البعد الجمالي للعمارة العثمانية بمدينة الجزائر
(دراسة معمارية أثرية وجمالية لجامع كتشاوة)
د.مليكة برواق
- جامعة وهران
ملخص:
انتشرت المساجد بانتشار الاسلام وتنوعت عمارتها تبعا لتنوع المكان والزمان و الطراز ومدينة الجزائر كغيرها من مدن الحضارة الاسلامية والتي تضمنت في احضانها منذ اولى الفتوحات مساجد عتيقة تدون دون تفاصيل مرحلة من تاريخ المدينة الممتزج بين الأمازيغية والعروبة والإسلام والتي اضطلعت بدور مهم سوا في المحافظة على الهوية الوطنية الاسلامية أو نشر الوعي بين السكان لمحاربة الاستعمار قديما، منها ما اصبح أطلالا وشواهد ومنها ما هو قائم يستغل لحد الآن .
يعتبر جامع كتشاوة بمدينة الجزائر من بين شواهد العصر على التاريخ المشرق للعمارة الاسلامية وفي هذا المقال نتطرق بالدراسة والوصف والتحليل من الناحية المعمارية والاثرية والفنية والزخرفية.
الكلمات المفتاحية: العمارة، المساجد، العثمانية، كتشاوة، الزخارف، الاصالة .
عمارة المساجد العثمانية:
تعتبر طرز المساجد العثمانية في بدايتها حلقة اتصال بين الطراز السلجوقي في القديم والطراز العثماني الجديد والذي ظهر بعد فتح القسطنطينية ،بعدها تأثرت عمارة المساجد بالعمارة البيزنطنية في القسطنطينية وأوضح مثال لها هو مسجد )ايا صوفيا( الذي كان كنيسة بناها الامبراطور الروماني )جستنيان(، ولكن بعد فتح العثمانيين لهذه المدينة حولو هذه الكنيسة الى مسجد واضافوا لها مآذن منبر ومحراب.. ليصبح مسجد اية صوفيا اساسا او نموذجا للمساجد العثمانية التي انشأت فيما بعد .
فيعتبر الطراز العثماني استمرارا للطراز السلجوقي مع اقتباسات كثيرة من الطراز الإيراني ،وقد تكون هذا الطراز اثنا توسع العثمانيين في آسيا الصغرى من خلال النصف الثاني من القرن الثالت عشر ،وعندما استولى اروخان على بروسة ونقل اليها عاصمة الدولة العثمانية الناشئة ،اخدت خصائص الطراز العثماني المميزة تتجلى في سلسلة المساجد التي انشأها العثمانيون في عاصمتهم الجديدة وما دخل في طاعتهم بعد ذلك من المدن والعواصم الاخرى ،حت اذا فتح الاتراك القسطنطينية وجعلوها عاصمة دولتهم تجلت هذه الخصائص بصورة واضحة ،وظهر الطراز العثماني بخصائصه الفائقة ابتدا من النصف الثاني من القرن الخامس عشر ميلادي .
وقد بلغ تطور الهندسة المعمارية العثمانية قمته في القرن السادس عشر من حيث كمال الطراز والبنا علي يد المعمار )سنان( المتوفى سنة ) 1578 ( م وقد طبع عصرا كاملا بطباعه. و مدينة الجزائر من المدن الجزائرية التي مازلت تحتفظ في بعض أجزائها بطابعها العمراني المعماري المميز لما تحويه من آثار إسلامية قائمة ترجع الى فترات تاريخية مختلفة، وتشتهر المدينة بمساجد مميزة من حيث الصنع والهندسة والزخرفة أي ذات فن معماري عثماني دقيق ولأن الاتراك كان وا مولعين بإنشا المساجد حفاظا على الهوية الإسلامية فلا غرابة أن نرى اهتمامهم البالغ والرائع بتزيين المساجد ، فللمساجد العثمانية بمدينة الجزائر حضور ديني وإن جمال العمارة الاسلامية يشدك فيها الحنين الى زمن القوة والرخا ،وهي مساجد ذات قيمة تاريخية عظيمة وتراث معماري رفيع . لقد احتوت معظم الجوامع على المحراب والمنبر والصومعة وقناديل الإضا ةً والما للوضو )أو الميضات( كما ان الفرش تختلف من جامع إلى آخر الى درجة ان بعضها يتسم بالغنى بحيث كانت تطرز بالحرير المذهب واستعمال الزرابي نادرة القيمة ،وفي بعضها كانت مجرد حصير وسجاد متواضع ....
جامع كتشاوة: موقعه وتاريخ إنشائه:
جامع كتشاوة أحد عناوين الإسلام بطابعه المعماري العربي الاسلامي ،وأشهر المساجد العتيقة بالعاصمة ،وهو معلم عايش أو واكب حقبا تاريخية عديدة مما يجعله معمارا مقاوما للزمن وقهره وسمي كتشاوة نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة وهي سوق الماعز̽ . ويغد مسجد كتشاوة في قلب العاصمة الجزائرية القديمة من المساجد التي تصارع الزمن رغم مرور قروون من تشييد هذا المعلم الاسلامي ليبقى أحد المعالم التاريخية الراسخة في الجزائر وأقدمها في الحي العتيق المعروف بالقصبة الذي يحفي بياناته المتشابكة ضروحا عريقة قاومت الحروب والزلازل لقرون وظلت شاهدا حيا على تعاقب الكثير من الحضارات عليه لاتزال بصماتها شاهدة للعيان حت يومنا هذا .
تاريخ الانشاء الجامع :
لا نكاد نعرف بالضبط اعتمادا على أقدم الوثائق تاريخ إنشا المسجد سوى ما تذكره أقدم الوثائق المتعلقة به والتي تعود إلى سنة 1020 ه 1612 م ،وكانت تشرف على تسييره مؤسسة سبل الخيرات ،أعاد بنائه الداي حسن باشا سنة 1209 ه ( 1794 - 1795 م( حيث قام بتوسيعه وتزيينه بالرخام على نمط مسجد السيدة ،فيعد من أجمل مساجد مدينة الجزائر من حيث النقوش وطراز العمارة 1 . لكن ما يمكن أن نلاحظه في إحدى اللوحات الخاصة بمدينة الجزائر والتي رسمت فيها جميع أجزا المدينة ولم تشر إلى اسم مسجد كتشاوة ،مع العلم أن تلك اللوحة مؤرخة ب 1569 م ومع ذلك فلا نعتقد بأن المسجد قد بني في سنة 1794 فهايدو" الذي زار الجزائر سنة 1581 لا يذكر مساجد الجزائر الهامة في القرن 16 الا اثنين فقط هما مسجد القشاش الذي أنجز سنة 1579 م ومسجد خضر باشا المنجز في سنة 1596 م ولكن من جهة اخ رى قدر عدد المساجد بالمدينة بأكثر من مئة مسجد وقد يكون مسجد كتشاوة من بينها ،مما جعل عمل الداي جسن باشا عملا تجديديا فقط للمسجد سنة 1794 م 2 .
التجديد:
وتوجد في المتحف الوطي للآثار القديمة لوحة تذكارية تبين تاريخ تجديد هذا المسجد من طرف حسن باشا، وهي لوحة مستطيلة الشكل كتبت باللغة العربية بخط الثلث وبأسلوب الحفر الغائر المملو بالرصاص، جا تً الكتابة على شكل أبيات شعرية في سطرين مجزأين داخل معينات ، وقد جا في نصها ما يلي:
حبذا جامع يرام بالمنا من مبلغ القصد وتبسم بروق الختام من أفق العهد
بناه سلطاننا الرضي عظيم القدر حسن باشا بالبها عديم المثل والند
قد أفت لتشييد أساسهاعلى التقى ثقل فخاره من مال تجل عن العد
وحاز بهجة لدى الناظرين أرخ لما كملت كالسعد وباليمين والمجد
شكل 1 لوحة تذكارية لجامع كتشاوة سنة 1209
تحليل محتوى نص الكتابة:
إذا ما أمعنا التأمل في هذه الأبيات جا تً هذه الأبيات مسجوعة فآخر كل بيت ينتهي بحرف الدال، وقد اشتملت على بعض الأخطا . هذه الكتابة تفيدنا أن هذا المسجد من المساجد الجامعة التي تقام فيها صلاة الجمعة ولأعياد إضافة إلى الصلوات الخمس، أو ما كلمة بناه ففيها إشكال ن وعا ما لأن الجامع قد كان موجودا قبل التاريخ وربما يكون قد أعاد بنا هً كاملا، وقد أنفق عليه كما تدل الكتابة أموالا طائلة تجل عن العد حت أصبح منظره يبهج ويعجب كل من رآه، وقد كان هذا التجديد سنة 1417 ه الموافق ل 1794 1795 م. 1
بطاقة فنية للوحة 2 :
طبيعة اللوحة: لوحة تسجيلية
طبيعة الكتابة: كتابة تذكارية لجامع كتشاوة
المقاسات: ط: 21cm ، ع: 27cm ، س: 10cm
المادة: الرخام
نوع الخط: خط الثلث
تقنية الصنع: الحفر الغائر المملو بالرصاص
عدد الخراطيش: ثمانية
عدد الأسطر: سطرين
التاريخ: 09 12 ه / 1794 1795 م
مكان الحفظ: المتحف الوطي للآثار القديمة
تحويل المسجد إلى كاتدرائية:
جا المستدمر الفرنسي إلى الجزائر بالقوة سنة 1830 وبالقوة نفسها جا تً حركة التنصير ،فأول ما باشرت به قوات المستعمر عند احتلالها للجزائر محو كل أثار الهوية الجزائرية وهو الأمر الذي أدى إلى تهديم المعالم الإسلامية لتحل محلها معالم نصرانية ،ويعد مسجد كتشاوة أحد هذه المعالم الاسلامية التي لم تبال فرنسا في انتهاك حرماته المقدسة وقد اقتحم الفرنسيون المسجد بقوتهم الغاشمة وقتلوا فيه عددا كبيرا من المصلين ،وأما مكان المسجد فقد أقيمت بدله كاتدرائية عرفت "بسان فيليب" وأقيمت فيه أول صلاة نصرانية ليلة عيد المسيح ليلة 24 ديسمبر 1832 م ويقول A Devoulx عن جامع كتشاوة ما يلي:
"Ce n’est pas sans un sentiment de regret que j’ajoute que nous sommes empressée de faire disparaitre ces deux charmants et élégants produits de l’architecture algérienne d’autant plus précieux à conserver qu’ils étaient uniques dans leurs genre1"
بعد الاستلاء على الجامع تم تحويله من طرف القائد الأعلى للقوات الفرنسية الجنرال " الدوق دوروفيغو"إلى إسطبل بعد أن قام بإخراج جميع المصاحف الموجودة فيه إلى "ساحة الماعز" المجاورة على قرار تحويله الى كنيسة وهو يردد "يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبد إله المسحيين ،وهو ما حصل يوم 18 ديسمبر 1832 أي 5 أشهر فقط بعد احتلال الجزائر ، وأطلق على الجامع الذي أصبح كاتدرائية اسم "القديس فيليب " 2 ويذهب "ديفوكس" إلى أن السلطات الفرنسية قد أعطته إلى الديانات الكاثوليكية بعد سنوات قليلة من الاحتلال ،ويضيف أنه قد هدم تماما شيئا فشيئا نتيجة التعديلات المتوالية التي أدخلت عليه لجعله كاتدرائية وأضاف أن العرصات فقط هي التي نجت من الهدم في هذا الجامع الجميل ،وهو عمل في نظر ديفوكس كان محل أسف هواة الفن المعماري الأهلي ،وكل من تناول وصف الجامع يعترف بجماله وسعته وصحته لأن تجديده جرى قبل الاحتلال بأقل من أربعين سنة ،ومع ذلك فإن الفرنسيين هم الذين يصفون المسلمين الجزائريين عندئذ بالتعصب 3 .
وعند استقلال البلاد سنة 1962 م ارادت الدولة الجديدة التعبير عن نهاية الكولونيا لية والمسيحية من خلال التأكيد على ضرورة استرجاع الهوية المسلمة للبلاد، فتجسدت أول التدابير السياسية التي أقدم عليها الحكام الجزائريون في اس ترجاع المساجد العثمانية القديمة كجامع كتشاوة وغيره من المساجد التي حولت إلى كنائس مع بداية الاحتلال الفرنسي ،ليتم هكذا تحويل المعابد اليهودية والكنائس̽ إلى مساجد من جديد 4 .
وعليه فإن اعادة تملك هذا المكان من قبل السلطات الجزائرية للاحتفال بتاريخ أول نوفمبر 1962 م يحيل الى رهانات جد رمزية ،ومن هنا أصبحت الكاتدرائية الكبيرة لمدينة الجزائر - بشكل رسمي – جامع كتشاوة وذلك اثر تصريح علني لوزارة الاوقاف الجزائر ، 5 عندما استرجعت الجزائر هذا الصرح التاريخي فعاد إلى وظيفته الطبيعية وأصبح مسجدا من جديد وأقيمت فيه أولصلاه جمعة وكان خطيبها العلامة البشير الإبراهيمي
الدراسة المعمارية :
أ- الوصف الخارجي :
كان جامع كتشاوة مربع الشكل ومحاطا بعدد كبير من الأسوار الرخامية الدائرية الضخمة وكان مدخله الرئيسي في شارع الديوان عكس ما هو عليه اليوم، حيث تزينه باب ضحمة خشبية صنعها اكبر فناني حرفة النجارة العاصمية آنذاك وامين نقابة النجارين المعلم البلاتشي )البلاطشي (احمد بن البلاطي وزين الداي حسن الشارع المقابل للباب الرئيسية للجامع بحديقة جميلة ونافورة مياه من طراز تلك التي تزين وسط ديار وقصور القصبة ،لكن لا الباب بقيت ولا الحديقة ولا النافورة صمدت أمام همجية الجرارات الفرنسية لذلك لم يبقى من كتشاوة الاصل الذي بناه بابا حسن سوى بضعة سواري رخاميةوباب النجار البلاطشي ،وهذا الباب موجود حاليا في المتحف الوطني للآثار لمن يرغب في رؤيته. 1
كان جامع كتشاوة ذو مدخلين أحدهما أمامي مفتوح على ساحة )مالكوف( أي جنب قصر الشتا الذي يؤوي اليوم مركز الشؤون الثقافية لوزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية أما ثاني المدخلين فهو خلفي من جانب نهج الديوان Rue de Divan وكانت توجد هناك ساحة صغيرة شكلها مربع منحرف تقوم من إحدى زواياها منارة الجامع , وسمي مسجدا النسا لأن في داخله أروقة كبيرة تشرف على الردهة خصصت للنسا المصليات وتسمى تلك الأروقة في الجزائر )السدة( وهي تحيط بالردهة كلها وتبلغ 65 مترا في الطول و 30 في العرض 2 .
ب- الوصف الداخلي :
حجرة الصلاة: التي يوجد قسم منها في الحجرات المقوسة يبلغ طولها 24 مترا وعرضها 24 مترا وهي تشمل ساحة مركزية مربعة طول ضلعها 11،5 م مغطاة بقبة مثمنة الأضلاع وأروقة تساير الواجهات الأربعة في الجهة المقابلة الجدار القبلة أي رواقين وفي الزاوية الجنوبية للمسجد ترتفع المنارة المربعة دون شك ،غير أن الاحتلال الفرنسي قد غير كل هذه المعطيات ،إذ أن الديانة المسيحية كانت العماد الإيديولوجي للاحتلال. 3
وتقوم بيت الصلاة على ستة عشر عمودا ويوجد منها ستة محفوظة في المتحف الوطني للآثار القديمة ، كما توجد فيه سدة كالعادة في المساجد الحنفية كالجامع الجديد وجامع صفر، وقد ذكر الزياني هذه السدة فقال: " ... ومامه كشك يجلس به المؤذنون أ وهل الألحان والقرا اًت، ومن له وظيفة بالمسجد كالموقت والراوي لحديث الإنصات...
القبة :
وتقوم القبة الكبيرة في وسط بيت الصلاة على أربعة دعائم ضخمة تبتعد كل منها عن الأخرى 11,5 مترا وهذه الدعائم تحمل عقودا مستديرة ترتفع فوقها قبة ذات ستة اضلاع. 1 وقد سمح اتجاه هذه العقود المختلف لحمل القبة المركزية للمسجد والتي كان يبلغ قطرها 12 مترا وهي بذلك تختلف عن الطراز المعروف في مباني الجزائر إبان العهد العثماني والمتمثل في مل المثلثات الركنية بشكل مائل بل عمد البنا الى بنا تلك المثلثات بخط شاقولي ، زخرفت أيضا جدرانهما بنفس الخطوط المشعة ،وملئت الفراغات المتمثلة بين العقود بزخرفة الرقش العربي )الأرابيسك( ومن هنا كان شكل تلك العقود شكلا مستديرا تماما عليه تقوم القبة المركزية للمسجد . 2
وقد أعجب الزياني بهذه القبة كثيرا، ويقول في وصفها: << وجعل لهذه القبة سراجيب بأنواع البلور الذي لم ير في عصر من العص ور يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ودار بهذه القبة قبب على شكل منمق كأنهن جدول موفق من ثنائي ورباعي وخماسي وسداسي وسباعي، ومقربص ومشجر، وقاطع ومقطوع ومسطر، وداخل وخارج وبخاريات وقصاعي وأنصاف ترنجيات، وفوق ذلك من الأسباغ كل لون غريب... وكتبوا أسما الله وآياته أ وأنبيا الله وخلفائه تعظيما بالذهب الأبريز الصيان، وليس الخبر كالعيان، أ ودار بهذه القبة شدروانا من العود مموه بأنواع الأطلية الفائقة بالألوان.. 3
المحراب :
دخل المحراب̽ عمارة المساجد ، وارتبط بها ارتباطا وثيقا الى درجة أننا لا نعثر على مسجد بدون محراب خاصة وهو العنصر الدال على اتجاه القبلة إضافة الى تجويفه الذي يساهم في التقليل من المساحة التي يأخذها الإمام أثنا الصلاة كما أنه مضخم لصوت الإمام أثنا قرا تًه في الصلاة ،كما أخذ هذا العنصر المعماري سمة الشرف والسمو والرفعة ،وتنوعت مادة بنائها حيث بنيت من الحجارة تارة ومن الجص و الخزف الفسيفسا والخشب تارات اخرى. 4 وظهر في العصر العثماني أسلوب عمل المحاريب المجوفة من صفوف المقرصنات أصبح هذا الأسلوب هو السائد في عمائر هذا العصر 5 .
المنبر:
فالمنبر هو منصة من حجر أو خشب، تتسع لوقوف وجلوس الخطيب، وتقع قرب المحراب، تعلوها قبة صغيرة أو جوسق، ويصعد إلى المنبر ب درج له درابزين على جانبيه وباب بمصراعين في الأسفل، تعلوه شرفات تحملها صفوف من المقرصنات ويتعامد مسقط الدرج مع جدار القبلة. 1وأما المنبر فح د ث عن حسنه ولا حرج فه وآية في فن النقش لا نظير لها يزين جوانبه أصناف من الرخام الرفيع، وقد وصفه الزياني قائلا: << وجعل لهذا المسجد منبرا من الرخام الشفاف مؤلف من سبعة أصناف، من مرمر وجزع، وزبرجد وودع وفيروزج وفاروز، كأنه اللوا المشروز، أب دع فيه كل خارط صنعة الخرط، كول ناقش زاد على الشرط وكل مسطر حقق ما سطر، كول مشجر أبدع فيه ما شجر، فهو كالأمير ا ولتاج على رأسه.. 2
المئذنة :
تمثل المآذن العثمانية تطورا للمآذن السلجوقية في آسيا الصغرى حيث حرص المعماريون الأوائل في ذلك العهد على جعل المئذنة أسطوانية متوسطة الارتفاع تتكون من بدن يمتد حت الشرفة الأولى ثم يرتفع البنا مرة اخرى دون سلم خارجي حت تصل المئذنة إلى الارتفاع الذي راه المعماري مناسبا ثم ينهيها بمخروط ، وأغلب مآذن السلاجقة ذات بدن مستدير منها ما هو مضلع ذو ستة أو ثمانية اضلاع تحت مظلة ، وقد تفنن المعماري في عملية التضليع وغالبا ما يك ون لها شرفة واحدة تقع بنهايتها. 3
وأما عن المكونات العامة للمآذن العثمانية والتي أستلهم العثمانيون شكلها عن المآذن السلجوقية ونشروها في كافة البلاد التي فتحوها فقد تطورت هذه المكونات بشكل ملحوظ حيث تميزت المآذن العثمانية بالارتفاع الشديد ودقة النسب ولقد اصبحت المآذن العثمانية مند ظهورها في منتصف القرن 9 ه / 15 م من أهم معالم الحضارة العثمانية حت غدت تقليدا تتميز به وينبغي الالتزام به. 4أما المئذنة التي لم يعد لها الآن أثر فقد كانت من الطراز المغربي أي على شكل مربع.
الدراسة الفنية والجمالية:
نعنى في هذه الناحية بدراسة الجانب الفني والجمالي وكيفية استغلال العناصر الزخرفية منها الكتابية والهندسية والنباتية للمسجد .
أ- العناصر النباتية :
تقوم الزخرفة النباتية او ما يسمى فن التوريق على زخارف مشكلة من اوراق النباتات المختلفة والزهور المتنوعة ،وقد هرت بأساليب متعددة من افراد ومزاوجة وتقايل وتعانق...وفي كثير من الأحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ومتناظرة. تتكرر بصورة منتظمة . 1 وإذا ما حاولنا أن نصف الزخرفة النباتية فإنها إقتصرت على الزخرفة الرقشية المحورة عن الرقش العربي الأصلية إلى الرقش المتطور على يد الفنانين الشرقيين خاصة في الشرق الادنى والذي له تأثيرات من الطراز الا وروبي الحديث هذا ويمكن أن نضيف بأن الزخرفة النباتية التي كانت على المربعات الخزفية المزدانة بأزهار القرنفل في معظمها ،وأوراق الخرشوف البري والمعروفة في الفن الكلاسكي بورقة الاكانتس )الاقنشة( ازهار الزنابق في بعض الأبدان المتصلة بأسافل القباب . 2
ب- العناصر الهندسية :
اعتمدت الزخارف الهندسية على المربع و المثلت والدائرة لكي تكون الأساس الذي تقوم عليه جميع الزخارف الهندسية واشتهرت النجمة الاسلامية المتعددة الأضلاع والمتفرغة. وما نتج حولها من وحدات وتقسيمات مختلفة في المساحة، وكذلك يعتمد في الأصل على خطوط هندسية بسيطة ،يتضح منها إلمام الفنان المسلم بعلم الهندسة لأن الزخارف الهندسية تعتمد على قياسات دقيقة للأطوال والزوايا في الأشكال الهندسية المختلفة . 3
ت- العناصر الكتابية :
فيما يخص الزخرفة الكتابية فإنها ت وزعت في أماكن كثيرة من المسجد ،فوق جبهة المحراب وجدران المسجد المختلفة ،وعلى أبدان الشمسيات )القمريات( المخرمة ، وقد جمع كولان مجموعة لابأس بها من الآيات القرآنية ، وجمل التمني والتهليل والترحيب والتبريك .تراوحت خطوطها بين التجويد الأنيق للكتابة وبين الاعوجاج ،غير انه يغلب علي الزخرفة الكتابية نمط الثلث والثلثي الجلي ،والتي مازال البعض منها في متحف الأثار القديمة بحديقة الحرية . 4
ومن الآيات القرآنية التي كتبت في المسجد فكان منها ما يلي: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بما صَبَرْتُمْ فَنعْمَ عُقْبَى الدَّار" 5 كلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَريَّا الْمحْرَابَ وَجَدَ عنْدَهَا رزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنىَّٰ لَك هَٰذَا قَالَتْ هُوَ منْ عنْ عند اللّه إنَّ اللَّهَ يرَزُقُ مَنْ يَشَاء بغير حسَابٍ ﴿ ٣٧ ﴾ 6 هاتان الآيتان حفرتا فوق جبهة عقد المحراب وهناك مجموعة اخرى من الآيات القرآنية ،منها على الخصوص الآيتان الأولى والثانية من سورة الفتح .وجمل الترجي وطلب الخبير والتهليل 7 .
