الاستعمار والحرب والعنف الممارس ضد المرأة
د.سعاد زبيطة
كلية الآداب و العلوم الإنسانية القنيطرة-المغرب
تمهيد
يقترن التاريخ الاستعماري والحربي عادة بالاعتداء والاضطهاد والعنف ضد شعوب المستعمرات، تتساوى المرأة فيه مع الرجل في التعرض لهذا التعسف والقمع، بل كثيرا ما يكون نصيب المرأة من العنف أكثر. فإلى جانب العنف السياسي والاقتصادي عانت المرأة عالميا من العنف الأخلاقي والجنسي، المندرج تحت مفهوم "هتك العرض" كجسد أنثوي يستهدف جنسانية النساء كمواطنات أصليات في مختلف المستعمرات، وهو ما لم تنتبه إليه الكثير من الدراسات أو تجاهلته خجلا من ذكر تلك الحوادث.
فكيف كان تأثير اللقاء الاستعماري والحربي على النساء؟ هل كان الاستعمار ومعارك الحروب رفيق بهن؟ وهل كان العنف الممارس ضد النساء يختلف عن العنف ضد الرجال؟ وما موقع هذا العنف من المشروع الاستعماري المتقدم به ل "تحديث" و"تحضير" الشعوب المستعمرة؟ وماهي الإجراءات والمواقف الدولية المتخذة ضد هذا العنف؟
هذه هي الأسئلة التي تؤطر هذا المقال، والتي تدفعنا إلى البحث والتنقيب عن أشكالالعنف الممارس على المرأة زمن الاستعمار.
- سياسة الجرائر الجنسية
لقد استند مشروع الاستعمار في سياسته التوسعية على العنف، هذه الكلمة التي تحمل دلالات متعددة، فهي في اللغة اللاتينية""Violenceتعني شدة وقهر وإكراه، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية"Vis"، أي القوة في شكلها الفيزيقي الملموس التي تمارس ضد شخص ما أو شيء ما، ومن معانيها ممارسة القوة الجسدية بهدف الإضرار بالغير، وفي اللغة العربية حسب تعريف ابن منظور "إنه الخُرقٌ بالأمر وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق... وأعنفه وعنفه تعنيفا، وهو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره، واعتنفالأمر: أخذه بعٌنفٍ. وفي الحديث: "إن الله تعالى يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، هو بالضم الشدة والمشقة وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله". وهو زمن الاستعمار والحرب سلاحا وركيزة أساسية لقهر شعوب المستعمرات وإذلالهم وردع مقاومتهم.
ومهما يكن من تزييف وتجميل للتاريخ، فقد كرس النظام الرأسمالي الاستعماري الذكوري مفاهيم العنف في مختلف أشكاله من قتل، وإبادة، وتجويع وتعذيب، وأسر، وبتر الأعضاء، وإحراق البيوت والحقول، وتهجير وغيره، إضافة إلى أبشع أشكاله مما عانته نساء المستعمرات من اغتصاب والاتجار بالنساء واعتداء جنسي كسلاح حربي وتدميري نفسي وجسدي، بل عملا عدوانيا لتعميق العار ضد شعب أعزل ضعيف. ويكفينا من موقعنا بتونس الاستشهاد بمعاناة نساء المغارب في بداية القرن التاسع عشر والقرن العشرين من اضطهاد التوسع الإمبريالي، حيث كانت معاناة الجزائريات أكثر قساوة ببشاعة استعمارهن "الضرب والسجن، والقتل، والتهجير، والتعذيب، والتجويع، والتمثيل بأبنائهن على مرأى منهن، والإجهاض القسري، وبقر بطون الحوامل وبتر أعضاء من أجسامهن. كما عانين من أبشع وسائل جرائم الحرب لصورة المؤنث باغتصابهن، اغتصاب جنسي، فردي وجماعي أمام الأهل. بمعنى أنه لم يكن اغتصابا لإشفاء رغبة جسمانية جامحة، وإنما غالبا لإرواء غضبٍ عدائيٍ تجاه "الآخر" الذي يحاربه، وإرضاءً لغرور الأقوى تجاه الأضعف لتحقيره وإذلاله ونزع إنسانيته عنه.وكثيرا ما كان يتم كهربة وطعن النساء في أعضائهن التناسلية بأسلحة فتاكة، وهو ما عبرت عنه إحدى مؤسسات كتلة النساء من أجل السلام بقولها: "يغتصب العدو ليس من أجل المتعة الجنسية لأنهم في بعض الأحيان يستخدمون أسلحتهم بدلاً من أعضائهم الجنسية. وتُغتصب النساء أمام أفراد أسرهن. وفي بعض الأحيان، يجبر المقاتلون الآباء على اغتصاب بناتهم"
