والنمو الديمغرافي الذي تشهده توزر في تلك الفترة بالذات.

لذلك من غير الممكن حسب اعتقادي حصر هجرة آل القسطلاني في الجانب الأمني، فنحن نرى أن الأمور يمكن أن تفسّر أحسن لو وضعنا هذه الهجرة ضمن تصوّر أوسعوأشمل. أي أن نركز على ما كان يتميز به الجو الثقافي بالمشرق والمغرب خلال القرن الخامس الهجري/ 11 م.

فمن الثابت أن هذا القرن، قد شهد إلى جانب الظروف الأمنية التي أشرنا إليها سابقا صراعا بين المذهبين السّني بفرعيه الأشعري والمالكي من جهة والشيعي من جهة أخرى. ولعبت القوى الهامشية "الطرف دارية"على حد تعبير ابراهيم القادري بوتشيش، أدوارا حاسمة في هذا الصراع، بينما قام المرابطون بنصرة المذهب المالكي في المغرب ومحاصرة التيار الشيعي المتربص به، فقد جنّد السلاجقة أيضا جميع القوى الدينية من مذاهب فقهية ومذاهب عقائدية وزهاد وعباد وغيرهم لنصرة المذاهب السنية،إلى جانب التعويل على إنشاء المدارس النظامية والخانوقات ودور الحديث التي تم تأسيسها في أهم المدن حسب توزّع جغرافي محكم حتى تؤدي غاياتها وتحقق الأهداف المرجوّة منها.

هذه السياسة التي توخّتها السلط السياسية المتعاقبة في استقطاب جميع المذاهب الفقهية بما فيهم المالكية وإدماجهم في علمية الإحياء السّني، قد أغرت على ما يبدو العديد من المغاربة والأندلسيين بالهجرة إلى المشرق، حيث بيّنا في دراسة سابقة أن هذا التحرّك أصبح هامّا منذ نهاية القرن الخامس ومطلع السادس الهجري/ 11 و 12 م،مما أدى إلى اثراء المشهد الثقافي وساهم بشكل كبير في تكوّن مدرسة مالكية مغربية نشيطة في كافة العواصم والمدن الكبرى بالمشرق الإسلامي.

ونحن نعتقد أن إسناد هذا الدور إلى الفقهاء الأفارقة لا يبدو غريبا بالمرّة خاصة بعد الأحداث التي شهدتها مدرسة القيروان الفقهية واضطلاعها بدور ريادي في مقاومة التشيّع في إفريقية في مرحلة أولى، ثم في انتصار المالكية في الغرب الإسلامي في مرحلة ثانية،حيث مكنتنا إحدى الدراسات من أن نتبيّن حضوراإفريقيا هاما في أعلى الدوائر العلمية وأقربها إلى الفاعلين والمشرفين على حظوظ هذه الحركة السنيّة في الجناح المغربي مع المرابطين.

ولا شك أن هذا الحضور قد أكد فاعليته أيضا في الجناح المشرقي في أوج السيطرة الفاطمية على مصر. حيث استأثرت كتب التراجم وما شابهها من كتب الأدب وغيرها بإعطائنا تفاصيل عن أسماء الأفارقة المستقرين في مصر، وكان للبعض منهم دور هام في الجانب المتعلق بمسار الانتصار الذي حققه التوجه السني عموما،فكتب الطبقات تحدثنا عن الشهرة التي اكتسبها هبة الله المنستيري(504 - 563 ه)في ميدان الحديث والرواية، فأجمعت على تسميته بمسند الديار المصرية أنه "ملحق الأصاغر بالأكابر في علوّ الإسناد"، وتحدثنا أيضا عن عبد السلام بن عتيق السفاقسي (تـوفي سنة 564 ه) بأنه فقيه الإسكندرية المشهرين في المذهب المالكي وإليه العودة في الفتوى والتدريس.

ومهما يكن من أمرفقد تظافرت العديد من العوامل التي من شأنها أن تفسّر كثافة هجرة النخب العلميّة خلال القرن الخامس الهجري/ 11 م، حتى وأن لم تساعد المصادر كثيرا في مدّنا بمعلومات حول أسماء المغادرين من إفريقية، فإن الأفارقة الذين انتسبوا للمشرق بالولادة خلال المراحل اللاحقة، هم الدليل الذي يمكن للباحث إثباته حول هذه الحركيّة، فأحفاد أولئك الذين هاجروا منذ فترة طويلة، امتزجوا في المجتمعات المشرقية وأصبحوا ينتمون إلى مناطق استقرارهم الجديد بالولادة والنسب مثلما هو الأمر لأفراد عائلة القسطلاني وعائلة البوصيري. مع العلم إن الحركة الهجريّة التي شهدتها الفترة المدروسة قد تجاوزت على ما يبدو حدود الفقهاء والمحدّثين لتشتمل أصناف أخرى من المجتمع لم تذكرهم كتب التراجم والطبقات.

  • تفرّع عائلة القسطلاني ومناطق استقرارها في المشرق:

ما استطعنا التوصّل إليه من خلال تجميع المعلومات من مصادر مختلفة، هو أن هجرة آل القسطلانيتمّت عبر موجتين اثنتين. الموجة الأولى يمكن تأريخهابنهاية القرن الخامس وبداية السادس الهجري، وشملت ربما العديد منالشخصيات التيلها علاقة مباشرة بأبي العباس أحمد، مثلما هو الأمر لخاله الحسن بن عتيق بن الحسن القسطلاني المعروف بالقاضي المرتضى. أما الموجة الثانية: فهي المتعلقة بهجرة الفقيه ضياء الدين محمد بن عمر بن محَمّد بن عمر بن الحسن بن القسطلاني، الذي أكدت المصادر مولده بتوزرثم انتقالهفي بداية القرن السابع الهجري/ 13 إلى المشرق لأخذ العلم ثمّ للاستقرار، وأكّدت أيضا أنه يجتمع مع أبي العباس أحمد بن علي القسطلاني، في الجدّ الأعلى حسن بن عبد الله بن أحمد الميموني.

من خلال هذه المعلومات يمكن لنا أن نميّز بين فرعين رئيسيين لهذه العائلة، وهما يكوّنان بدورهما أصلين لفروع رئيسية أخرى، لتأخذ العائلة في التزايد بشكل واسع، فالذين ذكرتهم كتب الطبقات تجاوزت أعدادهم الـمائة شخص، ولا شك أن للعائلة وفروعها أفرادا كثيرين لم ينتسبوا إلى النخب العلمية ممّا يجعل عدد أفرادها يزيد عمّا وقع ذكره في المصادر التي بحوزتنا.

بالنسبة إلى الفرع الرئيسي الأول فيضمّ المنحدرين من نسب أبي العباس أحمد القسطلاني،وقد استمر وجود أفرادها إلى حدود القرن الحادي عشر الهجري/ 17 م، حيث تذكر كتب الطبقات أن له ابنان نبغا في ميدان العلوم أكبرهما تاج الدين أبو الحسن علي ( تـ. سنة 665 ھ/ 1266 م) ، وثانيهما القطب أبو بكر محمد (تـ. 686 ھ/ 1287 م) ، وعنهما انقسم هذا الفرع بدوره إلى فرعين متباينين.

  • بالنسبة إلى التاج أبي الحسن علي المستقر في مصر، فمكنتنا المعلومات المتوفرة حوله في كتب التراجم والطبقات من تتبع سلالته حتى القرن العاشر الهجري/ 16 م. حيث سيتوقف ذكر المنتمين إلى هذا الفرع في كتب الطبقات مع العلاّمة الحافظ الشهاب أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر (تـوفي سنة 923 ھ/ 1517 م)، الذي يبدو الأكثر تميّزا في مجال العلوم لهذا الفرع ذي الانتماء القوي للمذهب المالكي.
  • أما القطب أبو بكر محمد، الذي خيّرالانتقال إلى مكة سنة 619 ھ/1222م، فتمكن من ارساء شرف اجتماعي ومكانة متميزة في ميدان العلوم توارثه أبنائه وأحفاده على مدى أجيال متتالية. ومنذ القرن الثامن الهجري/ 14 م، ستشتهر تسمية أفراد هذا الفرع في كتب التراجم بأبناء الزّين القسطلاني، نسبة إلى الزين محمد بن محمد (تـ. سنة 729 ھ/ 1328 م) حفيد القطبأبي بكر محمد، ليتواصل تواجدها في الميادين العلمية إلى القرن الحادي عشر الهجري/ 17 م، من خلال شخصية أبي السعود بن علي المعروف بابن الزين القسطلاني، المتوفى سنة 1033 ھ/ 1623 م. ورغم استقرار هذا الفرع في مكّة فقد حافظ لمدة طويلة على علاقات وثيقة بالقاهرة ومصر من خلال التدريس والإقامة.

أما الفرع الرئيسي الثاني الذي يعود نسبته إلى ضياء الدّين محمد بن عمر، فقد وجد في مكّة أرضيّة مهيّأة للظهور مع القّسطلانيين من أبناء القطب محمد، وضمن لهمكانة في كتب الطّبقات إلى القرن التاسع الهجري/ 15 م بأسماء متميّزة في الفّقه على المذهب المالكي رغم أن أعدادهم بقيت محدودة ولم تتجاوز العشرة أسماء.

 

1 4 4


2 4 4

 

3 4 4

 

  • المرتكزات الرمزية لمكانة القسطلانيين في المشرق:

نقصد بالمرتكزات الرمزيّة جملة من المقاييس التي لعبت دورا هاما في التراتبية الاجتماعية الإسلامية، وهذه المقاييس التي يمكن تلخيصها في الجاه والنبل والشرف والعلم،قد استأثرت بهابعض المجموعاتونحتت من خلالها مكانة وجيهة ضمن فئات المجتمع. فلا مراء أن ابن خلدون قد أفاض الحديث عن تجدّد النخب وجماعات الصفوة والمكانةمع تعاقب الأزمان، لكن بقيت هذه المعاييرالرمزية إلى جانب امتلاك الثروة والمال هي التي تحدد المجموعات المتفوّقة طوال الفترة الوسيطة وما بعدها.

وتشترك البيوتات العلمية في امتلاك جملة من المقاييس الاجتماعية التي تؤهلها لتتبوأ المكانة الأولية والمبجلة في السلّم الاجتماعي، ومن أبرز هذه المقاييس هو امتلاك الرأسمال الثقافي كما وصفه pierre Bourdieuواعتبره رأسمال رمزي يحظى بتقدير معنوي من قبل كافة أفراد المجتمع. فمجد العائلة لا يرتكز فقط على الممتلكات الماديّة لكن أيضا على عراقتها ونبلها وامتلاكها للمؤهلات والقدرات المعرفية والعلمية.وقد عبّرت كتب الطبقات عن ذلك عند حديثهاعن عائلة القسطلاني، فأشاروا إليهابنعوت عديدة، تدلّ على مكانتها العلمية والاجتماعيّة  فهي، "بيت الصّلاح والحّديث"، و"بيت علم وفضل"، وهي أيضا "بيت فضل وخطابة". حيث برز منها على مدى أكثر من ثلاث قرون العلماء والقضاة والأدباء، وتولّى العديد منهم مناصب شرعية وإدارية متنوّعة.

فماهي إذن المرتكزات الرمزية لمكانة عائلة القسطلاني في المشرق؟ وكيف كانت سيرورة تدرجها نحو الامتياز والمكانة ؟

ليس من الصّعب كما أكّدته احدى الأبحاث اندماج المهاجر من النخب العلميّة في موضع استقراره الجديد، فأينمايحل يجد الترحاب واقبال الطلبة، بل تسند إلى البعض منهم الوظائف الدينية والسياسية، ونحن أن كنا نحتفظ ببعض الأمثلة التي تأكد عكس ذلك، فإن هذا التبجيل الذي يتمظهر جليا في الخطاب الموجود في الكتب التراجم والطبقات،قد استند أساسا على المعارف الشرعية والدينية،وهيأحد أبرز محدّدات المكانة الرمزيّة للنخب العالمةبصفة عامة، لذلك نحن نعتقد أن أوّل المقيمين من عائلة القسطلاني في مصر ومكة قد قاموا بتأسيس "رأس ما رمزي"لا بأس به،استند أساسا من معارفهم الدينية والمعرفية.

وسوف نحاول فيما يلي تحديد أهم التخصصات العلمية التي كانت لها الدور الكبير في رسم هذه المكانةالاجتماعية البارزة للقسطلانيين.

تتفق جميع الإشارات الموجودة في المصادر على أن العائلة اختصت برواية الحديث فكانوا من شيوخها واشتهروا بعلو الإسناد(بلغ عدد علماء عائلة القسطلاني103 كان لـ 81 منهم عناية بالحديث والرواية). ونحن نعتقد أن هذا الاعتناء الكبير بعلم الحديث، لا يمكن أن يكون إلاإفرازا لمناخ فكري - ديني تولد في المشرق على إثر سقوط الدولة الفاطمية. فظهور العديد من كبار الروّاة خلال هذه الفترة بالذات،يندرج ولا شك في إطار حركة تصحيحية إصلاحيةتمثلت فكرتها في الرجوع إلىأصول الأدلة الشرعية والعمل بالأثر،فضلا على أن هذه الحركةكان يعززهامنطق سياسي وإيديولوجية معينة مكنتها من الغلبة والهيمنة.

خلال هذه المناخ الفكري الذي باتيسود العالم الإسلامي،أصبحت عائلةالقسطلانيمنذ ظهورها حتى موفى القرن العاشر الهجري/ 16 م من أكبر عائلات المشرق وأعلاها مكانة في هذا التخصّص. ونحن نرى بوضوح من خلال كتب التراجم، أن ما بلغته من أهميّة يعود بقسط وافر إلى الجيل الأول من أفرادها، خاصة منه إلى شخصيتين رئيسيتين، هما : تاج الدين أبو الحسن علي الذي أطنبت المصادر في وصف عنايته بالحديث أثناء تدريسه بالمدرسة المالكية المجاورة للجامع العتيق بمصر، ثم عند توليه مشيخة "دار الحديث الكاملية" بالقاهرة. وتتمثل الشخصية الثانية في قطب الدين محمد، تلميذ الحافظ أبو الحسن علي بن البنا، وأبو الحسن بن الزبيدي، وغيرهما من كبار شيوخ الحديث ببغداد والموصل والشام ومصر، وكذلك صاحب العديد من المؤلفات مثل "الإفصاح عن المعجم، من الغامض والمبهم في أسانيد رجال الحديث". ولعل الشهرة التي اكتسبها القطب هي التي دفعت بالسلطة الأيوبيةلاستدعائه من مكان إقامته بمكة، لتولي دار الحديث الكمالية عقب ابن أخيه عبد المولى بن التاج منذ 636 ه إلى حين وفاته سنة 665 ه. ونحن نذكر في هذا الصدد ما ورد على لسان أحد كبار الشخصيات المصرية وهو الحافظ أبو عبد الله محمد بن حسين القرشي، -حسب ما ذكره صاحب لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ- في شأنه : "عني بطلب الحديث أحسن عناية فحصل بالسماع والإجازة على كثير من الرواية... فاجتنى غروسها يانعة واجتلى شموسا طالعة وجمع في ذلك مجموعات وأوضح في مجلسه موضوعات... ولّي دار الحديث الكاملية فقام بها أحسن قيام ولم يزل معظما عند الخاص والعام متصديًّا لإبلاغ السنن".

ولا شك أن سيطرة أفراد من هذه العائلة على دار الحديث الكمالية بالقاهرة كل تلك السنين الطويلة وما ولّده ذلك بالنسبة إليهم من جاه ونفوذ، كفيل بأن يفسّر لنا المكانة التي حظيت بها داخل المجتمعات المشرقية. فقد واصلت العائلة تقديم العديد من الشخصيات المشهورة حتى فترة متقدمة. كما أصبح من تقاليدها توريث هذا العلم إلى النساء جيلا بعد جيل،فاشتهرت فاطمة (تـ. سنة 721هـ/ 1321 م) وعائشة (تـ. سنة 716ھ/ 1316 م) بنتا القطب محمد بـ"سداسيات الرّازي"، فتواتر ذكرهما في عديد من تراجم علماء القرن الثامن الهجري/ 14 م.

لم يقتصر من ناحية أخرى النشاط العلمي للقسطلانيين على ميدان الحديث بل تجاوز ذلك ليمس ميادين أخرى، أهمها التصوّف والزّهد. ويمكن الاقتصار في هذا المجال على ثلاثة أسماء مشهورة بلغت درجة كبيرة من الاستقطاب وجلب المريدين، أولهم: أبو العباس أحمد بن علي، الذي يعتبر من الصوفية المعتدلين والمتمسّكين بأهداب السنّة، مع التمكّن بأصول الدّين والفقه على المذهب المالكي. حيث أجمعت المصادر على تسميته بـ"زاهد مصر"، مع التّركيز على وصف سلوكه وانقطاعه والتزامه تربية المريدين، ويبدو أنه تبنى طريقة شيخه أبي عبد الله محمد القرشي وحاول نشرها من خلال مؤلّف جمع فيه كلامه وبعض كراماته وتأثيرها على أفاضل مصر وعلمائها.

أما الشخصية الثانية، فيمثلها مرة أخرى القطب محمد، فهو إلى جانب تبحره في علم الحديث يعتبر أيضا أحد أكبر أعلام التصوف خلال القرن السابع الهجري/ 13 م، وهو الذي نشأ في بيئة صوفية وترعرع في كنف أبيه، أبو العباس أحمد المتقدم ذكره، وأمه "الولية الصالحة" زوجة الشيخ الصوفي أبو عبد الله القرشي سابقا. ومن المهم أن نشير إلى أن التراجم تجعل من القطب منقطعا على أهل الأهواء متّبعا للسنة، ملتزما تربية المريدين، وتقدم أمثلة عن أقواله ونصائحه الموجهة أساسا إلى العارفين بالتصوف وتستوجب منهم الكثير من التأويل والتفسير.

كما يبرز أبو حفص عمر السهروردي(تـ. سنة 639 ه) في كتب التراجم، كشيخ للقطب دون منازع، فهو الذي أسمعه كتابه "عوارف المعارف" ثم تلقى منه خرقة التصوّف. ويعتبر السهروردي هذا أحد أكبر أعلام الصوفية ببغداد، اشتهر خلال حياته بالمناظرة والرد على الفلاسفة، ومكافحة اعتقاداتهم التي خرجت عن الحدود المعروفة لدى فقهاء أهل السنة. ونحن نعتقد أن تأثير السهروردي على القطب كان كبيرا، بل نجد أن هناك توافقا كلّيا في الفكر بين الشخصيتين، ويبرز هذا التوافق في ما كان ينشره القطب في مؤلفاته من أفكار وما ظهر له من مواقف تعتبر تواصلا للنهج الذي سلكه السهروردي في تجربته الصوفية. كما يدل على ذلك كتاب: "ارتقاء الرتبة في اللّباس والصحبة"، المؤلف الذي أثنى فيه القطب على الإمام الغزالي، ثم الكتاب الثاني المسمى "الارتباط" الذي شدّد فيه انتقاداته لأصحاب التصوّف الفلسفي بدءا بالحلاج (تـ. سنة 309 ھ/ 921 م)  وصولا إلى العفيف التلمساني(تـ. 690 ھ/ 1291 م)، وبيّن فيه حسب رأيه "فساد قاعدتهم وضلال طريقتهم"، وتجتمع الروايات لتؤكد أن القطب أصبح يعادي ابن سبعين عداوة كبيرة وينكر عليه بمكّة أكثر أحواله.

ونحن إن كنا نجهل في الواقع كل ما يحيط بطبيعة العلاقة التي ربطت بين ابن سبعين والقطب محمد، فإننا لا نشك أن سيرة هذا الأخير استجابت في مفاصلها الكبرى لنموذج المتصوّف السني، فقد مرّ بجميع التطورات والمحطّات التي يمرّ بها الصوفي في مسيرته الفكرية والعملية: بدءا بالحيرة والخلوة والسياحة والكشف مرورا باتخاذ شيخ وصولا إلى لبس الخرقة. ويعتبر تتلمذ القطب محمد على السهروردي كالعديد من أعلام الصوفية في تلك الفترة، امتدادا للتصوف السني المعتدل الذي يعكس الطابع العام للحياة الفكرية للقرن السابع الهجري/ 13 م.ويبدو أن الشخصية الثّالثة المتأخرة من عائلة القسطلاني لم تحد عن هذا الخط الذي يدعو إلى ربط التربية الروحية والمجاهدة النفسية بالشرع. فقد ولي شهاب الدين أحمدالمتوفّى سنة 923 ھ/ 1517 م. مشيخة مقام الشيخ أحمد الحرّار بالقرافة الصّغرى، وألّف كتابا في مناقبه سمّاه « نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العبّاس الحرّار»، ومؤلفات أخرى في التخصّص نفسهمثل: «نفائس الأنفاس في الصّحبة واللباس»، و«الرّوض الزّاهر في مناقب الشيخ عبد القادر». أمّا بقية الشخصيات المنسوبة إلى هذه العائلة، فقد اكتفت المصادر بالتأكيد على ما عرفوا به من زهد ومجاورة في المساجد وانحصر نشاط أغلبهم في العبادة والورع والدّعوة. ويبقى القّاسم المشترك بين كل هذه الشخصيات، هو اكتساب القدسيّة الدّينية بسلوك منهج التقوى والورع وتحقيق الكرامات. لذلك استطاع القسطلانيون، أن يكتسبوا تقدير كل الفئات الاجتماعيّة دون استثناء، بل نجد أن بعض أفراد هذه العائلة قد تحوّلوا إلى أولياء وأصبحت قبورهم مزارات مثل ما هو الأمر لأبي العباس أحمد بمكة ونور الدين علي بن محمد القسطلاني بمصر.

