البعد الجمالي للعمارة العثمانية بمدينة الجزائر

(دراسة معمارية أثرية وجمالية لجامع كتشاوة)

 

د.مليكة برواق

- جامعة وهران



ملخص
:


انتشرت المساجد بانتشار الاسلام وتنوعت عمارتها تبعا لتنوع المكان والزمان و الطراز ومدينة الجزائر كغيرها من مدن الحضارة الاسلامية والتي تضمنت في احضانها منذ اولى الفتوحات مساجد عتيقة تدون دون تفاصيل مرحلة من تاريخ المدينة الممتزج بين الأمازيغية والعروبة والإسلام والتي اضطلعت بدور مهم سوا في المحافظة على الهوية الوطنية الاسلامية أو نشر الوعي بين السكان لمحاربة الاستعمار قديما، منها ما اصبح أطلالا وشواهد ومنها ما هو قائم يستغل لحد الآن .

يعتبر جامع كتشاوة بمدينة الجزائر من بين شواهد العصر على التاريخ المشرق للعمارة الاسلامية وفي هذا المقال نتطرق بالدراسة والوصف والتحليل من الناحية المعمارية والاثرية والفنية والزخرفية.

الكلمات المفتاحية: العمارة، المساجد، العثمانية، كتشاوة، الزخارف، الاصالة .

عمارة المساجد العثمانية:

تعتبر طرز المساجد العثمانية في بدايتها حلقة اتصال بين الطراز السلجوقي في القديم والطراز العثماني الجديد والذي ظهر بعد فتح القسطنطينية ،بعدها تأثرت عمارة المساجد بالعمارة البيزنطنية في القسطنطينية وأوضح مثال لها هو مسجد )ايا صوفيا( الذي كان كنيسة بناها الامبراطور الروماني )جستنيان(، ولكن بعد فتح العثمانيين لهذه المدينة حولو هذه الكنيسة الى مسجد واضافوا لها مآذن منبر ومحراب.. ليصبح مسجد اية صوفيا اساسا او نموذجا للمساجد العثمانية التي انشأت فيما بعد .

فيعتبر الطراز العثماني استمرارا للطراز السلجوقي مع اقتباسات كثيرة من الطراز الإيراني ،وقد تكون هذا الطراز اثنا توسع العثمانيين في آسيا الصغرى من خلال النصف الثاني من القرن الثالت عشر ،وعندما استولى اروخان على بروسة ونقل اليها عاصمة الدولة العثمانية الناشئة ،اخدت خصائص الطراز العثماني المميزة تتجلى في سلسلة المساجد التي انشأها العثمانيون في عاصمتهم الجديدة وما دخل في طاعتهم بعد ذلك من المدن والعواصم الاخرى ،حت اذا فتح الاتراك القسطنطينية وجعلوها عاصمة دولتهم تجلت هذه الخصائص بصورة واضحة ،وظهر الطراز العثماني بخصائصه الفائقة ابتدا من النصف الثاني من القرن الخامس عشر ميلادي .

وقد بلغ تطور الهندسة المعمارية العثمانية قمته في القرن السادس عشر من حيث كمال الطراز والبنا علي يد المعمار )سنان( المتوفى سنة ) 1578 ( م وقد طبع عصرا كاملا بطباعه. و مدينة الجزائر من المدن الجزائرية التي مازلت تحتفظ في بعض أجزائها بطابعها العمراني المعماري المميز لما تحويه من آثار إسلامية قائمة ترجع الى فترات تاريخية مختلفة، وتشتهر المدينة بمساجد مميزة من حيث الصنع والهندسة والزخرفة أي ذات فن معماري عثماني دقيق ولأن الاتراك كان وا مولعين بإنشا المساجد حفاظا على الهوية الإسلامية فلا غرابة أن نرى اهتمامهم البالغ والرائع بتزيين المساجد ، فللمساجد العثمانية بمدينة الجزائر حضور ديني وإن جمال العمارة الاسلامية يشدك فيها الحنين الى زمن القوة والرخا ،وهي مساجد ذات قيمة تاريخية عظيمة وتراث معماري رفيع . لقد احتوت معظم الجوامع على المحراب والمنبر والصومعة وقناديل الإضا ةً والما للوضو )أو الميضات( كما ان الفرش تختلف من جامع إلى آخر الى درجة ان بعضها يتسم بالغنى بحيث كانت تطرز بالحرير المذهب واستعمال الزرابي نادرة القيمة ،وفي بعضها كانت مجرد حصير وسجاد متواضع .... 