وهواغتصاب لمجتمع بأكمله في شرفه وعرضه، أجبره وأجبر المرأة على الدخول في علاقة فظة مع المستعمر. "وفي هذا يقول مونتنياك: أن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء: نساء وأطفالا ومواشي، يخطف النساء، "نحتفظ ببعضهن كرهائن ونستبدل بعضهن بالجياد، ثم نبيع الباقيات منهن بالمزاد العلني باعتبارهن حيوانات لنقل الأحمال"، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط. ويروي الضابط المراسل تارنو: "لقد أحرقنا كل شئ، ودمرنا كل شئ...آه من الحرب!! كم نساء وأطفال هربوا منا إلى ثلوج الأطلس ماتوا بالبرد والجوع". ويضيف قائلا: "النساء والأطفال اللاجئون إلى أعشاب كثيفة يسلمون أنفسهم لنا، نقتل، نذبح، صراخ الضحايا واللاقطين لأنفاسهم الأخيرة يختلط بأصوات الحيوانات التي ترغي وتخور كل هذا آت من سائر الاتجاهات"([1]). ومن جهة أخرى نجد العديد من الروايات تؤكد أن النساء اللائي كن يقعن في أيدي هؤلاء الجنود لا يستطعن أن يهربن من قدرهن المحتوم. وكثيرا ما كان يتم توثيق هذا العنف وهذه الممارسات الوحشية بالصور.
لقد تعرضت المرأة الجزائرية أكثر من غيرها لعمليات التنكيل والتعذيب، لكن هذا لا يعني أن التونسية والمغربية كانتا في وضعية أحسن، بل عانتا من نفس الاضطهاد وبدرجات متفاوتة فرضتها عليها طبيعة الاستعمار في القرية كما في المدينة، وفي الجبل كما في السهل. والواقع أننا حيث نجد الاستعمار نجد تقريبا نفس الأساليب، وسواء بحثنا في الجزائر أو في تونس أو المغرب أو غيرهم، نجد العمل الاستعماري واحدا يرتكز على الاستغلال والعنف والوحشية. وهذا ما تعكسه جرائم فرنسا الغير الإنسانية ولا أخلاقية في حق الجزائر وبعدها تونس من اغتيال، وتهجير، ومصادرة أراض واغتصاب النساء، وهو ما اعتبره الجنرال غارباي القائد الأعلى للجيوش الفرنسية بتونس: جزء من الفلكلور التونسي. وهو اصطدام بدأت رحلته في المغرب مع معركة إسلي 1844 وحرب تطوان 1945، لتنطلق في مختلف أجزاء التراب المغربي وتتعمق أكثر مع فرض الحماية سنة 1912، هذه السنة التي شهدت عملية تقتيل وإبادة لساكنة مدينة فاس، والتي لم تميز فيها بين العسكري والمدني، ولا بين المرأة والرجل. وهي المجازر التي عرفت بالأيام الدامية لمدينة فاس، وأشارت إليها الكتابات الفرنسية نفسها بمذبحة فاس. وهكذا أصبحت سياسة العنف خطة أساسية في الوجود الاستعماري الفرنسي بالمغرب، زكته إسبانيا في المنطقة الشمالية والصحراوية التابعة لنفوذها. وفي هذا السياق لا يفوتنا الإشارة إلى معاناة نساء المنطقة الشمالية بعد حرب الريف ما بين 1921 و1927، هذه الحرب التي لم تكن حربا إنسانية، ولا حربا تراعى فيها القوانين الدولية، ولا الاتفاقيات العالمية، ولا نوع الأسلحة المستعملة. لقد كانت حربا إجرامية، أو كما يسميها أبناء المنطقة "ارهاج"([1])، ألقت فيها الجيوش الإسبانية بقنابل تجريبية كيميائية واستعملت فيها الطائرات غازات سامة كأقصى درجات العنف لسحق شعب بكامله، كما استخدمت فيها العنف الجسدي ضد النساء كوسيلة تعذيب وانتزاع الاعترافات والمعلومات وجرح كبريائهن وشموخهن.
