جهود عروج وخير الدين بربروسا في إنقاذ الموريسكيين
910-953ه/1504-1546م
د. ناديـــــــة فتيسي
قســــــم: التاريــــخ قسنطينة
ملخص:
عرفت الدراسات الموريسكية في الفترة الأخيرة اهتماما واسعا في أوربا وخاصة بإسبانيا لبعث تلك الحقبة المفقودة من تاريخها التي حاولت طمسها لفترة طويلة، وفي الجزائر مازالت تلك الدراسات محدودة ومتأخرة عن باقي الدول العربية لتفرق ارشيفها في مختلف دول العالم، وتتناول هذه الدراسة لمحة عن مأساة الموريسكيين إثر سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين بإسبانيا سنة 1492م واستنجادهم بملوك المغرب والمشرق لترحيلهم إلى أرض الإسلام للعيش بأمان وكرامة ، بيّد أنهم لم يجدوا مساندة فعلية منهم نظرا للضعف الكبير الذي كانت عليه بلاد المغرب وبعد مقر الدولة العثمانية عنهم وانشغالها بالحروب في شرق أوربا. وكان وصول عروخ وخير الدين إلى سواحل تونس والجزائر مفتاح النجاة للآلاف منهم وكذلك للمسلمين في بلاد المغرب وقد سجلت المصادر المحلية والأجنبية بعض الجهود التي بذلها لنجدة المسلمين من قبضة الاسبان.
مقدمــــــة:
يرجع موضوع الموريسكيين[1] إلى القرن السادس والسابع عشر ميلادي وهو موضوع حي لا يموت لأنه مأساة إنسانية يذكرنا بمأساة الفلسطينيين في القرن العشرين القرن الحالي، ومآسي الآلاف من المسلمين الذين أجبرهم الاضطهاد العنصري والتعصب الديني على هجرة أوطانهم والتشرد كما حدث للجزائريين على إثر الاحتلال الفرنسي وحدث أيضا لمسلمي البوسنة والشيشان وأفغانستان والعراق وسوريا مؤخرا، وكأنهم يعيشون عصر محاكم التفتيش التي لاحقت الموريسكيين حينما أخفوا إسلامهم وأظهروا الكفر حفاظا على حياتهم وممتلكاتهم، لكن الكثير هربوا من جحيمها وقرروا الهجرة من أرض آبائهم وأجدادهم إلى أرض الإسلام للحفاظ على أرواحهم والتمتع بالحياة الحرة الكريمة.
وكانت الدراسات حول الموريسكيين في إسبانيا مهملة بشكل يكاد يكون كاملا، لكنها عرفت في الفترة المعاصرة صحوة ثقافية وعلمية، حيث عمل مئات الباحثين والأكاديميين وعلماء الآثار الإسبانيين والأوروبيين لبعث تلك الحلقة المفقودة في التاريخ الإسباني والإسلامي إلى الحياة، من خلال البحث والدراسة والنقد والتحليل، حتى فاقت اليوم 1000 دراسة أكاديمية رصينة حول الأندلس، في طليعتها “تاريخ غرناطة” للباحث ميغيل لافوينتي ألكنترا، و”تاريخ مالقة” لـ”كيين روبليس” و”إسبانيا المسلمة في عهد النصرانيين” للباحثة الفرنسية “راشيل أريي”، علاوة على أعمال “لويس فرنانديث” و”خوان طوريس فوينتيس”، وإنتاجات “لويس سيكودي لوثينا باربديس” الذي كرس حياته في دراسة الأندلس، بالإضافة إلى الرسامين الإسبان الذي أرخوا لتلك الحقبة بلوحاتهم الفنية، وعلى رأسهم الرسامالكبير “دياغ ذا بالثكاث” الذي سطر ملاحم فنية في غاية التراجيديا، تؤرخ لتلك الحقبة الفاجعة بطلب من الملك خوان كارلوس.[2]
أما الدراسات العربية فقد كانت حتى النصف الثاني من القرن العشرين نادرة ما عدا د. محمد عبد الله عنان الذي نشر منذ أكثر من ستين سنة كتابه الهام الموسوم ب: دولة الإسلام في الاندلس، العصر الرابع نهاية الاندلس وتاريخ العرب المنتصرين، مكتبة المهتدين الاسلامية المقارنة للأديان، القاهرة، 1949. وحتامله، محمد عبده، محنة مسلمي الأندلس عشية سقوط غرناطة، منشورات، المؤلف، بدعم من الجامعة الأردنية، عمان، 1779. وقشتيليو، محمد، محنة الموريسكيين في إسبانيا، منشورات الشويش، تطوان، 1980، ود. الحجي عبد الرحمن علي، محاكم التفتيش الغاشمةوأساليبها، منشورات مكتبة المنار الاسلامية، الكريت، 1987، رزوق محمد، الاندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، الرباط، 1989.