وتدعونا الأمثلة التي قدمتها كتب التراجم إلى التأكيد أن الأوضاع المادية لهذه العائلة كانت مريحة بفضل انشغالهم بالحديث وتولّيهم الخطط الدّينية. بالتالي فإن التقشف والزهد كانا على ما يبدو منهجا حياتيا لا غير ولم يكن يعني قلة الموارد، بل أصبحت المكانة الاجتماعية للقسطلانيين تعتمد أكثر فأكثر على التصوف والزهد إلى جانب التخصص في الرواية والحديث حتى بداية القرن العاشر الهجري تقريبا.

ومن ناحية الارتباط بالميادين العلمية الأخرى فنحن نجد ضمن هذه العائلة من كان أديبا شاعرا مثل أحمد بن عمر بن الزين المتوفى سنة 898ھ/ 1492 م، أو طبيبا مثل محمَّد نجم الدّين الذي توفي قبل 890ھ/ 1485م.ويبقى الميدان الأهم الذي توجه له آل القسطلاني بعد الحديث والتصوف، هو الفقه على المذهب المالكي. لكن ما نلاحظه من خلال الإحصائيات التي قمنا بها، هو تزايد لعدد المغادرين للمذهب المالكي جيلا بعد جيل، فعدد العلماء غير المالكيين من أفراد هذه العائلة كان 2 من أصل 10 بين أواخر القرن السادس ومنتصف القرن الثامن الهجري، ثم أصبح 10 من أصل 15 بين منتصف القرن الثامن وبداية القرن العاشر الهجري. لذلك فإن الأفراد الذي برزوا في مختلف المذاهب السنية عاشوا في فترة متقدمة زمنيا كما هو الحال بالنسبة إلى أبي المكارم بن عبد الله بن أَحْمد الحنبلي المتوفى سنة 833ھ/ 1429 م، أو العلامة شهاب الدّين أحمد بن عبد الملك (تـ. 923 ھ/ 1517 م) الذي تميّز في الفقه على المذهب الشافعي. وقد أكّد Louis Pouzet من خلال مثال مدينة دمشق أن هذه المغادرة للمذهب المالكي تتم عادة في الجيل الثاني، ولاحظ أن المغاربة من الناحية الدينية يندمجون بأكثر سهولة في الممارسات الغالبة للمحليين، وينطبق ذلك على معظم العائلات المغربية المهاجرة. وهو أمر طبيعي إذا ما حاولنا تفسيره بالعوامل الاجتماعية، فهي تعكس دون شك وجود اندماج في الوضع السائد في المجتمعات المشرقية مع الرغبة في بلوغ أكبر المراكز العلمية والإدارية. وربما تعود أيضا إلى قناعة شخصية ورغبة طوعيّة لا يراد منها مكاسب مادية، مثلما حدث بإفريقية خلال النصف الأول من القرن الرابع الهجري/ 10 م، عند تحوّل الكثير من الحنفية إلى المذهب المالكي، أو التحوّل الذي كان قد حدث بالأندلس من المذهب الأوزاعي إلى مذهب الإمام مالك خلال العقدين الأخيرين من القرن الثاني الهجري/ 8 م وبعدها بقليل.

  • المحدّدات الماديةلمكانة العائلة في المشرق حسب ما توفره كتب التراجم والطبقات:

إذا كانإشعاع هذه العائلة اجتماعيا قد استمد بالأساس من مكانتها الدينية وكفاءاتها العلمية، فلا يمكن التغاضي بأي شكل من الأشكال عن الخاصية المادية والاقتصادية للتراتبيةالاجتماعيةوما ينتج عنها تأويلات وتمثّلات ودلالات.ويمكننا الجدول التّالي من الوقوف على نوعية المناصب والأشغال التي تولاها أفراد هذه العائلة اعتمادا على ما تمدنا به كتب التراجم والطبقات.


الوثيقة رقم 3: والوظائف والمهن المتعلقة بأفراد عائلة القسطلاني

 

الاسم

الولادة والوفاة

المهنة

المكان

المصدر

1

أبو العباس أحمد

559 - 636

- مدرس بالمدرسة المالكية بمصر

-  مفتي

مصر

الذهبي، ت. 46/ 280

2

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله القسطلاني

598 - 663

إمام حطيم المالكية بمكة

مكة

الذهبي، ت. 49/ 156

3

تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد

588 - 665

- مدرس بالمدرسة المالكية المجاورة للجامع العتيق

-  مشيخة دار الحديث بالقاهرة بعد الرشيد العطّار

- ولي النظر في ديوان الأحباس

- الإفتاء

القاهرة

الذهبي، ت. 49/ 200

4

شرَف الدّين عبد المولى بن تاج الدّين علِيّ بن القسطلانيّ.

685

مشيخة دار الحديث بعد أبِيهِ التاج

القاهرة

الذهبي، ت. 51 /225

5

قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد القسطلاني

614 - 686

- درّس بالحرم بحضرة والده.

- أفتى في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فما بعدها كثيرا

- عين لقضاء مكة في سنة خمس وستين

- ولي على مشيخة دار الحديث بالقاهرة

مكة

القاهرة

الصفدي، الوافي 2/94

الذهبي، العبر3/362

6

أَبو معالي أَحمد بن تاج الدّين عليّ بن القسطلانيّ

القرن السابع

خطيب مصر

مصر

الذهبي، ت. 46/286

7

تقي الدين محمَّد بن مجد الدِّين الْحسَن بن الشّيْخ التاج علي بن أَحمَد القسطلاني

695 عاش 52 سنة

خطيب جامع عُمَرو بْن العاص

مصر

الحسيني،السلوك،2/451

8

أمين الدين محمد بن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني

635 - 704

- حدث بالمنصورية بمكة

- قضاء المالكية بمكة

مكة

الحسني ،ذيل 1/214

9

شرف الدّين أَبُو الْهدى أَحْمد بن قطب الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقُسْطَلَانِيّ

648 – 714

ترسل عَن أَمِير مَكَّة إِلَى سُلْطَان مصر

مكة

العسقلاني،الدرر.1/289

10

نور الدّين أبو الحسن علىّ بن محمد بن الحسن بن علىّ القسطلانيّ

724

خطيب جامع عُمَرو بْن العاص

مصر

ابن تغري بردي، النجوم، 9/262

11

جمال الدين محمد بن تقىّ الدين محمد بن الحسن بن علىّ بن أحمد بن علىّ ابن محمد القسطلانيّ

673-725

- إمام جامع مصر وخطيب القلعة

- يخطب بجامع القلعة ويصلّى بالسلطان الجمعة

- مشيخة سعيد السُّعَدَاء

مصر

الحسيني،السلوك، 2/451-3/365

12

إمام الدين محمد بن زين الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد ابن على بن محمد بن الحسن القيسىالقسطلانيّ.

671 - 754

 يسافر الى التجارة الى اليمن وكان ذا مال وافر

مكة

الحسني ،ذيل. 1 /260

13

خليل بن عبد الرحمن بن الضياء محمد بن عمر بن الحسن بن عبد الله المكي التوزري القسطلاني الشيخ ضياء الدين أبو الفضل

688 - 760

- شيخ الحديث بمكة 

- إمام المالكية بالمسجد الحرام

مكة

السخاوي، التحفة، 1 /321

14

أحمدبنإمامالدينمحمدبنزينالدينمحمدبنأمينالدينمحمدبنقطبالدينمحمدرالقسطلاني

708 - 776

كان خيرا متمولا

مكة

العسقلاني، أنباء الغمر، 1/81

15

أحمدبنالحسنبنالزينمحمدبنمحمدبنالقطبالقسطلانيثمالمكيشهابالدين

720 - 797

تكسببكتبالوثائق

مكة

العسقلاني، أنباء الغمر1/496

16

محمَّد بن أَحمد بن حسن بن الزين محَمَد بن الْأمين محمَّد بن القطب محمَّد بن أَحمد ابن عليّ الْجمال أَبو عبد الله الْقَيسِي الْقُسطَلَانيّ

801 عن أربعين سنة

كتب بِخَطِّهِ كتبا مَعَ كِتَابَته الوثائق

مكة

السخاوي، الضوء، 6 /305

17

الشهاب أَبو الْعبَّاس أَحمد بن أبي الْخيْر محَمد بن الزين مُحَمَّد الْقسطَلَانِيّ

803

- يكْتب الوثائق ويسجل على الْحُكَّام

- تأديبه الْأَبْنَاء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام تَحت مَنَارَة بَاب عَليّ

مكة

السخاوي، الضوء، 2/109

18

جمال الدّين عبد الله بن الْخطيب شهاب الدّين أَحمد الْقسْطلَانيّ

807

- خطيب جَامع عَمْرو بِمصْر

مصر

الحسيني، السلوك،6 /94

19

حسن بن أبي عبد الله محمَّد بن حسين بن الزين محَمّد بن القطب محَمَد بن أَحمد بن عَليّ الْقسطَلانيّ

762 - 809

- ولي مُبَاشرَة فِي الْحرم الْمَكِّيّ وَفِي الْأَوْقَاف الْحكمِيَّة بِالْقَاهِرَةِ

- نظر أوقاف الْحَرَمَيْنِ بالإسكندرية

مكة

السخاوي، الضوء،3 / 124

20

عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ

770 - 827

- تعاني الشَّهَادَة والوثائق والسجلات

- ناب فِي الْقَضَاء بمرسوم الدولة المظفرية أَحْمد بن الْمُؤَيد.

مكة

السخاوي، الضوء،5 / 5

21

أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب الْقُسْطَلَانِيّ وَيعرف بالحرضي

796 -  حيا سنة 842

وتكسب بِالشَّهَادَةِ وسجّل على الْحُكَّام

مكة

السخاوي، الضوء،1/ 355

22

الْكَمَال أَبُو البركات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب الْقُسْطَلَانِيّ

801 - 864

- دخل الشَّام وناب فِي الْقَضَاء بهَا فِي سنة أَربع وَعشْرين وثمان مائة

- نَاب بِالْقَاهِرَةِ فِي الصالحية النجمية وَغَيرهَا عَن الْبِسَاطِيّ فِي سنة ثَلَاثِينَ

- أذن لَهُ السُّلْطَان فِي الْقَضَاء بِمَكَّة قبل ذَلِك فِي آخر سنة سِتّ وَعشْرين بعناية السراج الحسباني

الشام

القاهرة

مكة

السخاوي، الضوء، 9 /4

23

الْكَمَال أَبُو البركات مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن حُسَيْن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد ابْن القطب الْقُسْطَلَانِيّ

801 - 865

- صَارَ عين أهل الْبَلدة فِي المكاتيب مَعَ اشتهاره بِالْعَدَالَةِ

- نَاب فِي الْعُقُود عَن أبي الْيمن النويري ثمَّ ولي الْقَضَاء عَنهُ

مكة

السخاوي، الضوء،7 / 61

24

أَبُو الْحسن عَليّ الْأَصْفَر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن النُّور

798 - 866

- نَشَأ فَقِيرا فسافر فِي التِّجَارَة فأثرى وَكثر مَاله

- ولي التَّكَلُّم فِي الجشيشة الجمالية بِمَكَّة فِي أثْنَاء سنة أَربع وَخمسين.

مكة

السخاوي، الضوء،5 / 281

25

أَحمد بن أبي بكر بن عبد الْملك بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسَيْن بن التَّاج عليّ الْقسطَلَانِيّ

830 - 894

وتكسببالقبان

مكة

السخاوي، الضوء، 1 /256

26

فَخر الدّين أَبو بكر بن أبي الْفضل بن أبي البركات الْقُسْطَلَانِيّ بن كَمَال الدّين بن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْخَيْر بن حُسَيْن بن الزين

895

يتكسب بِالشَّهَادَةِ بِبَاب السَّلَام وبالنساخ وَهُوَ فَقير قَانِع

مكة

السخاوي، الضوء، 11 /66

27

أحْمد بن محمَّد بن أبي بكر بن عبد الْملك بن الزين أَحمد بن الْجمال محَمَّد بن الصفي محَمَّد بن الْمجد حسَين بن التَّاج عليّ الْقسطَلَانيّ

851 - 923

جلسَ للوعظ بالجامع الْعُمْرَى

مصر

ابن عماد، شذرات، 10/169

 

لا بد من التأكيد في البداية أن التمكّن من المعارف الدينية قد فتح الباب أمام العديد من الوظائف الشرعية والقضائية التي ضمنت بدورها أن توفّر للقسطلانيين مكانة ووجاهة في المجتمع. وقدتمثّلت الخطط الدّينية من خلال هذا الجدول في الإمامة بفرعيها إمامة الصلاة والخطبة. وقد مكننا التجريد من الحصول على 6 شخصيات تولوا هذه المناصب في كل من مصر ومكة وفي عدد من المساجد المهمّة كجامع عمرو بن العاص والمسجد الحرام. ويعتبر الشّيخ جمال الدين محمد بن محمد بن الحسن (رقم 11) من أهم الشخصيات التي جمعت في الوقت نفسهبين الإمامة بالجامع الكبير بمصر والخطابة بجامع القلعة لسنوات طويلة بلغت حسب مترجميه الخمسين سنة. في حين اشتغل الكثير منهم بالتدريس وقد تباينت مراتبهم في ذلك، حيث قدّمت لنا كتب الطبقات بعض الألقاب التي تبيّن شيئا من هذا التنوع مثل الشيخ والواعظ والمدرّس والمؤدب.

أمّا بالنسبة إلى الوظائف المتعلقة بالدولة، شرعية كانت أو إدارية، فإن أهمّ ما توصل إليه القسطلانيون هو منصب القضاء على المذهبين المالكي والشافعي(رقم5 و8 و22)، إلى جانب مناصب أخرى مثل النيابة والكتابة والعدالة والإشهاد. وهي وظائف لم تكن قليلة الأهمية، حيث تعتبر العدالة مقياسا لعلوّ شأن صاحبها وسببا في تدرّجه في السلّم الوظيفي، مثلما هو الأمر للكمال أَبو البركات محمّد (رقم 29) الذي بدأ أمره كاتبا ثم عدلا، ليتولى فيما بعد القضاء عوضا عن أبي اليمن النويري. أما فيما يخص الوظائف الإدارية فقد تراوحت عموما بين النظر في الدواوين والأوقاف والترسّل لدى السلاطين (الحالة رقم 9).

كما ارتبطت المكانة الاجتماعيّة لبعض القسطلانيين بالاشتغال بأنشطة اقتصاديّة متنوعة. فقد عمل أمين الدين محمد (رقم 12) على تنمية ثروة كانت مصادرها تجاريّة بالأساس، فذكر مترجموه بأنه كان "خيّرا متموّلا". في حين بدأ أبو الحسن علي (رقم 24) حياته فقيرا فكانت التجارة سببا في اثرائه. ونجد أن هناك من اختص بمهن حرفية (رقم 25)، واعتمدت البقية على نفوذها الديني ولم تتولّ أي نوع من الوظائف. ونفهم من خلال الجدول أعلاه أن هذا الزّخم كان يعكس الوضعيّة الاجتماعيّة للعائلة خلال مختلف فترات تطوّرها، خاصة عندما نعلم أن هذه الخطط لم تكن وراثيّة في أصلها وإنما أصبحت من تقاليد بعض العائلات ومن دعائم جاهها.

وهو ما يطرح في أذهاننا بعض التساؤلات حول الكيفية التي حافظت بها هذه العائلة على مكانتها الاجتماعية وتواصل حصولها على مناصب مرموقة ودوام هيبتها الدينيّة والاجتماعيّة على فترة تجاوزت الأربعة قرون؟

5 استراتيجيات المحافظة على المكانة الاجتماعية:

قد ثبت من خلال التحليلات السابقة أن الدور الاجتماعي والتمرتب المرموق لبيتالقسطلاني استمد أساسا من معارفها الدينية والشرعية ومن عراقة استقرارها في المشرق. لكن للاحتفاظ بهذه المكانة كانتالعائلة مدعوة إلى المواكبة والتجديد لتدافع عن مصالحها ونفوذها واستمراريتها،وتوريث الرأسمال الثقافي والاجتماعي عبر أجيال متتالية. وهذه الاستراتيجيات اعتمدت أساسا على تكوين علاقات متينة مع مجموعات من المحيط الاجتماعي نفسه، وكذلك من خلال أنماط التضامن والولاءات مع مختلف الشرائح المكونة للمجتمعات المشرقية: ويمكن تلخيص أبرز ملامح هذه الاستراتيجيات في النقاط التالية:

أولا: الحرص على تعليم الأبناء منذ مرحلة الطفولة المبكرة لتكوين جيل أو أجيال جديدة تستطيع الحفاظ على ما تحصّلت عليه العائلة من رأسمال ثقافي. ولم يكن السعي إلى الحصول على الإجازات من كبار شيوخ العصر، إلا نوعا من أنواع هذه الأولويات التي أبداها العديد من أفراد عائلة القسطلاني.

فتخبرنا المصادر مثلا أن القطب محمد كان يطالب أثناء رحلته لقاء أصحاب الأسانيد العالية في الحديث سنة 649ھ/ 1251 م، بالإجازة لأولاده السّبعة في العديد من الأقطار الإسلامية التي زارها. كما حرص البعض الآخر على الحصول على الاجازة لأطفال لم يتجاوز سنّهم العامين، كما هو الحال بالنسبة إلى أبي المكارم محمّد بن أحمد بن أبي الخير (تـ. سنة 837 ھ/ 1433م) الذي أجازه عدد كبير من العلماء وهو لا يزال في المهد.

وبغض النظر – بطبيعة الحال - عن كون الإجازة كانت تسند ضمن الشروط العلمية المتعارف عليها أم لا، فهي تدخل ولا شك في إطار تحالفات معينة تريد العائلة أن ترتبط بها، وأيضا في إطار استقطاب النفوذ بين العلماء وخاصة بين البيوتات العلمية، وهي استراتيجية هامة غايتها الحفاظ على الإرث المعرفي لعائلة وتوريثه الأجيال المتعاقبة.

ثانيا :الرّهان على مصاهرة عائلات تنتمي إلى المحيط الاجتماعي نفسه. حيث ترشدنا المصادر إلى أن هذه العائلة تميّزت بانفتاحها الزواجي على مختلف البيوتات الحضريّة والعلميّة. فقد تحصلنا من خلال التجريد على5 حالات فقط من الزواج الداخلي من جملة 22 حالة مكّنتنا كتب الطّبقات من استخراجها. ونلاحظ أن البيوتات التي ارتبط بها القسطلانيون كانت مشهورة في ميدان العلوم مثل عائلة الطبري والمرشدي والفاكهي وعائلة ابن فهد، ويظهر من خلال الأمثلة التي وردت في الجدول أنها راهنت على مصاهرة العائلات الشّريفة المكّية،(مثال الحّالة رقم 8). وهي استراتيجية هامة، غايتها زيادة تمتين مكانتها واكتساب الشرف الاجتماعي بالجمع بين النفوذ الديني والهيبة الاجتماعية.

لذلكما يمكن استنتاجه من خلال هذه الأمثلة أن الزّواج كان يعتبر الركيزة الأساسية للتصدر الاجتماعي، ونحسب أن ابن خلدون كان أمينا حين اعتبر أن نظام المصاهرة إلى جانب القرابة محددان رئيسيان في ثقافة وبنية المجتمع. فإلى جانب ما تمثّله أواصر القرابة من دور في رسم معالم المكانة الاجتماعية باللّحمة والعصبيّة، فإن المصاهرة أيضا تلعب دورا متينا في تعزيز المنزلة لدى المجموعات المؤثرة، خاصة بالنسبة إلى الذين يريدون أن يقوى جانبهم بالنّسب مثلما هو الأمر لعائلة القسطلاني الوافدة على المشرق. بالتّالي فالمنطق الذي يحكم نظام المصاهرة هو الحرص على توريث ما يسمى بـ"الرأسمال الثقافي والاجتماعي"،وتكوين شبكة علاقات تمكن هذه الأسر من الحفاظ على وجودها واستمراريتها، فيقوى بالتالي جانبها بـ«الوصلة والالتحام» حسب تعبير ابن خلدون.