وسواء في البلدان المغاربية أو في مصر وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها من دول منطقة الشرق العربي، أو في افريقيا أو الهند أوغيرها من المستعمرات - على سبيل المثال لا الحصر – فإن الملايين من النساء والفتيات تحملن من باب تكتيك الاستدمار، وطأة حروب لا يدا لهن فيها سوى انتمائهن لدول استهدفت لانتزاع خيراتها واضطهاد شعوبها بناءً على أن المنطق العنفيالكولونيالي الجنسي « يؤسس الأيديولوجيا القائلة بأن أجساد المواطنين الأصليين بطبيعتها قابلة للانتهاك، وبالتالي أراضي هؤلاء السكان الأصليين قابلة
للانتهاك والسلب». وهذا أمر بالغ الوضوح في التاريخ الاستعماري لقرون خلت، حيث هذه الآلية العنيفة استهدفت ولا زالت تستهدف في فلسطين تحديدا جنسانية النساء المواطنات الأصليات وأمانهنّ الجسدي بصفتهن «أعداء داخليين» فوق نفس الأرض وموضوعا من موضوعات الغلبة كحق مشروع للمحتل وضربا للسلطة الرمزية في ثنائية الشرف والعار.
وقد تجاوزت معاناة المرأة الاستغلال والتعذيب إلى الامتلاك الإجباري الكامل لحريتها في صيغة الرق والعبودية كتجارة قديمة تنعدم فيها كل شروط الإنسانية في ظروف اعتبرت لا بالعادية، ولا بالهادئة ولا بالآمنة.
- انعدام الأمن وانعكاسه على المرأة
لقد أحدث التسرب الأوربي مجموعة من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما فيها اختلال الأمن، ولا سيما أمن الطرق.
فكان من الطبيعي وبحكم التطورات السياسية والاقتصادية الجديدة والممارسات القمعية وانعدام الأمن وفصل الأزواج عن زوجاتهم وأبنائهم([1])، ارتفاع نسبة جرائم السرقة والاعتداء مع ظهور حركات لصوصية جشعة لا تضع نصب أعينها إلا مسألة الربح([1]).
وما حركة اختطاف النساء إلا جزء من هذه الحركات التي انتعشت وازدهرت، وهي مسألة تدخل في إطار العنف المسلط على المرأة خلال هذه المرحلة التاريخية، وإن كان مبدئيا جريمة الخطف والسبي، جريمة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تشمل الرجال أيضا. إلا أنه في أغلب الحالات تكون المرأة أكثر عرضة لها بين رق صريح أو المتاجرة بهن واستغلالهن وإجبارهن على ممارسة الدعارة، أو خطفهن من طرف العسكر وجيوش الاحتلال. وما يترتب عنها من نتائج وخيمة على نفسية المرأة المستعمرة أصلا، من انتهاك واعتداء فظيع على حريتها وزرع الخوف والاستياء في نفوس الأهالي.
والأرشيف المغربي غني بالوثائق والمراسلات الشاهدة على وجود هذهالظاهرة بشكل مباشر، في عقود بيع أو خلاف حوله أو شكايات اختطاف أو ما شابهها، وفي هذا الإطار نستشهد بالرسالة التالية:
"محبنا الأعز [...]، وبعد فإن السيدة رحمة بنت محمد بن مبارك، الشرفاء المباركيين القاطنين في سلا ذكرت أنها خرجت لسيدي بوحاجة للزيارة فخطفها العسكر القادم في هذه الأيام وأتى بها لطنجة. وها هي الآن هنا تحت اليد إن ظهر أحد من أهلها يوجه عليها وعلى المحبة والسلام في 13 جمادى الأولى 1326 محمد العربي الطريس" إن هذه الشهادات وغيرها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انتشار هذه الظاهرة واستمرارها فرديا وجماعيا رغم قوانين حظر الرق كجريمة في حق الإنسانية. وهي جريمة تشابهت أحداثها في الدولتين المجاورتين الجزائر وتونس تحت وطأة الاحتلال في ظل أوضاع إنسانية مزرية، زادت من انتشار الفوضى وجرائم الخطف والاغتصاب.
كما تجسدها قصة "الفتاة الجزائرية المغتصبة" للشاعر محمد الهادي السنوسي الزاهري (1902-1974)المشهورة ب "مأساة وريدة"، الفتاة التي اختطفها طبيب فرنسي قرب منزلها، وسافر بها إلى فرنسا ولم تستطع خالتها استرجاعها رغم استنجادها "بعدالة" فرنسا.
كما أكد مونتنياك هذه المسألة في حديثه عن هجومات الجنرال لاموريسيير الذي يختطف النساء ويحتفظ ببعضهن كرهينات ويستبدل بعضهن بالجياد، ثم يبيع الباقيات منهن بالمزاد العلني([1]).
وقد يصل الأمر في بعض الحالات أخطر من هذا بعد اعتقال وحجز بعضهن في أماكن غير معروفة ولأوقات طويلة وتعريضـهن للتعـذيب والمعاملـة السيئة دون الكشف عن مكان احتجازهن حتى لذويهن. كما ثبت في كثير من الأحوال أن بعض المختفيات أو المحتجزات لم يسمع عنهن أبداً، مـا يعنـي احتمال تصفيتهن جسدياً.