خاتمة :
وفي الأخير نصل إلى القول أن جامع كتشاوة يمثل تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها، ذو طابع معماري أصيل وإن المشاهد لهذا المعلم التاريخي يكتشف تعاقب الآثار التي مرت عليه من بنائه إلى يومنا هذا. ونابع من تفاعل الإنسان مع بيئته من حيث التصميم ومواد البنا ،ً ولكن مع عوامل الزمن أصبح من الضروري ترميم المسجد العتيق بإشراف خبرا أتراك اذن أعمال ترميمية مختلفة يشهدها الجامع من الداخل والخارج ،لإعادة رسم وجه هذا الصرح التاريخي، ويبقى جامع كتشاوة من أبرز وأروع المعالم الأثرية التي تحتضنها القصبة. والتي تعتبر إمتدادا للحضارة العثمانية في الجزائر.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي ،ج 1 ( 1500 - 1830 ( . دار الغرب الاسلامي ،بيروت ،ط 1 . 1998 .
أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي 1830 .- 1954 .ط 1 .ج 5 . دار الغرب الإسلامي. بيروت. 1998
أمير يوسف ، إسهامات الدايات في وقف المساجد بمدينة الجزائر ) 1671 - 1830 ( مجلة الدراسات التاريخية ،كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة الجزائر 2 ،العدد 14 2012 .
بدر عبد العزيز محمد بدر، العمارة الإسلامية بقبرص )دراسة أثرية حضارية(، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، قسم الاثار الاسلامية ، 2007 .
بن شامة سعاد، المنشآت المعمارية الاثرية بمدينة البليدة رسالة ماجستير . جامعة الجزائر. 2008 - 2009
بوشوشي الطاهر ،صفحات من تاريخ جامع كتشاوة ، مجلة الاصالة عدد 14 / 15 قسنطينة الجزائر
بوزرينة سعيد، المنشآت الدينية المؤرخة بالكتابات التأسيسية بمدينة الجزائر خلال العهد العثماني، رسالة ماجيستير، إشراف بن بلة خيرة، الجزائر، 2010 / 2011 م
حمادي حميد ، التجربة الجمالية للفن الاسلامي بالجزائرا،لمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ،الجزائر 2014 .
الزياني أبولقاسم، الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، تحقيق وتعليق عبدالكريم، الفيلالي، دار المعرفة للنشر والتوزيع الرباط طبعة 1991 م
دليلة صنهاجي خياط ،المساجد في الجزائر أو المجال المسترجع ،مدينة وهران نمودجا ، انسانيات ،المجلة الجزائرية في الانثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية عدد 33 مجلد ) 15 - 3( كراسك وهران 2011
سعيد محمد حاج، مساجد القصبة في العهد العثماني تاريخها ودورها وعمارتها ،رسالة ماجستر في العلوم الاسلامية ،اشراف عبد العزيز سهي جامعة الجزائر 2014 / 2015
الشرقاوي داليا احمد فؤاد ، الزخارف الاسلامية والاستفادة منها في تطبيقات زخرفية معاصرة، رسالة دكت وراه إشراف فريال عبد المنعم شريف، جامعة حلوان كلية الفنون التطبيقية قسم الزخرفة، 2000 م
عبد الفتاح احمد كمال ، انواع المساجد ،مجلة البنا السعودية العدد 01 سنة 1980
عقاب محمد الطيب ، لمحات عن العمارة والفنون الاسلامية في الجزائر، سلسلة علوم واثار ديوان المطبوعات الجامعية ،الساحة المركزية بن عكنون الجزائر 1988 .
غالب عبد الرحيم ، موسوعة العمارة الإسلامية، الطبعة الأولى، جروس برس، بيروت 1988 .
فوزي سعد الله ، قصبة الجزائر الذاكرة الحاضر والخواطر ،دار المعرفة ،الجزائر ،بدون طبعة وبدون تاريخ النشر.
فويال سعاد، المساجد الاثرية ،المساجد الاثرية لمدينة الجزائر ،دار المعرفة نالجزائر .
مؤنس حسين المساجد، عالم المعرفة، عدد 37 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1981 .
Devoulx, A., Les édifices religieux à Alger ; revue Africaine société historique Algérienne 1861.
جريدة نورت ) https://www.nawaret.com تاريخ الاصدار 09 / 10 / 2016(
جريدة البيان ) http :www .albayan.ae /supplements /ramadan/sites/2012-07-21 )
تاريخ الاصدار 09 / 10 / 2
السياسات والمؤامرات التي مهدت للنكبة
د. رائد ناجي
فلسطين
المقدمة
كان الشعب الفلسطيني يهنأ في ارضه، وكانت معظم المدن الفلسطينية مزدهرة والحياة تسير بشكل طبيعي، ولكن فجأة حدث كابوس ما يسمى "بالانتداب البريطاني على فلسطين الذي هو بمثابة النكبة الحقيقية الاولى للشعب والارض، فهو لم يكن وليد الصدفة وانما كان بنا على دراسات شاملة مختلف المجالات السياسية والجغرافية والاقتصادية والعرقية والدينية لتمرير مؤامرة كبرى بتسليم فلسطين لليهود وانشا وطن قومي لهم. ونفذت هذه المؤامرة وتم اعلان دولة اسرائيل وتهجير الفلسطينيين من ارضهم يوم 16 / 05 / 1948 وكتب بهذا التاريخ مأساة فلسطين وشعبها.
المطلب الاول: النكبة الفلسطينية
مزقت النكبة أوصال الشعب الفلسطيني وفصلت الشعب عن أرضه وحكمت عليه بالإبادة الجغرافية الديمغرافية، حت تحول الفلسطيني الى لاجئ بسبب عمليات الطرد الممنهجة التي اتبعتها العصابات الصهيونية وبشت الوسائل من قتل وترويع وبطش وإرهاب جسدي ونفسي، بهدف تغير الطابع الديمغرافي لفلسطين لمصلحة قدوم المهاج رين اليهود وأدت السياسات الصهيونية التي اتبعها اليهود في بداية إقامة الدولة عام 1948 إلى نزوح حوالي 800000 لاجئا تركوا أرضهم بسبب قسوة الممارسات اليهودية من قتل وتشريد وتعذيب .
الفرع الاول: النكبة وبدايتها
لا شك ان فكرة انشا وطن قومي لليهودي فكرة قديمة، وانما تبلورت في القرن الثامن والتاسع عشر، وسبقت انشا الوطن القومي العديد من المؤتمرات والمؤامرات لدعم اليهود، وبعد اطمئنان بريطانيا لهذه السياسة فقامت بضرب الانتداب على فلسطين، واصدرت وعده بلفور المشؤوم بعد موافقة الدول الاستعمارية ودعمت قرارها، وبفضل السياسية الخبيثة البريطانية ساعدت على تهجير الفلسطينيين وابعادهم عن ارضيهم وفي المقابل استقدام واحلال اليهود مكانهم، وبمجرد دخول اليهود فلسطين هاجمت العصابات اليهودية القرى الفلسطينية.
اولا: تعريف النكبة
1 . النكبة لغة:
2 . النكبة لغة هي مصيبة نازلة توجع الانسان بما يعز عليه من مال او حميم تصيبه بخسارة عظيمة، وهي الفاجعة ايضا. وايضا يذهب معنى النكبة اللغوي الى نازلة عظيمة ومصيبة جماعية تحل بعدد كبير من الناس.
2 . النكبة اصطلاحا:
تعرف الموسوعة الحرة ويكيبيديا النكبة " مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره" .
لقد التصق اسم النكبة بما حدث فلسطين في 16 / 05 / 1948 من تهجير ونهب للقرى والبلدات الفلسطينية وتشريد اكثر من 800000 الف فلسطيني من ارضه الى دول الجوار والعالم، ولكن تعريف الويكيبيديا يبقى منقوصا اذا ان النكبة ليست فقط هي المأساة انما تمتد الى التطهير العرقي ومن قام به والغرض من هذا التطهير.
وبتعريف اشمل للنكبة النكبة هي الكارثة والمأساة التي حلت على الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية خاصة في اراضي 48 ، نتيجة قيام القوات اليهودية بعملية تطهير عرقي وطرد الفلسطينيين "السكان الاصليين" عن ارضهم بغرض انشا وطن قومي لليهود. فأدت عملية تشريد الفلسطينيين واقتلاع ارضهم غصبا منهم الى الاستيلا على اراضي فلسطين التاريخية وتدمير حوالي 550 قرية وبلدة فلسطينية وتشريد 85 بالمئة من سكانها.
ثانيا: التمهيد للنكبة
ان احتلال فلسطين واقتلاع ارضها عنوة، وتشريد الشعب الفلسطيني لم يكن صدفة كما اشرت سابقا، وانما سبق هذا الاحتلال البغيض الذي أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني إعدادا وتمهيدا وهذا ما سنتحدث عنه في هذا الفرع.
1 . ظهور الحركة الصهيونية:
ظهر إبان القرن الثامن والتاسع عشر عدد من المفكرين اليهود ورجال الدين، الذين نشروا كتبهم وابرزوا المسألة اليهودية كأقلية مضطهدة من جهة ومن جهة اخرى الارتباط الديني اليهودي بأرض فلسطين، وقد كسبوا التعاطف والتأييد الاوروبي، ولم يكتفوا بذلك بل تم عقد العديد من المؤتمرات والملتقيات لدعم فكرة إنشا دولة يهودية بأرض فلسطين، ولهذا الغرض برزت الحركة الصهيونية نهاية القرن التاسع عشر.
ارتكزت هذه الحركة على بعض البحوث التراثية التي أعدها باحثون يهود لتحديد الارض المقدسة كما ورد في التوراة، وحسب ما صرح به "هرتزل" زعيم هذه الحركة "ان ما يجب ان نرفعه هو فلسطين، داوود، سليمان" وبالرغم من ارتكاز الحركة الصهيونية على الحجج الدينية والتاريخية وتأثرها بالنزعة القومية التي سادت أوروبا إلا أنها ارتبطت بهدف سياسي وهو الهودة الى فلسطين واقامة دولة يهودية. 1
وقد افضى نشاط الحركة الصهيونية إلى عقد مؤتمر بازل 1897 بسويسرا، الذي يعد بمثابة حجر الاساس الذي بنى عليه اليهود فكرتهم باشراك يهود العالم للقيام بعمل موحد يعتمد على التمويل الذاتي.
وقد تقرر في هذا المؤتمر توحيد جهود اليهود تحت لوا الحركة الصهيونية، واقامة دولة يهودية في فلسطين، وتم تحديد شكل العلم والنشيد الق ومي.
وانطلقت الحركة الصهيونية بعد هذا المؤتمر الى تجسيد ما تم الاتفاق عليه، ووضعه على ارض الواقع، وقامت الحركة بالاتصال بأصحاب القرار في الدول الاستعمارية، وانشا البنوك، والعمل على تفريغ فسطين من سكانها.
2 . الهجرة اليهودية:
بدأت الهجرات اليهودية في أواخر القرن التاسع عشر بشكل غير منتظم، ولكن بعد اتصال الحركة الصهيونية بالصهاينة الانجليز أمثال تشرشل، آرثر بلفور، ساعدت حكومة الانتداب البريطانية الهجرات اليهود وسهلت لهم الطريق بل وفتحت الباب على مصراعيه وشجعت الوكالة اليهودية والوكالات التابعة لها في اوروبا على الهجرة بكافة الوسائل.
وانطلقت الهجرات اليهودية بشكل مكثف واكثرها بالهجرة غير الشرعية الى فلسطين، وقد عمد اليهود الى الاستيلا على الاراض الفلسطينية، وانشأت الحركة الصهيونية وكالات وبنوك لمحاولة شرا الاراضي وتفريغها من اهلها.
الفرع الثاني: الاطماع الاستعمارية في فلسطين
نظرا لأهمية موقع فلسطين فهي الجز الذي يربط الجز الاسيوي بالإفريقي، فقد كانت دائما محور صراع واطماع للدول الغازية والمستعمرة، وفي العصر الحديث بدأ الصراع بين بريطانيا وفرنسا، ولكن بريطانيا كانت حريصة ان تبقي فلسطين في يدها ناكثة وعودها للشريف حسين حاكم مكة.
أولا: مؤتمر كامبل بنرمان سنة 1907
طرح رئيس وزرا بريطانيا مشروع الجبهة الاستعمارية الموحدة بين فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، البرتغال، اضافة الى بريطانيا، وخلص هذا المؤتمر الى انشا لجنة مشتركة لبحث المصالح الاستعمارية المشتركة، وخلصت هذه اللجنة الى ضرورة اقامة حاجز بشري يمنع توحيد الوطن العربي ولا يتأتى ذلك إلا بفصل الجز الاسيوي عن الجز الافريقي ولا يكون ذلك الا باحتلال فلسطين.
ويعتبر هذا المؤتمر الضو الاخضر للسياسة البريطانية والحركة الصهيونية في انتزاع فلسطين وتشكيل نواة استعمارية، تؤمن استمرارية النفوذ الاستعماري في المنطقة.
ثانيا: اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 .
بعد الاتفاق على تقسيم املاك الدولة العثمانية بين الدول الاستعمارية الكبرى روسيا، بريطانيا، فرنسا، فقد تقرر في اتفاقية بطرسبورغ سنة 1916 بين هذه الدول بمنح روسيا مناطق الاناضول، وبالتالي تكون قد خرجت روسيا من الارض العربية، وفي نفس العام عقد اتفاق بين بريطانيا وفرنسا على تقيم الارض العربية والتي كانت موضوع اتفاق بين الشريف حسين –مكماهون وأطلق على هذا الاتفاق سايكس – بيكو.
وتم تقسيم مناطق النفوذ في المنطقة العربية وتم تلوين مناطق النفوذ الفرنسي باللون الازرق ومناطق النفوذ البريطاني باللون الاحمر، ونص الاتفاق على انشا ادارة دولية في فلسطين لون باللون البني، وبالرغم من انه لم يرد ذكر ليهود في هذه الاتفاقية ولكن كانت بوادر المؤامرة ظاهرة.
المطلب الثاني: الوجود البريطاني والعصابات اليهودية في احداث النكبة
لعبت السياسة الغربية الماكرة بشكل عام والبريطانية خاصة دورا كبيرا في قيام دولة يهودية في فلسطين وتهجير وتشريد وتقتيل الشعب الفلسطيني الى جانب العصابات اليهودية .
الفرع الاول: الوجود البريطاني
بعد اتفاقية سايكس بيكو عملت بريطانيا على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينها وبين الحركة الصهيونية من جهة وبينها وبين دول الاستعمار المؤيدة لليهود من جهة اخرى وقد اتخذت في سبيل ذلك خطوتين.
اولا: اصدار وعد بلفور
بدأت امال اليهود بالتبدد بعد قبل الحرب العالمية الاولى، وتشرذم اليهود مرة اخرى بين الكتلتين المتحاربتين فكل جهة يهودية انحازت إلى جهة، ومن هنا تم الضغط على بريطانيا بواسطة الحركة الصهيونية لاستصدار وعد يمنح لهم فلسطين كوطن قومي.
وفي عام 1917 خلفت بريطانيا وعودها للعرب، واصدرت وعدا وعد من لا يملك لمن لا يملك ايضا بإنشا وطن قومي لليهود بفلسطين.
ووافق تشرشل على النص 17 اكتوبر 1917 ، واقره مجلس الوزرا بتاريخ 02 نوفمبر 1917 ،وهذا يعتبر التاريخ الرسمي للاستعمار في فلسطين، وقد اصدرت بريطانيا هذا الوعد تحت عدة دوافع كالدوافع الجيوسياسية، والاقتصادية والاستعمارية وحت الدينية.
وهذا الوعد هو الذي عجل واثار نشاط الحركات اليهودية والحركة الصهيونية لإقامة دولة يهودية في فلسطين حيث ان حلمهم بات قريبا بعد وعد بلفور.
ثانيا: الانتداب البريطاني
ان نظام الانتداب البريطاني هو نظام ابتدعه ميثاق عصبة الامم، وارتبطت به الدول المشاركة في مؤتمر الصلح
سنة 1919 .وجا هذا النظام كبديل عن الاستعمار وهذا ما نصت عليه المادة 22 من الميثاق، وفي 18 جوان 1919 صدر صك الانتداب الذي صاغه اليهودي بنيامين كوهين.
وجا في صك الانتداب" ان دول الحلفا قد وقعت على وعد بلفور وعلى ان تكون الدولة المنتدبة مسؤولة على التنفيذ اعترافا بالصلة التاريخية التي تربط اليهود بفلسطين".
اعلن عن مشروع الانتداب من قبل عصبة الأمم بتاريخ 06 جويلية 1921 ، وفي 11 سبتمبر 1922 اقرت عصبة الامم الانتداب بشكل رسمي على اساس وعد بلفور، وكلفت بريطانيا كدولة منتدبة تتحمل مسؤولية تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية التي تضمن تأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين، وبنا على هذا عينت بريطانيا "صموئيل هربرت" اليهودي مندوبا ساميا على فلسطين، وشرع الاخير مباشرة بتهيئة الظروف المواتية لإقامة دولة يهودية، حيث اقام جهازا حكوميا ونصب على رأس كل دائرة من دوائر هذا الجهاز موظفا انجلي زيا يهوديا او مسيحيا، وعلى رأس هذا الجهاز مجلس تنفيذي يتألف من المندوب وثلاثة كتّاب هم بمثابة وزرا فواحد للمالية واخر للعدالة واخر للداخلية، والهدف من ذلك تهيئة فلسطين اداريا، عسكريا، اقتصاديا وتشريعيا لإقامة الوطن القومي.
واجهت الهجرة اليهودية وصك الانتداب الغضب الفلسطيني والعربي، وثارت موجة عارمة من الاحتجاجات التي عمت فلسطين، وامام هذا الوضع اصدرت الحكومة البريطانية كتابها الابيض الاول الذي لم يتناقض مع وعد بلفور ولا مع صك الانتداب انما اكد تشرشل وزير المستعمرات ارتباط اليهود بفلسطين تاريخيا، وعلى استم رار الهجرة اليهودية الى فلسطين. وهذا ما الهب فتيل المقاومات الفلسطينية في مدن فلسطين وقراها.
ثالثا: المساعدات البريطانية
اضافة الى ما سبق، فقد قامت بريطانيا بالاستيلا على الاراضي الفلسطينية وغيرت ملامحها وتقسيمها بإصدار قوانين وامتيازات تغلب مصلحة اليهودي وتنزع الحق من صاحب الارض الاصلي.
1 . استغلال واستحواذ الأرض الفلسطينية:
انشأت صناديق لشرا الاراضي من الفلسطيني تحت اجباره والضغط عليه وقتله اذا لم يستجب للمطالب الصهيونية البريطانية وفي سبيل هذا الغرض فرضت حكومة الانتداب البريطانية ظروفا معيشية قاسية على الفلسطينيين، وجندت موظفي حكومة الانتداب لإعطا اليهود حق امتياز استغلال الاراضي التي اعتبرت املاك دولة. كما انشات بريطانيا دائرة للمساحة بهدف تحديد ملكية كل ارض وكيفية الاستيلا عليها، بل عمدت الى نزع الاراضي من الفلسطينيين ومنحها لليهود .
ثم عمدت بعد ذلك الى الغا جميع القوانين ونظم ملكية الارض التي وضعتها الدولة العثمانية بغية السيطرة على الارض الفلسطينية تطبيقا للمادة السادسة من صك الانتداب عدا عن القانون الذي خول المندوب السامي بمصادرة اي ارض للنفع العام حسب القانون.
2 . المشاريع البريطانية في فلسطين:
جعلت بريطانيا الاقتصاد الفلسطيني بيدها، وعملت على اتباع سياسات اقتصادية تجعل من القلة اليهودية هي المسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، ومن اجل ذلك مثلا قامت بفرض ضرائب باهظة على المنتجات التي تأتي من الدول العربية او الاجنبية الى فلسطين، وفي المقابل فرضت قوانين جمركية وضرائب على تصدير المنتوجات الفلسطينية لانهاك الاقتصاد الفلسطيني وجعل اعتماد الفلسطيني على المنتوجات اليهودية.
كما انشأت بريطانيا عددا من المصانع كالإسمنت واستخراج الزيوت، ومنحتها لليهود، بل وتعدت انشا المصانع الى منح حق الامتياز لشركات ورؤوس اموال يهودية فلي فلسطين كمنح مشروع "روتنبرغ" لليهودي روتنبرغ بنحاس من اجل استغلال مياه نهر الاردن والاستفادة من الكهربا واستغلال مياه نهر العوجا.
الفرع الثاني: المؤسسات المالية اليهودية ولجنة الترحيل:
رفع الصهاينة بعد مؤتمر بازل شعار ارض بلا شعب لشعب بلا ارض، ورفعوا شعارات اخرى لترحيل العرب سوا بالمكر والدها او بالقوة المسلحة ، ومن اجل ذلك، قامت الحركات الصهيونية بتأسيس عددا من الوكالات والصناديق للاستيلا على الاراضي الفلسطينية، وايضا اسست عصابات مسلحة لتنفيذ الشق الثاني من شعارهم "الترحيل بلغة القوة"
اولا: المؤسسات المالية اليهودية والصهيونية التي لعبت دورا في الاستيلاء على الاراضي:
أسست عدة جمعيات من طرف الحركات الصهيونية والتي دعمها رجال الاعمال اليهود والدول الاستعمارية، وعلى راسهم بريطانيا التي سهلت مهمة هذه الجمعيات والوكالات، وشرعت لها القوانين التي تساعدها في مهمتها.