لكن الذي شد انتباهنا أن الأمثلة التي مدّتنا بها كتب الطّبقات تكاد تكون محصورة لدى الفرع المكي من أبناء القطب أبي بكر محمد، والمثال المصري الوحيد تمثل في مجد الدين أبي علي حسن بن علي القسطلاني (مثال رقم.1) الذي صاهر مجد الدين الإخميمي خطيب مصر.

وقد نجد تفسيرا لذلك في عاملين رئيسين: الأول يتعلق بالمصادر، ففي حين اهتم ابن فهد بالفرع المكّي واعتبر المصدر الأساسي في تأريخه للعائلة من خلال كتابه "غاية الأماني في تراجم أولاد القسطلاني"، فنقل عنه ابن حجر في درره والسخاوي في الضّوء، فإن الفرع المصري لم يحض بنفس الاهتمام على ما يبدو مما يفسر عدم التوازن في توفير المعلومات. أما النقطة الثانية، فتتمثل في تركيبة المجتمع المكّي، المتكوّن من عدد من البيوتات العلمية الوافدة على مكة منذ الأيوبيين، مما سهل على أبناء القطب  تثبيت مكانتهم ضمنها، وهو أمر لم يكن متوفرا على ما يبدو لأبناء التاج المستقرّين بمصر.

الوثيقة رقم 4 :مبادلات الزواج عند آل القسطلاني

الاسم

الوفاة

الزوج أو الزوجة

المصاهرة

المكان

المصدر

1

مجد الدين أبو علي حسن بن علي بن أحمد القسطلاني

685

ابنة الخطيب مجد الدين الإخميمي

-

مصر

العسقلاني، الدرر، 5 /463

2

أمة الرحيم فاطمة ابنة القطب القسطلاني

721

تزوجت بالجمال محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الزين أبو الطاهر بن الجمال بن الحافظ المحب الطبري ثم المكي الشافعي

الطبري

مكة

السخاوي، التحفة، 1/ 133

3

الْجمال أَبُو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ

789

عَائِشَة ابْنة مُحَمَّد بن عَليّ العجمي

-

مكة

السخاوي، الضوء، 7 / 79

4

أبو العباس أحمد بن الحسن بن الزين محمد بن الأمين محمد بن القطب محمد القسطلاني

797

أم الْحُسَيْن سِتّ الْكل ابْنة أَحْمد بن إمام الدّين مُحَمَّد بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ القسطلانية

القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 58

5

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حسن بن الزين محمد بن أمين الدين محمد بن القطب محمد القسطلاني

801

خَدِيجَة ابْنة إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن أبي بكر المرشديأخت الجمال المرشدي

المرشدي

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 100

6

العفيف عبد الله بن أحمد بن حسن بن الزين القسطلاني

827

- خَدِيجَة ابْنة إِبْرَاهِيم بن أَحْمدالمرشدي

- خَدِيجَة ابْنة أبي عبد الله مُحَمَّد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الامين مُحَمَّد ابْن القطب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ أم أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ المكية.

- المرشدي

- القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12 /140

7

عَائِشَة ابْنة أَحْمد بن حسن ابْن الزين الْقُسْطَلَانِيّ

827

أبو السعادات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيمُ بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيمُ بن أبي بكر الطبري

الطبري

مكة

السخاوي، الضوء، 9/ 191

8

أم الْحُسَيْن الصُّغْرَى ابْنة عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بنالامين مُحَمَّد بن قطب الْقُسْطَلَانِيّ

829

- الشريف عميد بن عاطف بن أبي دعيج بن أبي نمى الْحَسَنَة

- الشريف مقبل بن مُحَمَّد بن عاطف

شرفاء مكة

مكة

السخاوي، الضوء، 12/ 140

9

أم الأمان فاطمة بنت الجمال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حسن بن الزين محمد

832

عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الْمَكِّيّ

الفاكهي

مكة

السخاوي، الضوء، 12/ 101

10

خَدِيجَة ابْنة أبي عبد الله مُحَمَّد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الامين مُحَمَّد ابْن القطب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ

846

- تَزَوَّجت ابْن عَمها مُحَمَّد بن احْمَد بن حسن فَولدت لَهُ ثمَّ طَلقهَا

- فَتزوّجت قريبها ايضا احْمَد بن ابي الْخَيْر مُحَمَّد بن حُسَيْن ابْن الزين فَولدت لَهُ

- تزوجت بأخى زَوجهَا الاول الْعَفِيف عبد الله بن احْمَد

القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12/ 30

11

الجمال أبو الخير محمد بن العفيف عبد الله بن أحمد بن الحسن بن الزين محمد القسطلاني.

848

خَدِيجَة ابْنة مُحَمَّد بن عِيسَى الْحلَبِي

-

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 142

12

أم الامان فَاطِمَة ابْنة أبي البركات مُحَمَّد بن احْمَد بن ابي الْخَيْر مُحَمَّد بن حسن بن الزين أمحمد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب مُحَمَّد الْقُسْطَلَانِيّ

بعد 854

مُحَمَّد بن احْمَد الفاكهي

الفاكهي

مكة

السخاوي، الضوء، 12 /101

13

نور الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن أحمد بن محمد القسطلاني

866

هَدِيَّة ابْنة الْعَفِيف عبد الله بن أَحْمد بن حسن أم الْهدى ابْنة ابْن الزين الْقُسْطَلَانِيّ

القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12/ 132

14

زَيْنَب ابْنة عَليّ بن مُحَمَّد بن احْمَد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب الْقُسْطَلَانِيّ

862

- الْجمال مُحَمَّد بن مَسْعُود الزواوي ثمَّ بعد طَلَاقه

-عبد الْقَادِر بن يحيى بن فَهد

-  الزواوي

- ابن فهد

مكة

السخاوي، الضوء، 12 /44

15

الْكَمَال أَبُو البركات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن حسن بن الزين القسطلاني.

864

أم كَمَال ابْنة الْعَفِيف عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد بن القطب الْقُسْطَلَانِيّ

القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12 /160

16

الكمال محمد بن أحمد بن أبو الخير محمد بن الحسين بن الزين محمد القسطلاني

865

- سِتّ الْكل سعيدة ابْنة عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر الفاكهي وهي ابنت أخت الجمال المرشدي

- حَبِيبَة ابْنة عَليّ بن مُحَمَّد بن عمرالفاكهي

- المرشدي

- الفاكهي

مكة

السخاوي، الضوء، 9 /38 - 39

17

فاطمة بنت النور أبو الحسن علي الأصغر بن محمد بن أحمد بن حسن بن الزين القسطلاني.

871

أبو بكربن عبد الْغَنِيّالمرشدي

المرشدي

مكة

السخاوي، الضوء، 12/95 - 96

18

الْجمال مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن الضياء مُحَمَّد بن التقي عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن الْحسن الْقُسْطَلَانِيّ

القرن 9

سعدى المغربية مُسْتَوْلدَة الشهَاب بن ظهيرة أم وَلَده أبي عبد الله

ابن ظهيرة

مكة

السخاوي، الضوء، 9 / 3

19

النَّجْم محمد بن أبي البركات محمد بن أبي العباس أحمد بن أبو الخير محمد  بن الزين القسطلاني.

889

- ذابل الحبشية عتيقة القَاضِي عَليّ بن الزين الْقُسْطَلَانِيّ الْمَكِّيّ وموطوءته

- أم الْحُسَيْن ابْنة أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد بن الْأمين مُحَمَّد القطب الْقُسْطَلَانِيّ

القسطلاني

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 33

نفسه، 12 /142

20

فَاطِمَة ابْنة أبي الْخَيْر مُحَمَّد بن حُسَيْن بن الزين مُحَمَّد بن الامين مُحَمَّد بن القطب مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ

بعد 890

عبد اللَّطِيف بن مُوسَى بن عميرَة اليبناوي

-

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 102

21

سَعَادَة ابْنة أبي الْبَقَاء مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن حسن بن الزين مُحَمَّد ابْن الْأمين مُحَمَّد بن القطب الْقُسْطَلَانِيّ المكية

892

- أَبُو الْقسم بن مُحَمَّد بن عَليّ الفاكهي

- أَبُو البركات بن مُحَمَّد بن عَليّ الفاكهي

- عبد الْقَادِر بن النويري

الفاكهي

مكة

السخاوي، الضوء، 12 / 65

22

مُحَمَّد بن أبي بكر بن عبد الْملك بن الزين أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن الصفي مُحَمَّد بن الْمجد حُسَيْن بن التَّاج عَليّ الْقُسْطَلَانِيّ

-

حليمة ابْنة الشَّيْخ أبي بكر بن أَحْمد بن حميدة النّحاس

-

مكة

السخاوي، الضوء،2/103

 

ثالثا: أنماطالتضامن وما تعكسه من درجة اندماج في المجتمعات المشرقية، وقد تأكد ذلك من خلال ما تنسبه المصادر إلى بعض أفراد هذه العائلة نزيلة مكة ومصر من تشييد وترميم المساجد والميضات، وكل ما يتعلق بالأعمال المعمارية التقليدية التي يقوم بها أصحاب السلطة أو أصحاب الثروة والمحسنين. وكنا قد وقفنا على الثروة التي اكتسبها بعض القسطلانيين، بما مكّنهم من لعب أدوار مهمة في تجديد المرافق العامة وتحسينها. فقد وصفت المصادر أحمد بن محمد بن القطب محمد، بأنه "ذا مال وبرّ ومعروف وديانة"، وأحمد بن محمد بن زين الدين بأنه "كان خيّرا متمولا"، في حين تمكّن علي بن محمد لوحده من ترميم رباط السدرة ورباط كلالة بمكة سنة 843 ه.

هذه الأعمال الخيريّة لا تقتصر فقط على أصحاب الثّروات بل على أفرد كانت مواردهم متواضعة، وهو ما نراه جليا في مثال القطب محمد الذي ذكر في شأنه صاحب المقفى الكبير أنه كان مكرما للوارد عليه من الفقراء بالقاهرة، "يعمل لهم سماطا يأكلون عليه عنده ويبرهم ويعين أكثرهم على الحج، وكان كثير السعي في حوائج الناس". في حين اشتهر الضياء أبو عبد الله خليل بن عبد الرحمن القسطلاني إمام المالكية في مكة بالبرّ وتقديمه الصدقات ومواساة الفقراء وتحمّل الدّين العظيم لأجلهم، حتى انتهي دينه حسب ما يذكره صاحب التحفة اللطيفة إلى ما يقارب مائة ألف درهم، أو أنه "كان له من الدين فوق ما يصفه الواصفون". نتبين من خلال هذه الروايات مدى أهميّة ما يسمّى بأنماط التضامن الاجتماعي خاصة المتّصلة بشؤون الحياة المادية من أمور المعيشة وتوفير الضروريات اليومية للعديد من الشرائح، وما يتعلق بها من سعي لاكتساب مشروعية اجتماعية وتعزيز مكانة الفرد داخل المجموعة التي يعيش فيها.

خاتمة :

ما يمكن استخلاصه من خلال ما تقدم أن عائلة القسطلانيتمتعتبجملة من الصفات الرمزية والمعنوية التي اكتسبتها عبر التاريخ ونحتت لها مكانة وجيهة ضمن فئات المجتمع المشرقي. وذلك باعتبارها تنتمي إلى البيوتات العلمية التي تعود جذورها إلى بداية القرن السادس الهجري/ 12 م، حيث انضافت إلى العناصر القادمة من المغرب ومن باقي المدن المشرقية وكونت أسرا وبيوتات اكتسبت عراقة وشهرة بالتقادم. حتى أن التلاقح والتثاقف والتعايش بين جميع هذه البيوتات داخل مكة ومصر خلق لحمة اجتماعية وانصهارا ونمطا من العيش المتميز له تقاليده وعراقته.

من ناحية أخرىأثبتت كتب الطبقات قيمتها، وساعدت على التعرف على احدى أهم العائلات الافريقية المهاجرة إلى المشرق وتتبع أثارها واسهاماتها العلمية. فلطالما اهتمت الأبحاث بنماذج من الرحلات العلمية بين المغرب والمشرق لكنها تغاضت بشكل أو بآخر على ذكر هذه العائلات، التي كونت شرفا اجتماعيا وأصبحت من الأسر البيوتات المشهورة التي توارثت العلم والمناصب الشرعية عبر أجيال متتالية، وأسهمت - دون شك - في إثراء المشهد الثقافي والاجتماعي للمشرق الإسلامي. ولعل العمل على التعريف بعائلة القسطلاني قد يفتح الطريق للحديث عن عائلات أخرى مهاجرة مستقرة في العديد من المدن المشرقية لاسيما منها أسرة البوصيري أصيلة المنستير.

المصادر والمراجع

ذنون طه (عبد الواحد)، الرحلات المتبادلة بين الغرب الإسلامي والمشرق، المدار الإسلامي، الط 1، طرابلس 2005.

أحمد (علي)، الأندلسيون والمغاربة في بلاد الشام من نهاية القرن السادس إلى نهاية القرن التاسع الهجري، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط 1 دمشق 1985.

البكري، المسالك والممالك، دار الغرب الإسلامي، ط 2 .ج 2.بيروت. 1992.

المراكشي، الاستبصار في عجائب الأمصار، دار الشؤون الثقافية، ط1 .بغداد. 1986.

ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، ط 1 .ج 4. بيروت. 1977.

السخاوي، التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، دار الكتب العلمية، ط 2 .ج 1.بيروت. 1993.

ابن فرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، دراسة وتحقيق مأمون بن محيي الدين  الجنان، دار الكتب العلمية، ط 2 .بيروت . 1996.

التنبكتي، نيل الديباج بتطريز الديباج، اشراف وتقديم عبد الحميد عبد الله الهرامة، وضع هوامشه وفهارسه طلاب من كلية الدعوة الإسلامية، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ط 1.ج 1.طرابلس. 1989.

الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، ط 2، ج 42.بيروت. 1993.

المنذري، التكملة لوفيات النقلة، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط .1 ج 1.بيروت. 1984.

الصفدي، الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، ط2 .ج4.بيروت 2000.

اليونيني، ذيل مرآة الزمان، بعناية وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية للحكومة الهندية، دار الكتاب الإسلامي، ط 2 ، ج 2.القاهرة.1992.

بن حمادي (عمر)، "كتب الطبقات ومشاكل استغلالها في أبحاث الديمغرافية التاريخية"، ندوة الديمغرافية التاريخية في تونس والعالم العربي، دار سراس للنشر، تونس. 1993.

روجي إدريس (الهادي)، الدولة الصنهاجية : تاريخ إفريقية في عهد بني زيري من القرن 10 م إلى القرن 12 م، نقله إلى العربية حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي،.ط.1ج 1 .بيروت. 1992. 

ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج. س. كولان ول. بروفنسال، دار الثقافة، ط3. ج1. بيروت. 1983.

حسن (محمد)، المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية،ج1.تونس 1999.

عبد الوهاب (حسن حسني)، كتاب العمر في مصنفات المؤلفين التونسيين، مراجعة وإكمال محمد العروسي المطوي والبشير البكوش، الدار العربية للكتاب، ج 1. تونس 2001.

القادري بتوتشيش (إبراهيم)، تاريخ الغرب لإسلامي: قراءات جديدة في بعض قضايا المجتمع والحضارة، دار الطليعة، ط1 .بيروت. 1994.

صمايري (هشام)، العلماء المغاربة بالمشرق خلال الفترة الموحدية، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس 2009.

السيوطي، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط 1. ج 1.مصر. 1967.

اليونيني، ذيل مرآة الزمان، بعناية وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية للحكومة الهندية، دار الكتاب الإسلامي، ج 2. القاهرة. 1992.

الذهبي، العبر في خبر من غبر، تحقيق أبو المهاجر محمد سعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، ج 3.بيروت. د. ت.

محمد أمين بن فضل الله، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، دار صادر، ج1 .بيروت د. ت.

ابن خلدون، المقدمة، تحقيق خليل شحادة، دار الفكر،ط2.بيروت. 1988.

بورديو (بيار)، الرمز والسلطة، تعريب عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط2، المغرب. 2007.

الصفدي، أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق علي أبو زيد، نبيل أبو عشمة، محمد موعد، الدكتور محمود سالم محمد، قدم له، مازن عبد القادر المبارك، دار الفكر المعاصر، ج 5.بيروت. 1998.

ابن فهد، لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت. 1998.

الإدريسي (محمد العدلوني)، أبو الحسن الششتري وفلسفته الصوفية، دار الثقافة، المملكة المغربية. 2005.

ابن عماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق محمود أرناؤوط، دار ابن كثير، ط1.ج7.دمشق 1986.

البختي (جمال علال)، الحضور الصوفي في الأندلس والمغرب إلى حدود القرن السابع الهجري، مطبعة الخليج العربي، تطوان. 2003.

الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع، دار المعرفة، ج1،بيروت، د. ت.

العيدروس، النور السافر عن أخبار القرن العاشر، دار الكتب العلمية،  بيروت، 1405 ھ.

العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق ومراقبة محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية -صيد أباد، ، ج 5.الهند. 1972

السخاوي، الضوء اللامع، ج 8، ص 78؛ الغزي، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، تحقيق خليل منصور، دار الكتب العلمية، ج 1.بيروت. 1997.

أنظر نجم الدين الهنتاتي، المذهب المالكي في الغرب الإسلامي إلى منتصف القرن 5 ھ/ 11 م، تبر الزمان، تونس. 2004.

العسقلاني، أنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق حسن حبشي، لجنة إحياء التراث الإسلامي، ج 1.مصر. 1969.

ابن خلدون، المقدمة، تحقيق خليل شحادة ومراجعة سهيل زكار، دار الفكر، بيروت. 2000. 

المقريزي، المقفى الكبير، تحقيق محمد اليعلاوي، دار الغرب الإسلامي، ج 5. بيروت. 1991.

السخاوي، التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، ج 1.

Pouzet (Louis), « Maghrébins à Damas au VII/XIIIe siècle » Bulletin des études Orientales, TXXVIII, année 1975.

Garcin (J. C.), Un centre musulman de la Haute-Egypte Médiévale, QUS, Thèse pour le Doctorat d’Etat ès-Lettres et science humaine présentée à l’Université de Paris I (Panthéon - Sorbonne), Paris 1974.

Chamoux(A.), «La reconstitution des familles: espoirs et réalité», Annales Economies,  Sociétés, Civilisation, 27e année, n° 4-5, 1972.

Schofield (R. S.) et Chamoux(A.), «La reconstitution de la famille par ordinateur», Annales. Economies, Sociétés, Civilisations, 27e année, N° 4 – 5, 1972.

Blayo(Ch.), « de l’application des principes d’analyse démographique à l’étude de l’évolution des familles », Population, 45e année, n° 1, 1990.

Pouzet (L.), Damas au VIIe/ XIIIe siècle vie et structures religieuses d’une métropole islamique, Dar El-Machreq Sarl éditeurs, Beyrouth 1988.

Pouzet (L.), « Maghrébins à Damas au XIIe / XIIIe siècle», B. E. O. T. XXVII, année 1975, volume 13.

Bourdieu (P.), La distinction : Critique sociale du jugement, Cérès édition, Tunis 1959. 

Touati (H), Entre Dieu et les hommes. Lettrés, saints et sorciers au Maghreb (17e siècle), paris 1994 .

Van Renterghem (V.), « Autoritéreligieuseetautoritésociale dans le groupe hanbalite bagdadien d'après le «Journal» d'Ibn al-Bannâ' (Ve/XIe siècle) », Les autorités religieuses entre charisme et hiérarchie: approches comparatives, sous la direction de Denis Aigle, BREPOLS, Belgium 2011.

Berkey (J.), The transmission of knowledge in medieval Cairo. A social History of Islamic Education, Princeton, 1992.

Touati(H.), « les Héritiers : Anthropologie des maisons de sciences maghrébines au XIe / XVIIe  et XIIe / XVIIIe siècle », Modes de transmission de la culture religieuse en islam, travaux publiés sou la direction Hassan Elboudrari et édité avec le concours de l’université de Princeton, le Caire 1993.

Bourdieu (P.), La distinction : Critique sociale du jugement, Chamberlain (M.), Knowledge and social practice in medievalDamascus, 1190 – 1350, Cambridge UniversityPress, 1995.