جامع كتشاوة: موقعه وتاريخ إنشائه:

جامع كتشاوة أحد عناوين الإسلام بطابعه المعماري العربي الاسلامي ،وأشهر المساجد العتيقة بالعاصمة ،وهو معلم عايش أو واكب حقبا تاريخية عديدة مما يجعله معمارا مقاوما للزمن وقهره وسمي كتشاوة نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة وهي سوق الماعز̽ . ويغد مسجد كتشاوة في قلب العاصمة الجزائرية القديمة من المساجد التي تصارع الزمن رغم مرور قروون من تشييد هذا المعلم الاسلامي ليبقى أحد المعالم التاريخية الراسخة في الجزائر وأقدمها في الحي العتيق المعروف بالقصبة الذي يحفي بياناته المتشابكة ضروحا عريقة قاومت الحروب والزلازل لقرون وظلت شاهدا حيا على تعاقب الكثير من الحضارات عليه لاتزال بصماتها شاهدة للعيان حت يومنا هذا . 

تاريخ الانشاء الجامع :

لا نكاد نعرف بالضبط اعتمادا على أقدم الوثائق تاريخ إنشا المسجد سوى ما تذكره أقدم الوثائق المتعلقة به والتي تعود إلى سنة 1020 ه 1612 م ،وكانت تشرف على تسييره مؤسسة سبل الخيرات ،أعاد بنائه الداي حسن باشا سنة 1209 ه ( 1794 - 1795 م( حيث قام بتوسيعه وتزيينه بالرخام على نمط مسجد السيدة ،فيعد من أجمل مساجد مدينة الجزائر من حيث النقوش وطراز العمارة 1 . لكن ما يمكن أن نلاحظه في إحدى اللوحات الخاصة بمدينة الجزائر والتي رسمت فيها جميع أجزا المدينة ولم تشر إلى اسم مسجد كتشاوة ،مع العلم أن تلك اللوحة مؤرخة ب 1569 م ومع ذلك فلا نعتقد بأن المسجد قد بني في سنة 1794 فهايدو" الذي زار الجزائر سنة 1581 لا يذكر مساجد الجزائر الهامة في القرن 16 الا اثنين فقط هما مسجد القشاش الذي أنجز سنة 1579 م ومسجد خضر باشا المنجز في سنة 1596 م ولكن من جهة اخ رى قدر عدد المساجد بالمدينة بأكثر من مئة مسجد وقد يكون مسجد كتشاوة من بينها ،مما جعل عمل الداي جسن باشا عملا تجديديا فقط للمسجد سنة 1794 م 2 .

التجديد:

وتوجد في المتحف الوطي للآثار القديمة لوحة تذكارية تبين تاريخ تجديد هذا المسجد من طرف حسن باشا، وهي لوحة مستطيلة الشكل كتبت باللغة العربية بخط الثلث وبأسلوب الحفر الغائر المملو بالرصاص، جا تً الكتابة على شكل أبيات شعرية في سطرين مجزأين داخل معينات ، وقد جا في نصها ما يلي:

حبذا جامع يرام بالمنا من مبلغ القصد وتبسم بروق الختام من أفق العهد

بناه سلطاننا الرضي عظيم القدر حسن باشا بالبها عديم المثل والند

قد أفت لتشييد أساسهاعلى التقى ثقل فخاره من مال تجل عن العد

وحاز بهجة لدى الناظرين أرخ لما كملت كالسعد وباليمين والمجد

 

شكل 1 لوحة تذكارية لجامع كتشاوة سنة 1209

1 1 1

 

 

تحليل محتوى نص الكتابة:

إذا ما أمعنا التأمل في هذه الأبيات جا تً هذه الأبيات مسجوعة فآخر كل بيت ينتهي بحرف الدال، وقد اشتملت على بعض الأخطا . هذه الكتابة تفيدنا أن هذا المسجد من المساجد الجامعة التي تقام فيها صلاة الجمعة ولأعياد إضافة إلى الصلوات الخمس، أو ما كلمة بناه ففيها إشكال ن وعا ما لأن الجامع قد كان موجودا قبل التاريخ وربما يكون قد أعاد بنا هً كاملا، وقد أنفق عليه كما تدل الكتابة أموالا طائلة تجل عن العد حت أصبح منظره يبهج ويعجب كل من رآه، وقد كان هذا التجديد سنة 1417 ه الموافق ل 1794 1795 م. 1

 

بطاقة فنية للوحة 2 :

طبيعة اللوحة: لوحة تسجيلية

طبيعة الكتابة: كتابة تذكارية لجامع كتشاوة

المقاسات: ط: 21cm ، ع: 27cm ، س: 10cm

المادة: الرخام

نوع الخط: خط الثلث

تقنية الصنع: الحفر الغائر المملو بالرصاص

عدد الخراطيش: ثمانية

عدد الأسطر: سطرين

التاريخ: 09 12 ه / 1794 1795 م

مكان الحفظ: المتحف الوطي للآثار القديمة

 

تحويل المسجد إلى كاتدرائية:

جا المستدمر الفرنسي إلى الجزائر بالقوة سنة 1830 وبالقوة نفسها جا تً حركة التنصير ،فأول ما باشرت به قوات المستعمر عند احتلالها للجزائر محو كل أثار الهوية الجزائرية وهو الأمر الذي أدى إلى تهديم المعالم الإسلامية لتحل محلها معالم نصرانية ،ويعد مسجد كتشاوة أحد هذه المعالم الاسلامية التي لم تبال فرنسا في انتهاك حرماته المقدسة وقد اقتحم الفرنسيون المسجد بقوتهم الغاشمة وقتلوا فيه عددا كبيرا من المصلين ،وأما مكان المسجد فقد أقيمت بدله كاتدرائية عرفت "بسان فيليب" وأقيمت فيه أول صلاة نصرانية ليلة عيد المسيح ليلة 24 ديسمبر 1832 م ويقول A Devoulx عن جامع كتشاوة ما يلي:

"Ce n’est pas sans un sentiment de regret que j’ajoute que nous sommes empressée de faire disparaitre ces deux charmants et élégants produits de l’architecture algérienne d’autant plus précieux à conserver qu’ils étaient uniques dans leurs genre1"

بعد الاستلاء على الجامع تم تحويله من طرف القائد الأعلى للقوات الفرنسية الجنرال " الدوق دوروفيغو"إلى إسطبل بعد أن قام بإخراج جميع المصاحف الموجودة فيه إلى "ساحة الماعز" المجاورة على قرار تحويله الى كنيسة وهو يردد "يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبد إله المسحيين ،وهو ما حصل يوم 18 ديسمبر 1832 أي 5 أشهر فقط بعد احتلال الجزائر ، وأطلق على الجامع الذي أصبح كاتدرائية اسم "القديس فيليب " 2 ويذهب "ديفوكس" إلى أن السلطات الفرنسية قد أعطته إلى الديانات الكاثوليكية بعد سنوات قليلة من الاحتلال ،ويضيف أنه قد هدم تماما شيئا فشيئا نتيجة التعديلات المتوالية التي أدخلت عليه لجعله كاتدرائية وأضاف أن العرصات فقط هي التي نجت من الهدم في هذا الجامع الجميل ،وهو عمل في نظر ديفوكس كان محل أسف هواة الفن المعماري الأهلي ،وكل من تناول وصف الجامع يعترف بجماله وسعته وصحته لأن تجديده جرى قبل الاحتلال بأقل من أربعين سنة ،ومع ذلك فإن الفرنسيين هم الذين يصفون المسلمين الجزائريين عندئذ بالتعصب 3 .

وعند استقلال البلاد سنة 1962 م ارادت الدولة الجديدة التعبير عن نهاية الكولونيا لية والمسيحية من خلال التأكيد على ضرورة استرجاع الهوية المسلمة للبلاد، فتجسدت أول التدابير السياسية التي أقدم عليها الحكام الجزائريون في اس ترجاع المساجد العثمانية القديمة كجامع كتشاوة وغيره من المساجد التي حولت إلى كنائس مع بداية الاحتلال الفرنسي ،ليتم هكذا تحويل المعابد اليهودية والكنائس̽ إلى مساجد من جديد 4 .