1 . الجمعية اليهودية للاستعمار )البيكا( :
وهي من أقدم هذه المؤسسات وقد استولت على مساحات كبيرة من الأراضي في فلسطين، أنشأها رجل المال والأعمال اليهودي البريطاني البارون "أدموند دي روتشليد" عام 1883 ، هدفها الأول إيجاد طبقة من الفلاحين اليهود قادرة على الارتباط بالأرض عن طريق تمليكها الأراضي الزراعية بالمجان أو بأسعار رمزية.
2 - الصندوق القومي اليهودي )الكيرنكاييمت(:
تأسس هذا الصندوق عام 1901 ومهمته استملاك الأراضي في فلسطين، ما يقارب 60 ألف دونما من الأراضي الفلسطينية و تمكن الصندوق أيضا من إضافة ) 275 ( ألف دونم بشكل غير قانوني إلى أملاكه حت وصل مجموع ما استولى عليه الصندوق حت العام 1948 حوالي ) 936 ( ألف دونم وصلت في نهاية العام حوالي 1.022.657 من أخصب أراضي فلسطين من خلال عمليات النهب والسلب أثنا حرب 1948 من خلال قانون "مصادرة الأراضي ساعة الطوارئ" حيث إن الدروس التلمودية التي يعكف اليهود عليها توجب على اليهودي أن يستحل في معاملة غيره كل وسيلة قبيحة كالسرقة والخداع والظلم والغش والربا بل والقتل 1، وعلى ذلك فقد استولت السلطات الصهيونية على أراضي الفلسطينيين عبر أكبر عملية نهب منظم في التاريخ وعمدت فورا إلى نصب شبكة من القوانين للاستيلا والاستحواذ على هذه الأراضي حت لا تصطدم الصهيونية بالمجتمع الدولي، فأصدرت قانون أملاك الغائبين عام 1950 م، والذي يعتبر كل فلسطيني خارج أرضه هو غائب عنها ويحق لإسرائيل الاستيلا على كل أرض لا يوجد صاحبها فيها، إذن وفق هذا القانون اعتبر اللاجئ غائبا واعتبر الفلسطيني الذي بقي في فلسطين المحتلة عام 1948 هو غائب أيضا حت لو كان غيابه وتواجده في قرية مجاورة، وهنا تم تحويل هذه الأراضي إلى ما يسمى الحارس على الأملاك والمتصرف بالأراضي 2__
3 - شركة تطوير الأراضي الفلسطينية :
وهي مؤسسة يهودية تأسست عام 1908 هدفها الحصول على الأراضي الفلسطينية بشت الوسائل حيث تبقى الأراضي ي حيازتها لفترة قصيرة إلى أن توزع على المؤسسات أو الشركات أو الأفراد اليهود دون ربح، وقد سهلت بريطانيا عمل هذه الشركة حيث استولت عام 1935 على 512.979 دونم وكذلك حصلت الشركة على حق امتياز سهول الحولة الذي أطلق يد الشركة عام 1934 بمساحة قدرها ) 165 ( الف دونم، وكذلك حصلت الشركة على ما مجموعه ) 25.351 ) دونما من أراضي بئر السبع.
4 - الصندوق الفلسطيني التأسيسي )الكيرنها يسود(:
أنشئ عام 1920 بهدف شرا الأراضي والاستيلا عليها من الفلسطينيين وتحويلها إلى اليهود بشرط الإقامة في هذه الأرض والزراعة فيها وعدم استخدام عمال غير يهود، وقد استولى هذا الصندوق على مساحات كبيرة جدا من فلسطين .وهكذا ساهمت هذه المنظمات والمؤسسات الصهيونية في الاستيلا على أراضي الفلسطينيين وتحويلها إلى الملكية اليهودية من أجل تعميق الصلة بين المستوطنين والأرض باعتبار أنها جذور أساسية لإنشا كيان مستقل في فلسطين بالإضافة إلى إنشا الصندوق القومي وبنك الاستعمار من اجل مساعدة اليهود على الهجرة للأراضي التي يتم الاستيلا عليها.
ثانيا: تأسيس لجنة الترحيل
معظم زعما اليهود كانوا يؤمنون بفكرة ترحيل الفلسطينيين الى خارج فلسطين ولو بالقوة، واعتبار فلسطين اراض يهودية ستقام عليها دولة يهودية محضة، ولكن سرعان ما ثارت الثورات الفلسطينية التي طالبت برحيل اليهود والانجليز معا، الى ان تم تشكيل لجنة بيل للتحقيق، ونجح اليهود في تضمين قرار اللجنة فكرة تقسيم فلسطين ولكن وجدت هذه الفكرة اصدا يهودية مناوئة للفكرة، وفي كل الاحوال كان الزعما اليهود يرفعون شعار لا يمكن اقامة دولة يهودية بدون الترحيل الاجباري للفلسطينيين.
1 . تشكيل لجنة للترحيل: شكلت الوكالة اليهودية سنة 1937 بتوجيه من قرارات المؤتمر الصهيوني اول لجنة لترحيل الشعب العربي الفلسطيني من ارضه الى الدول المجاورة، وتوالت اجتماعات الوكالة اليهودية لمتابعة الترحيل.
2 . خطة دالت للترحيل: أعدت العصابات اليهودية الارهابية المسلحة خطة تسمى "بخطة دالت" اثر صدور قرار التقسيم سنة 1947 ، وتضمنت هذه الخطة السيطرة على النقاط الاساسية داخل البلاد وعلى الطرقات قبل رحيل البريطانيين.
وتضمنت الخطة ايضا تدمير القرى العربية المجاورة للمستعمرات اليهودية، وطرد سكانها وترحيلهم خارج فلسطين بالقوة، والسيطرة على الشرايين الرئيسة للمواصلات والمواقع الاستراتيجية في القدس، يافا، اللد، الرملة وحيفا، ولما أعلن بن غريون عن مخططه في 07 / 02 / 1948 بدأت العصابات اليهودية الهاغانا والأرغون وشتيرن بممارسة الإرهاب وحرق القرىالفلسطينية وارتكاب المجازر المروعة مثل مجزرة دير ياسين وكفر الشيخ القريبة من حيفا وغيرها والجماعية لترحيل العرب من مدنهم وقراهم تحقيقا لخطة دالت لاقتلاع العرب من اراضيهم واحلال المهاجرين اليهود بدلا منهم.
الخاتمة
ان احتلال فلسطين وتهجير شعبها والاستيلا على ارضها لم يكن بين عشية وضحاها، انما هي مؤامرات احيكت على مدى اكثر قرن من الزمان، تقاربت فيها النظرة اليهودية–المسيحية والعنصرية اليهودية بالاستعمار الغربي، واتفقت المصالح الغربية مع المصالح اليهودية ضد العرب وطيلة عام واليهود يحاولون غرس فكرة انشا وطن قومي لهم بفلسطين، عن طريق مفكريهم وحاخاماتهم وأصحاب المال، وقد استطاعوا زرع هذه الفكرة في العقل اليهودي وتجمعيهم ضمن حركات يهودية منظمة كالحركة الصهيونية، وبدروها هذه الحركات نجحت في إقناع العقل الغربي بضرورة إنشا وطن قومي لليهود، ورفع شعار ارض بلا شعب لشعب بلا ارض، تضافرت جهود هذه الحركات مع الحكومات الاستعمارية، التي مهدت ومنحت اليهود الحق في انشا دولة لليهود في فلسطين متجاوزة السكان الفلسطينيين مما احدثت مأساة بشرية من اكبر المآسي في العالم، لا تزال اثارها ترزح على الشعب الفلسطيني المهجر من ارضه والمشتت في اصقاع المعمورة.
المصادر والمراجع:
أبوستة، سلمان. ) 2001 (. حق العودة مقدس وقانون يوم مكن.ط 1. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. البربري، هند أراضي. ) 1998 (. فلسطينبين المزاعم الصهيونية وحقائق التاريخ. القاهرة: جامعة الدول العربية. الأمانة العامة. برج، محمد عبد الرحمن. ) 1972 (. دراسة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر. مكتبة الانجلو مصرية. القاهرة.
التميمي، عبد المالك خلف. ) 1999 (. المياه العربية. التحدي والاستجابة. بيروت: الوحدة العربية.
التل، عبد الله. ) 1964 (. خطر اليهودية على الاسلام والمسيحية. الجزائر: قطر الكتاب.
تايلور، ألان. ) 1966 (. تاريخ الحركة الصهيونية، تحليل للدبلوماسية الصهيونية 1887 - 1994 . )بسام أبو عز الله مترجم( . بيروت: دار الطباعة.
جرسي، صبري. ) 1983 ( . السياسة والمجتمع اليهودي في فلسطين خلال الانتداب البريطاني 1818 - 1948 . الموصل: مطبعة الجامعة.
حمود، عادل رياض. ) 1989 (. الفكر الإسرائيلي وحدود الدولة. بيروت: معهد البحوث والدراسات العربية. دار النهضة العربية.
خليل، احمد إبراهيم. ) 1970 ( . اسرائيل فتنة الأجيال. مكتبة الوعد العربي.
ربابعة، غازي. ) 1989 (. القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي 1948 - 1988 .ط 2 . عمان: مكتبة الرسالة.
روحانا، نديم، الصباغ محرران، اريج ) 2011 (. الفلسطينيون في إسرائيل. مدى الكرمل.
الشقيري، احمد. ) 1979 (. صفحات في القضية العربية. ط 1 . بيروت: المؤسسات العربية للدراسات والنشر.
صالح، محسن. ) 2003 (. الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية. المركز الفلسطيني للإعلام.
كافوري، محمد. ) 2002 (. نشأة الصهيونية وآثارها الاجتماعية. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.
الكيالي، عبد الوهاب. ) 1968 ( . وثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني 1918 - 1939 . بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
الكيالي، عبد الوهاب. ) 1971 (. الموجز في تاريخ فلسطين الحديث. بيروت: المؤسسة العربية للنشر.
محمد عزة دروزة، مختار اتقومية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 1988 .
العدوي، ابراهيم احمد. ) 1969 (. تاريخ الصراع بين الامة العربية والاستعمار الجديد. القاهرة: دار النهضة المصرية، غازي، حسين. ) 2003 (. الاستيطان اليهودي من الاستعمار الى الامبريالية. دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب.
الفتلاوي، سهيل حسين. ) 2002 (. جذور الحركة الصهيونية. عمان: دار وائل.
مصالحة، نورالدين. ) 1999 (. طرد الفلسطينيين، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
هيكل، محمد حسنين. ) 1996 (. المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل. ج 1 .ط 1 . القاهرة: دار الشروق.
www.almaany.com
اللغة، الكتابة والنقوش النوميدية خلال الفترة الرومانية في بلاد المغرب القديم
(منطقة الشافية بالشرق الجزائري أنموذجا)
د.مها عيساوي
- جامعة تبسة
الملخص :
تتناول الدراسة إشكالية تبحث في شقها النظري في طبيعة اللغة والكتابة التي كانت متداولة بين سكان المغرب القديم خلال الاحتلال الروماني ، وكذا أهم محاولات التدوين في النقوش اللوبية والتي أصبحت تعرف بالنقوش النوميدية لاحقا ، و كذلك تنظر الدراسة في دور تلك النقوش في دراسة الحياة الاجتماعية للنوميديين .
أما في شقها التطبيقي فتتناول المداخلة النقوش في نوميديا في إقليم هيبوريجيوس ، وذلك من خلال دراسة ميدانية لموقع الشافية التابع إداريا لدائرة بوثلجة بولاية الطارف .
مقدمة
تحدَّث المجتمع النوميدي لغة تطورت عن اللغة القديمة الشفاهية التي تكلمها المجتمع المغاربي القديم منذ بداية الفترة التاريخية ، واصطلح عليها المؤرخون باللغة اللُّوبية ، وقد كتبت في بداية الأمر بحروف فينيقية ثم حاكت البونية و البونية الجديدة ، لتستقل بأصواتها ومعانيها خلال مرحلة حكم المملكة النوميدية ، ثم تأخذ صورة متطورة في مرحلة الاحتلال الروماني تمثلت في النقوش المزدوجة الكتابة .
وبنا على ما سبق نطرح الإشكال التالي : ما هي الصورة التاريخية والأثرية للغة والكتابة اللوبية في بلاد المغرب القديم خلال فترة الاحتلال الروماني في منطقة كانت تصنف من المناطق ذات الأغلبية النوميدية ؟ وما هي أهم المعطيات الدالة على استمرارية اللغة والكتابة المحلية في فترة احتلال دامت عدة قرون ؟
أطلق الباحثون في مجال اللسانيات السامية على اللغة اللوبية تلك الأصوات وذلك الكلام الذي تداوله المجتمع المغاربي القديم منذ الألف الأولى ق.م ، أي منذ وجوده في صورته القبلية البسيطة التي جسدتها الوثائق المصرية في قبائل التحنو و التمحو ثم المشوش و اللبو ، وقد اتضحت معالم تلك اللغة في مرحلة حكم أسرة شيشنق المتمصِّرة 1 ، كما تكلَّمت بها أيضا القبائل المنتشرة على طول المستوطنات الفينيقية في غربي المتوسط والتي جمعتها مع الفينيقيين علاقات تجارية .
هكذا ، تكلمت القبائل اللوبية لغة استرعت هيرودوتس فكتب عنها ، و استمرت في التداول بين أفراد قبائل الاتحاد الماصيلي والماصيصيلي والموري فيما بعد .
إن الملاحظ هو أن الباحثين عندما أطلقوا تسمية " اللوبية " على نوع اللغة التي تكلمها السكان الأصليون ببلاد المغرب القديم ، لم يكن ليراعَى فيا أدنى تمييز للفترات التاريخية التي ظهرت خلالها ، وبالتالي فإن المقياس الجغرافي لهذه التسمية ينطبق– مثلا – على الفترة المحصورة بين القرن الثامن ق.م والقرن الرابع ق.م ، أما تسميتها باللغة النوميدية فينطبق على فترة الممالك المحلية سوا النوميدية أو المورية .
عليه ، فإنه يمكن القول بأن تسمية اللغة اللوبية تتوافق ومصطلح المجتمع اللوبي ، أما اللغة النوميدية فتتوافق مع المجتمع النوميدي ، وفي حقيقتها فهي لغة واحدة استمرت مع المجتمعين.
أولا : قراءة تاريخية في لغة المجتمع النوميدي
1 - الدلائل التاريخية على وجود لغة لوبية في المصادر الأدبية
لم يتناول هيرودوتس 1بالذكر اللغة التي تكلمها اللوبيون ، فمن الممكن أن هذه القضية ليس مردها جهله بتلك اللغة ، وإنما لكونها لا تشكل قضية عنده يمكن أن يكتب عنها ، بل كان ينبئ ضمنيا تغييبه الحديث عن لغة اللوبيين أنها متشابهة وأنهم يتكلمون لغة واحدة بلهجات ولكنات مختلفة ، لكن في النهاية كان الجميع يفهم بعضهم بعضا .كما اعتبر بعض المؤرخين أن تسمية اللغة التي تكلمها السكان منذ تأسيس قرطاجة هي اللغة اللوبية الأكثر دقة ، وذلك بنا على الوحدة العرقية لسكان المغرب القديم.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المؤرخ هيرودوتس عندما ذكر نص المساومة الخرسا ، لم يقصد به أن اللوبيون لا لغة لهم ، بل نظرا لأعجمية و صعوبة كلامهم وعدم اكتراثهم – آنذاك – بملَكَة تعلّم لغة الآخر، ولذلك لم يكلفوا أنفسهم عنا حذق اللغة ، فتوصلوا مع التجار الفينيقيين إلى وسيلة اتصال رمزية ، وكان الأوْلى بالفينيقيين التجار أن يحذقوا هم لغة الذين وصلوا إليهم .
كما أنَّه لا توجد شواهد أثرية تشير إلى أنَّ اللُّوبيين خلال القرون الثلاثة السابقة لتأسيس المملكتين النوميدية و المورية قد دوَّنوا لغتهم في صورة أبجدية أو على الأقل في صو رة رموز كتابية ، إذ أن اللوبيين قد بدؤوا يدونون بعد أن عرفوا الاستقرار والتمدن ولم يتأت لهم ذلك إلا منذ القرن الثاني ق.م .لكن الشواهد الكتابية كثيرة على أنهم تكلَّموا لغة مشتركة ، فمثلا : إن شخصية الملك حيرباص التي ذكرها المؤرخ ستيفان جزال عن كل من المؤرخ للاتيني تيميوس ) Timius Taorminus ) 3 و ميناندروس الأفسسي ) Minandrus
) من كونه رئيس قبيلة لوبية ابتاعت منه الملكة الفينيقية عليسة خلال القرن التاسع ق.م ، قطعة أرض تلك التي بنت عليها قرطاجة ، فمن المؤكد أن علاقة البيع والشرا كانت قد تمت مشافهة وأن المفاوضين في العملية قد نجحت وسيلة الاتصال بينهم في عقد تلك الصفقة وبالتالي فإن فلعل اللغة اللوبية تعود إلى الفترة المذكورة سابقا ؟
كما ذكر المؤرخ ستيفان جزال أيضا عن المؤرخ اللاتيني تيتيوس ليفيوس وبومبيونوس ميلاَّ و بلوتاركيوس أن يرباص ملك اللوبيين كان على علاقة جيدة مع الملكة عليسة وأتباعها مما يعكس أن وسيلة التفاهم بينهم كانت في داياتها حسنة .
2 – وضعية اللغة النوميدية في محيطها الاجتماعي قبيل الاحتلال الروماني
لقد كانت اللغة اللوبية لغة اجتماعية شأنها في ذلك شأن العديد من اللغات القديمة لكن من الواضح أنها لم ترق إلى المستوى الذي كانت عليه لغات الشرق الأدنى القديم كاللغة المصرية القديمة ، وقد ظهرت اللغة اللوبية في بلاد المغرب القديم بلهجات عديدة ، وتكلمها المجتمع اللوبي منذ أن تكوَّن في صورته القبلية البسيطة ، حيث أتاحت تلك اللغة لأفراده الاتصال في ما بينهم ، فحملت أفكارهم وأسهمت في وجودهم وإقامة علاقات فيما بينهم وبين مجتمعات العالم القديم المجاورة لهم ، وهكذا كانت تعتبر لغة مفهومة عند أفراد المجتمع اللوبي القديم على امتداد المساحة الجغرافية التي شغلها مع اختلافات فرضتها عملية النطق الإنساني .
هكذا كانت اللغة اللوبية نظاما معيَّنا من اللهجات و الأصوات ، كما يعبِّر عنها علما اللغة ، وقد تعارف على ذلك النظام المنطوق جميع اللوبيين في ما بين غرب نهر النيل إلى رأس سولويس ، فكانت لغة صوتية كلامية منطوقة ذات جرْسٍ مسموعٍ عبَّر بها اللوبيون في مجتمعاتهم القبلية عن مختلف شؤون حياتهم اليومية فنشأت وازدهرت ، ثم أخذت تستقل كل جماعة بلهجتها حت توصلت اللغة إلى الانقسام في الفترات التاريخية اللاحقة وبالأخص في العهد النوميدي ، بعد أن تعارف الأفراد سلفا على نظام ذي دلالة معينة تعبر عن أفكارهم فأنتجوا فيما بعد الأبجدية الأفقية والعمودية .
لقد ظل مستوى هذه اللغة وحيدا يتوضع في المستوى الصوتي 4 الذي يحدد الكلمات أو أجزا منها وفق أنماط مقبولة ومتعارف عليها ضمن لغات العالم القديم المتزامنة معها كاللغة البونية .فمثلا : نجد أسما الأعلام والصيغ النذرية مدونة بحروف صامتة في نصوص النقائش، وهذا ما يعني أن الكلام ينطق في منظومة متناسقة ، أما الحروف الصامتة فتفهم من سياق النصوص المصاحبة لها في النقائش المزدوجة اللغة بونية – لوبية التي ظهرت في العهد النوميدي .
ثانيا : قراءة لسانية في لغة المجتمع النوميدي :
1 – المقياس اللغوي المحدِّد للغة النوميدية
إن مختلف خصائص ومزايا اللغة الإنسانية التي وضعها علما اللغة واللسانيات كمقاييس لتحديد لغة ما ضمن قائمة اللغات العالمية القديمة الميتة والحديثة الحية، لتنطبق على اللغة النوميدية ، فالمقياس اللغوي من خلال تعريفات بعض علما اللغة ، هي كما يعرفها مثلا عالم اللغة الشهير ابن جني : " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم " . وإذا طبقنا هذا التعريف ، نجد بأن اللغة اللوبية هي مجموعة من اللهجات التي كان يفهمها أفراد المجتمع اللوبي و يتداولونها . وهي عند ابن خلدون : " ملَكَات في اللِّسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصرها بحسب تمام الملكة أو نقصانها " .
يعرف عن اللغة النوميدية أنه قد تكلمها أبنا مجتمعها بجودة وحذقوا معانيها . لقد عرَّف أشهر علما اللغة في المدرسة الغربية ومنهم : هنري سويت و هيرمان بول وروي هجمان و كندراتوف وستيفن أولمان و فرديناند دي سوسير وناعوم شومسكي وأندريه مارتينيه اللغة فقالوا عنها ما يلي : " هي قدرة ذهنية يمثلها نسقيتكون من رموز منطوقة ، يتواصل بها أفراد مجتمع ما " . وإذا طبقنا هذا التعريف على المعطيات التاريخية المعروفة عندنا عن اللغة النوميدية ، جد بأنها كانت نسقا من الرموز الكلامية تميزت بوضوح معانيها بين اللوبيين.
بنا على ما سبق ، فإن اللغة النوميدية هي : تلك الصورة الذهنية المنتشرة بين أفراد المجتمع الواحد باختلاف الأصوات ، وقد توقفت اللغة اللوبية عند المستوى الأول من مستويات قياس اللغة ألا و هو المستوى الفونولوجي ) الصوتي ( . بالتالي لا يمكن فهم اللغة النوميدية ودراستها إلا من خلال مقاربتها مع اللهجات المنبثقة عنها وهي اللهجات الأمازيغية المنتشرة في كامل شمال أفريقيا ، وهذا ما قام به علما اللغة وفي مقدمتهم سالم شاكر وليونال جالان اللذان وجدت أعمالهما صدى كبيرا لدى المؤرخين لما تميزت به من رؤية تاريخية أنثروبولوجية لغوية .
2 - مظاهر ومحاور اللغة النوميدية
وفقا للدراسات اللغوية النوميدية ، فإن تلك الأخيرة كانت ظاهرة اجتماعية لها مظهرين ومحورين هما :
- المظهرالأول : هو الصورة الذهنية التي توجد في عقل الجماعة اللغوية .
-المظهر الثاني : هو مظهر الواقعية أي أنه كانت هناك مجموعة من الأصوات أو نظام الرموز الذي تكلم به الأفراد فعلا .