 

المساندة الاجتماعية وعلاقتها بالصلابة النفسية والأمن النفسي

لدى المرأة الفلسطينية المطلقة والأرملة " دراسة مقارنة "

 

 

د. نرمين محمد سليمان أبو سبيتان                                           أ. د. عبد المجيد الناصر

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية                                             دائرة الأبحاث لمعهد التعليم العليا

  جامعة تونس                                                                      جامعة تونس

 

 

ملخص الدراسة باللغة العربية


هدفت الدراسة إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين المساندة الاجتماعية بالصلابة النفسية والأمن النفسي لدى المرأة الفلسطينية المطلقة والأرملة دراسة مقارنة، والتعرف عما إذا كان هناك فروق في مستوى المساندة الاجتماعية تعزى إلى المتغيرات التالية: (المحافظة- العمر- المستوى التعليمي- عدد سنوات الزواج– عدد الأبناء- نوع الأسرة).

استخدمت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي، وتكونت العينة الاستطلاعية للدراسة من(60) مطلقة وأرملة ثم تم التحقق من صدق وثبات أدوات الدراسة، كما تكونت العينة الفعلية للدراسة من (456) مطلقة  وأرملة من محافظات غزة، وقد استخدمت الباحثة أدوات وهما: استبانة  المساندة الاجتماعية، واستبانة الصلابة النفسية، واستبانة الأمن النفسي، وبعد التحليل الإحصائي توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:

  • وجود علاقة طردية ذات دلالة إحصائية بين الدرجة الكلية للمساندة الاجتماعية وبين الدرجة الكلية للصلابة النفسية وأبعاده التالية (الالتزام، التحكم، التحدي) والدرجة الكلية للأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة.
  • وجود فروق جوهرية ذات دلالة احصائية في الدرجة الكلية للمساندة الاجتماعية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة (شمال غزة، غزة، الوسطى، خانيونس، رفح) لصالح مطلقات وأرامل محافظة الوسطى.
  • وجود فروق جوهرية ذات دلالة احصائية في الدرجة الكلية للأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة (شمال غزة، غزة، الوسطى، خانيونس، رفح) لصالح مطلقات وأرامل محافظة خانيونس.
  • وجود فروق جوهرية ذات دلالة احصائية في الدرجة الكلية للصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لعدد الأبناء (أقل من ثلاث أبناء، ثلاث أبناء، ثلاثة أبناء فأكثر) لصالح النساء المطلقات والأرامل اللواتي لديهم ثلاث أبناء فأكثر.
  • وجود فروق جوهرية ذات دلالة إحصائية في الدرجة الكلية لكل من المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى للمستوى التعليمي (أقل من ثانوية، ثانوي، جامعي فما فوق) لصالح جامعي فما فوق.
  • وجود فروق جوهرية ذات دلالة إحصائية في الدرجة الكلية لكل من المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لمدة الزواج (أقل من سنة، ثلاث سنوات، ثلاث سنوات فأكثر) لصالح ثلاث سنوات فأكثر.

الكلمات المفتاحية: المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الأمن النفسي، المرأة المطلقة، المرأة الأرملة.

المقدمة:

إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يعيش ويقضي معظم وقته في جماعة، يؤثر فيها ويتأثر بها، والفرد منذ طفولته تنمو لديه القدرة بالتدريج على إقامة العلاقات الاجتماعية الفعالة مع الآخرين، فهو يتفاعل مع أمه ثم باقي أفراد الأسرة والأهل ثم يمتد التفاعل ليشمل جماعات أخرى، بدءا من التحاقه بالمدرسة حتى يخرج إلى المجتمع الكبير.

ويؤكد كل من أن الحاجة إلى الجماعة والانتماء من أهم الحاجات الأساسية التي تلح في الإشباع وتدفع الشخص إلى الارتباط بجماعة أو أكثر يحبها وتحبه، ويجد عندها الأمن والتقدير والاطمئنان والمكانة الاجتماعية، وتشبع له حاجاته إلى الصحبة، وتؤثر في بناء شخصيته وفي تكوين قيمه واتجاهاته وميوله.

وكذلك العلاقات الاجتماعية باعتبارها من أهم مصادر الدعم الاجتماعي، والحماية من تأثير الضغوطات، بحيث تشكل للفرد درعا واقيا من الانحرافات والعزلة، مما تجعله يعيش مطمئنا، هادئ النفس، كما تساعده على أن يكون شخصا فعالا في المجتمع، لينال تقديره وإعجابه واحترامه، لأننا اليوم نعيش في عصر يتميز بتغيرات: ثقافية، اجتماعية، اقتصادية، وسياسية متباينة، أدت إلى تعقيب أساليب التوافق والرضا عن الحياة، وذلك لما يتميز به هذا العصر من سمات: كالضغوط، والتوتر، والتعصب، نتيجة لذلك أصبح الفرد فريسة لدروب شتى كالاضطرابات والانفعالات الشخصية.

كما وأن الصلابة النفسية "مصدر من المصادر الشخصية الذاتية لمقاومة الآثار السلبية لضغوط الحياة والتخفيف من آثارها على الصحة النفسية والجسمية، كما أنها تسهم في تسهيل وجود ذلك النوع من الإدراك والتقويم والمواجهة الذي يقود إلى التوصل إلى حل ناجح للموقف الذي خلقته الظروف الضاغطة"

الصلابة النفسية، وما تميز المرأة المطلقة والأرملة من سمات شخصية تجعلها أكثر قدرة على مواجهة ما تتعرض له من مثيرات الإحساس بالقلق، أو عند تعرضها للضغوط النفسية الشديدة أو المزمنة فإن اتجاهاتها نحو هذه العوامل تتخذ سمة الالتزام بالتعامل معها هذه المتغيرات قابلة للتعامل معها وحل ما يستعصي منها باختيار الفرد لسلوكه إزاءها، وأخيراﹰ خلال سمة التحدي لتلك المتغيرات والتعامل معها كفرص للنمو وليس كمهددات للأمن النفسي.   

قال عز من قائل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد:28)، كما قال عز وجل في موضع آخر ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ (الأنعام:82)، أيضا وفي الإشارة إلى أهمية الطمأنينة النفسية وربطها بالايمان بقضاء الله وقره، قال تعالى﴿َ فلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ { 3 } الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (قريش:3-4).

إذن فالأمن نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل على عباده يطلبها الناس وسيحثون عنها بشتى الوسائل، وهو ضرورة من ضرورات الحياة، ولكن الناس يتفاتون ويتشتت سعيهم في طلبها، حيث أخطأها الكثير منهم، ووفق الله عز وجل القليل من عباده إلى سبيل تحصيلها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فالأمن طمأنينة قلبية تسلم إلى السكون النفسي والرخاء القلبي، والأمانة طمأنينة، والإيمان طمأنينة وتصديق وتسلم عن يقين، ويشعر الإنسان بالأمن متى كان مطمئنا على صحبته وعمله ومستقبله وأولاده وحقوقه ومركزه الاجتماعي، فإن حدث ما يهدد تلك الأمور، أو إن توقع الفرد هذا التهديد فقد شعوره بالأمن.

إن أي خلل أو مشكلات يمكن أن تعوق الفرد عن تحقيق تفاعله الاجتماعي الطبيعي، قد تقوده إلى الدخول في دائرة الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي ربما يأتي في مقدمتها مشكلة الشعور بفقدان الأمن النفسي.

بات من المؤكد أن المساندة الاجتماعية مصدرا هاما من مصادر الأمن الذي تحتاجه المرأة المطلقة  والأرملة في عالمها الذي تعيش فيه، بعد لجوئها إلى الله – سبحانه وتعالى-  وعندما تشعر أن هناك ما يهددها وعندما تشعر أن طاقتها استنفدت أو لم يعد بوسعها أن تتحمل ما يقع عليها من إجهاد، وأنها تحتاج إلى مدد وعون من خارجي.

كان موضوع المرأة ولا يزال وسيظل من الموضوعات التي يكثر حولهن الحديث، ويدور حولها الحوار، كيف لا وهي تشكل نصف المجتمع، وهي مصنع الرجال، ومربية الأجيال، وموضوع المرأة يتأثر بالتغيرات الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات، ولهذا فهو موضوع مستمر الطرح، وخاصة في القرنين الأخيرين، ولم تكن العلاقة بين الرجل والمرأة، ودور كل منهما في الحياة الأسرية، وفي المجتمع تثير التساؤل فالمرأة منذ القدم كانت مع الرجل زوجا وأخا وأبا وابنا تناضل وتكافح من أجل لقمة العيش، ومساعدة أسرتها التي تعتبر اللبنة الأساس في بناء المجتمع، وكانت الأسرة وحدة منسجمة، تعتمد على نفسها في توفير متطلبات الحياة الأساسية.

فإن الدراسة الحالية جاءت لتسلط الضوء على المساندة الاجتماعية وعلاقتها بالصلابة النفسية والأمن النفسي لدى المرأة الفلسطينية المطلقة والأرملة، وذلك لاعتبارات أهمها أن النساء الفلسطينيات اللواتي فقدن أزواجهن  سواء بالطلاق أو بالترمل، ربما يكن عرضة أكثر غيرهن للاضطرابات النفسية، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فيتمثل في الإحساس بتبدد طاقات النساء المطلقات والأرامل خاصة إذا شعرن بعدم الأمن النفسي الناتج عن فقدان المساندة الاجتماعية.

ولهذا ترجع أهمية هذه الدراسة في كونها إضافة جديدة إلى رصيد الدراسات التي تبحث في موضوع المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي وذلك لأنها تحاول التعرف على مستوى كل مفهوم من هذه المفاهيم لدى المرأة (المطلقة والأرملة) في المجتمع الفلسطيني، خاصة أن هذه المفاهيم لم يسبق دراستها مجتمعة في غزة وعلى نفس العينة في حدود علم الباحثة وإطلاعها.

مصطلحات الدراسة

أولاً- المساندة الاجتماعية (social support):

تتبنى الباحثة تعريف للمساندة الاجتماعية بأنه:" ثقة المرأة المطلقة والأرملة بوجود الأسرة والأقارب والأصدقاء والمؤسسات الاجتماعية التي تقدم لها الدعم والرعاية والاهتمام حينما تشعر بحاجتها للدعم كما تعمل على تكيفها مع المجتمع حتى في أحلك الظروف"، وتقاس في هذه الدراسة بمجموع الدرجات التي تحصل عليها المطلقات والأرامل في استبانة المساندة الاجتماعية المستخدمة في هذه الدراسة.

ثانياً- الصلابة النفسية(psycholoical hardines) :

تتبنى الباحثة تعريف لصلابة النفسية بأنها:" إمتلاك المطلقة والأرملة لمجموعة سمات تجعلها قوية في نفسها أمام الصعاب والعوائق، متوازنة في الأزمات، حكيمة في المواقف، صابرة عند الشدائد وبلاء الدنيا، قادرة على تحمل الحزن، متقبلة وراضية مؤمنة بقضاء الله وقدره، مما يساعدها على مواجهة مصادر الضغوط، تقاوم القلق والاكتئاب، فتدير حياتها بفاعلية دون اضطراب، متحكمة فيما يواجهها من أحداث، متحملة المسؤولية لما يحدث لها، ملتزمة بقيم وأهداف معينة لمواجهة مستجدات الحياة "، وتقاس في هذه الدراسة بمجموع الدرجات التي تحصل عليها المطلقات والأرامل في استبانة الصلابة النفسية المستخدمة في هذه الدراسة.

ثالثاً الأمن النفسي (Psychological security) :

تتبنى الباحثة تعريف للأمن النفسي بأنه: " شعور المرأة المطلقة  والأرملة بالسعادة والطمأنينة والراحة النفسية داخلياً وخارجياً، وذلك من خلال رضاها عن نفسها وتقبلها، والقناعة بما كتبه الله لها وقدرتها على إشباع حاجاتها الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية بنفسها، وقدرتها على التكيف والتوافق مع الحياة التي تعيشها وقدرتها على حل مشكلاتها، وعدم شعورها بالآلام والأحزان "، وتقاس في هذه الدراسة بمجموع الدرجات التي تحصل عليها المطلقات والأرامل في استبانة الأمن النفسي المستخدمة في هذه الدراسة.

رابعاً المرأة المطلقة Divorced woman)) :

تعرف الباحثة المرأة المطلقة إجرائياً بأنها:" المرأة التي إنفصلت عن زوجها وقضت مدة سنة أو  أكثر من فترة الزواج وتم الدخول بها وتم هذا الانفصال بطريقة منبثقة من الدين، ويتبع ذلك إجراءات رسمية وقانونية وقد يتم بإتفاق الطرفين أو بإرادة أحدهما ".        

خامساً- المرأة الأرملة Women's Widow)):

تعرف الباحثة المرأة الأرملة إجرائيا بأنها:" المرأة التي مات عنها زوجها ولم تتزوج بعده، لأن لفظ أرامل يطلق أيضا على المساكين من رجال ونساء، لكنه استخدم في النساء أكثر، لأن العرب تقول أرمل فلان إذا نفذ زاده وافتقر".

أهمية الدراسة:

تبرز أهمية الدراسة الحالية في النقاط التالية:

الأهمية النظرية للدراسة:

  1. دراسة شريحة مهمة من شرائح المجتمع، وهي شريحة المطلقات والأرامل، وهن بحاجة لرعاية واهتمام من الجوانب كافة.
  2. ندرة الأبحاث والدراسات -في حدود علم الباحثة- التي تناولت مفاهيم الدراسة في البيئة الفلسطينية .

الأهمية التطبيقية للدراسة:

  1. فتح المجال أمام البحوث والدراسات الأخرى التي تهتم بجوانب أخرى تدور حول مفاهيم الدراسة.
  2. توجيه أنظار المختصين والباحثين لإعداد واستحداث برامج إرشادية جديدة في ضوء نتائج الدراسة الحالية.
  3. ربما تكون هذه الدراسة بمثابة إضافة إلى التراث السيكولوجي الذي قد يسهم في إثراء المكتبات الفلسطينية، والعربية، والدراسات التربوية، التي من شأنها أن تفيد طلبة الدراسات العليا وجميع المهتمين بمجال البحث العلمي.

نتائج الدراسة وتفسيرها

فيما يلي عرضاً للنتائج التي تم الحصول عليها باستخدام أدوات الدراسة والمعالجات الإحصائية وفقا لأسئلة الدراسة وفرضياتها، وسيتم عرض النتائج الخاصة بتساؤلات الدراسة ثم عرض النتائج الخاصة بفرضيات الدراسة، ومن ثم عرض تحليل نتائج المجموعات البؤرية. 

أولاً: نتائج تساؤلات الدراسة

  • التساؤل الأول: ما مستوى المساندة الاجتماعية المقدم لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

للتعرف على مستوى المساندة الاجتماعية المقدم لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة، قامت الباحثة بحساب المتوسطات والانحرافات المعيارية والوزن النسبي للمقاييس التالية المساندة الاجتماعية، ويتضح ذلك من خلال الجدول التالي:

جدول 1: المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية والأوزان النسبية لدرجات المساندة الاجتماعية المقدم لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظة غزة

العينة

البعد

عدد الفقرات

الدرجة الكلية

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الوزن النسبي

الترتيب

النساء المطلقات

الأسرة

32

128

87.0

33.5

67.96

1

الأصدقاء

32

128

44.0

32.8

34.39

3

الأقارب

32

128

60.2

37.0

47.02

2

الدرجة الكلية لمقياس المساندة الاجتماعية

96

384

191.2

79.4

49.79

النساء الأرامل

الأسرة

32

128

92.5

30.2

72.29

1

الأصدقاء

32

128

58.5

32.2

45.71

3

الأقارب

32

128

66.5

35.2

51.92

2

الدرجة الكلية لمقياس المساندة الاجتماعية

96

384

217.5

74.5

56.64

يتم حساب الوزن النسبي بقسمة الوسط الحسابي لكل بعد على الدرجة الكلية لكل بعد ثم ضرب الناتج في 100.

يتضح من خلال النتائج في الجدول السابق:

بالنسبة لفئة النساء المطلقات: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس المساندة الاجتماعية لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 49.8% بمتوسط حسابي 191.2 درجة، وبانحراف معياري 79.4 درجة، أي أن النساء المطلقات في محافظات غزة يتلقين مساندة اجتماعية بدرجة متوسطة، أما بالنسبة لأبعاد مقياس المساندة الاجتماعية، فقد احتل بعد الأسرة المرتبة الأولى من حيث المساندة المقدم بوزن نسبي 69.3%، ويليه المساندة المقدم من الأقارب وبوزن نسبي 47.0%، في حين بلغ الوزن النسبي للمساندة المقدم من الأصدقاء 34.4%.

بالنسبة لفئة النساء الأرامل: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس المساندة الاجتماعية لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 56.6% بمتوسط حسابي 217.5 درجة، وبانحراف معياري 74.5 درجة، أي أن النساء الأرامل في محافظات غزة يتلقين مساندة اجتماعية بدرجة مرتفعة، أما بالنسبة لأبعاد مقياس المساندة الاجتماعية، فقد احتل بعد الأسرة المرتبة الأولى من حيث المساندة المقدم بوزن نسبي 72.3%، ويليه المساندة المقدم من الأقارب وبوزن نسبي 51.9%، في حين بلغ الوزن النسبي للمساندة المقدم من الأصدقاء 45.7%.

  • التساؤل الثاني: ما مستوى الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

للتعرف على مستوى الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة، قامت الباحثة بحساب المتوسطات والانحرافات المعيارية والوزن النسبي للمقاييس التالية المساندة الاجتماعية، ويتضح ذلك من خلال الجدول التالي:

جدول 2: المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية والأوزان النسبية لدرجات الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظة غزة

العينة

البعد

عدد الفقرات

الدرجة الكلية

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الوزن النسبي

الترتيب

النساء المطلقات

الالتزام

11

44

31.0

6.1

70.5

1

التحكم

10

40

24.4

5.5

61.1

2

التحدي

10

40

23.8

6.0

59.5

3

الدرجة الكلية للمقياس الصلابة النفسية

31

124

79.2

14.8

63.9

النساء الأرامل

الالتزام

11

44

32.3

6.3

73.3

1

التحكم

10

40

25.8

5.2

64.5

2

التحدي

10

40

24.4

6.0

61.0

3

الدرجة الكلية للمقياس الصلابة النفسية

31

124

82.4

15.2

66.5

يتم حساب الوزن النسبي بقسمة الوسط الحسابي لكل بعد على الدرجة الكلية لكل بعد ثم ضرب الناتج في 100.

يتضح من خلال النتائج في الجدول السابق:

بالنسبة لفئة النساء المطلقات: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 63.9% بمتوسط حسابي 79.2 درجة، وبانحراف معياري 14.8 درجة، أي أن النساء المطلقات في محافظات غزة لديهم درجة مرتفعة من الصلابة النفسية، أما بالنسبة لأبعاد مقياس الصلابة النفسية، فقد احتل بعد الالتزام المرتبة الأولى بوزن نسبي 70.5%، ويليه التحكم وبوزن نسبي 61.1%، في حين بلغ الوزن النسبي التحدي 59.5%.

بالنسبة لفئة النساء الأرامل: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس الصلابة النفسية لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 66.5% بمتوسط حسابي 82.4 درجة، وبانحراف معياري 15.2 درجة، أي أن النساء الأرامل في محافظات غزة لديهم درجة مرتفعة من الصلابة النفسية، أما بالنسبة لأبعاد مقياس الصلابة النفسية، فقد احتل بعد الالتزام المرتبة الأولى بوزن نسبي 73.3%، ويليه التحكم وبوزن نسبي 64.5%، في حين بلغ الوزن النسبي التحدي 61.0%.

  • التساؤل الثالث: ما مستوى الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

للتعرف على مستوى الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة، قامت الباحثة بحساب المتوسطات والانحرافات المعيارية والوزن النسبي للمقاييس التالية المساندة الاجتماعية، ويتضح ذلك من خلال الجدول التالي:

جدول 3: المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية والأوزان النسبية لدرجات الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظة غزة

العينة

البعد

عدد الفقرات

الدرجة الكلية

المتوسط الحسابي

الانحراف المعياري

الوزن النسبي

النساء المطلقات

الدرجة الكلية للأمن النفسي

39

156

78.0

23.0

50.0

النساء الأرامل

الدرجة الكلية للأمن النفسي

40

160

81.4

21.0

50.9

يتم حساب الوزن النسبي بقسمة الوسط الحسابي لكل بعد على الدرجة الكلية لكل بعد ثم ضرب الناتج في 100.

يتضح من خلال النتائج في الجدول السابق:

بالنسبة لفئة النساء المطلقات: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس الأمن النفسي لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 50.0% بمتوسط حسابي 78.0 درجة، وبانحراف معياري 23.0 درجة، أي أن النساء المطلقات في محافظات غزة يشعرن بدرجة متوسطة من الأمن النفسي.