هذا التسيب والانفلات زعزع أمنهن واستقرارهن، وضاعف من خوف الرجال على النساء، وتشديد الحراسة عليهن.ويمكن رصد العديد من حالات الاختطاف في أوقات الحروب والنزاع المسلح إلى اليومفي الصومال ودارفور وسوريا والعراق وكل المناطق التي تعيش بركانا من الثورات.
- الدعارة والعنف المنظم
وبالإضافة للاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى واختطاف النساء واستغلالهن وبيعهن، قام المنطق الاستعماري للعنف ضد المرأة بتنشيط وتشجيع انتشار دور تقديم المتعة الجنسية لجنود الاحتلال كتجارة للجسد، انبنت على إرث حضاري قديم لهذه المهنة وطورته سلطات الاستعمار وطوعته وفقا لمتطلبات الظرفية الجديدة ضمن سياق تنظيمي، ضمانا لاستمراريتها ودوامها وحماية لمتعاطيها خاصة من الأوربيين. فبرزت دوررسمية للمتعة"مواخيرأوبورديلات" وأحياء خاصة بهذا النشاط بشروط وضوابط محددة مثل الفحص الطبي المنتظم...فأصبح لأول مرة جسد المرأة موضوعا لمراقبة إدارة المستعمِر، يتولى السهر عليه طاقم طبي، يخصص سجل معلومات خاص بكل واحدة منهن.
كما شجعت على خلق أوكار جديدة للفساد والدعارة من نوع جديد، عرف ببغاء المراقص والنوادي الليلية "كباريهات"،لإشاعة جو من المرح لعساكرهم الذين انقطعت الصلة بينهم وبين أهاليهم.
فتوسعت بذلك جغرافية هذا النشاط، واتخذت مسارات جديدة تزايد معها انتشار الخمور، وفي هذا يقول صاحب كتاب تونس الشهيدة عبد العزيز الثعالبي، حسن حسني عبد الوهاب: "كانت المشروبات الروحية مجهولة في تونس تقريبا قبل الاحتلال. وكان تعاطيها محصورا في الوسط الأوربي وجماعة قليلة من الإسرائيليين. لكن جيوش الاحتلال جاءت بها ومعها الحضارة الفرنسية فساهمت مساهمة فعالة في تثبيت وتدعيم النظام
الجديد". ويشير هودا في كتابها تنوغرافيا الجزائر إلى تزايد هذه الظاهرة بقوله: "كانت الدعارة نادرةفي المجتمع الجزائري،قبل مجيء الفرنسيين، ولكنهاالآنانتشرت،عن طريق نساء المدن ونساء البربر.أمابالجنوب فإن الدعارة اشتهرت لدى قبيلة أولادنايل".وقد صار تشييد أحياء الدعارة يسير بشكل متواز مع الحملات العسكرية مستجيبا لحاجياتالجيش في إشباع رغباتهم الجنسية،فاشتهرت عدة مدن مغاربية بمواخيرها، وخاصة تلك التي تعرف انتشار الثكنات العسكرية والوحدات الأمنية، الأمر الذي سيتفاقم أكثر مع نزول الجنود الأمريكيين في شواطئ الشمال الغربي من إفريقيا ( المغرب، الجزائر وتونس).
ولم تكتف الإدارة الاستعمارية بفتح الخمارات وبيوت الدعارة وسط السكان في الجزائر وتونس، بل فتحت لهن الأبواب بجوار الزوايا والمساجد([1])، وهو ما كتبت عنه جريدة لسان الدين: "أما الدعارة فقد نشرتها فرنسا كالوباء في كل حي دون مراعاة لحرمة الأوساط العائلية الشريفة. ولا احترام لقدسية الأماكن الطاهرة. حتى بات جامع سيدي رمضان تحيط به بيوت العاهرات إحاطة السوار بالمعصم"
بل أكثر من هذا وبتشجيع من فرنسا، صدرت تعليمات سرية عن وزارة الدفاع لإنشاء بورديلات مغاربية متنقلة في البوادي، ومن المرجح أن اللبنات الأولى للبورديلات العسكرية "بي- إم- سي""BMC" (bordelsmilitaires de campagne).
قد وضعت في بداية الاجتياح الفرنسي الجزائري، وصاحبت مجموعة من الفرق العسكرية مع بداية التوسع الاستعماري للمغرب ما بين 1907- 1934، لتأخذ أشكالا جديدة.