بناء عليه فاللهجات اللوبية – حسب نظرية اللغوي دي سوسير – هي وجه من أوجه النشاط الاجتماعي الإبداعي تحكمت فيه عوامل جغرافية أثرت على التركيبة التشريحية لجهاز النطق ، و هي النشاط الممارس من أفراد المجتمع وفق أدوات معينة . ولأن اللغة اللوبية نشاط اجتماعي فقد أسست على محورين :
- المحور الأول : هو محور الزمان والمكان حيث عرفت اللغة اللوبية تنوعا لهَجَياًّ بسبب العوامل التاريخية والجغرافية .
- المحور الثاني : هو محور التنوع الاجتماعي أي انتظام المجتمعات الصغرى في مستويات وطبقات تتناسب مع التوزيع اللهجي .
3 - خصائص اللغة النوميدية
كان مستوى الأصوات والحروف في اللغة اللوبية قويا ، شديد الطاقة ، ومخارج الحروف متنوعة حسب تقطع الجهاز الص وتي ، احتوت على أصوات صفاتها مجهورة ومهموسة معظمها لهوَيَّة ومزدوجة وهي : ) ق ، غ ، خ / ب ، م ، و( .
تفتقر اللغة إلى الحروف الأقصى حلقية ) مثلا حرف : ع ( ، أما ما وجد في نصوص النقوش فهو لا يتعد تخمينات ، ولأن السكان تكلموا البونية فقد غيروا من نظامها الصوتي لكن التحول كان بسيطا ، متدرجا ومحدودا قبل سقوط قرطاجة . ولعله زاد تأثيرا في فترة ازدهار المملكتين النوميدية والمورية ، إلا أن الثابت أن هؤلا لم يكتبوا كثيرا لأنهم اعتمدوا على المشافهة في نقل خبراتهم وفي كل المجالات بعكس البونية التي تركت تراثا جيدا يمكن معرفة الكثير منه .
وقد ساد التنوع اللهجي في مجتمع القرية والمدينة ، كلٌّ نَطَقَ بطريقته الخاصة ، وهذا طبيعي وراجع إلى العوامل الاختلافية بين الأفراد ، والتنوع اللَّهَجي ليس نقصا أو عشوائية في التعبير ، وإنما لأنَّ النظام اللغوي عند المجتمعات الصغيرة الفرعية مبني دائما على التقابل والتباين والاختلاف وللعوامل الجغرافية دائما أثرها الكبير في ذلك .
4 - مكانة اللغة النوميدية بين لغات العالم القديم
إن ندرة النصوص القديمة التي تتناول تاريخ هذه اللغة ومفرداتها في المصادر الكتابية ، بل والتجاهل الذي مورس عليها في كثير من الأحيان من طرف المؤرخين القدامى ، من حيث ندرة تناولهم للوضع اللغوي في المغرب القديم ، بالإضافة إلى قلة تنوع الشواهد الأثرية التي اقتصر معظمها على الجانب الديني .
كلُّ هذا أثر تأثيرا كبيرا في تعميق المعارف حول ما يتعلق بالمستوى اللغوي عند أفراد المجتمع النوميدي ، ومدى تعامل أبنائه بها في الساحة الثقافية النوميدية التي كانت تعج – آنذاك - باللغات المتوسطية كاللغة البونية واللغة اليونانية .
وبحكم تبني أسرة الملك مسنسن الحاكمة للثقافة الهلِّينية ، فإن اللغتين البونية واليونانية كانت لغتان لهما مكانة كبيرة في المملكة النوميدية ، فإذا كانت البونية هي لغة الطبقة الثرية في المجتمع ، واليونانية لغة الطبقة المثقفة المتهلينة ، فإن اللغة اللوبية كانت لغة جميع النوميديين ، باختلاف أصواتها ونطقها من قبيلة إلى أخرى في المدن الداخلية والقرى ، وهكذا أعلى النوميديون لغتهم واعتزوا بها .
وكان يفرَّق بين المغاربة القدما عموما وبين الغربا في نطق بعض الحروف التي تختص بها قبيلة دون أخرى مثل حرف الخا المفخَّم .
و لأن اللغة تتأثر بالوضع السياسي ، فإنها قد ازدهرت في عهد الممالك المحلية المستقرة كعهد الملك مسنسن .
بالمقابل ، ضعف استخدام اللغة اللوبية خلال القرن الأول ق.م وذلك بسبب منافسة اللغة اللاتينية لها بفعل الاحتلال الروماني لبلاد المغرب القديم ، فأصبحت مكانتها بين اللغات القديمة محصورة في التداول بين سكان المدن والقرى ذات المنشأ اللوبي ، واقتصرت عملية تدوينها في المناطق الداخلية على احتياجات دينية .
وهكذا بقيت اللغة النوميدية متداولة بين السكان كلُّ بصوته ولكنته ، وما اللهجات الحالية المتداولة المعروفة باللغة الأمازيغية الآن في كل من الجزائر والمغرب الأقصى وتونس وليبيا من : قبائلية وشاوية وميزابية وتارقية وشلحية ولهجات أخرى كلهجة سكان جزيرة جربة بتونس وأهل جبل نفوسة الإباضيين بليبيا سوى تأكيد بأنها كانت تنبع من أصل واحد متشابه في خصائصه اللغوية هو الأصل اللوبي .__
وخلاصة لما سبق يمكن القول أن اللغة الل وبية هي أصل اللهجات الأمازيغية المعاصرة ، وقد أجمع علما اللغة على أن أصلها من العائلة الحامية السامية ) Chamito-Sémitique ( ، وكانت لغة مختلف القبائل اللوبية في بلاد المغرب القديم ثم هي لغة النوميديين في مملكة نوميديا الموحدة منذ القرن الرابع ق .م . 1
ثالثا : من اللغة إلى الكتابة :
هناك تساؤلات كثيرة حول علاقة المجتمع المحلي بالكتابة : كيف تمثلت الصورة اللغوية في كتابة مدونة على النقوش ؟ من كان يكتب في المملكة النوميدية ؟ و هل كانت هناك فئة الكتبة على غرار ما كان في مصر القديمة وقرطاجة ؟ و هل كان من المف ترض أن يكون الكاهن كاتبا ؟
هل كتب سكان المدن والقرى ؟ هل كتب النوميديون على الحجارة فقط ، بحيث أن الذي وصلنا من شواهد أثرية لم يكن سوى أنصاب حجرية ولا أثر لرقيمات الفخار؟ وما هي الآثار الأدبية التي خلفها النوميديون مدوَّنة باللوبية ؟ للإجابة عن ذلك نقول أنه يوجد نوعان من الرموز الكتابية اللوبية ، فإذا افترضنا أنها لغة تكلمها اللوبيون في منتصف الألف الأولى ق.م ، وحذقوها خلال فترة لسيادة الحضارية القرطاجية ، فإن تدوينها هو المظهر الثقافي لسيادة المملكة النوميدية الموحدة .
لقد توصل الباحثون إلى تقسيم الكتابة وتصنيفها بنا على مناطق تواجد النقوش التي احتوت النصوص اللوبية ، و اتجاه الأسطر أفقية كانت أم عمودية .
1 - أنواع الكتابات في بلاد المغرب القديم
أ - الكتابة اللوبية الشرقية
تعرف بالأبجدية الشرقية ، تدوَّن في النصب بشكل أفقي ، وكانت قد انتشرت في نوميديا الشرقية ، وعرفت بكتابة قبائل الماصيل .
لم ترد نصوصها منفردة في النقوش وإنما كانت مزدوجة الكتابة منها البونية – اللوبية ، ومنها البونية الجديدة – اللوبية ، وفي مرحلة لاحقة شاعت النقوش المزدوجة اللاتينية – اللوبية .
لقد سمحت ازدواجية النصوص لعلما اللغة بفك رموز الكتابة اللوبية ، وتحديد عدد حروفها وكذا تعيين القيم الصوتية لتلك الحروف في اللغة الشرقية الماصيلية ، وتنتمي إليها نقوش دوقة والنقوش المكتشفة في بعض المدن الداخلية مثل : ماكتريس و بونة و تيفست و كرتن و سيكا . كما أنه بفضل منهجية المقارنة ، تمكَّن الباحثون من معرفة معاني الرموز الكتابية اللوبية ، وهي التي أطلق عليها : الأبجدية النوميدية لأنها كانت تمثل فعلا وجه الإنتاج الثقافي للنوميديين ، بحيث لا تكاد تخلو منطقة شغلها الماصيل لا تحتوي على عدد من النقوش .
ب - الكتابة اللوبية الغربية
تعرف بالأبجدية الغربية ، وكانت تدوَّن بطريقة عمودية ، وقد انتشرت في كامل نوميديا الغربية ، أي في بلاد الماصيصيل ، ولكن هذا لم يمنع من انتشارها في بعض مناطق الماصيل ، ذلك أن رسم بعض الأحرف في الكتابة الغربية يشبه في رسمه بعض الأحرف في الكتابة الشرقية .
تضمَّنت النقوش اللوبية المكتشفة في نوميديا الغربية عددا محدودا من النصوص الكتابية التي تنتمي للأبجدية الغربية ، وقد وصل عددها إلى ثمان وثلاثين حرفا . ولا تزال القيم الصوتية للحرف الكتابي في الأبجدية الغربية غير معروفة لأن معظم النصوص لم تكن مزدوجة بكتابة رسمية تسمح بالمقارنة والتحليل اللغوي كما كان الحال في نقوش دوقة ، وإنما كانت وحيدة الكتابة .واشتهرت النقوش العمودية بانتشارها في المناطق الريفية ، وهي ذات طابع جنائزي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا كانت الكتابة اللوبية الغربية مقتضبة في نصوصها ومقتصرة على الجانب الجنائزي ؟ هل لأن النوميديين كانوا يعتقدون في الفاعلية السحرية لهذه الرموز من أنها تفيد موتاهم في الحياة الثانية ؟ أم أنها ردة فعل يحاولون من خلالها إثبات حضورهم الثقافي ؟
مهما يكن ، فإن الكتابتين اللوبيتين الشرقية والغربية قد جا تًا من الابتكار المحلي لأفراد المجتمع المغاربي القديم ، وغرضها ذلك هو تدوين بعض القضايا التي رأى فيها السكان ضرورة لأن تدوَّن بتلك الكتابة .
لهذا كانت الكتابة اللوبية من الكتابات الرسمية المتداولة في الفضا النوميدي .
مما سبق ، نجد أن النوميديين كانوا قد توصلوا إلى مرحلة مزدهرة من التطور والتفوق الحضاري خلال حكم أسرة الملك مسنسن ، مما حمَّسهم إلى الاهتمام بالشؤون الحضارية ، و لو لم يسد الاحتلال الروماني لكانت المملكة النوميدية قد واصلت ازدهارها وتوفقها في مختلف مجالات الحياة .
رابعا – النُّقوش اللوبية وأهميتها الحضارية
1 - ماهية النقوش اللوبية
النقوش اللوبية هي كتابات سُجِّلَت على نصبٍ حجريةٍ دينية جنائزية ، تضمنت إلى جانب النصوص الكتابية رموزا وأشكالا تصويرية ، وهي تشبه النقوش البونية في طريقة التنفيذ .
اكتشفت النقوش اللوبية من طرف بعض العسكريين والمهتمين بدراسة التاريخ والآثار من الأوروبيين أثنا الاحتلال الفرنسي للجزائر وتونس والمغرب الأقصى
و أشهر من اهتم بدراستها و تحليل مضامينها : )جيزينيوس Gesenius ( و)الجنرال جوداس Judas ( و)الضابط جوزيف هاليفي levyJ.Ha ( و)الجنرال فيدارب Faidherbe ) و) الطبيب فكتور روبو Reboud ) و )الضابط مينهوف Meinhof ( و )اللغوي ألفريد دي سولسي Alfred de Saulcy ) و )الأب جان شابو Abbée Chabot ) 5 و )جورج مارسي G.Marcy . ) 6
تعد المصدر المادي الأول الذي يؤكد أن المغاربة القدما قد عبَّروا عن لغتهم المحلية برموز كتابية ، 7 هذا وقد جمعت وصنفت النقوش المكتشفة فيما بين ) 1837 – 1940 ( في ديوان النقوش اللوبية للأب شابو الذي درس 1125 نقش دراسة تاريخية ولغوية متميزة جمع فيها مختلف أعمال الباحثين الذين سبقوه ، فكان ديوانه المصدر الأهم في دراسة النقوش اللوبية .
2 - الحياة الاجتماعية من خلال مضامين النقوش
احتوت النقوش اللوبية التي تعود إلى فترة القرن الثاني ق.م على معلومات هامة أماطت اللثام على الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية للمجتمع النوميدي في مجال الدين واللغة ، وقد استطاع المؤرخون معرفة بعض أسما الأعلام ومكانتهم الإدارية والعسكرية .
أ - أسماء الأعلام
إن أبرز أسما الأعلام كانت خلال فترة ازدهار حكم المملكة النوميدية هي أسما ذات طابع محلي خالص ، وأغلبها أسما رجال ، مثل : " مسيرن ، منكده ، مسوه " و أسما كثير أخرى. كما توجد أيضا أسما أعلام لوبية متأثرة بنمط أسما الأعلام البونية مثل : " شنك ، تنكو ، عريش ، عنكان ، عطيبان " . وهكذا ، فمن خلال دراسة أسما الأعلام في مجموعة النقوش اللوبية ، نجد أن النوميديين قد عملوا على الحفاظ على الهوية اللوبية للمتوفين ، وذلك عن طريق تدوين أسمائهم المحلية على شواهد قبورهم التي تعد معبرا لانتقالهم إلى الحياة الأخرى.
ب - النسب
لا يخلُ نقش لوبي من إشارة إلى نسب المتوفي وأحيانا إلى القبيلة التي ينتمي إليها ، بد اً من النقوش المزدوجة لوبية- بونية ، ووصولا بالنقوش وحيدة الكتابة .
فمثلا بالنسبة لنسب المتوفي : احتوى نقش دوقة الأول على الأنساب الآتية : " عطيبان بن يفمتاح بن فلو " و " أباريس بن عبد عشترت " و " زمر بن عطيبان " ، مما يعني أن الشخص ينسب لأبيه وجده في ما لا يدع أي مجال للشك بأن الأسرة كانت أبوية . أما في نقش دوقة الثاني ، فنجد نسب العاهل النوميدي على النحو الآتي : " مسنسن بن جايا بن زلالسن " ، كما نجد أيضا نسب الأشخاص إلى الأب مثل " زمر بن مسنف بن شمن "
مما سبق نجد أن النقوش تؤيد صحة اسم الملك مسنسن المذكورة في العملة التي سكت في عهده ، وربما أيضا قيمتها الصوتية دون أحرف متحركة .
أما بالنسبة للقبيلة التي بنت الضريح النوميدي ، فقد ذكر في نقش دوقة الثاني " سكان بني فشن " وهي قبيلة كانت تقطن مدينة " تبجج " أي دوقة في عهد الملك مكوسن بن مسنسن .
هذا وقد ذكرت النقوش اللوبية أسما قبائل نوميدية ذات أصول محلية هما قبيلتي : " ندرمة " و " مسكره " ، اللتان استوطنتا إقليم هيبون وانتشرتا عبر ربوعها .
تجدر الإشارة إلى أن هذين الاسمين اسما قبيلتين ، وليسا من أسما الأعلام ، ولم يرد غيرهما من قبائل في النقوش المكتشفة .
ذلك أنه عند التنقيب الأثري الذي قام به فيدارب و روبو عثرا على مجموعة من النقوش اللوبية في مكان واحد ، ولعل هذا دليل على وجود مقبرة جماعية لأسرة واحدة من قبيلة واحدة ، أو لأبنا عمومة من قبيلة واحدة ، وكان هذا في مقبرة شعبة المكوس بوادي الشافية في الطارف بالجزائر، كما تكرر اسم " ندرمه " واسم " مسكره " الذي وجد في جميع النقوش اللوبية في مقبرة وادي القنطرة في جبال القطار بالطارف أيضا ، وهذا المكان سوف يظل محافظا على إنتاج النقوش حت فترة القرن الخامس للميلاد .
خلاصة لما سبق ، فإن الباحث في هذا الميدان يجد أن النصوص اللوبية لم تحتو على أكثر من الإشارة إلى نسب المتوفي ، و لذلك فإنه يتعين أن نعتبرها الإشعاع الأول الذي أفادنا بوجود كتابة للإنسان المغاربي القديم في ظل مناخ سيطرت عليه الإمبراطورية الرومانية ، فكانت بمثابة ردة الفعل الصامدة في وجه الاحتلال كما س يرد لاحقا .
خامسا : التنوع الثقافي و اللغوي في المغرب القديم خلال الاحتلال الروماني
منذ سقوط قرطاجة و إلى غاية حكم أغسطس سادت ثلاث ثقافات : اللوبية والبونية 1 واللاتينية ، وتوزع تأثيرها
الاجتماعي كالآتي :
- التأثير الثقافي اللاتيني : كان منحصرا في أبنا الطبقة الأرستقراطية ، وفي العهد الإمبراطوري الثالث تجاو زها إلى طبقة العامة .
- التأثير الثقافي البوني : كان متداولا بين الريفيين من النوميديين .
- التأثير الثقافي اللوبي : كان منحصرا في غير القبائل اللوبية ، غير أن الغالب عليها هو المشافهة ، كما سادت أيضا بين بعض اللوبيين المستقرين في المناطق الداخلية .
لقد أفرز ذلك التنوع الثقافي حضارة لوبية عرفت بالحضارة اللوبية الجديدة 2 وحضارة بونية مطعمة بالتأثيرات الرومانية ، ابتعدت كثيرا عن الصورة اللوبية القديمة التي عرفت منذ عهد هيرودوتس ثم سالوستيوس ، وذلك بشهادة الكم الهائل من النقوش اللاتينية التي عثر عليها في نوميديا ، وكذلك وجود نقوش لوبية صرفة تعود إلى عهد الازدهار الروماني في المناطق الريفية النائية .
هذا وقد درس علما النقوش 1 ما عثروا عليه في كامل المغرب القديم متعمقين في قضايا كثيرة في مجال الكتابة والقيم الصوتية للرموز وأسما الأعلام ومدلولاتها وتنظيم القبائل وديانتهم ، فوجدوا أن المجتمع المغاربي المحلي قد حافظ على لغته وعلى تواصلها ولم يسمح بضياعها في مواجهة المد الثقافي اللاتيني . 2
1 - النقوش ودورها في دراسة الحياة الاجتماعية خلال الاحتلال الروماني
حفرت النقوش التي عثر عليها في المغرب القديم منذ عهد أغسطس بثلاثة أنواع من الخطوط هي اللوبية والبونية واللاتينية ، وعكس هذا التنوع اللغوي والخطي في المنطقة وجود فئة متعلمة تقرا وتكتب بهذه الكتابات .
إذا كانت اللاتينية لغة وكتابة لها قواعدها النحوية والصرفية ، فإن الكتابة البونية الجديدة ظلت متواصلة ولا يوجد إحصا دقيق حول عدد النقوش في الفترة الرومانية على عكس الفترة السابقة التي قدرت النقوش بحوالي 2500 نقش .
أما النقوش اللوبية فقد قدرها شابو بحوالي 1100 نقش ، ثلثيها نقوش لوبية صرفة تعود إلى العهد الروماني .
2 - أنواع الكتابة اللوبية في الفترة الرومانية
انقسمت الكتابة اللوبية في فترة الاحتلال الروماني إلى أربعة أنواع 3هي على الترتيب من ليكسوس إلى تاكاب ) قابس حاليا( :
1 /الكتابة اللوبية الماصيصيلية الغربية : نقوشها ما بين طنجاي وفولوبيليس .
2 /الكتابة اللوبية الماصيصيلية الشرقية : نقوشها ما بين كارتيناي ) تنس( وإيومنوم ) تيقزيرت( .
3 /الكتابة الماصيلية : تمتد ما بين تيقزيرت إلى توبورسيكوبور ) تبرسق( والجم .
4 / الكتابة الجيتولية : تمتد ما بين جنوب فولوبيليس إلى جنوب تاكاب ، وهي التخوم الصحراوية والصحراء حيث كان الجيتول يتنقلون ، وهي المعروفة في المصادر بالكتابة التيفيناغية . تجدر الإشارة هنا إلى وجود رموز نقوش جزر الكناري وهي رموز كتابية لوبية متميزة. أما النقوش اللاتينية فقد تم إحصا 50 ألف نقش في كامل المغرب القديم ، جلها مرتكز في المثلث الشمالي الشرقي للمغرب القديم ) البروقنصلية ونوميديا( ، وهي ثروة مصدرية مادية قد تضاهي تلك الموجودة في شبه الجزيرة الإيطالية .كما تم إحصا 600 نقش يحتوي على نصوص كاملة واضحة المعاني ثرية الأفكار جيدة التحرير ، استشف المؤرخون منها المستوى اللغوي الذي كانت عليه اللاتينية من حيث محتوى النص ومستوى النقش ، وهي ثرية ومتنوعة منها مثلا النقوش البلدية بتاموقادي ونقوش كويكول ونقوش مادور وغيرها كثير .
لقد أفادتنا النقوش اللاتينية بأسما أعلام متنوعة تعكس مقدار تقبل المواطنة في كل منطقة ، وقد بقي الكثير من الناس مخلصون لأطر الحياة التقليدية ، فظل الشعب قبليا ، وقد ألفت السلطة الرومانية هذا الوضع ، فكان لكل قبيلة ضابط روماني .
تعرضت الحضارة اللوبية الجديدة لتأثيرات ساميَّة بفعل العلاقات مع البونيين بالنسبة للمجال الجنائزي في نوميديا إذ نجد أضرحة وقبور وآبار دائرية من التومولوس والبازينات ظل يستخدمها الريفيون فضلا عن النواويس الرومانية المستطيلة ، كما أن آلهة باجا المحلية كانت دليلا آخر على محافظة أولئك الريفيين على تواصل الديانة البونية عندهم .
على كل ، فرغم صعوبة تحديد ملامح الإرث اللوبي في العهد الروماني - لأن المجتمع المحلي لم يترك سوى آثار قليلة في مجال اللغة نظرا لانتشارها في مناطق دون غيرها - فإنه من المؤكد أن استخدام اللاتينية عند الريفيين والبدو كان محدودا جدا .
هكذا ، فالحضارة اللوبية الجديدة حافظت على نظامها القديم وتقاليدها الاجتماعية والدينية ، كما أنَّ الأدبا الأفارقة كانوا مزدوجي الثقافة فإلى جانب حذقهم اللغة اللاتينية ولإبداعهم فيها ، فقد أتقنوا لغة آبائهم ودليل ذلك تلك النصوص المدرجة في كتاباتهم الموحية باعتزازهم بأصولهم ، مثل أبوليوس وفرونتونيوس وترتيليانوس وأوغسطين وس .