بالنسبة لفئة النساء الأرامل: تبين من خلال الجدول السابق أن الوزن النسبي لمقياس الأمن النفسي لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 50.9% بمتوسط حسابي 81.4 درجة، وبانحراف معياري 21.0 درجة، أي أن النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة يشعرن بدرجة متوسطة من الأمن النفسي.

مناقشة عامة لنتائج الدراسة:

تتجلى أهمية الدراسة الحلية في: المساندة الاجتماعية وعلاقتها بالصلابة النفسية والأمن النفسي لدى المرأة الفلسطينية المطلقة والأرملة " دراسة مقارنة "، وللتحقق من ذلك، اتبعت الباحثة أهم الخطوات الإجرائية العلمية للدراسة بأساليب منهجية وإحصائية دقيقة، خلص إلى النتائج التالية:

مناقشة تساؤلات الدراسة، وهي كالتالي:

التساؤل الأول: ما مستوى المساندة الاجتماعية المقدم لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

يتضح أن الوزن النسبي لمقياس المساندة الاجتماعية لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 49.8%، بينما الوزن النسبي لمقياس المساندة الاجتماعية لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 56.6%.

وقد فسرت الباحثة نتيجة هذا التساؤل أن مستوى المساندة الاجتماعية المقدمة لسيدة المطلقة والأرملة متوسطة يعود لكون المساندة الاجتماعية مهمة جداً في رحلة حياتهن، والتي بدورها تؤدي إلى تحقيق مستوى مرتفع من الصلابة النفسية والأمن النفسي ككل، من خلال الدور النفسي الاجتماعي الذي تقدمه الأسرة والأقارب والأصدقاء.

وتفسر الباحثة ذلك أيضاً بأن العلاقة المتبادلة لها أهمية كبيرة كونها قائمة على مساعدتهن وتوفير المساندة الاجتماعية لها، مما ينعكس ذلك على صلابة المطلقة والأرملة، وبالتالي تكون أكثر إنتماءاً لمجتمعها وأكثر أمناً، وكذلك بحاجة ماسة إلى توفر المساندة الاجتماعية من خلال الأسرة والأقارب والأصدقاء من أجل نسيان الهموم وتخفيف الأثر النفسي الذي تخلفه ضغوط الحياة، وبالتالي فإن السيدة المطلقة والأرملة يبحثن عن وجود المساندة الاجتماعية في وقت الضيق، من أجل التنفيس والتفريغ من الضغوط، ومواجهة المشكلات خلال مراحل الحياة والوصول نحو تحقيق الصلابة النفسية، ومن ثم إذا شعرن بهذا الشعور الايجابي من خلال المساندة الاجتماعية التي يتلقينها عبر الأسرة والأقارب والأصدقاء، قد يكن وصلن إلى حالة من الشعور بالأمن الذي يساعدهن على التأقلم مع الحياة والتكيف معها.

وكذلك ترى الباحثة أن المساندة الاجتماعية المقدمة من الأسرة والأقارب والأصدقاء ليس بمثابة شفقة وإحسان، بل هو واجب اتجاهن والوقوف بجانبهن وتقديم المساندة اللازمة لهن، في ضوء الامكانات المتاحة.

التساؤل الثاني: ما مستوى الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

يتضح أن الوزن النسبي لمقياس الصلابة النفسية لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 63.9%، بينما الوزن النسبي لمقياس الصلابة النفسية لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 66.5%.

وتفسر الباحثة ذلك بأن مستوى الصلابة النفسية متوسط نتيجة تغلب النساء الفلسطينيات عموماً والمطلقة والأرملة خصوصاً على الكثير من التحديات والظروف المحيطة، وبالتالي أصبح لديها قدرة على الالتزام مع الذات، وقدرة على ضبطها والتحكم فيها، وبالتالي لديها مستوى تحد، الأمر الذي أكسبها صلابة نفسية بدرجة كبيرة، وأصبحت تنظر على أنها مصدر قوة وليس مصدر تهديد، وأن هذه الأحداث ما هي الإ حكمة إلهية وهذا في صميم الصلابة النفسية.

ويمكن تفسير ذلك في ضوء الصلابة التي تعمل كواق ضد ما يقابل الفرد من ضغوط، في ضوء مكوناتها الالتزام والتحكم والتحدي، حيث يصف بيرجر (Burger, 1992)الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من التحكم بأنهم يحاولون حل المشكلات الصعبة، والتي تشكل نوعاً من التحدي، بينما الأفراد الذين ليس لديهم رغبة في التحكم لا يميلون على تحدي أنفسهم في مواجهة المشكلات الصعبة (الشربيني، 2005).

وإذا اعتبرنا الطلاق  والترمل من الصعوبات التي تعاني منها السيدة المطلقة والأرملة، فإن السيدة المطلقة والأرملة الأكثر صلابة هم أكثر مقاومة وقدرة على تحمل الظروف الصعبة على أثر الطلاق أو الترمل، وهذا ينطبق على الالتزام فالشخصية الملتزمة تقاوم ما يقابلها من مواقف الضغط بقوة وصرامة.

هذا وقد توصلت كوبازا (Kopasa, 1979) إلى أن الأشخاص الأكثر صلابة هم أكثر صموداً وضبطاً داخلياً ومبادأة ونشاط ضد كل مواقف الضغوط، وبما أن التكيف مع الضغوط هو من أهم المؤثرات، فإن السيدة الأكثر صلابة تقاوم هذه الضغوط بفاعلية، فالأشخاص الأكثر صلابة من وجهة نظر كوبازا يتعرضن للضغوط ولا يمرضن في حين أن الأشخاص الأقل صلابة أكثر مرضاً وعجزاً (العبدلي، 2012).

وتتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة (كفا، 2012)، (دخان، الحجار، 2006) الذي توصل إلى وجود علاقة ارتباطية بين متوسط درجات أفراد عينة الدراسة على مقياس الصلابة النفسية ومتوسط درجاتهم.

التساؤل الثالث: ما مستوى الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة؟

يتضح أن الوزن النسبي لمقياس الأمن النفسي لدى النساء المطلقات في محافظات غزة بلغ 50.0%، بينما الوزن النسبي لمقياس الأمن النفسي لدى النساء الأرامل في محافظات غزة بلغ 50.9%.

وترى الباحثة أن هذا المستوى المتوسط يناسب الواقع على الرغم مما تتعرض له المرأة الفلسطينية المطلقة والأرملة في قطاع غزة من مصادر متعددة من الضغوط إلا أنهن يحتفظن بصحتهن الجسمية والنفسية، وذلك لوجود عوامل مخففة أو معدلة أو واقية لأثر الأحداث الضاغطة، وهذه العوامل تتمثل في المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية وتقدير الذات والفاعلية الذاتية والتي تجعل المرأة أكثر شعوراً بالقيمة والكفاية والفاعلية في مواجهة الضغوط، وأن البيئة الآمنة التي يسودها الحب والتعاون وحرية التعبير عن الرأي والمشاعر، والمساندة والتشجيع أثناء تعرض السيدة المطلقة والأرملة للضغوط، تعتبر في حد ذاتها عاملاً مخففاً، كما أنها تجعلها أكثر صلابة وثقة بالنفس، وأكثر طموحاً ودافعية للإنجاز، وأن المساندة الأسرية المتمثلة في إدراك المرأة أنها محبوبة ومقبولة، فهي تقوي الصحة النفسية لها، كما تقوي الخصائص النفسية (كالصلابة النفسية والشعور بالأمن النفسي والثقة بالنفس والطموح)، التي تقي المرأة المطلقة والأرملة من المرض النفسي، فالمساندة الاجتماعية تعتبر مصدراً هاماً من مصادر المساندة الاجتماعية الفاعل الذي تحتاجه المرأة المطلقة والأرملة، حيث يؤثر حجم ومستوى الرضا عنها في كيفية إدراك للضغوط المختلفة، كما أنها تلعب دوراً هاماً في إشباع الحاجة للأمن النفسي، وخفض مستوى المعاناة الناتجة عن شدة الأحداث الضاغطة وذات أثر في تخفيف حدة الأعراض النفسية، وبذلك فإن التقدير الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي يعتبر بمثابة العامل الوسيط بين الأحداث التأثير الايجابي لمستوى الأمن النفسي في تعزيز الصحة النفسية للمطلقة والأرملة كون الأمن النفسي يعتبر من أهم مصادر الصحة النفسية لديهن، من ثم يمكن التنبؤ بإنه في ظل غياب الأمن النفسي، يمكن أن تنشط الآثار السلبية للأحداث والمواقف السيئة التي تتعرض لها المطلقة والأرملة، مما يؤدي إلى اختلال الصحة النفسية لديهن، فالمطلقة والأرملة يشعرن بالاستقرار الاجتماعي نتيجة لتفاعل الكبير مع أفراد المجتمع من ناحية، ونتيجة شعورهن بتحسين المستوى الاقتصادي، وتحسين مستوى الرفاهية خاصة لأبنائهن من ناحية أخرى، إضافة إلى شعورهن بالأمن والاستقرار لثقتهن بأن هناك من يدفع الخطر عنهن.

ويمكن تفسيره بأن الشعور بالأمن النفسي يرتبط بإشباع الحاجات العضوية والنفسية، وهذا ما أكد عليه (الصنيع،1995)، وكما أشار كل من فرويد وماسلو إلى أن تحقيق الأمن النفسي مرتبط بإشباع الحاجات الفسيولوجية والنفسية، وهذا ما ذكره على سبيل المثال كل من (مرسي،1999)، (الريحاني،1985)، (زهران،1989).

بعد مناقشة التساؤلات نمر بمناقشة فرضيات الدراسة، وهي كالتالي:

الفرضية الرئيسة الأولى: تتعلق بدرجات كل من المساندة الاجتماعية و الصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة.

أظهرت النتائج وجود علاقة إرتباطية طردية بين المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى السيدة المطلقة والأرملة، أي كلما زاد مستوى المساندة الاجتماعية زاد مستوى الصلابة النفسية والأمن النفسي لدى السيدة المطلقة والأرملة، وذلك لأن المساندة الاجتماعية لها أثر على مستوى الصلابة النفسية و الأمن النفسي السيدة المطلقة والأرملة، كما أن الذات الأسرية والاجتماعية لها الأثر على إرتفاع أو إنخفاض مستوى الصلابة النفسية و الأمن النفسي.

   وترى الباحثة أنه قد يرجع ذلك إلى أن المطلقة والأرملة يتأثرون بشكل كبير بما يحيط بهن، فإذا كانت هناك رعاية واهتمام من قبل الآخرين، ينعكس ذلك على مستواهُن الذاتي فيتحسن شعورهٌن بنفسهن وثقتهٌن ترتفع، أما إذا كان عكس ذلك فيؤدي ذلك إلى إنخفاض تقديرهُن لذلك، وذلك قد يرجع إن المطلقة والأرملة يعانين من حساسية زائدة نظراً لظرفهن الخاص الذي يعانين منه.

يتبين إذن من خلال هذه النتائج أن الصلابة النفسية تعتبر من العوامل المهمة في الشخصية، وبين كل من (كوزي،1991)، (كريستوفر،1996) أن ذوي الصلابة النفسية المرتفعة لديهم أعراض نفسية وجسدية قليلة وغير منهكين ولديهم تمركز حول الذات ويتمتعو بالإنجاز الشخصي، ولديهم القدرة على التحمل الاجتماعي، ولديهم نزعة تفاؤلية وأكثر توجها نحو الحياة ويمكنهم التغلب على الاضطرابات النفس – جسمية، وتلاشي الإجهاد (أبو ندى،2007).

 كما أن مستوى الأمن النفسي الخارجي يتأثر بمفهوم الشخصية لدى السيدة المطلقة والأرملة، حيث إرتباكهن وقلقهن وتوترهن وخوفهن من عدم قدرتهن على تحمل المسئولية والخوض في متطلبات الحياة، فنرى بإن أي نوع من الحرمان في الحقوق الأساسية أو حدوث أذى بدني أو نفسي أو مادي يؤدي إلى الحرمان من السعادة وعدم التوافق وفقدان الشعور بالراحة والطمأنينة، أكد على ذلك (عبد السلام،1999) وعلى دور التنشئة الاجتماعية حين يفسر حالة الأمن النفسي (الإحساس بالطمأنينة الانفعالية، وتمتع الفرد بها نتاجاً لعمليات التفاعل الاجتماعي بين الفرد والبيئة الاجتماعية التي عاش ويعيش فيها، كون الفرد أمناً من الوجهة النفسية ما هو إلا نتاجاً خبرات بيئية ومواقف مختلفة جعلته يشعر بالأمن النفسي حيال هذه البيئة، كما أن كون الفرد غير أمن نفسياً راجع أيضاً إلى ما خبره من البيئة التي يعيش فيها، التي أصبح يراها على أنها بيئة مهددة ومخيفة ولا تثير لديه إلا مشاعر عدم الأمن والقلق، كما إن الفرد الذي يشعر بالأمن في بيئة أسرية مشبعة لحاجاته، ويرى في الناس الخير والحب ويتعاون معهم ويخطى بتقديرهم فيتقبله الآخرون، وينعكس ذلك على تقبله لذاته لأن هناك علاقة إيجابية بين تقبل الذات وتقبل الآخرين).

وتفسر الباحثة هذه النتيجة أيضاً بأن حجم المساندة المقدم بأشكاله المختلفة يجعلهن أكثر التزاماً تجاه نفسها وأهدافها وقيمها والآخرين من حولها، وتستطيع أن تكون علاقات سوية مع من حولها، وتمتلك القدرة على التحكم في الأحداث والتحدي، فضلاً عن شعورها بالتقدير من الآخرين، كما ويشعرها بالحماية والرعاية منهم، فترى المستقبل بأمل واستبشار وكل هذا يجعلها أكثر ثباتاً انفعالياً ومن ثم أكثر رضاً عن الحياة والعكس صحيح.

وتتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة (عثمان، 2001) الذي توصل إلى وجود علاقة طردية بين المساندة الاجتماعية ومتغيرات دراسته.

الفرضية الرئيسية الثانية: تتعلق بدرجات كل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الامن النفسي) لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لمتغير نوع العينة.

يتضح وجود فروق للمساندة الاجتماعية والصلابة النفسية المقدمة لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع العينة (مطلقات، أرامل)، والفروق كانت لصالح النساء الأرامل، بينما أظهرت النتائج عدم وجود فروق في درجات الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع العينة (مطلقات، أرامل).

النتيجة في المساندة الاجتماعية و الصلابة النفسية لصالح السيدة الأرملة بعد وفاة زوجها فإنها تنال المزيد من الإهتمام في أي مكان مكان تعيش فيه سواء بقيت في بيتها أو انتقلت إلى بيت أهلها أو بيت مستقل، فعندما تجد المرأة الأرملة أن أسرة زوجها تهتم بها وبأولادها وتحاول التخفيف عنها وتوفير كل ما تحتاجه من جانب، وإهتمام أسرة أهلها وتقديم العون والرعاية بها يعتبر ذلك عاملاً هاماً، بالإضافة إلى وجود وازع ديني يزيد مستوى الصلابة النفسية ويعزز قيمة الصبر والتحمل، والمستوى التعليمي والذي يمدها بطاقة إضافية تعطيها قوة تعينها على التحمل، في حين أن السيدة المطلقة التي لا تجد الإهتمام من أسرة زوجها بل تجد الإهمال والعتب واللوم والطرد إلى بيت أهلها فإن ذلك يعتبر من أكثر العوامل التي تزيد من الشعور بفقدان الأمن وخصوصاً في مجال الرضا عن الحياة، مجال الطمأنينة النفسية، مجال التقدير الاجتماعي.

وتعتقد الباحثة أن بقاء المرأة الأرملة في بيت زوجها أو أهله بعد وفاته يصاحبه نوع من المحبة والاهتمام بها وبأبنائها، فمن أهم ما يميز الأسر الفلسطينية اعتبارها زوجة الأبن بمجرد دخولها البيت إبنتهم ولا يزيدها وفاة زوجها إلا معزة وقدراً بين أهله، فهي أم أبنائهم التي ينبغي عليهم رعايتها وحمايتها سواء بقيت في بيتهم أم إنتقلت إلى بيت أهلها، فهي تظل أولاً وأخيراً أم أحفادهم الذين لم يبقى لهم من رائحة إبنهم سواهم.

بينما تفسر الباحثة النتيجة عدم وجود فروق في درجات الأمن النفسي يعود إلى كون الأسرة الفلسطينية بطبيعتها متدينة، ويحكمها الوازع الديني والثقافة والعادات والتقاليد، بالإضافة للأقارب، والأصدقاء، وبالتالي نجد أن المساندة المقدمة ضرورية، وهي بحاجة لها، و تلعب دوراً مهما في حياة السيدة المطلقة والأرملة، وهذا الأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل بنفس المستوى في مختلف محافظات غزة يدل على الترابط وقوة شبكة العلاقات الاجتماعية.

الفرضية الرئيسية الثالثة: بدرجات كل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الامن النفسي) لدى النساء في محافظات غزة تعزى لمتغير المحافظة.

يتضح وجود فروق للمساندة الاجتماعية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة لصالح مطلقات وأرامل محافظة الوسطى.

وتفسر الباحثة إلى أن ما تقدمه الأسرة والأقارب والأصدقاء من مساندة اجتماعية في محافظة الوسطى للمطلقة والأرملة من حب ودعم وتقدير، والتكيف مع الحياة فإن لذلك لأثراً إيجابياً وفعالاً في حياة المطلقة والأرملة، ذلك أن هذا المتغير يحمل أثر في تقدير المساندة الاجتماعية، فمن حق المطلقة والأرملة تلقي المساندة الاجتماعية التي يحتاجنها، بغض النظر عن المستوى التعليمي، وعدد الأبناء، إلخ، لأن هذه المساندة تخفف عنهن الضغوط والاضطرابات والقلق تجاه أنفسهن وتجاه المستقبل، ومن ثم إذا شعرن بهذا الشعور الايجابي فسوف يؤدي إلى تقوية صلابتهن النفسية وشعورهن بالأمن النفسي.

وكذلك ترى الباحثة أن المساندة الاجتماعية المقدمة واجب تجاه أفرادها في الوقوف بجانبهن وتقديم المساندة اللازمة لهن، في ضوء الإمكانات المتاحة، وأن تكون المطلقة والأرملة على قناعة تامة أيضاً أن أفراد مجتمعها يقدم لهن المساندة بكل صدق بعيداً عن العطف والشفقة والإحسان، ولا يتخلين عنهن، فهم يتقبلون المحتاج ويقفون معه، وبالتالي هذا يؤدي بالمطلقة والأرملة إلى الشعور بالأمن النفسي.

يتضح عدم وجود فروق للصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة.

وتعزو الباحثة عدم وجود فروق في الدرجة الكلية للصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة وذلك لتعرضهن لنفس الظروف والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي إدراك الفرد لدور المساندة يمنحه القوة والتحمل، وهذا يدل على أن مقومات الصلابة النفسية يمكن أن تساهم بشكل فعال في فهم مواقف الحياة الضاغطة ومواجهتها بفاعلية وإيجابية وصولاً لشعور بالأمن والاستمتاع بالحياة، وتتسق هذه النتيجة مع ما جاء في الاطار النظري حول أهمية وجود الشخصية الصلبة من أجل تطوير وتحسين نوعية الحياة لدى الفرد، بالإضافة إلى وجود وازع ديني يزيد مستوى الصلابة النفسية ويعزز قيمة الصبر والتحمل، والمستوى التعليمي للسيدة المطلقة والأرملة والذي يمدها بطاقة إضافية تعطيها قوة تعينها على التحمل.

وتتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة (راضي، 2008) والتي توصلت إلى أنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى الصلابة النفسية لدى أمهات شهداء انتفاضة الأقصى تعزى لمتغير السكن:(محافظة غزة، خانيونس، رفح).

 ويتضح وجود فروق للأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع المحافظة لصالح مطلقات وأرامل محافظة خانيونس.

بما أن النتيجة الإحصائية لمستوى الأمن النفسي لدى المرأة المطلقة والأرملة أقل بمحافظة خانيونس فإننا نعزو ذلك على أن الطلاق والترمل له آثاره النفسية بصورة إجمالية على الصحة النفسية للمطلقة والأرملة، وعلى رفع درجة فقدان الشعور بالأمن النفسي بصفة خاصة، حيث تبين ذلك للباحثة أثناء مقابلة عدد ليس بقليل من النساء المطلقات والأرامل فكثير منهن يقابلن من المحيطين بهن وكأنهن السبب في حدوث الطلاق أو الترمل، ولعل من أهمها النظرة الدونية واللوم من الأسرة وإشعارها بأنها عبء على الأسرة، وعدم وجود الأبناء مع الأم يزيد من المعاناة النفسية، فلذلك تعمل الظروف الاجتماعية والاقتصادية ممثلة في الدعم الأسري والاجتماعي والظروف الاقتصادية للمطلقة والأرملة كعوامل وسيطة في التعرض للاضطرابات النفسية، لذلك المساندة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي يمكن أن يخفف من حدة الاضطرابات النفسية.