وعليه فإن اعادة تملك هذا المكان من قبل السلطات الجزائرية للاحتفال بتاريخ أول نوفمبر 1962 م يحيل الى رهانات جد رمزية ،ومن هنا أصبحت الكاتدرائية الكبيرة لمدينة الجزائر - بشكل رسمي – جامع كتشاوة وذلك اثر تصريح علني لوزارة الاوقاف الجزائر ، 5 عندما استرجعت الجزائر هذا الصرح التاريخي فعاد إلى وظيفته الطبيعية وأصبح مسجدا من جديد وأقيمت فيه أولصلاه جمعة وكان خطيبها العلامة البشير الإبراهيمي

الدراسة المعمارية :

أ- الوصف الخارجي :

كان جامع كتشاوة مربع الشكل ومحاطا بعدد كبير من الأسوار الرخامية الدائرية الضخمة وكان مدخله الرئيسي في شارع الديوان عكس ما هو عليه اليوم، حيث تزينه باب ضحمة خشبية صنعها اكبر فناني حرفة النجارة العاصمية آنذاك وامين نقابة النجارين المعلم البلاتشي )البلاطشي (احمد بن البلاطي وزين الداي حسن الشارع المقابل للباب الرئيسية للجامع بحديقة جميلة ونافورة مياه من طراز تلك التي تزين وسط ديار وقصور القصبة ،لكن لا الباب بقيت ولا الحديقة ولا النافورة صمدت أمام همجية الجرارات الفرنسية لذلك لم يبقى من كتشاوة الاصل الذي بناه بابا حسن سوى بضعة سواري رخاميةوباب النجار البلاطشي ،وهذا الباب موجود حاليا في المتحف الوطني للآثار لمن يرغب في رؤيته. 1

كان جامع كتشاوة ذو مدخلين أحدهما أمامي مفتوح على ساحة )مالكوف( أي جنب قصر الشتا الذي يؤوي اليوم مركز الشؤون الثقافية لوزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية أما ثاني المدخلين فهو خلفي من جانب نهج الديوان Rue de Divan وكانت توجد هناك ساحة صغيرة شكلها مربع منحرف تقوم من إحدى زواياها منارة الجامع , وسمي مسجدا النسا لأن في داخله أروقة كبيرة تشرف على الردهة خصصت للنسا المصليات وتسمى تلك الأروقة في الجزائر )السدة( وهي تحيط بالردهة كلها وتبلغ 65 مترا في الطول و 30 في العرض 2 .

ب- الوصف الداخلي :

حجرة الصلاة: التي يوجد قسم منها في الحجرات المقوسة يبلغ طولها 24 مترا وعرضها 24 مترا وهي تشمل ساحة مركزية مربعة طول ضلعها 11،5 م مغطاة بقبة مثمنة الأضلاع وأروقة تساير الواجهات الأربعة في الجهة المقابلة الجدار القبلة أي رواقين وفي الزاوية الجنوبية للمسجد ترتفع المنارة المربعة دون شك ،غير أن الاحتلال الفرنسي قد غير كل هذه المعطيات ،إذ أن الديانة المسيحية كانت العماد الإيديولوجي للاحتلال. 3

وتقوم بيت الصلاة على ستة عشر عمودا ويوجد منها ستة محفوظة في المتحف الوطني للآثار القديمة ، كما توجد فيه سدة كالعادة في المساجد الحنفية كالجامع الجديد وجامع صفر، وقد ذكر الزياني هذه السدة فقال: " ... ومامه كشك يجلس به المؤذنون أ وهل الألحان والقرا اًت، ومن له وظيفة بالمسجد كالموقت والراوي لحديث الإنصات...