فمثلا في المغرب وبتعليمات مباشرة من المارشال ليوطي نظمت "الدعارةالمتنقلة"عبر تجنيد العشرات من المومسات للسير وراء القوافل العسكرية الفرنسية، حيث تخيم نساء مغربيات غير بعيد عن معسكرات الجيش الفرنسي وترافقن الجنود في تحركاتهم داخل وخارج المغرب وتتحدث الوثائق عن مصاحبة مجموعة نساء من قبيلة آيت إسحاق وأزيلال وبني ملال "جيش الكوم"- وهم الجنود المغاربة الذين ساهموا في حرب التحرير الفرنسية- إلى إيطاليا في الحرب العالمية الثانية. وسيقت فرق منهن إلى دوفينوا بفرنسا وغيرها.
وهكذا وموازاة مع الاستعمار الاقتصادي، كان هناك استعمار من نوع آخر، استعمار واستغلال للجسد، للتأوه والصراخ الجنسي، تحت الخيام بالقرب من المدافع والرشاشات، لمغاربيات فررن من الجوع والفقر وتجندن بأجسادهن في معركة ليست معركتهن.
مما دفع لويس ماسينيون نائب رئيس "لجنة المغرب-فرنسا"([1])إلى توجيه رسالة إلى رئيس الجامعة الفرنسية لحقوق الإنسان بتاريخ 7 يوليوز 1953، تضمنت اتهاما باستمرار تجارة الرقيق عن طريق تشجيع الدعارة، ودعا إلى تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 2 دجنبر 1942، والداعي لحماية الإنسان من كافة أشكال الاستغلال كالدعارة([1]).
صورة لاعتقال وتعذيب المرأة الجزائرية
https://www.google.fr/search la femme algerienne
صورة من ريف العشرينات لامرأة تسحل من طرف بعض المجندين المغاربة في الجيش الإسباني
المكتبة الوطنية والمحفوظات تطوان
فإن كان هذا جزء من العنف الممارس على المرأة المغاربية والعربية والإفريقية خلال الاستعمار، فإن نساء أوربا وآسيا لم تنج من عنف أكبر خلال الحروب الخارجية والداخلية، خاصة خلال الحربين الكونيتين. فقد استخدم الجيش الألماني اغتصاب النساء الفرنسيات والبلجيكيات كسلاح استراتيجي في الحرب، واحتجز الجيش الياباني عدد كبير من نساء،أطلق عليهن اسم "نساء الراحة" في "معسكرات المتعة" أو ما يعرف ب "إيانفو".
لأنهن كن محتجزات في معسكرات يبددن توترات الجنود بعد المعارك. وانتهت الحرب ولم تنتهي معاناة النساء، إذ سيتم عقاب العديد من النساء الفرنسيات والبلجيكيات من طرف دولهن وإجبارهن على المشي عرايا في الشوارع وقذفهن بالطوب، عقابا على التعاون مع العدو الألماني.
كما قامت القوات السوفياتية والأمريكية بعد هزيمة ألمانيا باغتصاب عدد كبير من النساء الألمانيات، وهو ما سيعرف ب "اغتصاب برلين". ليستمر تعنيف واغتصاب النساء في التسعينات مع الحرب في يوغسلافيا السابقة والإبادة الجماعية في حملات التطهير العرقي برواندا عام 1994، كما ارتكبت جمهورية الكونغو الديمقراطية جرائم عنف جنسي ضد النساء بشكل عشوائي جعل منظمات حقوق الإنسان تتحدث عن "وباء الاغتصاب"
هذا الوباء الذي ستزداد معاناته مع حرب البوسنة والهرسك مابين 1992 و 1995 عند النساء المسلمات المستهدفات بشكل خاص.
حيث تشير التقارير على أنأعداد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب يقدر ما بين 20,000 إلى 50,000
نساء بلجيكيات يتعرضن للعقاب مجبرات على أداء التحية النازية
https://almanassa.com/ar/story/3372
نساء مجبرات على المشي في الشارع مرسوما على جبهتهن الصليب النازي
https://almanassa.com/ar/story/3372
وفي العصر الحالي وتحديدا في الألفية الجديدة بدأت هذه المصطلحات تظهر في الوطن العربي، فكانت البداية في فلسطين منذ النكبة إلى اليوم، لتنتشر عدواها إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003، خصوصا مع فضيحة سجن أبو غريب. ومع الربيع العربي وبداية ثورات الدول العربية، نجد من جديد أن ظاهرة الاغتصاب والعنف الجنسي بكل أشكاله شكلت أهم أدوات السياسة العقابية على نطاق واسع وممنهج بحق الضحايا من المعتقلين والمعتقلات، كما شهدت ساحات المظاهرات والاعتصامات أساليب شبه متشابهة بين جميع البلدان العربية الثائرة، كتجريد الفتيات من الملابس بقصد الاغتصاب أو التحرش. وقد تم توثيق حالات كثيرة بالفيديوهات والصور.