الفرضية الرئيسية الرابعة: تتعلق بدرجات كل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الامن النفسي) لدى النساء في محافظات غزة تعزى لمتغير عدد الأبناء.

يتضح عدم وجود فروق لكل من المساندة الاجتماعية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لعدد الأبناء، بينما أظهرت النتائج وجود فروق للصلابة النفسية لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لعدد الأبناء لصالح  النساء المطلقات والأرامل اللواتي لديهم ثلاث أبناء فأكثر.

وتعزو الباحثة ذلك بإن شعور السيدة المطلقة والأرملة بنفس درجة المساندة الاجتماعية و الأمن النفسي بإختلاف عدد أبناءهم، بقوة العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية داخل الأسر الفلسطينية، حيث يغلب على المجتمع الفلسطيني طابع التماسك الأسري، وهذا الشعور لم يأت من فراغ وإنما لصبر السيدة المطلقة والأرملة وعزيمتها، وثباتها الانفعالي، وتفسيرها للحدث تفسيراً إيجابياً، ورضاها التام، ورضاها لقضاء الله وقدرة، جعلها تحصل على خبرات من الرضا عن الحياة، هذا من جانب، أما الجانب الآخر الذي جعل السيدة المطلقة والأرملة يشعرن بالأمن النفسي فيتمثل في المساندة الكبيرة  من الأسرة والأقارب والأصدقاء الذي تقدمه بالإضافة إلى ما تقدمه المؤسسات المجتمعية كالمساعدات المادية، كل ذلك جعل السيدة المطلقة والأرملة تشعر بالرضا عن الحياة تعوضها جزء من فقدان الزوج، خاصة وأنها لم تحرم بعده من الحياة الكريمة سواء أكانت المادية أو المعنوية، إضافة إلى انعكاس سعادة الأبناء على الأم، فكلما كان الأبناء يشعرون بالرضا عن الحياة، والتقدير الاجتماعي وحقوقهم مصونة ومحفوظة، زاد شعور الأمن والرضا لدى السيدة المطلقة والأرملة أكثر وأكثر.

وتفسر الباحثة النتيجة وجود فروق في الدرجة الكلية للصلابة النفسية تعزى لعدد الأبناء وذلك لكون السيدة المطلقة والأرملة اللواتي عدد أبنائهن ثلاثة فأكثر يتمتعن بدرجة صلابة أكثر وذلك يعود إلى أن عدد الأبناء معزز لصلابة المرأة النفسية ومحفز من أجل تقوية ذواتهن و الاعتماد على الذات لتحقيق أهدافها في الحياة ومواجهة تحدياتها والقدرة على الضبط والتحكم بمجريات الأمور والاستقلال بالذات من أجل تحقيق مستوى معيشي تكون راضية عنه وتعزز لديها الثقة بالذات، كما و يعزز ويقوي لديها مستوى الصلابة النفسية أن لديهن أهداف يعملن على تحقيقها، هذا وأن ما حققته المرأة الفلسطينية في المرحلة الحالية من نجاحات في مجالات عدة يفسر لنا أيضاً مدى اعتقادها بقدرتها على التحدي والمثابرة في تجاوز كثير من الضغوط والعقبات.

وقد اختلفت هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة (الشيراوي، 2012) التي توصلت إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية على درجات مستوى الصلابة النفسية تعزى لعدد الأبناء.

الفرضية الرئيسية الخامسة: تتعلق بدرجات كل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الأمن النفسي) لدى النساء في محافظات غزة تعزى لمتغير المستوى التعليمي.

يتضح وجود فروق لكل من المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى للمستوى التعليمي لصالح  الثانوي وجامعي فما فوق.

وتفسر الباحثة ذلك بأن المستوى التعليمي الثانوي وجامعي فما فوق، يعزز ثقة السيدة المطلقة والأرملة بأنفسهن ويشعر كل مطلقة وأرملة بالفخر تجاه نفسها لشعورها بعدم التخلي عنها، وشعورها بالاستقلالية والاعتماد على النفس وشعورها بذاتها وتقبل نفسها، وإذا وصلت إلى هذا الإحساس فإنها تكون راضية عن حياتها، وبالتالي تجد المطلقة والأرملة من هم الأقرب هم خير سند لهن في أشد الأزمات وأغلب الأوقات من أجل الوقوف بجانبهن وإمدادهن بكل ما يلزمهن من أجل التغلب على هذه الأزمات وتخطي العقبات التي تواجهها، كما وأن المتعلمات أكثر إستيعاباً وأكثر قدرة على تحمل المسؤولية، والاعتماد على أنفسهن، بينما النساء المطلقات والأرامل الحاصلات على شهادة أقل من ثانوي، ليس لديهن قدرة كبيرة على إستيعاب ما يحدث حولهن وليس لديهن القدرة على الاعتماد على أنفسهن.

وتتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسة(Roth, 2004) توصلت إلى أن المؤهل العلمي الأعلى له أثر جوهري على تلقي المساندة الاجتماعية.

وتفسر الباحثة ذلك بأن النساء المطلقات والأرامل الحاصلات على شهادة ثانوية وجامعي فما فوق لديهن صلابة نفسية وأمن نفسي أكثر من النساء الحاصلات على شهادات أقل من ثانوي، حيث أن الحاصلات على ثانوية عامة وجامعي فما فوق تكون درجة القلق النفسي والخوف من المجهول أقل بكثير من المطلقة والأرملة التي مستوى تعليمها أقل، وبالتالي  ثقتها بنفسها نابعة من اعتمادها على شهادتها الجامعية باعتباره سلاحاﹰ في يدها، بالإضافة إلى المستوى الثقافة والوعي لديها الذي يجعل لديها قدرة على الاعتماد على النفس ومواجهة العقبات والظروف الصعبة وتحديها، فلا يكون هناك قلق على المستقبل الاقتصادي لها، وهذا يجعل الاطمئنان والصلابة أقوى وأعمق عكس من المطلقة والأرملة الغير متعلمة تكون هي عال على أي شخص في أسرتها سواء كان الأب أو الأخ ودائما في قلق نفسي لأنها لا تستطيع أن تعيل نفسها أو أبناءها أن كان لديها أبناء.

الفرضية الرئيسية السادسة: تتعلق بدرجات كل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الأمن النفسي) لدى النساء في محافظات غزة تعزى لمتغير مدة الزواج.

يتضح وجود فروق لكل من المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لمدة الزواج لصالح ثلاث سنوات فأكثر.

وتفسر الباحثة النتيجة أن المساندة المقدمة للنساء المطلقات والأرامل سواء الأسرة ،الأقارب، الأصدقاء، اللواتي مدة زواجهن ثلاث سنوات فما فوق يتعاملون معهن على أنهن بناتهن، بالإضافة إلى احتضان المحيط نجدها خلال تلك المدة تقوم بتكوين مفهومها عن ذاتها  بشكل إيجابي  يجعل لديها القوة والقدرة في الاعتماد على الذات والاستقلالية، وكما وأنها تضع أهدافا لتحقيقها وهذا يعزز ثقتهن بأنفسهن ويشعرهن بفخر كبير لعدم تخليهم عنهن في ظروفهن الصعبة والمؤلمة.

وتعزو الباحثة وجود صلابة نفسية لدى النساء المطلقات والأرامل اللواتي مدة زواجهن أكثر من ثلاث سنوات إلى ما يتعرضن له من ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة ومؤلمة والتي تلعب بدورها دوراً كبيراً في تحديد نمط الشخصية والتي تستطيع من خلالها أن تقاوم أحداث الحياة الضاغطة بكفاءة وفاعلية ونفس راضية ومن هذه العوامل عامل أساسي هو الالتزام بالدين حيث يزيدهن قدرة على تحمل الألم والمحن والكروب، وأنهن متقبلات لهذه الأحداث تقبلاً نابعاً من صلابة نفسية، بإرادة القضاء و القدر لما يزيد من قدرتهن على تطوير أساليب المواجهة بقصد المعايشة والتكيف مع ما يرافق ذلك من الدعم والترابط والتكافل الاجتماعي، وهذا هو صلب الصلابة النفسية، ويعزز لديهن الشعور بالأمن النفسي.

كما وتعزو الباحثة صلابة السيدة المطلقة والأرملة وشعورها بالأمن النفسي يأتي في ظل ما تعايشه من أحداث ماهي الإ حلقة في سلسلة من التراكمات، فهذه الصلابة والشعور بالأمن النفسي ليست وليدة لحظة وليست مفاجئة، ولا أنها فترة قصيرة وتنتهي في زمن محدد بل هي نتيجة أشكال متعددة من الإبتلاءات والمعاناة خرجت بامرأة لديها من القوة والصلابة تجعلها راضية ومتقبلة ولديها من الشعور بالأمن ما يكفي لمقاومة المزيد من لتحديات وصعوبات الحياة.

الفرضية الرئيسية السابعة: تتعلق بكل من (المساندة الاجتماعية، الصلابة النفسية، الأمن النفسي) لدى النساء في محافظات غزة تعزى لمتغير نوع الأسرة.

يتضح عدم وجود فروق لكل من المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي المقدمة لدى النساء المطلقات والأرامل في محافظات غزة تعزى لنوع الأسرة (ممتدة، نووية).

تفسر الباحثة النتيجة أن نوع الأسرة ليس له أثر على المساندة الاجتماعية المقدمة من المحيط سواء الأسرة والأقارب والأصدقاء، وكذلك الصلابة النفسية والأمن النفسي لدى النساء المطلقات والأرامل اللواتي يقطن بالأسرة الممتدة أو النووية، وذلك يعود إلى أن النساء المطلقات والأرامل تحتاج إلى دعم أكثر من غيرها من الفئات الأخرى، و نتيجة للظروف العامة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وأن المجتمع الفلسطيني بجميع قطاعاته يواجه ظروف متشابهه وخاصة منذ عقود طويلة، نتيجة الظروف القاهرة التي مرت به والأحداث المتلاحقة التي عاصرته، مما خلق ظروف متشابهة في النواحي النفسية والاجتماعية، والعادات والتقاليد والقيم والأزمات التي تواجههم، وأن تقارب هذه العادات والتقاليد في المجتمع الفلسطيني، والنظرة الإنسانية لسيدة المطلقة والأرملة لما تعانية من صعوبات، والتضامن والتعاون بين أفراد الشعب الفلسطيني.

بالإضافة لصغر البقعة الجغرافية التي يعيش عليها الشعب الفلسطيني والتي تقارب الحياة من حيث الخبرات والتجارب والمعارف بغض النظر عن نوع الأسرة وهذه العوامل ساهمت في عدم ظهور فروق في درجة المساندة الاجتماعية والصلابة النفسية والأمن النفسي لدى السيدات المطلقات والأرامل.

وترى الباحثة أيضاً أن طبيعة المجتمع الفلسطيني وأكثر تخصيصاً الغزي يعيشون في نسق ومحيط اجتماعي متقارب جداً، فترى أن الأسرة الفلسطينية تجمع بين الأسرة النووية والأسرة الممتدة، الذين يعيشون في أسرة نووية (الأب، الأم، والأطفال)، لديهم بعض خصائص الأسرة الممتدة بمعنى أن كل أفراد المجتمع يتلقون مساندة من محيط الأسرة والأقارب والأصدقاء سواء كانوا يعيشون في أسر نووية أو ممتدة، وقد تكون المساندة بالكلمة الطيبة أو بالمشورة، أو بالنصح أو تقديم المعلومات المفيدة، أو تلبية بعض الحاجات أو المساعدات، وهذه النتيجة تتفق مع دراسة (عثمان،2001)،(علي،2001)، (العرجا،2015) عدم وجود فروق في المساندة الاجتماعية تعزى لنوع الأسرة.

 

المراجع

القرآن الكريم.

أولا: اللغة العربية:

  1. إبراهيم، إبراهيم، عثمان، إبراهيم(2005). المسئولية الأمنية ودور المؤسسات التعليمية في تحقيقها، ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن بكلية الملك فهد الأمنية، من الفترة 21-2 حتى 24-2-2005 الرياض.
  2. أحمد، عبد (2001). التقدير الذاتي للصحة النفسية دراسة لأهم منبئاته. مجلة دراسات نفسية، 4،(11)، 623 -635.
  3. أبريعم، سامية(2001). أساليب معاملة الأب كما يدركها الأبناء وعلاقتها بالشعور بالأمن النفسي لدى عينة من طلاب المرحلة الثانوية في مدينة بتسة. مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية)،(7)،25.
  4. أبي الدنيا،عبد الله(1986). اصلاح المال.الكتب الثقافية: بيروت.
  5. ابن منظور(د،ت). قاموس لسان العرب. دار المعارف القاهرة.
  6. أبو بكر، خولة(2012). أثر الفقدان على الصحة النفسية للأرامل والثكالى الفلسطينيات. مجلة شبكة العلوم النفسية العربية،(12).
  7. أبو جادو، صالح (2000). علم النفس التربوي. دار المسيرة :عمان.
  8. أبو جادوا، صالح (2012). سيكولوجية التنشئة الاجتماعية. دار المسيرة: عمان.
  9. أبو حسين، سناء (2012). الصلابة النفسية والأمل وعلاقتهما بالأعراض السيكوسوماتية لدى الأمهات المدمرة منازلهن في محافظة شمال غزة. رسالة ماجستير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، غزة.
  10. أبو حطب، صادق، فؤاد، أمال(2010).الإحصائي: في العلوم النفسية والتربوية والاجتماعية. مكتبة الانجلة المصرية: القاهرة.
  11. أبودف، محمود(2011). منهاج الدعم النفسي في القرآن الكريم وكيفية الاستفادة منه في الواقع الفلسطيني المعاصر. مجلة الجامعة الإسلامية، 47(10)، 9-90.
  12. أبو غالي، عطاف(2012). فاعلية الذات وعلاقتها بضغوط الحياة فاعلية الذات وعلاقتها بضغوط الحياة لدى الطالبات المتزوجات في جامعة الأقصى.مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية(1)20، 619-654.
  13. أبو ندى، عبد الرحمن (2007). الصلابة النفسية وعلاقتها بضغوط الحياة لدى طلبة جامعة الأزهر. مجلة تقارير تربوية(1)، 15-24.
  14. أرجايل، مايكل(1993). سيكولوجية السعادة. علم المعرفة: الكويت.
  15. الأسمر، أحمد(2008). مكارم الأخلاق في الإسلام نظرية وتطبيقا. دار الفرقان: عمان.
  16. الأشعر، أسامة(2005). مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق. دار النقاش. عمان: الأردن.
  17. الأصفهاني، أبي القاسم الحسين (1980). الذريعة إلى مكارم الشريعة. دار الكتب العربية: بيروت.
  18. اقرع، إياد(2005). الشعور بالأمن النفسي وتأثره ببعض المتغيرات لدى طلبة جامعة النجاح الوطنية. رسالة ماجستير منشورة، كلية التربية، جامعة النجاح الوطنية، نابلس.
  19. إمام، محمد(1996). الزواج والطلاق في الفقه الإسلامي. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر: بيروت.
  20. أنجلر، باربرا(1990). مدخل إلى نظريات الشخصية: ترجمة فهد الدليم، الطائف، النادي الأدبي.
  21. البحري، نسرين(2009).أثر الدعم الاجتماعي في تخفيف الضغوط لدى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية في إقليم الجنوب.حوليات آداب عين شمس، 37، 109-160.
  22. البخاري، محمد إسماعيل(1422). الجنائز. دار طوق النجاة: القاهرة.
  23. بدر، فائقة(2007). علاقة الخبرات الانفعالية المرتبطة بمواقف الغضب بالصلابة النفسية لدى معلمات المرحلة المتوسطة. مجلة مستقبل التربية، 13(48)، 122-157.
  24. بدوي، أحمد(1982). معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية. مكتبة لبنان: بيروت.
  25. البلادي، يحي(2007). الإيمان والأمن النفسي. مجلة الأمن،(26) الرياض.
  26. بن حنبل،أحمد(1995). مسند الإمام أحمد بن حنبل. دار الحديث: القاهرة.
  27. الترمذي، محمد(1962). سنن الترمذي حكم على أحاديث محمد ناصر الدين الألباني، واعتز به أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سليمان الطبعه الأولى، مكتبة المعارف: الرياض.
  28. تونسي، عديلة(2002). القلق والاكتئاب لدى عينة من المطلقات وغير المطلقات في مدينة مكة المكرمة. رسالة ماجستير، كلية التربية، السعودية.
  29. الثاقب، فهد(1999). المرأة والطلاق في المجتمع الكويتي- الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية. مجلس النشر العلمي، الكويت.
  30. جوهري، محمد (2006). أخلاقنا. دار الفجر الإسلامية: المدينة المنورة.
  31. جبل، محمد(2000). الصحة النفسية وسيكولوجية الشخصية. المكتبة العربية.
  32. الجابر، أمينة(1996). ظاهرة الطلاق في المجتمع القطري وعلاجها في ضوء التشريع الإسلامي. دراسات الخليج والجزيرة العربية، 72- 175.
  33. دخان، نبيل، الحجار، بشير(2005).الضغوط النفسية لدى طلبة الجامعة الإسلامية وعلاقتها بالصلابة النفسية لديهم. رسالة ماجستير منشورة، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة.
  34. دخان، نبيل (2006). الضغوط النفسية لدى طلبة الجامعة الإسلامية وعلاقتها بالصلابة النفسية لديهم. مجلة الجامعة الاسلامية للبحوث الانسانية،2(14)، 370- 398.
  35. حجازي، سوسن (2007). الرضا عن الحياة وعلاقته بالأداء الاجتماعي لأسر الأطفال التوحديين. دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، 22(1)، 263-320.
  36. حسن، عبد الحميد (2010). الصلابة النفسية والشعور بالأمل والضغوط النفسية كمنبأ للنجاح الأكاديمي لطلاب جامعة السلطان قابوس.مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية(173)السنة36، 51-103.
  37. حسين، طه (2010). الصحة النفسية ومشكلاتها لدى الأطفال. دار الجامعة الجديدة: الأزاريطة.
  38. حسين، محمود (1987). مفهوم ال>ات وعلاقته بمستويات الطأنينة الانفعالية. مجلة العلوم الاجتماعية،3(15)، 103- 128.
  39. حمادة، عبد اللطيف، لولوة، حسن(2002).الرفض للوالدين وعلاقتها بالصلابة النفسية.دراسات نفسية1(4)، 229-272.
  40. حنفي، هويدة (2007). المساندة الاجتماعية كما يدركها المكفوفون والمبصرون من طلاب جامعة الإسكندرية وتأثيرها على الوعي بالذات لديهم. المجلة المصرية للدراسات النفسية، 17 (55)،  365-418.

ثانيا: اللغة الانجليزية:

‏Barrera, m.(1981).social support in the adjustment of pregnant adolcscents.assessment Issues,in B.H gottliab(EDS) social networks and social support, Beverly, (A:sage,pp,69-96)

  1. Breham, s.(1984).social support processes,boundry,areasing social and developmental psychology.new york: academic press, 107-129.
  2. Buunk, B. Hoorens,v.(1992). social support and stress: the role of social comparison and social exchange processes.british journal of clinical psychology,(31), 445-457.
  3. Coyne, coyne.&Downey,G.(1991) social factors and psychology:stress, social support and coping processes. Annual review of psychology, vol.(35),139-212.
  4. Golan Naomi(1986).Wif to woman, in turne, francis, differential diagnosiss, and treatment in social work,N.Y.the free press.
  5. Henley, Nansy (1994). The decision- making process Ieading to marrige dissertation abstracts, intr national, vol.(55),NO.(10)p.p.3331-3341.
  6. Hill,l,c& Hilton,j.m.(1999). Changes in roles following divorce: comparison of factors contributing to depression.
  7. Rubin, kenneth, caplan, robert, chen,xinyin,and mckinnon,joann(1994) .peer relationship and influences in childhood,in ramachan-dran,v. encyclopedia of horman behavior, san diego:academic press inc, vol.3.pp.431-439.
  8. Roth, Carol (2004). A Survey of Perceived Social Support Among Pregnant Women In The Intermountain Region. Unpublished MA Thesis, University Unpublished MA Thesis, University of MONTANA STATE.
  9. Sarason, I.G.& Sarason ,M.L.(1983).assessment social support: the social support questionair.journal of personailty and social psychology, vol.(1).p.p.127-139.
  10. Scall, Jacqueline, And others (2012). Measuring Resilience in Adult Women Using the 10 Items Connor-Davidson Resilience Scale-(CD-RISC). Role of Trauma Exposure and Anxiety Disorders. plos one,7(6),1-7.
  11. Wiebe, dj,(1991).hardiness and stress moderation A test proposed mechanisms.Journal of personality and social psychology, vol.60,NO5.98-99.