ولاشك أن هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأندلس بعد سقوط غرناطة إلى غاية الترحيل النهائي للموريسكيين (1492-1609م) لم تجلب اهتمام هؤلاء المؤرخين إذا قيس ذلك بالفترة الأندلسية خلال العصور الوسطى ذات الإشعاع الحضاري، وهو الأمر الذي دفع عددا من الكتّاب والمؤرخين والمتعاطفين للموضوع الموريسكي إلى الاهتمام بهذه الفترة الزمنية والكتابة حولها، وقد كانت مؤسسة عبد الجليل التميمي رائدة في نشر وترجمة البحوث حول الدراسات الموريسكية ذات القيمة العلمية سواء كانت عربية أو أجنبية؛ وقد نشرت حوالي 600 دراسة تمت أساسا بالإسبانية ثم الفرنسية والعربية والانجليزية وهو رصيد هام انجز في الفترة الممتدة من 1983-2009، كما نشرت عملا توثيقيا لأول مرة بعنوان: "البيبليوغرافيا العامة للدراسات الموريسكية سنة 1994م"، وحصر فيه 3577 عنوانا بين مرجع ومصدر وهي وسيلة عمل لا غنى عنها لأي باحث في هذا التخصص من الدراسات[3].
وفي الجزائر الوثائق المتعلقة بالجالية الأندلسية في سجلات المحاكم الشرعية تبقى محدودة والموجود منها موزعا عبر مختلف أرشيفات دول البحر الأبيض المتوسط بإسطنبول جعلت الدراسات الموريسكية الأندلسية تتأخر عن زميلتها بتونس والمغرب الأقصى.[4]
سنتناول في هذا الموضوع شقا فقط من تاريخ الموريسكيين حيث سنحاول الكشف عن سياق تهجيرهم في عهد الأخوين عروج وخير الدين، وليس غرضنا من هذه الدراسة أن نكرر الإدانة لمن ارتكبوا الأخطاء في حق شعب أعزل ومحاصر بين المتعصبين الإسبان وإنما غرضنا هنا توضيح بعض جهود الذين أحسنوا لذلك الشعب وأنقذوه من التعذيب والحرق بالنار ولو بعد مئات السنيين، ذلك أن أعمالهم تدل على مدى نبلهم وتقدمهم وسمو أخلاقهم.
والإشكالية المطروحة هي: ما صدى الجهود التي بذلها الأخوين عروج وخير الدين في المصادر الأدبية العربية والأجنبية؟ وهل قدموا فعلا ما يستحق الثناء والشكر عليه؟
وقبل الإجابة على الإشكالية المطروحة من المفيد أن نتعرف على الأخوين عروج وخير الدين بربروسا وكيف وصلا إلى الضفة الغربية من البحر الأبيض المتوسط.
أولا: نشأة عروج وخير الدين
والدهما هو يعقوب بن يوسف، كان جنديا محترفا في الجيش الإنكشاري المرابط في جزيرة مدللي[5] بعد فتحها من قبل العثمانيين سنة 1457م، تزوج فتاة من سكان تلك الجزيرة وانجبت له أربعة ابناء وهم بالترتيب: إسحاق، عروج، خير الدين، إلياس[6]، وقد أنشاهم والدهم على الدين الإسلامي وركوب البحر.
اشتغل الأولاد الأربعة بالتجارة؛ فإسحاق عمل في جزيرة مدللي وعمل عروج وإلياس بالسفن التجارية، وكانا يسافران إلى طرابلس، الشام والإسكندرية، أما خير الدين فكان يسافر إلى سلانيك لممارسة التجارة هناك فتحسنت أحوالهم المعيشية، وخلال إحدى رحلاته أسر عروج وسجن بجزيرة ردوس وحاول خير الدين افتداءه فلم يفلح، وخلص نفسه بفضل ذكائه وشجاعته، ثم سافر إلى أنطاليا ودخل في خدمة الشيخ زادة قرقود واليها وهي جزيرة باليونان تابعة للدولة العثمانية، وبعد ذلك انتقل إلى مصر أين قضى بها فصل الشتاء[7]، ومن هناك أستقر به المقام في جزيرة جربة عام 1500م غرب البحر المتوسط التابعة للحفصيين حكام تونس مقابل دفع خمس الغنائم والتحق به خير الدين سنة 1504م. وانتقلا معا إلى ميناء حلق الوادي[8].