واليوم يستمر تعنيف واغتصاب النساء على يد العصابات السياسية المتخفية وراء الدين التي أخذت تطفو على السطح في البلدان العربية، تسوق النساء خارج بيوتهن ليتم استغلالهن وبيعهن كسلع جنسية في سوق الرق المحلي والدولي وإعدامهن مع حركة الدواعش التي أسفكت دماء النساء والأطفال في رمال الصحراء وأحلت الاغتصاب بفتوى دينية،بما في ذلك ممارسة الاستعباد الجنسي، خاصة في سوريا والعراق، حيث تصبح المرأة هي الضحية الأولى والمستهدفة الرئيسية من الجماعات الدينية المسلحة رغم التحولات التي طرأت في العصر الحديث على قيم العدالة والسلم. ففـي تــل كلخبحمــصالسورية مثلا، اقتاد جنود النظام السوري عددًا من النساء إلى مسجد المدينة لاغتصابهنّ هناك، فاتحين مكبِّرَ الصوت في المسجد ليصل صراخهن أثناء الاغتصابإلى أقصى مدى يُرهبون ويهينونَ به البشر والحجر.
ولا يزال يتم الكشف عن أعمال كبيرة من العنف الجنسي في الصراعات الظاهرة والخفية التي تؤكد أن ظاهرة العنف الجنسي مستمرة بنتائجها السلبية في كل بؤر النزاعات والحروب بالعالم، حيث النساء والفتيات يغطي صراخهن أصوات الرشاشات. وفي السياق نفسه تابعنا مؤخرا معاناة النساء في دارفور بالسودان ومعاناةمسلمات ومسلمي بورما.
بمعنى أن ممارسة العنف ضد المرأة ينتشر في أنحاء مختلفة من العالم، وهو فضيحة خفية في مجال حقوق الإنسان لأن حقوق المرأة هي من حقوق الإنسان.
وهكذا يتضح وحسب ما جاء عند المؤرخة سوزان براونميلر في كتابها "ضد إرادتنا: الرجال النساء والاغتصاب" أنَّ الاغتصاب كان وسيلة حربية على مر التاريخ، فقد كان هدفا للرجال في الحروب وليس النساء، وقد لجأ الرجال إلى ثقافة الاغتصاب هذه قديمًا وحديثا
واستفادوا منها لصالحهم وسيلةً لتكريس الهيمنة الذكورية بإبقاء النساء في حالة من الخوف، بهدف إذلال الطرف الآخر وترهيبه، كتكتيك عسكري متعمد لتحقيق أهداف سياسية، من بينها إذلال المعارضين والمعارضات السياسيين، أو لدفع الأقليات العرقية على الخضوع أو المغادرة، أو لترهيب المجتمع وحمله على الإذعان وغيرها، وبالتالي فإنه من الخطأ الاعتقاد أن هذه الاعتداءات هي مجرد إشباع لحاجات الجنود والثوار الجنسية.
صور من مشاهد اغتصاب النساء الذي يبقى هو هو مهما اختلفت جنسية المرأة ولونها وعقيدتها وانتماؤها الاجتماعي.