مظاهر الفكر الوحدوي في برنامج الحركة الإصلاحية

(الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها) أنموذجا

 

ﺃ. د.  حميدي ابو بكر الصديق

ﺃ. محمد علي   مساعد

-جامعة محمد بوضياف  - المسيلة - الجزائر

 

الملخص:                                                                   

            لقد بدأ تبلور الحركة الوطنية الجزائرية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وظهرت تيارات سياسية وشخصيات وطنية ممثلة للشعب الجزائري، وكانت مختلفة في التوجهات والمشارب السياسية (استقلالي، إصلاحي، إدماجي، شيوعي) مما جعل برامجها السياسية تختلف من تيار إلى آخر، هذا الإختلاف كان عائقا في توحيد العمل السياسي للحركة الوطنية الجزائرية، وبالرغم من ذلك فقد كانت هناك محاولات لتوحيد العمل السياسي في جبهة واحدة ضد الاستعمار الفرنسي.

إن أغلب الدراسات التي تتناول مظاهر العمل الوحدوي في الفكر الإصلاحي منذ إرهاصاته الأولى إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية تتطرق في دراساتها إلى المحاولات الوحدوية في الحركة الوطنية الجزائرية التي كانت الحركة الإصلاحية الجزائرية طرفا فاعلا فيها منذ محاولاتها الأولى التي تمثلت في المؤتمر الإسلامي سنة 1936، مرورا بتحالف أحباب البيان سنة 1943، إلى غاية ظهور جبهة التحرير الوطني، دون تسليط الضوء والتعمق في دراسة الجبهة الجزائرية من أجل الدفاع عن الحرية واحترامها التي ظهرت سنة1951، وضمت كل التيارات الحركة الوطنية في جبهة واحدة للدفاع عن حقوق الجزائريين.

ويعد العمل الوحدوي في الفكر الإصلاحي الجزائري مظهرا سعت إليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حيث سعت إلى خلق أرضية توافيقه بين مختلف تيارات الحركة الوطنية الجزائرية ومن ابرز مظاهر العمل الوحدوي لدى الحركة الإصلاحية هي الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها سنة 1951. وسنحاول من خلال هذا المقال إبراز والتركيز على مجموعة من العناصر قصد تسليط الضوء على الرؤية التوافقية في الفكر الإصلاحي لدى جمعية                                                     العلماء المسلمين الجزائريين وذلك من خلال :                        

1- مظاهر العمل الوحدوي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 

2- دور الجمعية في تأسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها     

3- تكريس الفكر الإصلاحي في برنامج الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها 

4- تجسيد المطالب الإصلاحية من خلال مطالب الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها مقدمة :  

اتجهت الجزائر مع مطلع القرن العشرين بعد فشل المقاومات الشعبية إلى المقاومة السياسية ، وقد تطورت هذه المقاومة في شكل تيارات وأحزاب عديدة ، وبرامج متباينة وأهداف متقاربة وهي العمل والإعداد لاستقلال الجزائر وإنقاذها من الاستعمار الفرنسي.

وقد لعبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا مهما وبارزا في التقارب السياسي الذي حدث بين مختلف أطياف الحركة الوطنية الجزائرية، وذلك من اجل جلب الجزائريين اليها ، وتجنيدهم في المعركة ضد الاستعمار .

وبالفعل فان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على غرار باقي تيارات الحركة الوطنية قد كان لها اليد الفضلى في الرؤية التوافقية التي حدثت بينها ، كما في سنة 1936 في المؤتمر الإسلامي ، وقد كان هدف الجمعية من هذه التحالفات هو التحرر والاستقلال والهوية العربية الإسلامية ، وفي الحقيقة لقد سعت الجمعية على وجود تكتيك تعمل بواسطته لتصل إلى الهدف المنشود ،فتكتيك العلماء كان في التركيز على الهوية الجزائرية العربية الإسلامية ، ولقد سعت الجمعية إلى تجسيد مطالبها وأهدافها خاصة في بداية خمسينيات القرن العشرين وذلك في ايطار الرؤية التوافقية بين أحزاب الحركة الوطنية والتي تجسدت في تشكيل الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها سنة 1951.

وسنحاول في هذا المقال التركيز على إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها، من خلال طرحنا لهذه الإشكالية:

كيف ساهمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تشكيل جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها ؟

والى أي مدى استطاعت الجمعية تجسيد مطالبها ومبادئها من خلال مطالب الجبهة؟

 1– مظاهر العمل الوحدوي في برنامج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و دور جمعية العلماء في تأسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

       توجت الاتصالات والمشاورات العديدة بين مختلف تشكيلات الحركة الوطنية الجزائرية،بعقد سلسلة من الاجتماعات الممهدة للإعلان الرسمي عن ميلاد الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها, وعقدت هذه الاجتماعات أيام 22,23,24 جويلية 1951م,أسفرت عن تشكيل لجنة إنشائية لتأسيس الجبهة والتي أصدرت بلاغا مشتركا باسم حركة الانتصار ,الاتحاد الديمقراطي,الحزب الشيوعي,جمعية العلماء وشخصيات حرة يوم 25 جويلية 1951م، وقد كان هذا البيان عبارة عن نداء وحدوي بين مختلف الهيئات السياسية الجزائرية .

وقد قامت اللجنة الإنشائية بتحرير النظام الداخلي لهذه الجبهة،والذي سيعرض يوم 5 اوت 1951 م على  الحاضرين،ويتمثل هذا النظام أساسا في تأسيس هيئتين :

1-المجلس الإداري: وهو عبارة عن اللجنة الإدارية للجبهة،وتتكون من ممثلي الهيئات الوطنية الأربعة والشخصيات المستقلة ,حيث مثلت كل هيئة بستة أعضاء,وبالتالي عدد أعضاء هذا المجلس هو ثلاثون عضوا وتتمثل مهامه أساسا في :

أ) احتفاظ المجلس الإداري بحقه في رفض مسؤولية أي عمل باسم الجبهة من طرف اي كان من المشاركين فيها ، ذ لم يحظ سلفا بموافقة المكتب الدائم للجبهة.

ب) رفع مسؤولية اللجان عن اي عمل يهم الجبهة إلا أمام المجلس الإداري للجبهة.

ج) عقد فروع الجبهة لاجتماعات عامة في القطر الوطني يوجهون أثناءها تصريحا موحدا إلى السلطات الفرنسية

د) الشروع في حملة صحفية على إثر الاجتماع العام الذي سيعقد يوم 05 اوت 1951م.

2)المكتب الدائم:الذي هو عبارة عن الأمانة العامة للجبهة ,وتتكون من عشرة أعضاء,عضوان لكل حركة ,وعلى هؤلاء أن يقيموا في العاصمة، وقد حددت مهامه بما يلي:

- طبع وتوزيع قائمة من اللوائح الاحتجاجية للإمضاء على اللجان والهيئات وأتباع الأحزاب والحركات والشخصيات،ذلك من اجل تثبيت الأهداف التي ترمي إليها الجبهة.

- توجيه وفد إلى فرنسا مهامه :

*عقد ندوات صحافية.

*الاتصال بالأحزاب السياسية والشخصيات والمنظمات الديمقراطية والفرق البرلمانية.

*تنظيم اجتماعات عامة.

وفي الأخير أكدت الهيئات على أن هذا الاتفاق لا يمس باي حال من الاحوال استقلال ونشاط كل حركة في ميدانها الخاص خارج الجبهة.

عقدت الجمعية التأسيسية للجبهة الجزائرية يوم 05 أوت 1951م ,في قاعة السينما دانيا زاد بقلب العاصمة ,حضرها حوالي 500 مندوب ,نقلت أحداثه جريدة المنار ,من خلال مقال مطول جاء فيه ما يلي"يوم الأحد 3  ذو القعدة 1370 الموافق 05 أوت 1951 م,انعقد بقاعة دانيا زاد بالجزائر العاصمة الاجتماع العام الذي دعت إليه اللجنة الإنشائية لتأسيس الجبهة ,...وقد لبى الدعوة عدد عظيم من الجزائريين اقبلوا من سائر أنحاء القطروجلهم من المسؤولين عن الحركات الديمقراطية في المدن والقرى المختلفة ,وحضر الاجتماع بعض النساء ,وقد اكتظت القاعة بالحاضرين...". وتلا عقد هذه الجمعية،نشر بلاغ في جريدة المنار أعلنت فيه الجمعية عن الميلاد الرسمي للجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها .

 جاء فيه:" ان الجمعية العامة قد انعقدت في الجزائر العاصمة ...وبعدما سمعت إلى مختلف الخطباء ,صادقت على تأسيس الجبهة الجزائري للدفاع هن الحريات واحترامها ".

أهداف الجبهة:

جاءت أهداف الجبهة في خمس نقاط نشرتها جريدة المنار ضمن البلاغ الذي نشرته الجبهة الإنشائية يوم 25 جويلية 1951م وهي :

  • إلغاء الانتخابات التشريعية المزعومة التي جرت في 17 جوان 195م ,والتي في الواقع تعيين الإدارة لا أشخاص لم يكلفهم الشعب الجزائري بتمثيله,وينكر عليهم التحدث باسمه.
  • احترام حرية الانتخاب في القسم الثاني .
  • احترام الحريات الأساسية :حرية الضمير,الفكر,الصحافة والإبداع.
  • محاربة القمع بجميع أنواعه,لتحرير المعتقلين السياسيين,ولإبطال التدابير الاستثنائية الواقعة على مصالي الحاج.
  • إنهاء تدخل الإدارة في الديانة الإسلامية.

تعتبر هذه الأهداف الخمسة التي أنشئت من اجلها الجبهة هي نفسها الدوافع التي دفعت الحركات السياسية إلى تأسيسها. ومن الوهلة الأولى يظهر لنا بوضوح بصمات كل حركة كتعبير عن مطالبها ومواقفها ومبادئها,وكذلك الدوافع التي تقف وراء انضمامها لهذا التجمع(الجبهة),فحركة الانتصار وجدت نفسها في مأزق سياسي كبير بعد إن دخلت معترك الانتخابات ,وكانت النتيجة إن توجهها لم يكن سليما,وأثبتت الأيام فشله في تحقيق مطالب الجزائريين,بل وأكدت صحة وجهة نظر الجناح الثوري المطالب بالكفاح المسلح,فكان لابد على قيادتها إن تجد مخرجا لهذا المأزق,وهكذا التقت جهودها مع جهود ورغبات الحركات الأخرى في تأسيس الجبهة.

وكذلك كان الحال مع الحركات الأخرى التي عرف هي الأخرى في بداية الخمسينات انسدادا سياسيا وفقدت زمام المبادرة،وكانت الإدارة الفرنسية قد استعادت التحكم في الوضعية السياسية,وفرضت على تلك الأحزاب الركون إلى موقف الدفاع عن النفس,فأسسوا الجبهة الجزائرية.

وللتأكيد على تلك البصمات التي تحدثنا عنها سابقا في تحديد أهداف الجبهة,نعود إلى ما جاء في تدخلات الممثلين الرسميين للحركات الجزائرية المؤسسة لهذه الجبهة أثناء انعقاد الجمعية التأسيسية,حيث صرح العربي تبسي عن العلماء في خطاب طويل قائلا :"...هذه الجبهة لا تسأل أحدا ان كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا,إنما تسأله هل هو مناضل في سبيل الحق,مكافح في سبيل الحرية,...إن الجبهة ملك لكل الجزائريين...وان ما يشغلني هو حرية العقيدة الإسلامية,...يجب ان نترك الإسلام ينشغل بأموره,فالدين المظلوم ينضم الى سائر المظلومين,ويكون واجهة الكفاح معهم"

      أما احمد بومنجل عن الاتحاد الديمقراطي نقتطف من حديثه ما يلي: "...فالجبهة الجزائرية لن تقف حتى يتحطم القهر الأعمى الذي قهر شعبنا وشبابنا,ولن نتوقف حتى يتمتع الجزائريون من دون تفضيل بينهم بجميع الحريات:حرية الفكر,حرية التعبير,حرية التنقل,...".

   بينما تحدث احمد مزغنة عن حركة الانتصار وجاء في حديثه:"...إن النضال منن اجل إلغاء الانتخابات والقمع,ومن اجل حرية التصويت أصبح ضروريا...".

   وفي نفس السياق جاء حديث العربي بوهالي الأمين العام للحزب الشيوعي.

     إن هذه الأهداف كانت محدودة,لذلك كان نشاط الجبهة محدودا في إطار هذه الأهداف,ففي هذا الصدد نشر الحزب الشيوعي مقالا حول هذه الأهداف نقتبس منه هذه الأسطر:"...من 21 جويلية 1946 الى 21 جويلية. خمسة أعوام من إعلان الحزب الشيوعي الذي طالب بالوحدة, لكن هذه الجبهة ليست تلك التي ندعو إلى تأسيسها, لأنها محدودة في الأهداف,...ولكن هذا لا يمنع من تقويتها لقيادة شعبنا إلى الاستقلال الوطني".

كما اعتبرت حركة الانتصار إن هذه الأهداف محدودة, وجاء ذلك على لسان زعيمها مصالي الحاج الذي بعث ببرقية من فرنسا يوم تأسيس الجبهة للمجتمعين نقتطف منها :"...لقد تتبعت باهتمام كبير تطور المساعي في الاتحاد والتي تكللت في النهاية بالنجاح ,فالأحزاب الجزائرية والشخصيات التي وصلت بعد جهود عظيمة إلىإنشاء الجبهة قد قاموا بعمل جليل...ولكي يكون الاتحاد مثمرا ... يجب أن يمتد إلى أهداف أكثر سعة... يجب على الجبهة أن توسع برنامج عملها إلى الاستقلال والسيادة القومية في بلادنا...".

وقد أيد هاذين الرأيين الأستاذ محمود بوزوزو صاحب جريدة المنار الذي كان في البداية متفائلا بميلاد الجبهة, وعبر عن ذلك في مقال مطول بعنوان "بارقة أمل...خطوة كبيرة في سبيل تحقيق الاتحاد القومي", حيث وصف الجبهة بالبشري ومما جاء في كلامه ما يلي "...أنها لبشرى تشرح الصدور وتنعش الآمال وتقوي التفاؤل بمستقبل هذا الوطن,...بشرى تشحذ القرائح ونزكي الهمم وتدفع بالعاملين الى مضاعفة الجهود,...بشرى تهز الضمائر الجامدة"

3- موقف الإدارة الفرنسية من تأسيس الجبهة:

  أثار تكوين الجبهة الجزائرية سخط الإدارة الاستعمارية وأبواقها من وسائل الإعلام التي يوجهها المعمرون وتصريحات المسؤولين الاستعماريين,فقد جن جنون جريدة "البرقية اليومية"La  dépêche quotidienne للمعمر بورجو.حيث كانت هذه الجريدة معروفة بعدائها للعروبة والإسلام, وكانت هذه الجريدة السباقة لشن حملة ضد الجبهة ,فأصدرت مقالا في 07 اوت 1951,إي يومين بعد التأسيس الرسمي للجبهة,أكدت فيه إن الخطر الحقيقي يأتي من الوطنيين وان هذه الجبهة هي جبهة شغب وفوضى معادية لفرنسا,ولقد تم تحالف التعصب الشيوعي الشمولي مع التعصب الإسلامي.

     من خلال هذا المقتطف من المقال,نلاحظ إن الجريدة اتهمت الجبهة بالشغب والفوضى وصنفتها في التيار المعادي لفرنسا,رغم أن هذه الجبهة لم تقم بأي عمل أو تصريح يمكن من خلاله إصدار الحكم عليها واتهامها بأنها من إيعاز جمعية العلماء المسلمين والحزب الشيوعي, بدون ذكر الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والشخصيات الحرة,مما يدل على ان الجريدة بقيت وفية لخطها المعادي للإسلام. ومن جهة أخرى كانت الولاية العامة ترى أن الجبهة تأسست على التعصب الديني والإسلامي مادامت الجمعية عضوا فيها,ودليلها على ذلك وجود الشيخ العربي تبسي والشيخ محمد خير الدين في الأمانة الدائمة للجبهة وورود مطلبها المتمثل في فصل الدين عن الدولة من ضمن مطالب الجبهة.

ودائما في إطار رد فعل الإدارة الاستعمارية نشرت جريدة صدى الجزائر للمستعمر دوسيرينيDussirini تصريح للمعمر ريمون لاكير RAYMAND LAQUIRE مضمونه "ان الجبهة الجزائري هي عبارة عن تحالف الأحزاب المسلمة مع أطراف أجنبية,والمقصود هنا هو إعادة ما حدث سنة 1945م...وان المبادرة في هذا التجمع هي من أصل ستاليني(شيوعي)".

   يحاول صاحب هذا التصريح أن يعيد إلى الذاكرة مأساة مجازر 08ماي 1945م والتي جاءت حسب تعبيره, نتيجة لتجمع أحباب البيان والحرية الذي استقطب كل الجزائريين, لذلك فالشيء الذي يفهم من هذا التصريح إن إدارة الاستعمار تخشى من وحدة الجزائريين, لذلك اتهمت الجبهة أنها بمبادرة شيوعية بغية تشتيت الوحدة.

وجاء في نفس السياق تصريحا أخر لجاك شوفالييJacques CHEVALIER نشرته جريدة المستقبل L'avenir أكد فيه أن الحزب الشيوعي الجزائري بالنسبة للجبهة الجزائرية ليس بمجرد متنفس فقط, بل هو المنشط أو المحرك لهذه الوحدة، وقد جاء في كتابه نحن الجزائريون (Nous Algériens) إن الجبهة الجزائرية تأسست من إيعاز الحزب الشيوعي الذي دعي الأحزاب والهيئات الوطنية إلى ضرورة الوحدة والاتحاد يوم 21 جويلية 1946,وذلك بتأسيس جبهة وطنية ديمقراطية جزائرية,وبعد مضي خمس سنوات عن هذه الدعوة, تأسست الجبهة أمام أزمة حكومية فرنسية.

      يمكننا القول بصفة عامة أن الإدارة الاستعمارية شنت حملة إعلامية على الحزب الشيوعي واتهمته انه هو الذي كان وراء تأسيس الجبهة الجزائرية, رغم انه كان مثل بقية الأعضاء المؤسسين.

4-تكريس الفكر والمطالب الإصلاحية من خلال برامج ومطالب الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

بعد الجمعية التأسيسية للجبهة, شرع المكتب الدائم(الأمانة) في عمله وذلك بنشر مناشير ونداءات وتأسيس لجان وبعث وفد إلى منطقة الاوراس لتقصي الحقائق عن الوضعية المزرية التي تعيشها المنطقة جراء أعمال العنف, وقد نشرت جريدة المنار تقرير ذلك الوفد جاء فيه :"...إن الجبهة الجزائرية بمجرد تشكيلها فاجأتهاحوادث "اوراس" التي صدر التنبيه على خطورتها, فعينت الجبهة وفدا توجه حينا إلى تلك الأماكن لا جراء التحقيق...".

تعدو أصول هذه الأحداث التي تعيشها الاوراس حسب التقرير, إلى الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 جوان 1951م, ذلك أن الناخبين الذين أرادوا "القواد"إرغامهم على التصويت على المرشحين الرسميين احتجوا بكل قوة على هذه الأساليب. كما أشار نفس التقرير إلى طبيعة السياسة الاستعمارية المنتهجة في الاوراس وهي طبيعة إرهابية قمعية.

      حل لهذه الوضعية,قام المكتب الدائم للجبهة بإيفاد وفد يوم 23اوت 1951م الى الولاية العامة,وطلب مقابلة الكاتب العام, فاعتذر هذا الأخير بحجة انه كان في اجتماع.

اعتبر كلود كولو ايفاد الجبهة لوفد منها إلى جبال الاوراس عمل فريد وجديد في النضال ضد العنف.

       كما شرعت الجبهة في الدفاع عن حرية الفكر والصحافة ,بإصدار بيان تستنكر فيه مصادرة السلطات الاستعمارية للعدد رقم ثلاثين من جريدة الجزائر الحرة,جاء فيه:"...حيث ان العدد الثلاثين من الجزائر الحرة قد صودر يوم السبت 11 اوت 1951م بأمر من عامل عمالة الجزائر,...وحيث إن الجزائر الحرة منذ صدور العدد الأول منها لاتزال هدفا للمصادرات والمطاردات من قبل الاستعمار,...وحيث إن هذه المصادرات تصيب في الصميم الحريات الأساسية المسجلة في ميثاق الأمم المتحدة والدستور الفرنسي نفسه,...فنحن نعلن عن عزمنا على القيام بعمل في سبيل فرض احترام حرية صدور جريدة الجزائر الحرة,وحرية الصحافة في الجزائر...".وفي هذا السياق نشر المؤرخ الدكتور عبد الحميد زوزو تقارير الشرطة الاستعمارية التي تناولت عملية مصادرة هذه الجريدة ابتداء من نوفمبر 1947م إلى غاية سبتمبر 1951م,حيث جاء في التقرير الخاص بمصادرة العدد ثلاثين من الجريدة إن الشرطة الفرنسية قامت بحجز عشرين ألف نسخة منها.