سادسا - تطور النقوش والكتابة اللوبية خلال الفترة الرومانية المتأخرة
1 – أنواع النقوش
أ- النقوش المزدوجة لوبية – لاتينية
قدم القديس أوغسطينوس معلومات قيمة عن المزارعين المتواجدين بناحية هيبوريجيوس ، فذكر أنهم كانوا يتكلمون لغة عرفت بالبونية خلال القرن الرابع للميلاد ، ويمكن أن يكون المقصود بها هو اللغة اللوبية وليس البونية ، و قد استدل المؤرخون على ذلك أثنا التنقيبات الأثرية المتعاقبة في المنطقة التي تعود لتلك الفترة ، ونقصد هنا مجموعة النقوش اللوبية الصرفة التي عثر عليها، وتعود إلى تلك الفترات .
- تعريف نقوش الفترة المتأخرة
تعد النوع الثالث المتطور من النقوش اللوبية ، و يعتبر ذلك النوع من النقوش الأكثر انتشارا في المغرب القديم ، استخدمت إلى جانب اللاتينية في المعاملات الرسمية ، وهذا يعني أن الكتابة اللوبية لم يخبُ أوار تداولها .إن البحث في النقوش المزدوجة لوبية – لاتينية يطرح قضايا عديدة أهمها إثبات الهوية المحلية من خلال تواصل استخدام الكتابة اللوبية في المناطق الريفية النائية .
ب - النقوش الصرفة في إقليم نوميديا
تعرف أيضا بالنقوش وحيدة الكتابة ، وهي غالبا نصوص لوبية صرفة يتضمنها النقش ، وهي منتشرة بتركيز في منطقة نوميديا .
لقد بدأ الاهتمام بالنقوش اللوبية في ضواحي نوميديا من قبل الباحثين خلال النصف الثاني من القرن 19 م ، وقد استطاع الأب شابو أن يحصي في " مدون النقوش اللوبية " تعداد النقوش في الولايات الحالية التي كانت تشكل نوميديا سابقا.
من أمثلة ذلك أنه في منطقة أم البواقي أحصى شابو 19 نقشا مثبتة من الرقم ) 804 – 822 ( منتشرة في هنشير بير بوعمار وسيدي عباسي وبرج القصر وعثر عليها من طرف الضابط لوجار ومشت شعبة الما وأولاد خالد وعين طاقزة .
وفي منطقة تبسة أحصى 8 نقوش مثبتة من الرقم ) 621 - 629 ( ، وهي لها نماذج نسخية من مجموعة ماسكيري )Masqueray ( ، كان قد عثر عليها في سيدي عبد الله بمرسط ) فاسامبوس في العهد الروماني ( وعين شابرو والعقلة وثليجان وبير العقلة وهنشير بوراوي في الشريعة وبحيرة لرنب قرب تازبنت وهنشير بوسكيكين وهنشير لعوابدية . أما في بازيليكا تيفست ، فقد عثر على بعض النقوش لكنها نقلت وضاعت ولم يبق منها سوى نسخ منقولة عن الصور الأصلية ، ومن المحتمل أن يكون بعض تلك النقوش قد أتلف أو لا يزال في مواقعه الطبيعية بكرا لم يكتشف بعد ، ولكن الثابت هو أنها نقوش عثر عليها في مناطق ريفية ظلت محافظة على لهجاتها المحلية .
- 2مضامين النقوش المزدوجة
احتوت النقوش المشار إليها آنفا على نصوص مزدوجة الأولى لاتينية واضحة المعاني جنائزية الطابع قليلة الأسطر ، والثانية نصوص لوبية قصيرة الأسطر تنتمي إلى نوع الكتابة الماصيلية الشرقية ، بالإضافة إلى علامات ورموز تصويرية ذات طابع ديني ، وأخرى خالية من أي دلالات دينية .
ومن أهم النقوش تلك التي عثر عليها في إقليم الشافية بالطارف ، وتتميز بثرا نصيها اللوبي واللاتيني .
كما انتشرت تلك النقوش في نوميديا وشمال غربي البروقنصلية في المناطق المعروفة حاليا بالحدود التونسية الجزائرية و عنابة وقالمة سيقوس وعين مليلة وسدراتة . 1
أ - ظاهرة رومنة أسماء الأعلام في النقوش اللوبية المزدوجة
رَوْمَنَة في النص و إن أول ملاحظة يمكن تسجيلها حول النقوش اللوبية المزدوجة هي ظاهرة أسما الأعلام الم ص اللاتينية ، واختلافها اختلافا جذريا في النصوص اللوبية من حيث المدلول والمعنى ، وهي واسعة الانتشار في النقوش المزدوجة ، مما يدعم من فرضية اكتساب الفرد النوميدي لاسمين ، فالمصادر المادية أوحت بذلك دون أن تؤكده ، 2 فعلى سبيل المثال ، إن النصوص التي تحتوي على إشارات دالة على ترومن الطبقة الأرستقراطية ، فإنما تشير بوضوح إلى المرتبة السياسية التي وصل إليها الأثريا ، أما السكان المحليين فإنهم أقبلوا على الرومنة لحل مشاكلهم الإدارية مع السلطة الرومانية ، فلم يجدوا ضيرا من اتخاذ أسما رومانية .
هكذا تسمَّى المغا ربة القدما بالأسما الرومانية ، ودوَّنوها في نقوشهم الجنائزية ، كما دوَّنوا أسما هًم المحلية ذات الأصل اللوبي ، وهذا يعني أن لكل فرد اسمين الأول اسم في الوثائق الرسمية والثاني اسمه المتداول في حياته اليومية .
من الواجب الحذر أن ننوه هنا في النقوش عند البحث حول مسألة " الرومنة والترومن " عند الأشخاص ، للدلالة على التغيرات الحضارية التي عاشها المجتمع إبان الاحتلال الروماني ، لأنه لا يمكن معرفة ما إذا كان الشخص قد عاش فعلا مترومنا ثقافيا أو مرومنا في السجلات الإدارية فقط ؟
كما أن المفهوم المشار إليه آنفا لم يكن ليشمل السكان الذين أعلنوا الولا المطلق للسلطة الرومانية بل شمل أبنا المجتمع المحلي ، ففي عهد الأنطونيين كانت الرومنة مقتصرة على الأوراس ، وفي عهد السويريين كانت الرومنة متجددة في الأوراس وشاملة لمناطق كثيرة .
فالرومنة – حينذاك - ليست حركة حضارية بقدر ما كانت حركة إدارية ، إذ مثلت من المنظور الروماني صورة عن نمط الحياة البلدية وتطبيق النظام البلدي في المدن ، ومن هنا فإن الاعتقاد بترومن السكان من خلال رصد أسما الأعلام المترومنة ليس دلالة على الترومن الحضاري .
على كل ، فقد حافظ الكثير من المغاربة القدما ضمن أسمائهم الثلاثية على اسم ذي أصل نوميدي أو جيتولي ، ومن خلال إحصا أسما الأعلام الواردة في النقوش اللاتينية فإن هناك 300 اسم من أصل لوبي مثل كتبت باللاتينية على النحو الآتي :
( Gildo , Zautum , Aptan,Chinidal ,Massiran ( وهي باللوبية )كنديل، يفطن ، زرتن ، جلد ، مسيرن ( ومن أسما النسوة الشائعة في البروقنصلية ) بيبيا ( ، كما هناك أسما ذات أصل بوني مثل : ) صفن ، بعل ( . كما تداولوا أسما ملوكهم مثل يوبا وجودا وجايا وغلوسن وماسينيسا . 2
ب - التوزيع الجغرافي للنقوش اللوبية
اعتبرت نوميديا من أكثر المناطق التي تحتوي على النقوش اللوبية المزدوجة ووحيدة الكتابة ، ويمثلها حاليا الإمتداد الجغرافي الذي يبدأ من شمال غرب البروقنصلية ما بين دوقه وماكتاريس وسيكا ، ومنطقة نوميديا الشرقية حيث مناطق قبائل الماصيل ما بين هيبوريجيوس و تاغسط وتيفست و كالاما وإقليم سيرتا . أما التوزيع المركز – حسب شابو - للنقوش اللوبية فلا يخرج عن المناطق الآتية :
- منطقة دوقه : قدرعدد النقوش مزدوجة الكتابة ) لوبية – بونية ( بحوالي 03 ، وعدد النقوش وحيدة الكتابة ) لوبية( بنحو 18 نقشا .
- منطقة سدراتة وتبسة : 1 نقش ) لوبي – لاتيني ( ، و 10 نقوش وحيدة الكتابة .
- منطقة سيقوس وعين مليلة : 23 نقش وحيد الكتابة ، و 1 نقش ) لوبي – بوني (
- منطقة عنّابة وقالمة : 2 نقشان مزدوجا الكتابة ، و 138 نقشا وحيد الكتابة .
- منطقة الشَّافية ) القالة ( : 134 نقشا وحيد الكتابة ، و 9 نقوش مزدوجة ) لوبية – لاتينية ( .
نستخلص مما سبق ، أن منطقة الشافية تعد من أكثر المناطق في الجزائر التي تحتوي على هذا الكمّ الهائل من النقوش ، ولذلك فإنّ دراستنا ستنصب على أحد النقوش المكتشفة في الشافية ، والذي عرف نسبة للمكان الذي وجد فيه.
3 - قراءة في أهم النقوش المزدوجة خلال الاحتلال الروماني
أ- دراسة أثرية لنقوش الشافية
أ. 1 – خصائص نقوش منطقة الشافية
تتميز نقوش منطقة الشافية عن غيرها من نقوش المواقع النوميدية بما يلي :
1 - غزارة المحتوى : بالمقارنة مع بقيّة النقوش المكتشفة في الجزائر، إذ أنّ نقوش الشافية ثرية بالمشاهد التّصويريّة والرموز الكتابية ، وهذا جعلها ذات قيمة أثرية وتاريخية كبيرة
2 - سهولة فكّ رموز النّقوش : يتعلّق هذا بفك الرموز الكتابية للنص اللّوبي من خلال النّص المصاحب له - من الكتابات القديمة الرَّسم يّة - في مربّع النّقيشة مما يسهل فهم معانيها بدقة .
لأجل هذا ، نعتبر النقوش اللوبية المصدر الماديّ الوحيد الذي أفادنا باستمرارية الكتابة واللغة المحليّة بين سكان بلاد المغرب القديم من النوميديين الريفيين خلال مرحلة الاحتلال الروماني .
ب – نقش كاف بني فرج ) دراسة أثرية (
ب. 1 - تعريف ووصف النقش
- تعريفه :
هذا النقش من النقوش المزدوجة ) لوبية – لاتينية ( ، وهو من أشهر نقوش المنطقة حيث يتميّز بثرا نصَّيْه ، ويشكّل إلى جانب نقش عين الحفرة رقم ) 252 ) 1 و النقشين رقم ) 288 - 289 ( من أعمال شابو 2 ، وثائق لوبية هامة تعود إلى الفترة الرومانية .
- وصفه :
- يسمّى أيضا نقش كاف بني فرج نسبة للهنشير الذي وجد فيه .
- يحتوي على أطول نص لاتيني متكوّن من 8 أسطر ، ونص لوبي يتكون من 4 أسطر عموديّة .
- يقدّر ارتفاع النصب ) 1.45 م ( ، وعرضه ) 35 سم ( ، وتمّ نحته من حجارة جبليّة .
ب . 2 –تحليل النقش
- ملاحظات حول النص اللوبي
تمّت قرا ةً النص وفقا لجدول الكتابة اللوبية العمودية ، والجدير بالذكر أنّها تقرأ من الأسفل إلى الأعلى ومن اليسار إلى اليمين ، وقد تمّ وضع الفواصل بين الكلمات بحسب كلمة ) و ( التي تعني ) ابن ( ، ويقرأ كالآتي :
- السطر الأول : مزبه .
- السطر الثاني : مسكره صرمه .
-السطر الثالث : مس بن منكده .
-السطر الرابع : كطه بن مسولت . 1
ويقصد بذلك : السيّد مزبه بن كطه ولد مسولت رئيس قبيلة مسكره .
نستنتج من قرا ةً النص أنه يزخر بأسما الأعلام ، مثل كطه و مسولت إلاّ أنها غريبة ومجهولة المعاني ، ولم تعد متداولة كبعض الأسما التي لا تزال تفرض نفسها الآن كبغاي و زيناي ، كما يحتوي النص على اسم قبيلة مسكره ، وبإضافة الحروف المتحرّكة نقرؤها ميسيكيري ، وكانت هذه الأخيرة تنزل بمنطقة الشافية ) على الحدود التونسية – الجزائرية ( ، وهي من أشهر القبائل النوميدية التي حاربت الوجود الروماني في المنطقة ورفضته .
- ترجمة النص اللاتيني
- السطر الأول - Caius Julius Gaetu- C . IVLIVSGL
- السطر الثاني : - lus, veteranus , donis LVSVETDONIs
- السطر الثالث : donatistorqui DONATISTORQUI
- السطر الرابع : bus et armilis BUS ET ARMILLIS
- السطر الخامس : ET IN CIVITDIMISSVSdimissus et in civitate
- السطر السادس : sua Thullio flamen SVA THULLIO FLAM
- السطر السابع : perpetuus, vixit annus 80 ( octoginto) PERP VIX ANN LXX - - السطر الثامن : hic situs est H S T
من خلال النص اللاتيني كان بالإمكان معرفة المزيد عن هويّة صاحب النصب ، ونترجمه كالآتي :
1 - كايوس جوليوس جايتولوس .
2 – أهدي له وسام .
3 – وأُعْ م طيَته قلادة .
4 – واستفاد من أساور
5 – يعتبر مواطناَ هاماًّ .
6 – في مدينة تولاّ .
7 – يخلد بعد أن عاش 80 عاما .
8 – يرقد في هذا المكان .
- ملاحظات
يفسّر اللغويون اسم " جايتولوس " باسم " جايا" أحد أسما الأعلام اللوبية أصيلة المنطقة ، والمتتبع للأسما الرومانية يجد ان الاسم الثالث هو نسب القبيلة ولعله من الجيتول الذين استوطنوا في الشمال وظل وفيا لأصله الجيتولي . 1
وقد توفي وحظي بتكريم يتمثل في إهدائه بعض الحلي ووسام شرف ، وهو من أعيان مدينة تولا والتي هي كاف بني فرج في الشافية ، ويبدو أنّ هذا الرجل كان يدين بتعدد الآلهة بدليل أن النص يفتتح ب ( DMS) أي ) روح الآلهة المقدّسة ( ، وينتهي ب ( HSE) وتعني ) إنه يرقد هنا ( .
وبنا على ماسبق نستنتج مايأتي :
1 /وفرة النقوش اللوبية على قاموس مندثر من أسما الأعلام اللوبية ، ونذكر بعضها مما تم إحصاؤه في نقوش أخرى مثل ) ندرمه ، زينان ، باغاي ، منجي ، مسوه ( 2 .
2/التعرف على بعض الحرف المتداولة في تلك الفترة مثل النجارة والحدادة والبنا الحجري والهندسة ، ونظام توريثها لأبنا الأسرة ال واحدة ) كما دلّت عليه النقوش المزدوجة مع البونية في نقش دوقه ( .
3 /تقديس الحياة الآخرة بإقامة الأضرحة الجنائزيّة للملوك ، والنصب الفاخرة للطبقة النبيلة .
4 /تمجيد المتوفي ، وذكر أهله ونسبه ومكانته ) سيد أو مواطن أو من العامة ( .
4 - نقش سيدي جاب الله في الشافية
تعد منطقة سيدي جاب الله من المنطق التي حظيت باهتمام الباحثين عن النقوش الموجودة على مستوى المقابر اللوبية بمنطقة الشافية ، تلك الأخيرة قدمت لنا نماذج كثيرة من نقوش لوبية مزدوجة ووحيدة الكتابة ، ويقع بالقرب من منطقة عين الحفرة
آثار متفرقة عثر عليها في موقع هنشير ديار الجدري بالشافية من تصوير الباحثة
لقد أشار المؤرخ جزال إلى مناطق كثيرة في الشافية ، لكن على ما يبدو أنه لم يشر إلى واحة سيدي جاب الله ، رغم أن تسميتها تعود قديمة . 1
أ - بطاقة تقنية لنقش غير منشور
- التعريف بالقطعة الأثرية : نقش جنائزي من حجارة كلسية .
- النوع : نقش لوبي وحيد الكتابة .
- المنطقة المكتشف فيها: زاوية سيدي جاب الله ببلدية واد الشافية بالطارف .
- التصنيف : نقش لوبي غير منشور ، وهو غير مصنف في الدواوين 2 - تاريخ الاكتشاف : 06 / 08 / 2009 . الساعة : 15.06
- وصف الموقع : هو واد ضيق وجاف يعرف بهرية الزعرورة ، وهو جز من هنشير ديار الجدري 1، والنقش اللوبي عثر عليه في مساحة تقدر بحوالي 200 م 2 ، وتنتشر فيها قطع أثرية عديدة ، ورغم أنه قد تم العثور عليه ضمن دائرة شملتها عملية البحث الأثري المنظمة في الآونة الأخيرة ، إلا أنه لا توجد إشارات حول وجود نقوش لوبية في منطقة الشافية.
( أ )
( ب )
وجه وظهر نقش غير منشور من منطقة سيدي جاب الله بالشافية تصوير : الباحثة بتاريخ : 06 / 08 / 2009 .
- تاريخ منطقة الشافية :
هي منطقة تقع على دائرة عرض 36.71 درجة شمالا ، تحتوي منطقة الشافية على مقابر لوبية ، تعد من المناطق النوميدية الريفية ، مارس سكانها الزراعة ، وحظيت باهتمام كبير من طرف الطبيب فيكتور روبو الذي اهتم بدراسة نقوش مقبرة شعبة المكوس واهتم كثيرا بدراسة لوترنو وهاليفي في مجال فك الرموز ومقارنتها مع نقوش اخرى.
- وصف النقش ومضمونه:
يحتوي النقش على نص وحيد الكتابة مؤلف من سطرين ، يقرأ من اليسار إلى اليمين ومن الأسفل إلى الأعلى ، طوله 76 سم ، وعرضه 42 سم ، وفكت رموزه عن طريق جدول الأبجدية العمودية .
- السطر الأول : س . ف . د . ط . ج .
- السطر الثاني : ب . ن . س .
الملاحظ أن الحروف تعبر عن اسم المتوفي و نسبه ، وهو كغيره من النقوش اللوبية وحيدة النص ، لا يمكن أن نستنتج منه أكثر من اسم العلَم للمتوفي ، ورغم قصر النص لكنه يضاف إلى قائمة النقوش والنسخ المحفوظة عن النقوش في كامل بلاد المغرب القديم والتي تثبت أن هناك لغة محلية تداولها سكان المغرب القديم واولوا ترجمتها كي تصاحب المتوفي إلى حياته الثانية.
خاتمة
نجد أن هناك نقوشا كثيرة لا تزال بحاجة إلى البحث و الاكتشاف وإزالة اللبس والغموض عن مضامينها ، وذلك عن طريق تكثيف البحث الأثري ، ذلك أنه على الرغم من قوانين السلطة الرومانية وإجرا اًت الكنيسة الرسمية إلا أن التأثير اللوبي كان واضح الملامح عن طريق النقوش الجنائزية ، وذلك بغرض الرد على الاحتلال الروماني حت وإن لم يكن بمؤلفات إلا أن استمرارية النقوش كانت دليلا على الحفاظ على الهوية المغاربية التي دامت عبر مئات السنين من الاحتلال الروماني .
كما تجدر الإشارة إلى أن المجتمع المغاربي المحلي حافظ على عاداته و ديانته و لغته وثقافته ، خاصة خلال مرحلة الاحتلال الواندالي حيث ازداد تمسكا بتراثه ، و استمر في ذلك واتضحت ملامح المجتمع بصورة أكبر خلال العهد البيزنطي ، كما سنشهد ذلك في المحطات الكبرى للتطور الاجتماعي خلال القرن السادس للميلاد.
المصادر والمراجع
الإبراهيمي خولة طالب، مبادئ في اللسانيات ، دار القصبة للنشر ، الجزائر ، 2000 .
حارش محمد الهادي ، التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري – منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي، ط، المؤسسة الجزائرية للطباعة ، الجزائر ، 1995 .
الرُّدَيْمني حمد علي عبد الكريم ، فصول في علم اللغة العام ، ط 1 ، دار الهدى ، الجزائر، 2007 .
شارن شافية وآخرون ، الاحتلال الاستيطاني وسياسة الرومنة ، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 ، الجزائر، 2007 .
ظاظا حسن، الساميون ولغاتهم ، ط 2 ، دار القلم ، دار القلم . الدار الشامية ، دمشق- بيروت ، 1990 .
الفرجاوي أحمد، بحوث حول العلاقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة ، ط 1 ، منشورات بيت الحكمة والمعهد الوطني للتراث ، تونس ، 1993 .
مجموعة من الباحثين ، تاريخ أفريقيا العام ، مج . 2 . حضارات أفريقيا القديمة، عمار محجوبي ، العصر الروماني وما بعده في شمال أفريقيا. ج. 19 ، مطابع كانالي ، تورينو ، 1985 .
موسكاتي سباتينو وآخرون ، مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن ، تر : مهدي المخزومي وعبد الجبار المطلبي ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت ، 1993
ولفنستون إسرائيل ، تاريخ اللغات السامية ، ط 1 ، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1929 .
محمد الصغير غانم، النقوش الليبية في شمال أفريقيا المصطلح والرموز الكتابية، المورد ، مج. 19 ، ع : 12 ، بغداد ، 1990 .
محمد الخير أورفه لي، أسلوب الجرد في منهجية البحث الأثري – نموذج الأنصاب، أعمال الملتقى الثالث للبحث والدراسات التاريخية ، المسيلة ، 1995 .
محمد حسين فنطر، اللوبيون وحدة أم شتات قبائل وشعوب مختلفة ؟ ، مجلة : أفريقيه للدراسات الفينيقية البونية والآثار اللوبية ، ع : 12 ، منشورات المعهد الوطني للتراث ، تونس ، 2002 .
- De Saulcy , Lettre sur une inscription bilingue de Dougga , J.Asia. , 1843.
Georges Marcy , Les inscriptions Libyques Bilingues de l’Afrique du Nord , imp. Nationale , Paris , 1936.
Lionel Galand , Les Alphabets Libyques, Ant.Afr. , T : XXV, 1989
Ch. Courtois , Saint Augustin et le problème de la survivance de Punique, Rev.Af. , T: XCIV , 1950 .
Lionel Galand , Les Alphabets Libyques , Ant.Afr. , T: 25 , 1989 .
Lionel Galand , Le libyque et les Tifinaghs, P.1 .Sur le lien/ http://www.chez.com/asafu/dossiers/libyque.htm , Le : 18/07/2006.
Vincent-Mansour Monteil , Les Berbères aux Canaries, Ency .Bér., T : II , éd.Edisud , Aix-en-Provence , 1984 .
Yann Le, Histoire del’Afrique Romaine, éd.Picard, Paris, 2005.
Bates Oric, The Eastern Lybians (An Essay), éd. Macmilan and com Limited, London, 1914.
Berger Phillipe, Histoire de l’écriture dans l’Antiquité, 2ème éd., Imprimerie Nationale, Paris , 1892.