فقد تختلف ملامح المغتصبة لكن لا تختلف معاناتها
https://www.google.com/search?q
4- تجريم العنف الجنسي والمقررات الدولية
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، بنيت ترسانة قانونية قوية ضد العنف الجنسي في زمن الحرب والنزاعات المسلحة، وإن كانت بدايتها محتشمة فقد انتهت سنة 1949 في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين في زمن الحربإلى تحريم الاغتصاب في مناطق النزاعات الأهلية،لتبدأ رحلة مبادرات دولية مكنتنا من وضع مجموعة من القوانين والمساطير للقضاء على العنف ضد المرأة، فكان مؤتمر فيينا عام 1993 معززا ومكملا لعمل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، خاصة بعد تعيين راديكاكوماراسوامي كأول مقرر خاص بالأمم المتحدة، مَعْنِي بالعنف ضد المرأة وأسبابه ونتائجه([1])، وإصدار الأمين العام بطرس بطرس غالي بيانا يحدد بوضوح دور الأمم المتحدة في "تعزيز" و"حماية" حقوق المرأة. لتتكثف الجهود حول القضاء على مختلف أشكال العنف بعد مؤتمر بكين بشأن المرأةعام 1995، والتأكيد على بذل الجهود الضرورية لمنع ومعاقبة مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات وتوفير الحماية للضحايا. كما نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 من سنة 2000 وقرار رقم 1820 من سنة 2008 على تعهدات المجتمع الدولي الخاصة بمحاربة العنف ضد النساء في أوضاع النزاع المسلح. بل أكثر من هذا أذان البند السابع من ميثاق روما الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، واعتبره جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، مؤكدا ضرورة استثناء جرائم العنف الجنسي من أحكام العفو العام في سياق عمليات حل النزاعات. وفي نفس الاتجاه، اتخذ مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا العديد من المبادرات حول العنف ضد النساء وهي مؤسسات يلعب الاتحاد الأوروبي داخلها دورا مهما. ويبين قرار البرلمان الأوروبي الصادر في عام 2005 الجهود والخطوات والإجراءات المحددة التي يجب اتخاذها لمحاربة العنف القائم على نوع الجنس والاتجار بالبشـر لأغـراض الاستغلال الجنسي وغيره من أشكال الاستغلال ورصد تنفيذها، وتكثيف الإجراءات عن طريق وضع استراتيجية شاملة ومتعددة التخصصات ومنسقة لمحاربة الاتجار، وتعزيز التدابير لمعالجة جميع العوامل التي تشجع على الاتجار بالنساء والفتيات، وذلـك بتقوية التشريعات القائمـة بغيـة تـوفير حمايـة أفضـل لحقـوق النسـاء والفتيـات ومحاكمـة مقتـرفي هذه الجريمة ومعاقبتهم.
وغير بعيد عن المنظمات الدولية والأممية، نجحت الحركات النسائية على امتداد سنوات طويلة في إقامة التنظيمات النسائية على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية والدولية، مشاركة بقوة في موجة الاحتجاجات ضد العنف الممارس على بنات جنسهن، فشاركت في الاجتماعات الدولية ومؤتمرات الأمم المتحدة، واحتشدت أعداد منهن في الاجتماعات، ونزلت في المظاهرات بالشوارع، وكتبت في الصحف، ودونت تغريدات على مختلف مواقع الاتصال الإلكترونية التي تساهم في سرعة توصيل المعلومة. وركزت حركة حقوق الإنسان الخاصة بالمرأةعلى توسيع التعريفات الحالية للحقوق بمايغطي المزيد من الانتهاكات المرتكبة ضد المرأة بصفة خاصةوتقديم حلول وطرائق للإنصاف في مايتعلقب الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة،كماركزت على التداخل والترابط بين الحقوق نفسها بغية الموازنة والربطبين المبادئ المنصوص عليها في صكوك منفصل.
خاتمة
وعلى الرغم من الأشواط الطويلة التي قطعتها المرأة على طريقة أخذ الحقوق ومحاربة العنف، إلا أنها ما زالت بعيدة عن المستوى الذي يضعها بمصاف العدل والإنصاف. فأكيد أن القرارات وحدها لا يمكن أن تؤدي إلى حماية حقيقية للمرأة من العنف، بل يتطلب الأمر وضع استراتيجيات جماعية "تستند إلى منظومة القيم النظرية المشتركة بين كافة الأديان والأمم والشعوب، بحيث لا تنفرد قوة وحيدة، أو دولة مهيمنة، بوضع هذه الاستراتيجيات، وأن تسعى لقلب ودحض معايير القـوة المحضـة، والتمييز (العنصري والديني والثقافي... )، وانفصام الأخلاق عن السياسة باعتبار أن هذه هي المعايير السائدة والمسيرة لمجمل العلاقات الدولية الراهنة، والمتسببة -في الوقت نفسه- في خلق مصادر التوتر والنزاعات، وفي وقوع الصراعات والحروب وإلحاق المظالم بالشعوبالمستضعفة.
كما يتطلب الأمر مؤازرة ومساندة ضحايا العنف والاغتصاب التي تتخطى الحدود الدولية والإقليمية، بتقديم المساعدات والخدمات الاجتماعية، والسهر علىتحسين وضعهن الصحي والنفسي، وتعزيز طرق المقاضاة والمحاسبة، وتحديد مسؤولية المجرمين، وتحريك الضمير الإنساني، وخلق آلية مشتركة لعمل النشطاء المناهضين للعنف، وحث الدول على الوفاء بالتزاماتها وتقديم الدعم والتعاون للمنظمات الغير الحكومية، مع إيجاد قوانين وتشريعات أكثر صرامة تحمي المرأة والجماعات المستضعفة من مختلف أشكال العنف في زمن الصراعات المسلحة بغض النظر عن المكان والدولة والعرق واللون أو العقيدة. وعليه تعتبر المطالبة بحماية المرأة من مختلف أشكال العنف ليس مطلبا موجها فقط لمجلس الأمن، وإنما ينبغي أن يوجه أمام الدول التي لم ترتق بعد لشرف التصدي القانوني والمجتمعي والثقافي لهذه الجريمة.