القبة :

وتقوم القبة الكبيرة في وسط بيت الصلاة على أربعة دعائم ضخمة تبتعد كل منها عن الأخرى 11,5 مترا وهذه الدعائم تحمل عقودا مستديرة ترتفع فوقها قبة ذات ستة اضلاع. 1 وقد سمح اتجاه هذه العقود المختلف لحمل القبة المركزية للمسجد والتي كان يبلغ قطرها 12 مترا وهي بذلك تختلف عن الطراز المعروف في مباني الجزائر إبان العهد العثماني والمتمثل في مل المثلثات الركنية بشكل مائل بل عمد البنا الى بنا تلك المثلثات بخط شاقولي ، زخرفت أيضا جدرانهما بنفس الخطوط المشعة ،وملئت الفراغات المتمثلة بين العقود بزخرفة الرقش العربي )الأرابيسك( ومن هنا كان شكل تلك العقود شكلا مستديرا تماما عليه تقوم القبة المركزية للمسجد . 2

وقد أعجب الزياني بهذه القبة كثيرا، ويقول في وصفها: << وجعل لهذه القبة سراجيب بأنواع البلور الذي لم ير في عصر من العص ور يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ودار بهذه القبة قبب على شكل منمق كأنهن جدول موفق من ثنائي ورباعي وخماسي وسداسي وسباعي، ومقربص ومشجر، وقاطع ومقطوع ومسطر، وداخل وخارج وبخاريات وقصاعي وأنصاف ترنجيات، وفوق ذلك من الأسباغ كل لون غريب... وكتبوا أسما الله وآياته أ وأنبيا الله وخلفائه تعظيما بالذهب الأبريز الصيان، وليس الخبر كالعيان، أ ودار بهذه القبة شدروانا من العود مموه بأنواع الأطلية الفائقة بالألوان.. 3

المحراب :

دخل المحراب̽ عمارة المساجد ، وارتبط بها ارتباطا وثيقا الى درجة أننا لا نعثر على مسجد بدون محراب خاصة وهو العنصر الدال على اتجاه القبلة إضافة الى تجويفه الذي يساهم في التقليل من المساحة التي يأخذها الإمام أثنا الصلاة كما أنه مضخم لصوت الإمام أثنا قرا تًه في الصلاة ،كما أخذ هذا العنصر المعماري سمة الشرف والسمو والرفعة ،وتنوعت مادة بنائها حيث بنيت من الحجارة تارة ومن الجص و الخزف الفسيفسا والخشب تارات اخرى. 4 وظهر في العصر العثماني أسلوب عمل المحاريب المجوفة من صفوف المقرصنات أصبح هذا الأسلوب هو السائد في عمائر هذا العصر 5 .

المنبر:

فالمنبر هو منصة من حجر أو خشب، تتسع لوقوف وجلوس الخطيب، وتقع قرب المحراب، تعلوها قبة صغيرة أو جوسق، ويصعد إلى المنبر ب درج له درابزين على جانبيه وباب بمصراعين في الأسفل، تعلوه شرفات تحملها صفوف من المقرصنات ويتعامد مسقط الدرج مع جدار القبلة. 1وأما المنبر فح د ث عن حسنه ولا حرج فه وآية في فن النقش لا نظير لها يزين جوانبه أصناف من الرخام الرفيع، وقد وصفه الزياني قائلا: << وجعل لهذا المسجد منبرا من الرخام الشفاف مؤلف من سبعة أصناف، من مرمر وجزع، وزبرجد وودع وفيروزج وفاروز، كأنه اللوا المشروز، أب دع فيه كل خارط صنعة الخرط، كول ناقش زاد على الشرط وكل مسطر حقق ما سطر، كول مشجر أبدع فيه ما شجر، فهو كالأمير ا ولتاج على رأسه.. 2

المئذنة :

تمثل المآذن العثمانية تطورا للمآذن السلجوقية في آسيا الصغرى حيث حرص المعماريون الأوائل في ذلك العهد على جعل المئذنة أسطوانية متوسطة الارتفاع تتكون من بدن يمتد حت الشرفة الأولى ثم يرتفع البنا مرة اخرى دون سلم خارجي حت تصل المئذنة إلى الارتفاع الذي راه المعماري مناسبا ثم ينهيها بمخروط ، وأغلب مآذن السلاجقة ذات بدن مستدير منها ما هو مضلع ذو ستة أو ثمانية اضلاع تحت مظلة ، وقد تفنن المعماري في عملية التضليع وغالبا ما يك ون لها شرفة واحدة تقع بنهايتها. 3

وأما عن المكونات العامة للمآذن العثمانية والتي أستلهم العثمانيون شكلها عن المآذن السلجوقية ونشروها في كافة البلاد التي فتحوها فقد تطورت هذه المكونات بشكل ملحوظ حيث تميزت المآذن العثمانية بالارتفاع الشديد ودقة النسب ولقد اصبحت المآذن العثمانية مند ظهورها في منتصف القرن 9 ه / 15 م من أهم معالم الحضارة العثمانية حت غدت تقليدا تتميز به وينبغي الالتزام به. 4أما المئذنة التي لم يعد لها الآن أثر فقد كانت من الطراز المغربي أي على شكل مربع.