Benabou Marcel, La résistance Africaine à la Romanisation, éd. Maspéro et l’Univérsité de Paris-Sorbonne, Paris, 1976
Basse Dom, Les Moines de l’Afrique Romaine (IVème et Vème Siècles), T : II, Librairie B. Bloud, Paris, 1903.
Chabot J.B., Recueil des inscriptions Libyques, Imprimerie Nationale, Paris, 1940.
De Saussure Ferdinand , Cours de linguistique génerale, éd. Talantikit, Béjaia, 2002.
Faidherbe, Collection complète des Inscriptions Numidiques, Librairie Franck, Paris, 1870.
Galand Lionel, Langus et littératture berbères (vingt cinq ans d'études) , éd . C.N.R.S. , Paris , 1979.
Gsell Stéphane, Atlas Archéologique de l’Algérie, 2ème éd., A.N.A.P.S.M.H., Alger, 1997.
Gsell Stéphane, Histoire Ancienne de l’Afrique du Nord , Tomes :( I, II,III,V, IV), Librairie Hachette , Paris , 1913- 1927.
Gsell Stéphane, Textes relatifs à l’histoire de l ' Afrique du Nord. Hérodote, Alger, 1915
Camps Gabriel, Liste Onomastique Libyque d’après les sources Latines, REPPAL, T : VIII, Institut National de Patrimoine, Tunis, 1993
Punica Lingua et épigraphie Libyque dans la Numidie D'Hippone , B.A.C.T.H.S. , V : 23 , ( 1990-1992) , éd. Du comité des Travaux hist. Et scien. , 1994 .
Halévy Josephe, Tableau général des localités ou l'on a découvert des inscriptions Libyques, Rec . de Cne., 1875 .
المواطنة الفاعلة كأساس لتحسين أداء الخدمة العمومية في الجزائر
د. نوال لصلج
جامعة 20 أوت 1955 - سكيكدة
الملخص :
المواطنة الفاعلة كأساس لتحسين أدا الخدمة العمومية في الجزائر إنّ العلاقة التي تربط المواطن بالإدارة هي علاقة تأثير متبادلة بين الطرفين يحتاج من خلالها كل طرف للطرف الآخر ،لاسيما في مجال الخدمة العمومية من أجل تحسين الأدا ، وذلك عبر توفير أسس دستورية وقانونية لتثبيت المواطنة الفاعلة التي ترتكز على مجموعة من الحقوق والواجبات للنهوض بالقطاع الخدماتي العمومي انطلاقا من أن المواطنة حق دستوري بالدرجة الأولى ،مما يجعل المواطن يحس بأنه جز من هذه المنظومة من واجبه بذل أقصى جهد في خدمة التنمية الشاملة والمستدامة.
مقدمة
لا أحد ينكر أن العلاقة بين الإدارة والمواطن هي علاقة تأثير وتأثر ،وأن الحاجة إليها تفرضها المواطنة بكل تجلياتها ،لأن قوة الدولة تكمن في وجود إدارة قوية لها كفا ةً وفاعلية لدفع عجلة التنمية وتشجيع الاستثمار وتعزيز الثقة ،وهذا لا يتأتى إلا من خلال الاندماج الوطني بين أفراد المجتمع والاعتراف بكيان المواطن كركن وعضو فاعل ومهم في المجتمع ،فالإنسان حسب ملك بن نبي يعتبر أهم عنصر من عناصر الحضارة بل هو أساس الحضارة نفسها بيده مفتاح الحركة والانطلاقة الحضارية وبداخله تبدأ حركة التغيير ، وعندما يرتبط بالدولة يصبح مواطن يطمح إلى المشاركة في الشؤون العامة مت فتحت له الإدارة أبوابها وسهلت له السبل لذلك .
فالارتقا بالإدارة في كل مجالاتها لا يتحقق إلا من خلال وجود مواطنة فعّالة تتوفر على كل المؤهلات والمواصفات
للنهوض بالتنمية الوطنية والمحلية على جميع مستوياتها، لذلك فعلاقة الإدارة بالمواطن كانت ولا زالت تمثل هاجسا في كل الإصلاحات ،أولت لها الجزائر الكثير من الاهتمام بعد أن أدركت أن المواطن هو أساس التنمية من أجل خلق قطاع فعّال يستطيع تلبية رغبات المواطنين وإشباع حاجاتهم ،فما هي الأسس القانونية التي ارتكز عليها المشرع الجزائري لخلق مواطنة فاعلة قادرة على تحسين أدا الخدمة العمومية ؟أو بتعبير آخر ما هي الأسس التي ترتكز عليها المواطنة الفاعلة لتحسين أدا الخدمة العمومية في الجزائر .
للإجابة عن هذه الإشكالية قمنا بتقسيم ورقتنا البحثية إلى مبحثين :
المبحث الأول :الإطار المفاهيمي
المطلب الأول : تعريف المواطنة
المطلب الثاني : تعريف الخدمة العمومية
المبحث الثاني :أساس المواطنة الفاعلة في القوانين الجزائرية
المطلب الأول :الأساس الدستوري
المطلب الثاني :الأساس القانوني
المبحث الأول :الإطار المفاهيمي
انطلاقا من الدور المحوري للإطار المفاهيمي في مختلف الدراسات والأبحاث ،سنتطرق في هذا المبحث إلى التعريف
بالمصطلحات الأساسية المستخدمة في هذه الورقة البحثية،والمتمثلة في التعريف بالمواطنة ) المطلب الأول( ،ثم التعريف بالخدمة العمومية) المطلب الثاني(.
المطلب الأول :تعريف المواطنة
المواطنة ليست بالمفهوم الحديث بل تم تطبيقه قديما وفق الظروف التي عاصرت تلك الفترات التاريخية ومع تطور
المجتمعات واتساعها أدى إلى تطور المفهوم وتشكله بما يتناسب مع التطورات السياسية والاجتماعية والعلاقات التي تحكم الأفراد بالحكومة والسلطة السياسية داخل المجتمع وعلاقة الأفراد مع بعضهم البعض وفق القانون الذي يحكم المجتمع ،لذلك بات الاختلاف واضحا في أصلها اللغوي والاصطلاحي.
الفرع الأول :التعريف اللغوي
اختلف تعريف المواطنة من الناحية اللغوية في كل اللغات ،بالرجوع إلى اللغة العربية لم نجد مصطلح المواطنة ،لكنها واردة من مزيد الثلاثي وطن ، الوطن ،وهو كما جا في لسان العرب يعني :المنزل تقيم به ،وهو موطن الإنسان ومحله ،وجمعه أوطان ،وأوطان الغنم والبقر :مرا بضها وأماكنها التي تأوى إليها ،ومواطن مكة:مواقفها ،وطن بالمكان وأوطن: أقام ،وأوطنه: اتخذه وطنا ،والميطان :الموضع الذي يوطن لترسل منه الخيل للسباق ، والموطن :على وزن مفعل :ويسمى به المشهد من مشاهد الحرب ،وورد في التنزيل الحكيم " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " ،وأوطنت الأرض ووطنتها توطينا واستوطنتها :أي اتخذتها وطنا .
أما المواطن :فكل مقام قام به الإنسان لأمر فهو موطن له ،ومن نهى الحديث عن إيطان المساجد أي اتخاذها وطنا،وواطنه على الأمر :أضمر فعله معه ،وقيل وطن نفسه على شي وله فتوطنت حملها عليه .
وعليه فدلالة وطن متعددة، لكن تفيد في أغلبها مكان الولادة أو الإقامة :وهو منزل السكنى والمقر وإليه الانتما سوا ولد به أو لم يولد ،وهذه تعني الوجود مع الغير في مكان واحد يستدعي المشاركة في تجليات تلك الإقامة .
والمواطنة أتت من لفظ واطن )بالألف(، والذي يعني الموافقة والمصادقة على الأمر ،وهو الأمر الذي لم يذهب إليه بعض منظري المواطنة العرب ،حينما اعتبروا أن المواطنة جا تً من لفظ وطن بدل واطن ويقال واطن فلان فلانا أي عاش معه في وطن واحد،كماهو الحال في ساكن مساكنة :أي سكن معه في مكان واحد .
وهناك من الباحثين من يرى أن معنى المواطنة في اللغة العربية أوسع وأشمل من معناه في اللغات الأخرى، حيث أن المعنى في اللغات الأخرى تم حصره في سكان المدينة، أما في اللغة العربية أعطى مدلول أعمق ليشمل كل سكان الوطن .
الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي
يعتبر مفهوم المواطنة من الناحية الاصطلاحية من أكثر مفاهيم العلوم السياسية والاجتماعية تعقيدا ،ليس فقط
على مستوى التطور التاريخي الذي لحق بهذا المفهوم ،ولا زال حت اللحظة الراهنة على نحو متشعب ومختلف ،نتيجة تراكم الأبعاد وتداخلها 5 ،فقد تم تعريفها على أنها " عضوية الفرد التامة والمسؤولة في الدولة ،وينتج عن هذه العضوية مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين نسميها الحقوق والواجبات " ، كما عرفتها دائرة المعارف البريطانية على أنها " علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون الدولة ،وبما تتضمن تلك العلاقة من حقوق وواجبات في تلك الدولة ".
كما أن هناك من عرفها على أنها " الصلة أو الرابطة القانونية بين الفرد والدولة التي يقيم فيها بشكل ثابت ،وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها "، ويقصد بها أيضا "انتساب الفرد إلى وطن له فيه ما لأي شخص آخر من الحقوق التي يكفلها الدستور ،وعليه ما على أي شخص آخر من الواجبات التي يفرضها الدستور "،كما وصف الدكتور جورج جقمان مفهوم المواطنة بأنها " مساواة المواطنين أمام القانون صرف النظر عن أية اختلافات بينهم سوا من
حيث الأصل أو العرق أو اللون أو لأية أسباب سياسية أو فئوية أو جهوية ،وأن تكون العلاقة بينهم قائمة على أساس العدل والمساواة ،وإن المحدد الذي يحدد هذه العلاقة هي مجموعة القوانين التي تضعها الدولة " .
يلاحظ على هذه التعريفات أنها تقترب إلى تعريف الجنسية، وعلاقة قانونية تجمع المواطن بالدولة، وأن المواطنة تقوم على أساس العلاقة القانونية التي تجمع الفرد بالسلطة السياسية الحاكمة، فيقع على عاتق الفرد الذي يحمل جنسية الدولة مجموعة من الواجبات والمسؤوليات مقابل الحماية القانونية من قبل الدولة، حيث استقر هذا المفهوم من هذا المنظور لتصبح العلاقة بين الف رد والدولة وفق القانون الذي يحكم تلك الدولة وبما يحتوية من واجبات وحقوق.
وعليه فإن أفضل تعريف للمواطنة هو أنها " وضع يميّز العلاقات القائمة بين المواطن، من جهة والدولة )أو المؤسسات(،والمجتمع ) أو المواطنين الآخرين (،والفضاء )أو مجال العيش المشترك ( من جهة أخرى ،وهو وضع يقوم على مبادئ راسخة هي :المسؤولية والحرية والتشاركية والمساواة ،ويفترض عددا من القيم المواطنية أهمها :الكياسة ) الآداب العامة (،والتضامن ،والوعي المدني والإنسانية " .
والهدف من انتقاء هذا التعريف أنه يقوم على ركيزتين أساسيتين هما:
أولا – أن المواطنة ليست معطى نهائيا مكتملا ،وإنما سيرورة أو ممارسة تبدأ من الاعتراف القانوني بمواطنية الفرد ) اكتساب الجنسية( ،وتتطور باستمرار مع تغيّر الأوضاع في البلاد.
ثانيا – يتحدد وجود الوطن بثلاثة شروط وهي :الأرض أو المكان ،الشعب أو المواطنون ،الدولة أو المؤسسات ،وعليه فإن مفهوم المواطنة يتحدد بنوعين من العلاقات :علاقة عمودية ) مواطن – دولة ( ،علاقة أفقية ) مواطن – مجتمع ( ،ويضاف إليها بعد ثالث هو علاقة متعامدة مع الاثنين الأخيرين وهي العلاقة بين المواطن والفضا الذي يعيش فيه .
المطلب الثاني :تعريف الخدمة العمومية
تعتبر الخدمة العمومية دعامة أساسية لتطوير الحياة الإنسانية بمختلف تجلياتها الاقتصادية الاجتماعية والثقافية
،لذلك وسعيا منها لتحقيق المنفعة العمومية قامت كافة بقاع العالم بإحداث مؤسسات خدماتية ومدتها الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستية من أجل اشباع حاجيات المواطن
الفرع الأول : تعريف الخدمة بشكل خاص
اختلفت التعاريف المقدمة بشأن مصطلح خدمة :فقد عرفها PHKATLEL بأنها " أي نشاط أو إنجاز أو منفعة يقدمها طرف ما لطرف آخر ،وتكون أساسا غير ملموسة ،ولا تنتج عنها أية ملكية ،وإن انتاجها وتقديمها قد يكون مرتبطا بمنتج مادي ملموس أو لا يكون " 1،وعرفتها الجمعية الأمريكية للتسويق على أنها " النشاطات أو المنافع التي تعرض للبيع ،أو التي تعرض لارتباطها بسلعة معينة "
الفرع الثاني : تعريف الخدمة العمومية بشكل عام
ارتبط مفهوم الخدمة العمومية بنشأة الدولة كسلطة ذات سيادة ،وزيادة تدخلها في اشباع الحاجات العامة للجمهور،بغرض زيادة رفاهية المجتمع وتحقيق التنمية الشاملة ،مما أدى إلى ارتباطها بالدولة كهيئة تشرف على تنفيذ هذا النشاط من أجل تحقيق المنفعة العامة،لذلك تم تعريفها بشكل عام على أنها الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين ضمن نطاق سلطتها ،إما بشكل مباشر من خلال القطاع العام أو عن طريق تنظيم الخدمات.
وأدرج الدكتور ثابت ابراهيم إدريس محورين ترتكز عليهما الخدمة العمومية هما :العملية والتنظيمية، فالخدمة العمومية كعملية تقدمها المنظمات الحكومية أو العامة على أنها العمليات التي تمثل طابع تكاملي تنطوي على مدخلات وتشغيل مخرجات ،بالنسبة للمدخلات فإن هناك ثلاثة أنواع يمكن أن تجري عليها عمليات التشغيل لإنتاج الخدمة المطلوبة وهي :الأفراد ،الموارد ،المعلومات .
وكنظام يتكون من أجزا مختلفة تشمل :نظام عمليات تشغيل أو انتاج الخدمة ،نظام تسليم الخدمة ،خدمة عامة مرئية أو منظورة لمستقبل الخدمة ) المواطن (،خدمة عامة غير منظورة وغير مرئية .
المبحث الثاني :أساس المواطنة الفعّالة في القوانين الجزائرية
تتمثل المواطنة في عملية الاندماج الوطني بين أفراد المجتمع ،وتأتي في سياق سعي الإنسان نحو الاعتراف بكيانه كركن وعضو مهم في المجتمع يسعى من خلاله إلى المشاركة في صنع القرار للمساهمة في التنمية الوطنية ،وهذا لا يتأتى إلا من خلال دولة ديمقراطية تتيح المجال الفسيح للحريات إلا في حدود ما يضيقه القانون وتكرس حقوق المواطنين ،مما ينعكس ايجابا على روح المسؤولية للمواطن ويصبح عنصرا فعالا في البناء .
ومع تنامي هاجس الإصلاح الإداري في الجزائر ،اتسع مدلول المواطنة بما يحمله من معاني المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،إذ لم تعد تعني صفة المواطنة فقط الانتساب إلى الوطن والارتباط به كتابع ،وإنما أصبح بموجب النصوص القانونية عنصر فاعل في مختلف المجالات له كيانه المستقل وقناعته الخاصة، ومن خلال هذا المبحث سوف نتطرق إلى الأسس القانونية للمواطنة الفعّالة في الجزائر ،والذي قسمناه إلى مطلبين :)المطلب الأول ( الأساس الدستوري ،) المطلب الثاني( الأساس القانوني .
المطلب الأول :الأساس الدستوري
يعتبر الدستور القانون الأساسي للدولة والذي من خلاله توضع المبادئ الأساسية لتنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن ،لإيجاد توازن بين القيم الدستورية للحقوق والحريات والقيم الدستو رية للمصلحة العامة 1،والمواطنة أحد تطبيقات القاعدة الدستورية في القانون الدستوري ،فالدولة لا تنشأ بتحديد السلطة السياسية وحدها ،وإنما في اللحظة التي يكتمل فيها التنظيم الإداري وإقامة القضا ويواكب ذلك وضع النظام الخاص بالمواطنين أي العنصر البشري .
وبالرجوع إلى الدستور الجزائري لسنة 20163 فقد تضمن بين نصوصه أهم مبدأ من مبادئ تفعيل المواطنة وجعلها مدخلا لتحسين الخدمة العمومية ألا وهو مبدأ المساواة بموجب نص المادة 32 منه التي تنص على أن " كل المواطنين سواسية أمام القانون ،ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي ".
فالمواطنة منطلق حقوقي وواجبي لا تتحقق إلا انطلاقا من المساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس النوع أو المنبع السياسي أو العشائري أو الدين أو الموقف الفكري والإيديولوجي،والمساواة أمام القانون هو المرجع الوحيد لتحقيق تلك الحقوق والواجبات ،فإذا كان التساكن والتعايش والشراكة والتعاون من العناصر الأساسية التي يفترض وجودها بين المشتركين في الانتما لنفس الوطن فإنها تهتز وتختل في حالة عدم تطبيق مبدأ المساواة مما ي ؤدي إلى تهديد الاستقرار ،لأن كل من يشعر بحرمان من حق أتيح لأخيه يصبح متمردا على قيم المواطنة،ويكون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بشكل من الأشكال 4، ويتفرع عن مبدأ المساواة أمام القانون في المجال الإداري المساواة في تولي الوظائف العامة ،وحق المشاركة في الحياة العامة مقابل واجبات أو التزامات انطلاقا من أن المواطنة حقوق وواجبات متبادلة بين الإدارة )الدولة ( والمواطنين.__
الفرع الأول : المساواة في تولي الوظائف العامة
عندما نتكلم عن مبدأ المساواة نعني بذلك أن يتمتع جميع الأفراد بالحقوق والحريات ،ومنها حق تولي الوظائف العامة وأن يتساوى جميع الأفراد الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة في تولي الوظائف وتكافؤ الفرص بينهم ،وعدم تمييز فئة من المواطنين على فئة أخرى في تولي الوظائف العامة، ومن أهم مظاهر المساواة في تولي الوظائف العامة :حق التعيين في الوظائف ،المساواة في الاختيار لتولي الوظائف ،إضافة إلى المساواة في شروط التعيين في الوظائف العامة 1 ،ويجب على الدولة أن تقوم بإقرار مجموعة من القواعد العامة المجردة التي تبين شروط التوظيف ،وأن تضع الوسائل التي تمكن من تطبيق هذه القواعد على كافة المواطنين المرشحين لتولي الوظائف العامة 2 ، فعلى سبيل المثال ماذا يفعل المواطن الذي يتقدم لمسابقة انتقا عمال أو موظفين حين يجد أن المواطن الآخر الأقل كفا ةً أو الأقل تمتعا بشروط المسابقة قد قبل وهو غير مقبول؟ بأي جهة انتما يستنجد وبماذا سيشعر؟
وبالرجوع إلى الدستور الجزائري لسنة 2016 نجده طبق هذا المبدأ في نص المادة 63 فقرة 01 منه التي نصت على أن " يتساوى جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدولة دون أية شروط أخرى غير الشروط التي يحددها القانون ..."، والهدف من هذا المبدأ هو جعل المواطن في صلب السياسات والخدمات العمومية ليصبح أكثر انخراطا في الحياة العموميةمما يمتن التماسك الاجتماعي ويحقق دولة الرفاه،كما أن خضوع الإدارة لهذا المبدأ تمليه الاعتبارات العلمية واعتبارات العدالة الاجتماعية فهو يستند إلى طبيعة وإنشا ووجود المرافق العامة في الدولة التي وجدت لخدمة جميع الأفراد على قدم المساواة .
الفرع الثاني : المشاركة في الحياة العامة
لكي يتم تفعيل المواطنة بشكل حقيقي يقتضي الأمر فسح لها المجال للمشاركة في الحياة العامة بكل مظاهرها وتجلياتها ، ونعني بالمشاركة في الحياة العامة إمكانية ولوج المواطن إلى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أي تمييز،وتوفير فرص الانخراط التلقائي في مختلف مجالات الحياة العامة ،لذلك فهي تختلف عن الإشراك الذي ينطوي على مفهوم المنح من سلطة عليا تحكم بأمرها لرعايا تابعين خاضعين لنفوذها لأن الإشراك بهذا المعنى يتناقض مع مفهوم المواطنة ويتعارض مع مق وماتها فالمواطنة في إطارها العملي تعني الممارسة الكاملة للحقوق والواجبات المدنية والسياسية ومن ضمنها المشاركة في صنع القوانين وفي القواعد التي ترعى هذه الحقوق من دون أي تمييز ولا استثنا والمواطنة – في هذه الحالة – تعبر عن الإنسان ككائن سياسي له دور فاعل في إدارة الشأن العام ،لذلك لكي تتجلى المواطنة بشكل فعلي لابد من المشاركة الفعلية لكافة المواطنين في الحياة العامة والتي تجسدها الديمقراطية التشاركية .
وقد جسد المؤسس الدستوري هذا المبدأ في المادة 34 من نفس الدستور بنصه على أن " تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات ،بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان ،وتحول دون مشاركة الجميع الفعّلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية " .
الفرع الثالث : المسؤولية الاجتماعية
الدستور هو عقد مابين الحكام والمحكومين) المواطنين( يرتب لكل منهما حقوق ويلزم كل منهما بواجبات والتزامات منصوص عليها في نصوص الدستور ذاته ،فالمشاركة في مظهرها حق وفي جوهرها التزام طوعي يتبلور في حال شعور المواطن بالمواطنة مما يولد عنده إحساس بالمسؤولية تعد مقابلة لحقوق الإنسان ،ومن ثمة فهي تعد وظيفة يتحتم على المواطنين القيام بأعبائها من أجل تحقيق الصالح العام، وهو ما عبر عنه جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية حينما انتهت مدة رئاسته وعودته إلى ولايته قائلا " إني عائد إلى أعلى وظيفة في الدولة ،وهي وظيفة مواطن " .
وبالرجوع إلى الدستور الجزائري لسنة 2016 نجده نص على مجموعة من الالتزامات الواجبة على المواطن تجاه وطنه من ناحية وتحقيق الصالح العام من ناحية ثانية منها :
- دفع الضرائب من أجل الإسهام في الدعم الاقتصادي للدولة لتقوم بتقديم الخدمات للمواطنين ،وذلك بموجب نصت المادة 78 منه التي نصت على أن " كل المواطنين متساوون في أداء الضريبة " ويجب على كل واحد أن يشارك في تمويل التكاليف العمومية،حسّب قدرته الضريبية ..."