المصادر والمراجع:
أ.عجناك بشي (يمينة)، المــــرأةفي الشعر الإصلاحي الجزائري الحديث، جامعة الجزائر 2، ضمن: مجلة الأطهار، عدد 19، السنة 2014.
ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، بيروت، دار صادر، د. ت.، ج. 9.
الثعالبي (عبد العزيز)، تونس الشهيدة، ترجمة سامي الجندي، بيروت، دار القدس، 1975.
الحيدري (إبراهيم)، سوسيولوجيا العنف والإرهاب، دار الساقي، 2015.
الخطيب (أحمد)، الثورة الجزائرية: دراسة وتاريخ، بيروت، دار العلم للملايين، 1957.
شكاك (صالح)، المغرب العميق ورديغة الكبرى 1873- 1956- مساهمة في دراسة تاريخ الجهات بالمغرب العميق المعاصر، الرباط، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، 2010.
الطريس (محمد العربي)، محمد العربي إلى القائد الحاج الطيب الصبيحي، في موضوع اختطاف رحمة بنت محمد المباركي بتاريخ 13 جمادى الأول عام 1326/ 13 يونيو 1909، سلسلة1، مح. 6. وثيقة 668، الخزانة الصبيحية.
الفاسي (علال)، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، ط. 5، 1993.
فنان (جمال)، نصوص سياسية جزائرية في القرن التاسع عشر 1830- 1914، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1993.
قصاب (أحمد)، تاريخ تونس المعاصر 1881- 1956، تعريب حمادي الساحلي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، 1986.
مريوش (أحمد)، الشيخ الطيب العقبي ودوره في الحركة الوطنية الجزائرية،الجزائر، 2007.
Ageron (Ch. Robert), Histoire de l'Algérie contemporaine, Paris, Presse Universitaire de France 1964, 2éd, t.1.
Bakalti(S.), La femme Tunisienne au temps de la colonisation,1881- 1956, Paris, L' Harmattan, 1996.
Bakalti(S.), Mouvements et organisations féminines de lutte de libération natinale en Tunisie, Tunis, Publications de L'I.S.H.M.N., 1999.
Bakalti (S.), Formation professionnelle et travail féminin au temps de la colonisation, in Histoire des Femmes au Maghreb: culture matérielle et vie quotidienne, Tunis, Centre de publication universitaire, 2000.
El Qadéry (M.), Femmes de Bordels Militaires de Campagne. Les BMC de l'armée coloniale française au Maroc", in Des Femmes sur les routes, voyages au féminin entre Afrique et Méditerranée, Travail collectif: Miriam Chekh et Michel Péraldi, Casablanca, Le Fennec, 2009.
El Qadéry (M.), Femmes de Bordels Militaires de Campagne.
Houdas (O.), Ethnographie de L'Algérie,Paris, 1886.
Mouhsine (R.), Filles de joie, vie de misère, in Zamane, n° 35, octobre 2013, pp. 54- 57.
http://archief.wereldomroep.nl/arabic/article/2571
https://ar.wikipedia.org/wiki/ إعلان_بشأن_القضاء_على_العنف_ضد_المرأة
https://digitallibrary.un.org/record/543458/files/E_CN.6_2005_10-AR.pdf
رسالة مؤرخة ٢ آذار/مارس ٢٠٠٥ موجهة إلى الأمين العام مـن الممثـل الـدائم للكسمبرغ لدى الأمم المتحدة.
http://www.mohamedzitout.com/2013/11/05/قال-الكاتب-حضارة-فرنسا-في-الجزئر)
محمد العربي زيتوت/ الموقع الرسمي، قال الكاتب "حضارة" فرنسا في الجزائر، 5 نونفمبر 2013.
http://midan.aljazeera.net/reality/community/2017/8/15/الاغتصاب-أداة-الأنظمة-القمعية-لإذلال-الشعوب
ليلى الرفاعي، الاغتصاب... أداة الأنظمة القمعية لإذلال الشعوب
http://ochaonline.un.org/News/InFocus/SexualandGende, Comité France- Maghreb."Sexual and Gender-Based Violence in Conflict: A Framework for Prevention and Response".UnitedNations Office for the Coordination of HumanitarianAffairs, 2008.