الدراسة الفنية والجمالية:

نعنى في هذه الناحية بدراسة الجانب الفني والجمالي وكيفية استغلال العناصر الزخرفية منها الكتابية والهندسية والنباتية للمسجد .

أ- العناصر النباتية :

تقوم الزخرفة النباتية او ما يسمى فن التوريق على زخارف مشكلة من اوراق النباتات المختلفة والزهور المتنوعة ،وقد هرت بأساليب متعددة من افراد ومزاوجة وتقايل وتعانق...وفي كثير من الأحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ومتناظرة. تتكرر بصورة منتظمة . 1 وإذا ما حاولنا أن نصف الزخرفة النباتية فإنها إقتصرت على الزخرفة الرقشية المحورة عن الرقش العربي الأصلية إلى الرقش المتطور على يد الفنانين الشرقيين خاصة في الشرق الادنى والذي له تأثيرات من الطراز الا وروبي الحديث هذا ويمكن أن نضيف بأن الزخرفة النباتية التي كانت على المربعات الخزفية المزدانة بأزهار القرنفل في معظمها ،وأوراق الخرشوف البري والمعروفة في الفن الكلاسكي بورقة الاكانتس )الاقنشة( ازهار الزنابق في بعض الأبدان المتصلة بأسافل القباب . 2

ب- العناصر الهندسية :

اعتمدت الزخارف الهندسية على المربع و المثلت والدائرة لكي تكون الأساس الذي تقوم عليه جميع الزخارف الهندسية واشتهرت النجمة الاسلامية المتعددة الأضلاع والمتفرغة. وما نتج حولها من وحدات وتقسيمات مختلفة في المساحة، وكذلك يعتمد في الأصل على خطوط هندسية بسيطة ،يتضح منها إلمام الفنان المسلم بعلم الهندسة لأن الزخارف الهندسية تعتمد على قياسات دقيقة للأطوال والزوايا في الأشكال الهندسية المختلفة . 3

ت- العناصر الكتابية :

فيما يخص الزخرفة الكتابية فإنها ت وزعت في أماكن كثيرة من المسجد ،فوق جبهة المحراب وجدران المسجد المختلفة ،وعلى أبدان الشمسيات )القمريات( المخرمة ، وقد جمع كولان مجموعة لابأس بها من الآيات القرآنية ، وجمل التمني والتهليل والترحيب والتبريك .تراوحت خطوطها بين التجويد الأنيق للكتابة وبين الاعوجاج ،غير انه يغلب علي الزخرفة الكتابية نمط الثلث والثلثي الجلي ،والتي مازال البعض منها في متحف الأثار القديمة بحديقة الحرية . 4

ومن الآيات القرآنية التي كتبت في المسجد فكان منها ما يلي: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بما صَبَرْتُمْ فَنعْمَ عُقْبَى الدَّار" 5 كلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَريَّا الْمحْرَابَ وَجَدَ عنْدَهَا رزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنىَّٰ لَك هَٰذَا قَالَتْ هُوَ منْ عنْ عند اللّه إنَّ اللَّهَ يرَزُقُ مَنْ يَشَاء بغير حسَابٍ ﴿ ٣٧ ﴾ 6 هاتان الآيتان حفرتا فوق جبهة عقد المحراب وهناك مجموعة اخرى من الآيات القرآنية ،منها على الخصوص الآيتان الأولى والثانية من سورة الفتح .وجمل الترجي وطلب الخبير والتهليل 7 .