- الحفاظ على الأملاك العامة وحمايتها ، بموجب نص المادة 80 من الدستور نفسه " يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة ،ومصالح المجموعة الوطنية ،ويحترم ملكية الغير ".
- الإخلاص والتفاني إزا أدا واجباته، بموجب نص المادة 76 من نفس الدستور التي تنص على أن " على كل مواطن أن يؤدي بإخلاص واجباته تجاه المجموعة الوطنية ..."
- الالتزام بتطبيق وتنفيذ القانون، ولا يعذر أحد بجهله للقانونتطبيقا لنص المادة 74 من نفس الدستور " لا يعذر بجهل القانون__ يجب على كل شخص أن يحترم الدستور وقوانين الجمهورية ".
المطلب الثاني :الأساس القانوني
إن الإدارة المعاصرة لم تعد إدارة سلطوية بل إدارة خدمات قائمة على الأهداف والنتائج قائمة على استراتيجية واضحة ،حيث أن بقائها مرهون بمدى تحقيق الغرض من إنشائها 1، لذلك أقرّ المشرع الجزائري مجموعة من النصوص القانونية لتفعيل المواطنة لأجل النهوض بقطاع الخدمة العمومية من بينها المرسوم الناظم للعلاقة بين الإدارة والمواطن ،وقانون البلدية ،وهو ما سنتولى دراسته من خلال هذا المطلب.
الفرع الأول :المرسوم المنظم للعلاقة بين الإدارة والمواطن
إن تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن يعتبر من أهم المبادئ التي وردت في تقرير لجنة إصلاح هيئات ومهام الدولة ،على اعتبار أن تحقيها سيؤدي بالضرورة إلى تكريس مجتمع سياسي تعددي ،المواطنة ودولة القانون ،حيث يجب أن يكون المواطن في قلب عملية الإصلاح ،وهذا لا يتأتى إلا من خلال إشراك المواطن في التسيير العمومي ، عن طريق دمقرطة الإدارة العمومية بإشراك المواطن فعليا في عملية صنع القرار ،ويتجلى ذلك من خلال إطلاع المواطنين على التنظيمات والتدابير التي تسطرها الإدارة ،وينبغي في هذا الإطار أن تستعمل وتطور أي سند مباشر للنشر والإعلام،كما مكنت المواطن من الإطلاع على الوثائق والمعلومات الإدارية ما عدا ما يتعلق منها بالطابع السري للمهنة .
إضافة إلى ذلك يقع على عاتق الإدارة والمؤسسات والهيئات العمومية وأع وانها واجب حماية حريات المواطن وحقوقه المعترف له بها دستوريا وتشريعا ،ويجب أن تبنى هذه العلاقة بين الإدارة والمواطن على اللطف والكياسة ،تعمل من خلالها الإدارة على تكييف مهامها وهياكلها مع احتياجات المواطنين وتضع تحت تصرف المواطن خدمة جيدة وذلك عن طريق تبسيط إجرا اًتها وطرقها ودوائر تنظيم عملها وتخفيف ذلك 4 .بالمقابل تفرض على المواطن واجبات تجاه الإدارة وهي :احترام سلطات الإدارة،مراعاة القوانين والأنظمة التحلي بالانضباط والحس المدني والامتناع عن كل ما يعكر حسن سير المصلحة ،ويسهر على رعاية الأماكن والأملاك العمومية ،المساهمة في تحسين سير الإدارة عن طريق التقدم باقتراحات بنا ةً من خلال دفاتر الملاحظات والتنظيمات المفتوحة لدى كل مصلحة عمومية وعبر كل وسيلة أخرى موضوعة تحت تصرفه وهذه العلاقة في عمقها جد وطيدة بين مفهومي المواطنة والدولة المدنية إذ كل التزام وواجب يستند على الآخر لاستمراره، فالدولة المدنية هي الدولة الجامعة والحاضنة لكل المواطنين وتدافع عنهم وتعمل على توفير ضرورات معيشتهم وحياتهم.
الفرع الثاني :قانون البلدية رقم 11 / 10
تبنت الدولة الجزائرية نظام اللامركزية الإدارية الإقليمية والمرفقية وذلك بهدف تقريب الإدارة من المواطن ومشاركته في تسيير شؤونه العمومية من جهة، وتقديم الخدمة العمومية في مختلف الميادين من جهة أخرى تماشيا مع المبدأ القائل " الإدارة في خدمة المواطن ".
فإقرار اللامركزية الإدارية يعني أن هناك قدرا من الحرية للجماعات المحلية في إدارة شؤونها المستمدة من المبادئ الديمقراطية، لذا تبدو اللامركزية مرتبطة بالحرية الإدارية التي تتبلور في الحرية الإدارية داخل الوحدة الوطنية، لذلك تقوم على مبدأين أساسيين هما: المعرفة والمساواة في حماية الحقوق.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية تم إصدار قانون البلدية رقم 11 / 10 ، المؤرخ في 22 يونيو 2011 ، على اعتبار أن البلدية تمثل الوحدة الأساسية للحكم والإدارة في الجزائر، وتشكل الوسيط بين المواطن والإدارة المركزية خاصة إذا تعلق الأمر بالخدمة العمومية وتنفيذ السياسات العامة للدولة .
وخصص المشرع الجزائري بابا كاملا )الباب الثالث( تحت عنوان " مشاركة المواطنين في تسيير شؤون البلدية " تضمنته المواد من 11 إلى غاية المادة 14 ، وأعتبر المشرع الجزائري أن البلدية تشكل الإطار المؤسساتي لممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي والتسيير الجواري ،كما ألزم المجلس الشعبي البلدي باتخاذ كل التدابير لإعلام المواطنين واستشارتهم في كل ما يخص التهيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،وتحفيز المواطنين وحثهم على المشاركة في تسوية مشاكلهم ،وتحسين ظروف معيشتهم .
ومكّن المشرع رئيس المجلس الشعبي البلدي كلما اقتضت شؤون البلدية أن يستعين بصفة استشارية بكل شخصية محلية ،كل خبير ،أو كل ممثل جمعية محلية معتمدة قانونا ،من شأنهم تقديم أي مساهمة مفيدة لأشغال المجلس أو لجانه بحكم مؤهلاتهم أو طبيعة نشاطاتهم .
كما مكّن أي شخص من الإطلاع على مستخرجات مداولات المجلس الشعبي البلدي ،وكذا قرارات البلدية مع إمكانية كل ذي مصلحة الحصول على نسخة منها أو جزئية على نفقته .
وعليه يتضح أن قانون البلدية الجديد يعتبر أن التنمية المحلية كآلية جديدة لتنمية المجتمع المحلي تتم عن طريق تكاثف وتضافر الجهود عبر عملية تعبئة وتنظيم مجهود أفراد المجتمع وجماعاته وتوجيهها للعمل المشترك مع الهيئات الحكومية بأساليب ديمقراطية،فكل عملية تنموية لا يشارك فيها المواطن سيكون مصيرها الفشل،لذلك حت نكون أمام مواطنة فاعلة تساهم إيجابا في تقدم وترقية العمل التنموي يجب :
- ضرورة وعي المواطن بما هو متاح له من حقوق وواجبات في ظل مختلف التشريعات والسياسات
- قدرة المواطنين على تنظيم أنفسهم عن طريق تنفيذ وإدارة الأعمال الجماعية لإحداث تغيير إيجابي على المستوى المحلي .
- خلق أطر وآليات تفتح النوافذ بين السكان المحليين وممثليهم المنتخبين والأجهزة التنفيذية المحلية لتبادل الأفكار وعرض الخطط وإشراكهم فيما يقدم لهم من خدمات محلية ومستوى جودتها ،فإذا ما أتيح مناخ المشاركة للمواطنين ستتفجر طاقاتهم وإبداعاتهم لتنمية مجتمعاتهم في كل المجالات 2 .
خاتمة
من خلال عرض هذه الورقة البحثية يتضح لنا أن المواطنة الفاعلة كأساس لتحسين أدا الخدمة العمومية هي حجر الزاوية في كل نظام ومطلبا أساسيا لتحقيق الإصلاح السياسيي والإداري المنشود وتمكن من تعزيز الديمقراطية الحقيقية بمعناها الدستوري الذي يقوم على أساس المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار،لأن العلاقة التي تربط المواطنة بالديمقراطية هي علاقة قانونية واجتماعية بين الفرد ودولته تقوم على منحه حقوقا في مواجهة الدولة وفرض واجبات عليه لصالح الدولة والمجتمع مضبوطة دستوريا وقانونيا ،وهو ما جسده المؤسس الدستوري الجزائري من خلال دستور 2016 والمشرع من خلال المرسوم الناظم للعلاقة الوظيفية بين الإدارة والمواطن وقانون البلدية الجديد،ولكن كل هذا وحده لا يكفي وإنما لا بد من وعي وإدراك المواطن بأنه مجبر على تحسين أدائه وتطوير قدراته وكفا اًته لتتماشى وجودة الخدمة العمومية ،نظرا لأن الم واطنة ليست أقل من جعل العقل اجتماعيا بحيث يجعل خبراته للانتقال الأفضل له ولجماعته ،فإذا انعدم تحسين أدا الخدمة العمومية انهار المرفق العام عموما واختلت العلاقة بين الإدارة والموطن وتحول المجتمع إلى مجتمع رعايا بدلا من مواطنين .
المراجع والمصادر:
فضل كسبه قدري، منظمات المجتمع المدني ودورها في تعزيز مفهوم المواطنة في فلسطين، مذكرة ماجستير في التخطيط والتنمية السياسية، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين، 2013 .
ابن منظور، لسان العرب، الروائع الدعوية، المجلد الثاني دارالمعارف، ص 4868 ، الموقع
الإلكتروني: http://rowea.blogspot.com/2011/04 ،أطلع عليه بتاريخ 20 / 07 / 2017 .
زيد الكيلاني سري، ليلى مصطفى تفاحة، أثر احترام حقوق المواطنة في ظلا السلم الاجتماعي، ورقة بحثية مقدمة في المؤتمر الدولي الثاني "السلم الإجتماعي من منظور إسلامي" ،كلية الشريعة، جامعةالنجاح الوطنية، فلسطين. .
محمد العجاتي: المواطنة والمكونات الاجتماعية في الوطن العربي عقب الثورات العربية...استكمال البنية أم تغيير في المسار، روافد للنشر والتوزيع، مركز كارني جيل الشرق الأوسط، الطبعة 01 ، 2015 .
محمود غالب البكاري، وآخرون، دليل المواطن إلى الدولة المدنية، مؤسسة تمكين للتنمية TDF ، الطبعة 01 الجمهورية اليمنية، صنعا ،ً 2011 .
الرابطة السورية للمواطنة، دليل المواطنة، بدعم من مؤسسة HIVOS الهولندية، بيت المواطن للنشر والتوزيع،الطبعة 01،دمشق،سوريا، 2016 .
العباس الوردي، الوظيفة العمومية بين واقع الغياب ورهانات المردودية، الموقع الإكتروني https://www.hespress.com ، أطلع عليه بتاريخ 21 / 10 / 2017 .
هاني حامد الضمور ، تسويق الخدمات، دار وائل للنشر، الطبعة 03 ، عمان، 2005 .
أسعد حامد أورمان، أبي سعد الديوهجي، التسويق السياحي والفندقي، دار الحامد للنشر والتوزيع، الطبعة 01،
عمان، 2000 .
خدمة عمومية، الموقع الإلكتروني : https://ar.wikipedia.org/wiki ،أطلع عليه بتاريخ 18 / 02 / 2016 .
عبدالكريم عشور، دور الإدارة الإلكترونية في ترشيد الخدمة العمومية في الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، مذكرة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة منتوري، قسنطينة، 2009 – 2010 .
منيرة لعجال، محمد بومدين، الأساس القانوني لحق المواطن في الخدمةالعمومية في الجزائر، مجلة الحقيقة، العدد 32 ، جامعة أحمد درارية، أدرار، مارس 2015 ، ص 54 .
أشرف عبدالفتاح أبو المجد، التنظيم القانوني للحقوق والحريات الاقتصادية، دراسة تطبيقية على النظام الدستوري )التعديلات الأخيرة وآفاق التنمية(، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر، 2015 ، ص 03
القانون رقم 16 / 01 ، المؤرخ في 06 مارس 2016 ، المتضمن التعديل الدستوري، جريدة رسمية، عدد 14 ، صادرة بتاريخ 07 مارس 2016 .
عبد القادر العلمي، المواطنة مفهومها ومقوماتها، الموقع الإلكتروني: groups.google.com/d/topic ، أطلع عليه بتاريخ 11 / 10 / 2017 .
عبد القادر محمد القيسي، مبدأ المساواة ودوره في تولي الوظيفة العامة، الطبعة 01 ، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر، 2016 .
باسم بشناق، الوظيفة العامة في فلسطين بين القانون والممارسة، سلسة تقارير قانونية) 31 (، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، رام الله، غزة، 2002 .
فاطمة الزهرا فيرم، الموظف العمومي ومبدأ حياد الإدارة في الجزائر، مذكرة ماجستير قسم عام، فرع الإدارة ا ولمالية كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2003 - 2004 ، ص 09 .
عثمان الزياني، دور الديمقراطية التشاركية في تكريس مقومات المواطنة، مجلة الكلمة، عدد 103 ، نوفمبر 2015 الموقع الإلكتروني: http://www.alkalimah.net / أطلع عليه بتاريخ 10 / 10 / 2017 .
سعيد عبد الحافظ، المواطنة حقوق وواجبات، مركز ماعت للدراسات القانونية والدستورية، الجيزة، مصر
لحسن مولايبن فرحات، إدارة الكفا اًت دورها في عصرنة الوظيفة العمومية في الجزائر، مذكرة ماجستير في العلوم القانونية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر باتنة، 2011 - 2012 . المواد 08 ، 09 ، 10 من المرسوم رقم 88 - 131 ، المؤرخ في 04 / 07 / 1988 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطنين
جريدةرسمية،عدد 27 ،صادرةبتاريخ 06 جويلية 1988 . المواد 02 ، 03 ، 06 ، 21 ، من المرسوم رقم 88 - 131 المؤرخ في 04 / 07 / 1988 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطنين المواد 31 ، 32 ، 33 ، من المرسوم رقم 88 - 131 المؤرخ في 04 / 07 / 1988 المنظم لعلاقة الإدارة بالمواطنين.
محمد الناصر بوغزالة، الجماعات المحلية في الدساتير، ورقة بحثية مقدمة في أعمال الملتقى الدولي الثالث حول: الجماعات المحليةفي الدول المغاربية في ظلال تشريعات الجديدة والمنتظرة، المنعقد يومي 01 ، 02 ديسمبر 2015 ، جامعة الشهيد حمة لخضر، الوادي، كلية الحقوق والعلوم السياسية.
صالح شرفي، الإدارة المحلية في الجزائر )دراسة في مضمون قانون البلدية رقم 90 / 08 ، المعدل والمتمم بالقانون رقم 11 / 10 ، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، المجلد 03 ، العدد السادس، جامعة تبسة، ص 435 . الموقع الإلكتروني: www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/65 ، بتاريخ 19 / 10 / 2017 المواد : 11 ، 12 من القان ونرقم 11 / 10 ، المؤرخ في 22 يونيو 2011 المتعلق بالبلدية، جريدة رسمية، عدد 37 ،صادرةبتاريخ 03 يوليو 2011 . المادة 13 من القان ونرقم 11 / 10 ، المتعلق بالبلدية.
المادة 14 من القانون رقم 11 / 10 ، المتعلق بالبلدية.
مولود عقبوبي، الديمقراطية التشاركية في المجالس المحلية المنتخبة في الجزائر، مجلة القانون، جامعة غليزان، معهد العلوم القانونية،العدد السادس، جوان 2016 .
المكي دراجي، بلخير دراجي، المواطنة والجماعات المحلية، ورقة بحثية مقدمة في أعمال الملتقى الدولي الثالث حول :الجماعات المحلية في الدول المغاربية في ظلال تشريعات الجديدة والمنتظرة، المنعقد يومي 01 ، 02 ديسمبر 2015 ، جامعة الشهيد حمة لخضر، الوادي،كلية الحقوق والعلوم السياسية،ص 52
إستراتيجيـــــة تثميــــن التراث الأثري وترقيتــــه
طبقا لمبادئ النصوص التشريعية الوطنية
(دراسة تقييمية)
الفيلالي جازية
- جامعة بشار
مقدمة:
يشكّل التاريخ الطبيعي والعمراني بكل محتوياته ومكوّناته الجيولوجية والمعمارية والحيويّة تراثا ثريّا ومتنوعا يتجلّى في كل العناصر الحيّة التّي تتمتّع بها بلادنا الجزائر على امتدادها الجغرافي، وتتمثّل تلك العناصر في العديد من المشاهد والمواقع الطبيعية والمعالم المتميّزة والفريدة التي نحتتها يد الطبيعة والإنسان عبر العصور والأحقاب الزمنية الجيولوجية، تضاريس، أودية، صخور كلسية، رملية وحتّ بركانية وأيضا مدن وقرى عريقة تربّعت على هذه التضاريس المتنوعّة.
إنّ هذا الثرا والتنوّع الأثري على عاتق الدولة بكل م ؤسساتها عبئا ثقيلا باتجاه حماية التراث وترقيته ليس على اعتبار بعديه الثقافي والحضاري، أو على اعتبار انّه يختزل تجاربه التاريخية وعمق وجوده في هذه البلاد فقط، بل على اعتبار أنّه يشكّل موردا هامّا في الحفاظ على ماض أمّة تعاقبت عليها حضارات، وعلى الدولة دعْم ذلك بتطبيقها للتشريعات القانونية وتجديدها لمواكبة التنمية الاقتصادية ، والاجتماعية مع متطلبات حماية التراث الأثري، وعلى هذا الأساس يمكن طرح الإشكالية على النحو التالي: ماهي الإستراتيجية الوطنية المعتمدة عليها في سياسة حفظ التراث الأثري وترقيته ؟ وإلى مدى و فّق التشريع الوطني في حماية هذا الإرث الأثري؟.
1.مفهوم تثمين التراث الأثري:
"تثمين التّراث الأثري" (la valorisation du patrimoine archeologique) هو في واقع الأمر، مُبتغى نهائي تسعى الدّول والهيئات المتخصّ صة في مجال التّراث الثّقافي بشكل عام، والتّراث الأثري منه بشكل خاص إلى تحقيقه من خلال قيامها بأربع عمليات تختلف في الأدا ،ً وتتكامل فيما بينها من أجل تحقيق المبتغى، ألا وهي:
أ(. الحصانة القانونية: والمقصود بها هو جرد، أو تسجّيل عناصر التّراث الأثري في قوائم خاصّة لجملة من الاعتبارات لعلّ من أبرزها على الإطلاق، إحقاق المسؤولية الجزائية على تصرّفات الأشخاص بطريقة متعمّدة، أو غير متعمّدة تجاه الآثار، وما قد ينجم عليها من نتائج بصرف النّظر إن كانت إيجابية، أو سلبية في هذا المقام.
ب( الدّراسة العلمية المستفيضة: والمقصود بذلك هو تخصيص الآثار بما تستحقه من السّ بر العلمي الدّقيق من لدن باحثين أكْفا ،ً وضرورة إبراز أهميتها على مختلف الأصعدة. شأن التّجربة الفرنسية التّي تجعل من "علم الآثار الوقائي" بموجب المادّة الرّبع عشرة ) 14 ( من القانون رقم 2001 – 44 المتعلّق بعلم الآثار الوقائي على أنّه: "خدمة عمومية، وأنّه جز لا يتجزأ من علم الآثار العام، يسعى إلى تحرّي، وحفظ، أو حماية الآثار عن طريق الدّراسة العلمية لمختلف البقايا المتضرّرة، أو المحتمل تضرّرها بفعل تمديد المشاريع التّنموية المعاصرة على حسابها في المستقبل القريب" ؛ وذلك من قمبل مؤسساته الخاصّة، مثّلة في " المعهد الوطني لبحوث علم الآثار الوقائي" على وجه الدّقّة والتّحديد، الذي أُسندت له مهّمة الاعتنا بجزئية صغيرة من جملة مكوّنات التّراث الأثري الفرنسي، ألا وهي جزئية تحرّي ودراسة الآثار المطمورة تحت سطح فضا اًت جغرافية مُرشّحة لاستيعاب مشاريع تنموية معاصرة، كمدّ خطوط السّكك الحديدية، وشقّ الطّرقات السّيارة، وما إلى ذلك.
ج( الصيانة والترميم: والمقصود بذلك هو إصلاح الأضرار الميكانيكية اللاّحقة بالآثار كالكسور، والانشطارات، وإتمام الأجزا النّاقصة عن طريق عمليات التّرميم، وتعاهدها بإجرا اًت الصّيانة الدّورية لمنع أخطار استفحال الأمراض الفيزيو – يميائية، والحيوية التّي قد تعتريها جرّا الإهمال، وتفاعلها السّلبي مع عناصر البيئة المحيطة بها.
د( التأهيل والدّمج في الحياة المعاصرة: وهو في واقع الأمر إجرا انتقائي ليس بالوسع تعمّيمه على جميع البقايا الأثرية، مفاده إحيا الوظيفة الأصلية للأثر، أو تخصّيصه بوظيفة جديدة، تضمن له حقّ الاستمرارية، والعيش في كنف التّمدن المعاصر بانسجام، وهو ما يتطلّب تعميم آليات التّأهيل الوظيفي على الأثر والمحيط البيئي القريب منه على حدّ سوا ،ً وليس الاكتفا بتأهيل واحد منهما فحسب، كما قد يتوهم البعض .
2. تطوّر البنية التّشريعية الوطنية المسيّرة للتّراث الأثري:
خضع التّراث الأثري الوطني في بادئ الأمر لأحكام قانون المحتلّ الفرنسي، بد بأحكام المرسوم، المؤرّخ في 14 سبتمبر 1925 ، "المتعلّق بالآثار التّاريخية الموجودة في الجزائر"، الم ره من أقدم القوانين الفرنسية المسننّة في هذا الشأن، ألا وهو "قانون المعالم التّاريخية"، الصّادر بتاريخ 31 ديسمبر من عام) 1913 (م 3؛ مرورا بأحكام "القانون المتعلّق بحماية المعالم التّاريخية، والمواقع الطّبيعية ذات الطّابع الفنّي، والتّاريخي، والعلمي، والأسطوري، والجمالي"، الصّادر في الثّاني مايو من__ عام ) 1930 (م 4 ؛ وانتها بأحكام"القانون المتعلّق بتنظيم الحفريات الأثرية"، المشهور باسم منشئه لدى المختصين، ألا وهو قانون "جيروم كاركوبينو" ) JEROME CARCOPINO (* ، الصّادر بتاريخ 27 سبتمبر) 1941 ) 5 . وذلك بموجب أحكام المرسوم "المتضمن إلزام الجزائر تطبيق القانون الصّادر بتاريخ 27 سبتمبر 1941 "، المؤرّخ في 9 فبراير ( 1942 (م، المدعم بأحكام المرسوم المؤ رّخ في 10 سبتمبر 1947 م، "المتعلّق بتنظيم الإشهار، ولصق الإعلانات، ونصب اللاّفتات في الجزائر"؛ وكذا القرار المؤرّخ في 26 أفريل) 1949 (م، المعدّل، والمتمم، و"المتضمن إنشا دوائر إقليمية في الجزائر لرقابة المراكز الأثرية العائدة إلى فترة ما قبل التّاريخ" .