ولاستقطاب الجماهير، قامت الجبهة بعقد اجتماعات ومهرجانات، وفي هذا الصدد قامت بتنظيم اجتماع في الملعب البلدي حسين داي(الجزائر العاصمة) يوم 19 اوت 1951م, حضره جمهور يتراوح عدده بين سبعة إلى ثمانية آلاف شخص , ترأسه خمسة شخصيات ممثلة للهيئات الوطنية المختلفة,وانصبت تدخلاتهم حول إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والفاء الانتخابات المزورة,احترام الحريات الأساسية ,إيقاف التدخل في الديانة الإسلامية.

اصدر المكتب الدائم في للجبهة في نهاية الاجتماع قرار باسم سكان الجزائر العاصمة وضواحيها الذين اجتمعوا في الملعب البلدي يعلنون فيه تأييدهم التام للجبهة،ومما جاء في التقرير مايلي:"...إن سكان الجزائر العاصمة يعلنون تأييدهم للجبهة في سبيل فرض احترام الحريات الأساسية,ويستنكرون القمع بجميع أنواعه,...ويحتجون ضد تدخل الإدارة في الإسلامية,...ويدعون جميع الجزائريين دون تمييز في الفكرة والجنس والدين الى تأييد الجبهة..." .

1-المشكلة الانتخابية :

         كانت مشكلة الانتخابات مطروحة قبل سنة 1951م,فقد كان الاتحاد الديمقراطي يرفض المشاركة فيها بسبب التزوير,وكذلك نفس الشيء لحركة الانتصار التي صرحت عشية انتخابات مارس 1949م على عدم المشاركة في الانتخابات المحلية التي جرت  في 20 و27 مارس 1949م,لأنها لا تعبر في نظرها عن الإرادة الشعبية,عكس الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان في كل مناسبة انتخابية يقحم قوائمه للمشاركة فيها.

صرح الحزب الشيوعي يوم 27 سبتمبر 1951م في جريدة الحرية,ان اللجنة المركزية للحزب قد اجتمعت يومي 22.21 سبتمبر,واعتكفت من اجل تجسيد أهداف الجبهة في إطار المصلحة العليا للجبهة,واحترام حرية الانتخاب في القسم الثاني.كان الحزب الشيوعي يحاول أن يقحم الجبهة الجزائرية في هذه المعركة الانتخابية باقتراحه تكوين قائمة موحدة تتفق عليها كل الأحزاب, فرد عليه الاتحاد الديمقراطي باجتماع طارئ أيام 26 و27 سبتمبر 1951م لدراسة المشكلة الانتخابية,الذي انتهى بقرار عدم مشاركة الحزب في الانتخابات.

كما كان هناك رد فعل جماعي على تصريحات الحزب الشيوعي, حيث اصدر كل من الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيون تصريحا مشتركا نشرته جريدة الجمهورية الجزائرية,جريدة المنار, وهو عبارة عن بيان استنكاري للسياسة الانتخابية التي تمارسها الإدارة الفرنسية في الجزائر منذ افريل 1948م,وأعلنوا عدم المشاركة فيها,وفي نفس الوقت دعوة للشعب الجزائري إلى مقاطعة الانتخابات المقررة يوم 07 اكتوبر, ومما جاء فيه:"...إن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيون,بعدما درسوا المشكلة الانتخابية الجزائرية في القسم الثاني على ضوء التجارب المكتسبة منذ افريل 1948م ,...وحيث ان الحكم الاستعماري والإدارة الجزائرية والحكومة الفرنسية قد جعلت – وذلك قصدا-هذه الانتخابات مهازل محزنة,...أن الموقعين أسفله,اعتبارا بأنه لا يتصور أن يكونوا آلات للخديعة الانتخابية التي يشرع في تدبيرها في 07 و14 اكتوبر 1951م,...إنهم وطدوا العزم على حض الناخبين على مقاطعتها...".

وفي هذا الإطار قام المكتب الدائم للجبهة بالإعلان عن موقف الجبهة من الانتخابات,وبعد ان استمعت إلى أراء كل الهيئات السياسية الجزائرية,قررت أن لا تشارك في هذه الانتخابات بهذه الصفة.ويعود ذلك حسب تقديرنا إلى اتقاء الانشقاق الذي ظهر في أعضائها,لذلك جاء تصريحها معتدل اى لم تدع صراحة إلى المقاطعة ولم تدع إلى المشاركة في الانتخابات,بل تركت المبادرة لكل حزب,وهذا منطقي لان الاتفاق الذي حصل أيام 22,23,24 جويلية كان ينص في مادته التاسعة إن هذا الاتفاق لا يمس باستقلال ونشاط كل حركة خارج الجبهة,كما يمكن تفسيره أيضا على أنمه حل توفيقي يرضي كل الأطراف المشاركة في الجبهة.دخل الحزب الشيوعي الانتخابات،وكان برنامجه يحتوي على النقاط التالية:

-1 إلغاء الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 17 جوان 1951 في القسم الثاني.

-2 احترام حرية الانتخاب.

-3 احترام الحريات الأساسية .

-4 إﻧﻬاء تدخل الإدارة في الدين الإسلامي .

-5 إيقاف حرب الفيتنام وإعادة الجنود الجزائريين إلى الجزائر.

-6 عقد اتفاق دولي لحظر الأسلحة النووية.

نلاحظ في هذا البرنامج أن النقاط الأربع الأولى كانت من بين أهداف الجبهة الجزائرية,أما النقطة الخامسة فهي مطلب خاص بالحزب الشيوعي,بينما النقطة السادسة كانت من مطالب الاتحاد السوفيتي,لذلك فمن الضروري القول بان الحزب الشيوعي الجزائري لم يكن مستقلا في قراراته وبرنامجه,بل هو تابع للحزب الشيوعي الفرنسي وهذا الأخير تابع للأممية الشيوعية العالمية,أي لا يمكن عزل الحزب عن العالم الشيوعي.

كانت نسبة المقاطعات في هذه الانتخابات مرتفعة وصلت إلى 45%,بينما وصلت إلى 80% في القسم الثاني,خسر على إثرها الحزب الشيوعي في القسم الأول أربع مقاعد ولم يحصل على أي مقعد في القسم الثاني, ويمكننا إرجاع نسبة المقاطعة إلى استجابة الشعب الجزائري للدعوة التي نادت إلى المقاطعة وما يبرر ذلك أن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والشخصيات الحرة أصدروا تصريحا مشتركا بعد الانتخابات العمالية(الإقليمية)جاء فيه:"...إن الاتحاد الديمقراطي وحركة الانتصار والعلماء والديمقراطيين,يسجلون بارتياح تام إن ناخبي المدن والبادية قد قاطعو الانتخابات بأغلبية ساحقة وأنهم بهذا قد ايدو موقف المنظمات    الوطنية المشترك...",كما أدت هذه الهيئات في نفس التصريح بعدة ملاحظات  فيما يخص تلك الانتخابات نوجزها في أربع نقاط هي:

-1 الانتخابات العمالية قد جرت بصفة عامة في مثل ظروف انتخابات اﻟﻤﺠلس الجزائري والبرلمان الفرنسي.

-2 جميع المترشحيين الحكوميين لم يقع انتخاﺑﻬم- كما هو مزعوم – بل وقع تعيينهم كموظفين.

-3 عدد الأصوات التي نسب إحرازها إلى هؤلاء "المختلسين "للمقاعد ,إنما هو إلا نتيجة اختلاس واسع, وان هؤلاء الخدمة للاستعمار الفرنسي لا يمكن اعتبارهم نوابا للشعب الذي لم يمنحهم ثقته,بل ينكر عليهم كل قيمة تمثيلية.

-4 هذا الاستفتاء كان دليلا واضحا على احتقار الناخب الجزائري لهذه الانتخابات المزورة وجاء هذا التصريح بإمضاءات من ممثلي الهيئات التي أدلت بها التصريح. الاستنتاج الذي نخرج به من خلال هذه الانتخابات,هو أن هذه الأخيرة تعتبر أول امتحان للجبهة,فكانت في نفس الوقت أول هزة زعزعت أركان هذه الوحدة وذبذبت موقفها وشتت رأيها وظهرت كتلتين:

1- الأولى: أقلية يمثلها الحزب الشيوعي الذي شارك في الانتخابات,وكان في رأيه وتصوره أن فرض حرية الانتخاب في القسم الثاني واحترام الحريات الأساسية لا يكون إلا بالمشاركة في الانتخابات.

2 - الثانية: أغلبية ممثلي الجبهة (حركة الانتصار، الاتحاد الديمقراطي، العلماء والديمقراطيون )،الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات لأن هذه الأخيرة أصبحت مهزلة ووسيلة في يد الاستعمار الفرنسي جراء التزوير.

       وقد أثرت هذه الانتخابات على نشاطات الجبهة وانتشارها، ويظهر ذلك جليا في

تأسيسها للجان المحلية، ففي ظرف قياسي مدته ثلاثة أسابيع (من 05 أوت إلى 04 سبتمبر 1951)أسست الجبهة سبعة عشر لجنة، لكن ابتداء من منتصف أكتوبر إلى ﻧﻬاية ديسمبر 1951 ، لمدة شهرين ونصف لم نسجل إلا تأسيس تسعة عشر لجنة محلية، خمسة عشرة منها تأسست في ما بين 20 أ كتوبر و 06 ديسمبر1951، وأربعة فقط تأسست من 10 ديسمبر 1951 إلى 02 جانفي1952.

نلاحظ أن طول هذه المدة الزمنية (من 05 أوت 1951 إلى 02 جانفي1952 )، قامت اللجنة بتأسيس ستة وثلاثين لجنة فقط، أغلبيتها في الجزائر العاصمة (عشرين لجنة)، ثم قسنطينة من(تسعة لجان),وأخيرا وهران فيها سبعة لجان، وهذا العدد ضئيل جدا نظرا لشاسعة الجزائر والآمال المعلقة على الجبهة من طرف الشعب.

قامت الجبهة الجزائرية في الفترة الممتدة من 28 أكتوبر إلى 22 نوفمبر 1951 بعقد حوالي خمسة عشر اجتماعا في المدن الرئيسية الجزائرية، نذكر منها: اجتماع انعقد بعنابة حضره حوالي ألفين مناضل، واجتماع أخر انعقد في سوق أهراس بحضور حولي ألف وخمسمائة شخص، وتجمع آخر في البليدة يوم 12 نوفمبر 1951 حضره حوالي ألف مناضل، كما انعقد اجتماع في العاصمة في 18 نوفمبر من نفس السنة حضره حوالي ألف ومائتين مناضل.

ولما فتحت محكمة البليدة ستة وخمسين ملفا للمعتقلين السياسيين يوم 22 نوفمبر 1951 م، قامت الجبهة بنشر إعلانات ونداءات ضد العنف وتطالب بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين، وفي نفس الإطار قامت اللجان المحلية المختلفة بحملة إمضاءات واسعة لصالح هؤلاء المعتقلين، كما أصدرت قرارات ولائحة لمساندﺗﻬم، وفي هذا الصدد قامت لجان وهران بإرسال رسالة إلى السلطات الفرنسية تندد بالعنف وتطالب بالإفراج عن المعتقلين.كما قامت لجنة العاصمة بإصدار نداء نشرته جريدة المنار جاء فيه:"...حيث أن هؤلاء الجزائريين قد اعتقلوا ظلما بتهمة واهية هي "المؤامرة على امن الدولة",...وحيث انه نكل بهم شر تنكيل,...وحيث أن هؤلاء الوطنيين لم يحاكموا ألا من اجل أفكارهم السياسية وتثبتهم بالسيادة الوطنية,...وحيث جعل جلسة المحكمة سرية يوم 22 نوفمبر لا يعبر إلا عن إرادة الاستعمار إخفاء الحقيقة,...فان لجنة العاصمة للجبهة الجزائرية تؤكد تضامنها التام مع ستة وخمسون جزائريا المحاكمين بالبليدة وتطالب بإطلاق سراحهم,...وتدعو سكان العاصمة إلى النضال لفرض احترام حرية الرأي... ".

وفي نفس الإطار قامت الجبهة ببعث برقية إلى لجنة حقوق الإنسان الدولية، تلفت

نظرها إلى حالة اثني عشر سجين في سجن الأصنام الذين قاموا بالإضراب عن الطعام منذ أربعة وعشرين يوما بغية تحسين حالتهم المعنوية والمادية، وتعلمها بسكوت الإدارة الاستعمارية إزاء هذه الوضعية الخطيرة والمتدهورة لهؤلاء المساجين.

لم يقتصر نشاط الجبهة داخل البلاد، بل تجاوزه إلى حلفائه الطبيعيين، كتبني قضاياالأشقاء في تونس والتصدي لما يتعرض له الإخوة التونسيون هناك من اعتقالات وقمع من أساليب السياسة الاستعمارية، وفي هذا الصدد قام المكتب الدائم للجبهة بإصدار بيان احتجاجي على تلك الاعتقالات والإعلان عن تضامنها مع الشعب التونسي، نقتطف منه هذه الأسطر"...إن الأمانة العامة للجبهة بعدما علمت بنبأ الحوادث الدامية التي جرت في تونس, ترفع بكل استنكار احتجاجها ضد الاستفزازات البوليسية التي سلطت على الشعب التونسي الشقيق, وتستنكر بشدة إيقاف الوطنيين والزعماء التونسيين ,...إن الأمانة الدائمة تؤكد تضامن الشعب الجزائري مع شقيقه التونسي...".

ودائما في إطار تضامن الشعب الجزائري مع الشعب التونسي، أرسلت الجبهة الجزائرية إلى اﻟﻤﺠلس الوطني الفرنسي ومجلس الوزارة ووزير الخارجية برقية نقتبس منها:"...إن الجبهة الجزائرية التي هي الترجمان الصادق للشعب الجزائري,...تحتج ضد الأساليب العتيقة التي يتوخاها الاستعمار الفرنسي,وتطالب بتحرير الوطنيين والزعماء التونسيين...,وتؤكد تضامنها التام مع الشعب التونسي...".

كما قام مصالي الحاج ببعث رسالتين باسم الشعب الجزائري، الأولى إلى الحبيببورقيبة،والثانية الى صالح بن يوسف،يؤكد فيهما باسم الجزائر تضامنه مع الشعب التونسي.

3- مصير الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

      إذا كانت الجبهة الجزائرية من 05 أوت 1951 إلى غاية ﻧﻬاية جانفي 1952 قد قامت بعدة نشاطات سواء على المستوى الوطني، بعقد اجتماعات وتأسيس لجان ونشر بيانات واحتجاجات، أو على المستوى الإقليمي بتضامنها مع الشعب التونسي، فإﻧﻬا ابتداء من فيفري 1952 دخلت الجبهة في سبات عميق أدى في الأخير إلى ظهور الانشقاق في 19 ،20 ماي1952 م عندما دعت الجبهة إلى عقد جلسة، ولكن غياب ممثلي الاتحاد الديمقراطي بحجة أﻧﻬم كانوا خارج العاصمة حال دون عقدها مما أدى إلى تأجيلها، وعلى إثر ذلك قام الحزب الشيوعي وحركة الانتصار بنشر نداء مشترك لعقد يوم وطني للكفاح ضد التعذيب وضد نفي مصالي الحاج، وذلك بتنظيم لقاءات ومظاهرات، حيث دعوا جميع الوطنيين إلى المشاركة فيتلك التظاهرات المقررة يوم 23 ماي 1952 ، فرد على هذا النداء المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي ببلاغ يؤكد فيه أن النداء لا يلزمها بشيء كونه صدر من حزبين وليس من المكتب الدائم للجبهة.

 تعتبر هذه التصريحات والنداءات مؤشرا واضحا لبداية ﻧﻬاية الجبهة وعدم فعاليتها، حيث شهد شهر ماي انسحاب الاتحاد الديمقراطي منها وبذلك بدأت الوحدة في التفكك والتشتت, ويظهر ذلك جليا عندما اقترح الحزب الشيوعي يوم 02 جويلية للأمين العام للجبهة بإقامة تجمع شعبي يوم 05 اوت 1952 أوت بمناسبة مرور سنة على تأسيس الجبهة،لكن هذا الاقتراح لم يجد أي استجابة من الأعضاء الباقين في الجبهة والتي غادرﺗﻬا حركة الانتصار في نوفمبر من نفس السنة، وبالتالي عرفت الجبهة نفس المصير الذي عرفه المؤتمر الإسلامي عام1936 وتجمع أحباب البيان والحرية عام 1945 ، أي تلاشت هذه الوحدة بسرعة، وتبعثرت جهودها وعادت كل هيئة سياسية إلى العمل بشكل منفرد.

الخاتمة :

من خلال تتبعنا لسلسلة الأحداث التي أدت إلى ميلاد الجبهة الجزائرية وتتبع مراحل تأسيسها ونشاطها وتطورها، وتدقيق النظر في برنامجها وأهدافها،نجدها محدودة وقليلة النشاط والحيوية بالنسبة لتطلعات الشعب الجزائري.وابتداء من سنة 1947 أصبحت جمعية العلماء أكثر دعوة إلى الاتحاد أكثر من باقي الأحزاب الوطنية الأخرى، وقد لعبت جمعية العلماء المسلمين دورا بارزا في الجبهة حيث ان المؤتمر التأسيسي ترأسه الشيخ التبسي نائب رئيس جمعية العلماء.

وقد حاولت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جاهدة تكريس مبادئها في الحفاظ الهوية الوطنية العربية الإسلامية وعدم تدخل الإدارة في الدين وذلك من خلال مطالب جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها، إلا أن مصير هاته الجبهة كان الفشل وعدم الاستمرارية لعدة أسباب وظروف واختلاف في الرؤية والإيديولوجية بين التيارات الوطنية.

المصادر والمراجع :

المصادر:/ا

1-توفيق المدني احمد،حياة كفاح،مذكرات، ج2، (1925-1954)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر،1977

2-عباس فرحات ، ليل الاستعمار ، ترجمة ابوبكر رحال ، مطبعة فضالة ، المحمدية ، الجزائر، د.ت

ب/المراجع:

1- زوزو عبد الحميد ،المرجعيات التاريخية للدولة الجزائرية الحديثة ، دار هومة ، الجزائر،  2005

2- العمري مومن ، الحركة الثورية فيالجزائرمن نجم شمال افريقيا (-1926, 1954)، دار الطليعة للنشر والتوزيع ، قسنطينة ، 2003.

ج/الجرائد:

1- بوزوزو محمود، "اين انصار الديمقراطية "، جريدة المنار ، السنة الاولى ، العدد 08،(31اوت1951)

2- بوزوزو محمود،"بارقة امل خطوة كبيرة في سيبل تحقيق الاتحاد القومي "، جريدة المنار، السنة الاولى ، العدد 06، (30جويلية 1951)

3- بوزوزو محمود، "حاجتنا الى جبهة تحريرية" ،جريدة المنار، السنة الثانية ، العدد 09،(15اوت1952)

4- بوزوزو محمود ،" الشعب الجزائري يريد حقه في تقرير مصيره"، جريدة المنار ، السنة الاولى ، العدد 12، (21ديسمبر1951)

5-  بوزوزو محمود "مرحبا بالفجر الصادق"، جريدة المنار،السنة الاولى، العدد7،(15اوت 1951)

  • مجهول " خطاب مشترك من الاحزاب والحركات القومية الجزائرية الى لجنة مساعدة ضحايا القمع"، جريدة المنار،السنة الاولى ، العدد06.

7- مجهول "لجنة انشائية لتاسيس الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها"، جريدة المنار، السنة الاولى ، العدد 06

1-COLLOT, Claude : « le front algérien pour le respect et la défense desliberté », revue algérienne de sciences juridiques, économiques, etpolitiques, n°02 (juin 1977)

2- GAMON,(l) : « Akacha avait Mont : Cheikh El OKBI et Abbas Turqui son remit ont en liberté »,Echo d’Alger, 9507 (15 août 1936).

3-Gouvernement général de l’Algérie : Bulletin mensuel des questions islamiques juillet,1951

4-  LACHRAF, Mustapha : « les français, premiers pirates de l’air », le journal EL watan, n° spécial, la guerre de la libération nationale, 1954- 2004 (31 octobre 2004)