 

خاتمة :

وفي الأخير نصل إلى القول أن جامع كتشاوة يمثل تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها، ذو طابع معماري أصيل وإن المشاهد لهذا المعلم التاريخي يكتشف تعاقب الآثار التي مرت عليه من بنائه إلى يومنا هذا. ونابع من تفاعل الإنسان مع بيئته من حيث التصميم ومواد البنا ،ً ولكن مع عوامل الزمن أصبح من الضروري ترميم المسجد العتيق بإشراف خبرا أتراك اذن أعمال ترميمية مختلفة يشهدها الجامع من الداخل والخارج ،لإعادة رسم وجه هذا الصرح التاريخي، ويبقى جامع كتشاوة من أبرز وأروع المعالم الأثرية التي تحتضنها القصبة. والتي تعتبر إمتدادا للحضارة العثمانية في الجزائر.

 

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي ،ج 1 ( 1500 - 1830 ( . دار الغرب الاسلامي ،بيروت ،ط 1 . 1998 .

أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي 1830 .- 1954 .ط 1 .ج 5 . دار الغرب الإسلامي. بيروت. 1998

أمير يوسف ، إسهامات الدايات في وقف المساجد بمدينة الجزائر ) 1671 - 1830 ( مجلة الدراسات التاريخية ،كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة الجزائر 2 ،العدد 14 2012 .

بدر عبد العزيز محمد بدر، العمارة الإسلامية بقبرص )دراسة أثرية حضارية(، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، قسم الاثار الاسلامية ، 2007 .

بن شامة سعاد، المنشآت المعمارية الاثرية بمدينة البليدة رسالة ماجستير . جامعة الجزائر. 2008 - 2009

بوشوشي الطاهر ،صفحات من تاريخ جامع كتشاوة ، مجلة الاصالة عدد 14 / 15 قسنطينة الجزائر

بوزرينة سعيد، المنشآت الدينية المؤرخة بالكتابات التأسيسية بمدينة الجزائر خلال العهد العثماني، رسالة ماجيستير، إشراف بن بلة خيرة، الجزائر، 2010 / 2011 م

حمادي حميد ، التجربة الجمالية للفن الاسلامي بالجزائرا،لمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ،الجزائر 2014 .

الزياني أبولقاسم، الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، تحقيق وتعليق عبدالكريم، الفيلالي، دار المعرفة للنشر والتوزيع الرباط طبعة 1991 م

دليلة صنهاجي خياط ،المساجد في الجزائر أو المجال المسترجع ،مدينة وهران نمودجا ، انسانيات ،المجلة الجزائرية في الانثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية عدد 33 مجلد ) 15 - 3( كراسك وهران 2011

سعيد محمد حاج، مساجد القصبة في العهد العثماني تاريخها ودورها وعمارتها ،رسالة ماجستر في العلوم الاسلامية ،اشراف عبد العزيز سهي جامعة الجزائر 2014 / 2015

الشرقاوي داليا احمد فؤاد ، الزخارف الاسلامية والاستفادة منها في تطبيقات زخرفية معاصرة، رسالة دكت وراه إشراف فريال عبد المنعم شريف، جامعة حلوان كلية الفنون التطبيقية قسم الزخرفة، 2000 م

عبد الفتاح احمد كمال ، انواع المساجد ،مجلة البنا السعودية العدد 01 سنة 1980

عقاب محمد الطيب ، لمحات عن العمارة والفنون الاسلامية في الجزائر، سلسلة علوم واثار ديوان المطبوعات الجامعية ،الساحة المركزية بن عكنون الجزائر 1988 .

غالب عبد الرحيم ، موسوعة العمارة الإسلامية، الطبعة الأولى، جروس برس، بيروت 1988 .

فوزي سعد الله ، قصبة الجزائر الذاكرة الحاضر والخواطر ،دار المعرفة ،الجزائر ،بدون طبعة وبدون تاريخ النشر.

فويال سعاد، المساجد الاثرية ،المساجد الاثرية لمدينة الجزائر ،دار المعرفة نالجزائر .

مؤنس حسين المساجد، عالم المعرفة، عدد 37 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1981 .

Devoulx, A., Les édifices religieux à Alger ; revue Africaine société historique Algérienne 1861.

جريدة نورت ) https://www.nawaret.com تاريخ الاصدار 09 / 10 / 2016(

جريدة البيان ) http :www .albayan.ae /supplements /ramadan/sites/2012-07-21 )

تاريخ الاصدار 09 / 10 / 2