اكتفى المشرّع الجزائري أثنا الاستقلال تمديد العمل بالقانون الفرنسي في هذا الشّأن وإلغا منه الأحكام المتنافية مع مفهوم سيادة الجزائر كما سلفت الإشارة من قبل، وذلك بموجب أحكام القانون رقم 62 - 157 المؤرخ في 31 ديسمبر ) 1962 ،) "المتعلق بتمديد مفعول التشريع الفرنسي المتضمن حماية النصب التاريخية ضمن المقتضيات غير المخالفة لأحكام السّيادة الوطنية" .
وفي سنة) 1967 (، أُسندت مهمّة صياغة أوّل قانون للتّراث الأثري الوطني في ظلّ الاستقلال إلى عالم الآثار الفرنسي "ألبار فيفريه" ) ALBERT FEVRIER ( ** ؛ والذي اكتفى بالرّجوع إلى النّصين التّشريعيين الفرنسيين المذكورين من قبل )نصّ قانون 1930 ، ونصّ نظيره قانون 1941 (، وإعادة صياغتهما في نصّ جديد، قوامه مائة وثمن وثلاثين ( 138 ( مادة ، أُفرغت في وعا الأمر رقم 67 - 281 المؤرخ في 19 رمضان عام 1387 ه الموافق ل 20 ديسمبر 1967 م، "المتعلّق بالحفريات وحماية الآثار والأماكن التّاريخية والطبيعية"، واستمرّ العمل به إلى غاية صدور القانون 98 – 04 ، المؤرخ في 20 صفر 1419 ، الموافق ل 15 يونيو 1998 م، الذي مازال العمل قائما به إلى اليوم والذي جا كمحاولة لتحديث الأمر الآنف الذكر، إذا ما اُستثنيت عملية تقزّيم التّراث الأثري الذي كان يتمتع من قبل بقانون خاص، والاستنقاص من أهميته الحضارية والثّقافية بإخضاعه لأحكام قانون مشترك يجمع بينه، وبين مختلف مقوّمات التّراث الثّقافي بنوعيها المادّية، واللاّمادية، دون ربطه بقوانين التّعمير، وقوانين تهيئة الفضا اًت الجغرافية على نحو موثّق، كما تتطلّبه التّشريعات الحديثة في مجال التّنمية المعاصرة، رغم محاولات التّلميع المحتشمة، التّي أتت بها النّصوص التّشريعية الشّارحة، والمتممة له، والمتواصلة في عملية الصّدور بشكل متقطّع بين الفيّنة والفيّنة الأخرى إلى اليوم.
3. دراسة تقييمية للهيكلة التنظيمية الجارية في مجال حماية التّراث الأثري:
أ(. التشريع: يبدو من أوّل قرا ةً متأنّية لقانون ) 98 - 04 (، ذلك التّأخّر الواضح المسجّل على مستوى منظومة التّشريع الوطني المعتمد في مجال تسيير التّراث الأثري، وتأطير مؤسساته التّنفيذية على الرّغم من حداثة زمنه نسبيا بدليل اقتصاره على مراجعة أحكام الأمر ) 67 – 281 ( على ضو التّغيرات الظّرفية بداخل الوطن آنذاك، دون الأخذ بعين الاعتبار، ما جدّ في التّشريع الأممي، المتعلّق بتسيّير التّراث الأثري وتثمينه، كاتفاقية حماية ال تراث العالمي الثقافي والطبيعي، الصادرة عن "اليونسكو" بتاريخ 21 نوفمبر 1972 ، و"الميثاق الدولي لإدارة التراث الأثري"، الصادر عن "منظمة المجلس الدّولي للمعالم التّاريخية والمواقع الأثرية" (ICOMOS) عام 1990 على سبيل الذكر لا التّخصيص والحصر. هذا من جانب، ومن جانب آخر الإبقا على التّبعية المنهجية للأمر ) 67 – 281 (، الذي صادف تاريخه إنها مرحلة تعاون الإطارات الفرنسية ببلادنا في شتّ القطاعات بما فيها التّنقيب الأثري، كظرف استثنائي طارئ، والذي خُصص له هذا الأمر، المهندس على منوال "قانون كاركو بينو عام ) 1941 (" من طرف مواطنه، وزميله في التّخصص، "ألبار فيفرييه" ( ALBERT FEVRIER ( الذي كان مسؤولا عن مصلحة الآثار ببلادنا آنذاك. وذلك بغية ضبط المسؤولية الجزائية حيال التّراث الأثري من خطرين أساسيين هما: التّنقيب الأثري الهاوي، أو الفوضوي؛ وآخرهما وقف زحف المشاريع التّنموية على حساب المواقع الأثرية، والمعالم التّاريخية المعروفة آنذاك من خلال تأمين الحماية القضائية في ظلّ غياب المؤسسات التّقنية المؤهّلة، واليد البشرية المحترفة لحماية وتثمين التّراث الأثري الجزائري عمليا. وهو ما نجم عنه بنا سياسة تقليدية، محدودة الأفق في مجال حماية التّراث الأثري وتثمينه، كما يمكن أن يُلمس بوض وح في عدم ربط هذا القانون ببقية القطاعات المتقاطعة معه من جهة، ومن جهة ثانية، الإبقا على فكرة مركزية الإدارة، والنّشاط الموجه، الموروث عن النّظام الاشتراكي، الذي تخلّت عنه البلاد منذ مستهلّ عقد التسعينات من القرن الماضي، وهو تحوّل عميق لم يؤخذ بعين الاعتبار أثنا سنّ قانون ) 98 – 04 ( في نهاية تلك العشرية. ومن ثم العمل بسرعتين مختلفتين فيبقية النّصوص، الشّارحة لمضامينه، والمكملة لبنائه الإداري والتّقني، كما سيبدو بشي من التّفصيل في العناصر الفرعية المتبقية أدناه.__
ب(. البناء المؤسساتي: شهدت الجزائر ميلاد مؤسستين جديدتين في مقابل حلّ مؤسسة كانت قائمة من قبل على إثر اعتماد قانون ) 98 – 04 (، هي: إنشا "الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية"، الذي حلّ محلّ "الوكالة الوطنية للآثار وحماية المعالم والنّصب الّتاريخية"، المستحدثة عام ) 1987 (م، وذلك كمؤسسة اقتصادية ذات طابع تجاري، كما يُستشف من مضمون مرسومه الإنشائي، ومؤسسة إدارية غير مؤهلة حتّ لتسّيير جز من التّراث الأثري الذي كانت تشرف عليه "الوكالة" من قبل في حقيقة الأمر، ألا وهو جز التراث المحمي، واستغلاله، دون بقية مكونات ال تراث الأثري الأخرى، التّي تعاني اليوم المصير المبهم في غياب مؤسسة بديلة للعناية بها، والمحافظة عليها. و"المركز الوطني للبحث في علم الآثار" الذي باشر نشاطه بشكل فعلي منذ عام ) 2008 (م من غير أن تتّضح نتائجه، ولا دوره حتّ اليوم على الرّغم من تحلّيه بالصّبغة الأكاديمية من الوجهة القانونية، وبقا وصايته تحت وزارة الثّقافة بمفردها، دون إشراك وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي في ذلك، كما تقتضيه الأعراف الدّولية في هذا الشّأن؛ وبذلك فهو هيكل بلا روح.
ومهما كان من أمر، فالجزائر بحاجة ماسّة اليوم إلى إعادة هيكلة مؤسسات تراثها الثّقافي، وفق رؤية واعية، ومتأنّية، بعيدة عن ضغوط الظّروف باعتبار أنّ كلّ ما حصل في الجزائر حتّ اليوم، كان منطلقه دواعي الظّروف الآنية القاهرة، ومن ثمّ اقتراح حلول عاجلة، إمّا لتقديم حلّ استعجالي آني، سرعان ما تثبت التّجربة فشله، وإمّا تقديم مسكن ظرفي في إطار سياسة الهروب إلى الأمام، والقفز في أحضان المجهول.
ج(. التمويل: سبقت الإشارة من قبل إلى أنّ قانون ) 98 – 04 (، يسير بسرعتين مختلفتين، فمن جهة نجده يؤرّخ لعهد جديد، ألا وهو تحوّل الجزائر من سياسة الاقتصاد الموجّه )النّظام الاشتراكي( إلى سياسة الاقتصاد الحرّ، أو اقتصاد السّوق، القائم على المنافسة، والفعّالية؛ ومن جهة لم يؤسس لمبادئ الخوصصة بشكل واضح في مجال تسيّير التّراث الأثري، كإمكانية استحداث، وإشراك المؤسسة العلمية الخاصّة في مناقصات التّنقيب الأثري؛ أو استحداث مؤسسات اقتصادية، كمؤسسة "الدّيوان"، والإبقا في عملية تمويلها، وتسييرها على نظام الاقتصاد المخطط؛ وعدم التّفكير في تقنين إتاوات ورسوم على المرقين، والمستثمرين لتمويل مختلف نشاطات البحث الأثري، وتخصيصه بصندوق وطني مستقلّ، جزا على الأضرار، والأخطار التّي يجرّونها على الآثار في خضم إنجاز مشاريعهم التّنموية، والاستثمارية المختلفة، مثل ما هو الحال عليه في قانون البيئة مثلا.
أحد الأسباب الرّئيسية في فشل المؤسسات القائمة على أدا المهام المنوطة بها بصرف النّظر عن تسمياتها، وطابعها الوظيفي إن كانت ذات صبغة إدارية خدماتية مثل ما حدث مع "الوكالة" من قبل، أو مؤسسة اقتصادية تجارية، كما هو الحال جارٍ اليوم مع "الدّيوان"، أو حتّ مؤسسات أكاديمية، مثل ما هو الحال عليه مع "المركز" الآنف الذكر. فهذه المؤسسات المتنوّعة تتلقى ميزانية التّسيّير من خزينة الدّولة في مقابل محدودية مداخيلها الخاصّة، التّي لا تتعدى حدّ الرّمزية في مقابل افتقادها لميزانية البحث، أو النّشاط، وعزوف الدّولة عن تدبّر مصادر تموّيل أخرى، تخفّف عب التّمويل الثّقيل على عاتق الخزينة العامة، التّي لم تأخذه بعين الاعتبار أصلا.
وبذلك يمكن القول بأنّ السّياسة الوطنية المنتهجة في مجال حماية التّراث الأثري وتثمينه، تفتقد للتّمويل على الرّغم من أنّ قانون ) 98 – 04 ( قد نصّ في المادّة السّابع والثّمانين ) 87 ( منه على استحداث صندوق وطني لتموّيل عمليات التّراث الثّقافي بشكل عام، دون وضع له شبكة واضحة المعالم لتحصّيل مداخيله، ووجهات إنفاقها 9، الشي الذي جعل من مؤسسات القطاع حتّ اليوم، مجرّد مؤسسات خدماتية ذات طابع إداري بصرف النّظر عن العنوان البرّاق الذي تتقمّصه.
د(. المتابعة والرقابة: يبدو من صورة البنا المؤسساتي القائم بشكله المهلهل في مقابل اعتماد نظام إداري مرك زي، قائم على الارتجال في معظم الأحيان، بعيدا عن التّسيير العقلاني، والقرا اًت الاستشرافية المستقبلية للأوضاع الدّاخلية والخارجية، كلّها عوامل مساعدة على إلغا مثل هذه المؤسسات النّاجعة، التّي لا يوجد لها وجودا في بنية السّياسة الوطنية القائمة، والاستعاضة عليها بعمليات التّفتيش الصّوري، التّي عادة ما يقوم بها بعض إطارات الوصايا في بعض الميادين، دون بعضها الآخر، مثل تتبع وقائع الجرد في المتاحف الجزائرية، وتتبع عمليات استكمال مشاريع التّرميم، دون إمكانية تقييم هذه الأخيرة من النّاحية الفنّية على سبيل المثال لا التّخصيص والحصر.
4. مجال العناية بالتكوين البشري وتحسين أدائه الوظيفي:
هناك إفراط كبير فيما يبدو على مستوى مسألة تكوين الإطارات البشرية، وصقل خبراتهم الوظيفية بدورات تكوينية بين الفينة، والفينة الأخرى إلى درجة أنّ التّدرّج في المناصب التّقنية المتخصّصة كالانتقال من منصب "ملحق بالحفظ والإصلاح" إلى منصب "محافظ التّراث الثّقافي" بوصفها مناصب خاصّة بموظفي التّراث الثّقافي دون سواهم، لا تتمّ عن طريق الاختبار المهني الميداني الفعلي، وإنّما بالاعتماد على أساس المسابقة الإدارية، التّي جعلت من تلك المناصب المتخصّصة )محافظ للتّراث، ومحافظ رئيس، ومفتّش التّراث، وغيرها( مجرّد ترقيات إدارية، مفرغة من مضمونها المهني المتخصص .
وهو ما يؤكّد بوضوح ترسّخ مبدأ الظّرف الاستثنائي، الذي شهدته الجزائر عشية رحيل المتعاونين الأجانب بكثرة نهاية عقد ستينات القرن الماضي، قبل استكمال تكوين الإطارات الجزائرية على النّحو المطلوب، ذلك الظّرف الذي لم يعد له اليوم، أدنى مبرّر، كما هو مكرّس في القرار الوزاري المشترك المذكور، الذي لا يتحرّج من منح تلك المناصب الخاصّة مجّانا تحت غطا "الشّرعية الثّو رية" لأشخاص غير جديرين بها 11 ، وهو ما يكرّس مبدأ المحسوبية بشكل سافر، التّي لا تتماشى كما هو معلوم مع منطق اقتصاد السّوق، القائم على عامليْ الكفا ةً، والمنافسة الحرّة في هذا المضمار، وهو ما لا يُساعد البتّة على إعداد إطارات أكفا ،ً وتحسين مردودهم الوظيفي بالم رّة.
5. تحديات التراث الأثري الوطني في الوقت الراهن:
ومهما كان من أمر، يبقى أمام التّراث الأثري اليوم تحدّيات عديدة، لعلّ من أبرزها على الإطلاق ما يلي:
أ(. تحديات تقنية: تتمثل كما سلفت الإشارة من قبل في أولوية إنها عمليات الجرد الأثري لمختلف عناصره الثّابتة والمنقولة؛ وضرورة إنجاز الخريطة الأثرية الوطنية بنوعيها )الورقية، والافتراضية( في أقرب وقت ممكن. وهو في واقع الأمر عمل جبار يتطلّب رصد إمكانات مادّية معتبرة، وحشد طاقات بشرية كبيرة للعمل جنبا إلى جنب على مدار عقود طويلة باعتبار أن القطر الجزائري بوصفه اليوم أكبر بلد في القارّة الإفريقية من حيث المساحة بعد تقسيم السّودان مؤخّرا من جهة، وتأخّر الجزائر في هذا الشّأن عن الرّكب الدّولي بأكثر من نصف قرن بلا مبالغة من جهة ثانية.
ولو أنّ الوصاية على القطاع قد بدأت في الآونة الأخير بمباشرة بعض المجهودات المحتشمة، عبر قنوات "الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية" الذي شرع في تنفيذ محاولة تجريبية مع فريق أثري إيطالي، أفضى إلى مسح مساحات كبيرة من ولاية الطّارف سنة ) 2009 (، وولاية سوق أهراس سنة ) 2010 (، ونأمل بأن تتواصل العملية السنّة الجارية لإنها مسح ولاية جديدة ومن ولايات أقصى الشّرق الجزائري.
ب(. تحديات تنظيمية: فقد بيّنت الممارسات الميدانية بوضوح قصور التّشريع المتخصص المعمول به اليوم في توفير الحماية الكافية للتّراث الوطني، وعجزه عن مسايرة التّغيرات الحاصلة في هذا المجال على الصّعيد الدّولي، كاستحالة استيعابه ل "علم الآثار الإنقاذي" من قبل، و"علم الآثار الوقائي" اليوم، ممّا يتطّلب مراجعة دقيقة، وإعادة النّظر في أشيا كثير فيه، ليس هاهنا مكان لمناقشتها.
أضف إلى ذلك ثبوت فشل المؤسسات السّاهرة على ترقية التّراث الأثري وتثمينه ميدانيا، كما يمكن أن يُستنتج من بقائها "مؤسسات خدماتية ذات طابع إداري" على الرّغم من التّسميات البرّاقة المسماة بها أحيانا، التّي يفهم منها على أنّها مؤسسات تقنية عملية، وكذا كثرة تغييراتها مقارنة مع قصر عمر الدّولة الجزائرية المستقلّة نسبيا من جهة أخرى، ناهيك عن تداخل صلاحياتها فيما بينها، وبين المؤسسات النّاشطة معها في قطاعات أخرى على الصّعيد المحلّى.
ج(. تحديات التنمية الشاملة: وتتمثّل أساسا في الشّرخ العميق القائم بين السّرعة البطيئة جدا لتقدم الأبحاث الأثرية ميدانيا عبر مختلف أرجا التراب الوطني بالمقارنة مع نظيرتها سرعة المشاريع التّنموية، الجارية بسرعة الضّو ،ً شأن مشاريع قطاع الأشغال العمومية خلال المخطط الخماسي الفارط، والمخطط الخماسي القائم ) 2010 – 2014 (م، حيث عرف فتح ورشات كبيرة في مجال تحديث الشّبكة الطّرقية بالجزائر، مثل إنجاز مشروع الطريق السّيار "شرق – غرب"، والطريق السريع الآخر للهضاب العليا الذي هو في طور الإنجاز، والطرق السريعة الكبرى الرابطة ما بين الطريق السيّار والمراكز الحضرية لأربع وثلاثين ) 34 ( ولاية، والطرق الوطنية ال رابطة بين الشمال والجنوب، وكذا التحويل التّدريجي للطريق العابر للصحرا )طريق الوحدة الإفريقية سابقا( إلى طريق سريع .
وهي كما يبدو للعيان، مشاريع تنموية ضخمة من شأنها المرور على آلاف المواقع الأثرية المطمورة تحت سطح الأرض بصرف النّظر عن حجمها، وأهميتها التّاريخية والحضارية، وإمكانية إلحاق بها الضّرر، أو إتلافها بالكامل من غير أن يكون في المتسع فعل شي في ظلّ قصر نظر السّياسة الوطنية الرّاهنة، المنتهجة في مجال ترقية التّراث الأثري، وتثمينه.
د(. انعدام إستراتيجية واضحة المعالم في مجال وقاية التّراث الأثري وحفظه: حيث يُلاحظ على بٌنية السّ ياسة الوطنية في هذا المجال، نزوعها للتّكيف مع الأحوال الظّرفية، دون التّفكير بعمق في نظرة استشرافية تُقعدال تراث الأثري في موضعه الصّحيح من موضع بيئته العامّة، سبب استمرار الحلول التّرقيعية، القائمة بين الفينة والفينة الأخرى، والتّي لا تحلّ المشكل في واقع الأمر بقدر ما تُرجيه إلى فترة أخرى، وتعقيد معضلته أكثر، فأكثر ليس إلاّ.
خاتمــــة:
ما تمّ استنتاجه من خلال العرض السابق أن هذه السياسة الوطنية لم ترق بعد للمستوى التطلع، بحيث تركت أثرا واضحا على مصير التراث الأثري الوطني ، خاصّة أنّه وليومنا هذا لم تنته بعد من الإسراع في إنها الخريطة الأثرية الوطنية ، إضافة إلى تأخّر البحث الأثري في مجال التراث الأثري كالصيّانة والترميم، علم المتاحف ، الحفظ والوقاية، ومن هذا النطاق على الدولة الجزائرية مواكبة العصر خاصّة وأننا في عصر التطوّر الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تبنّيها لسياسة جديدة في مجال حفظ التراث الأثري وترقيته، وتحسين الأدا الميداني، و وضع نظم تشريعية جديدة تتشارك فيها مختلف المصالح من التهيئة الإقليمية ، مطويري العمران، والمعنيين بالمشاريع التنموية.
المصادر والمراجع
الرزقي شرقي، مبادئ أساسية لإرسا دعائم مدرسة وطنية في التّرميم، مقال منشور في مجلّة: دراسات تراثية، منشورات مخبر البناً الحضاري للمغرب الأوسط )الجزائر(، جامعة الجزائر، العدد ) 01 ،) 2007 .
الوكالة الوطنية للآثار وحماية المعالم والنصب التاريخية ، نصوص ونظم تشريعية في علم الآثار وحماية المتاحف والأماكن والآثار التاريخية، تقديم عبد الرحمن خليفة، الجزائر، 1991 . قانون 98 – 04 ، المؤرّخ في 20 صفر عام 1419 ، الموافق 15 يونيو سنة 1998 ، يتعلّق بحماية التّراث الثّقافي، في: الجريدة الرّسمية للجمهورية الجزائرية الدّيمقراطية الشّعبية، العدد 44 ، 1998 . الجريدة الرّسمية للجمهورية الجزائرية الدّيمقراطية الشّعبية، العدد 44 ، 1998 ، العمود 1 . قرار وزاري مشترك، مؤرّخ في 16 رجب 1431 ، الموافق 29 يونيو 2010 ، المحدّد لإطار تنظيم المسابقات على أساس الاختيارات والامتحانات والاختبارات المهنية، للالتحاق بالرّتب التّابعة للأسلاك الخاصة بالثّقافة"، في: الجريدة الرّسمية للجمهورية الجزائرية الدّيمقراطية الشّعبية، العدد 55 ، 2010 ، العمود 1 - 19 . المادة الثّالثة ) 03 ( من المرسوم الوزاري المشترك، المذكور آنفا، في: الجريدة الرّسمية للجمهورية الجزائرية الدّ يمقراطية الشّعبية، العدد 55 ، 2010 ، ص 11 العمود 2 .
وزارة الأشغال العمومية، خطة عمل وبرامج قطاع الأشغال العمومية، تقرير ملخص حصيلة البرنامج الخماسي ) 2010 – 2014 (، نوفمبر 2009 .
Loi N° 2001–44 du 17 Janvier 2001, relative à l’Archéologie préventive, Article 14.
Loi du 31 décembre 1913 sur les monuments historiques,In: Journal officiel de la république française, du 04 Janvier 1914.
Loi du 02 mai 1930 relative à la protection des monuments naturels et des sites de caractères artistique, historique, scientifique, légendaire et pittoresque, In: Journal officiel de la République Française, du 04 mai 1930.
Loi du 27 septembre 1941 portant réglementation des fouilles archéologiques, In: Journal officiel de la République Française, du 15 Octobre 1941.