ومن جربة وحلق الوادي ضاع صيت الأخوين كأكبر بحارة في حوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط يحاربون المسيحين ويدافعون عن المسلمين وينقلون الموريسكيين من إسبانيا إلى بلاد المغرب فكيف تمكنوا من تحقيق تلك الشهرة؟
ثانيا: جهود عروج وخير الدين في انقاذ الموريسكيين(1504- 1518م)
بعد أن استقر المقام بعروج وخير الدين في جزيرة جربة اشتغلا في ملاحقة سفن المسحيين في البحر وأحرزا عليهم انتصارات كبيرة وغنما أموالا معتبرة؛ فرقوا منها الكثير على فقراء تونس، فانتشرت شهرتهما كأكبر رياس البحر في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وخاصة بعد المعركة البحرية الكبيرة التي وقعت بينهما وبين قطعة بحرية إسبانية استعمل فيها المدافع والبنادق النارية والسهام دامت من الصباح إلى المساء وأبدى فيها خير الدين شجاعة وبأسا كبيرين وأسر بارجة كبيرة مع من بقي فيها حيا وغنم بضائعها، وما إن دخلا بتلك الغنائم على أهل تونس حتى اهتزوا له مع سلطانهم[9].
ذلك أن بلاد المغرب في ذلك الوقت كانت تعاني من التمزق والتناحر وسيطرة الاسبان على سواحلها وخاصة المغرب الأوسط الذي كان عبارة عن فسيفساء سياسية متنوعة، حيث كانت سلطة الحفصيين في الشرق وملوك عبد الواد الزيانين لا تتجاوز مدينة تلمسان في الغرب وممالك متفرقة في الوسط والجنوب، وأمام هذا الضعف استولى الإسبان على أهم محطاته الساحلية حيث احتل أحسن مرفأ على الساحل الجزائري عام 1504م وهو المرسى الكبير، ثم مدينة وهران سنة 1509م ، واستولوا على بجاية في 1510 وعرضت على التوالي تنس ودلس وشرشال ومستغانم دفع اتاوة سنة 1511م، وحافظ سليم التومي أمير مدينة جزائر بني مزغنة على ملكه مقابل دفع جزية كبيرة وتسليم أحدى الجزر الصغيرة إلى "بيدرو نافارو" الواقعة قبالة مرساها فأقام عليها حصنا أصبح شوكة في حلق مدينة الجزائر يراقب سكانها وسفنها، كما حولوا المراسي المحتلة إلى مراكز محصنة ذات جدران عظيمة تقيم فيها الحاميات[10]، لكنهم لم يتوغلوا إلى الداخلربما لانشغالهم باكتشاف العالم الجديد.
كان هذا التفكك والتراجع لبلاد المغرب مشجعا للاحتلال من طرف الإسبان، الذي أيقن أن قوته تكمن في الاتحاد بين مملكتي آرغون وقشتالة، وقد تحقق له ذلك بفضل عقد زواج الأمير فرديناند الأرغوني من إيزابيلا القشتالية سنة 874ه/1469م وعرف بالملكين الكاثوليكيين[11]، لولائهما الكبير للكنيسة الكاثوليكية. وتمكنا سوية من القضاء على الوجود الإسلامي بإسبانيا وكان آخر معاقلها مملكة غرناطة التي استسلم أميرها أبو عبد الله محمد بن علي في 2 ربيع الأول 897ه الموافق ل 2 جانفي 1492م، وقبل الاستسلام أبرم معاهدة بينه وبين ملكي قشتالة وأرغون في 21 محرم 897ه/ 25 جانفي 1491م، تعهدا بموجبها الملكان لصالح مسلمي غرناطة بضمان حقوقهم وممتلكاتهم وحرياتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وأن لا يولي على المسلمين أحد إلا منهم وحرية بقاءهم أو مغادرتهم الأندلس، والتزما الملكان أيضا بتنفيذ شروط المعاهدة جميعها دون أي تعديل أو تحريف مهما كانت الأسباب في حياتهما وفي حياة خلفائهم، ووقع عليها البابا في روما[12].
بيّد أن نشوة النصر إثر سقوط غرناطة دفعت بالإسبان إلى نقض شروط معاهدة الاستسلام شرطا شرطا وإصدار قرارا لتنصير المسلمين قسرا سنة 904ه/ 1499م، وتنصيب محاكم التفتيش في غرناطة عام 905ه/1499م وهو ما أدى إلى نتائج وخيمة على الموريكسيين فزالت حرمتهم وأدركهم الذل والهوان وأكرهم الإسبان على اعتناق المسيحية[13]. وكانت تهدف السياسة الإسبانية المتعصبة اتجاه الموريسكيين بنقضهالشروط المعاهدة إلى دفع المسلمين للثورة والتمرد ومن ثمة تتيح لها الفرصة للقضاء عليهم وتستولي على ممتلكاتهم وتتخلص من آثارهم نهائيا، وهذا ما تجلى في حرق الآلاف من المخطوطات العربية الإسلامية وتحويل المساجد إلى كنائس[14]. وبالتالي ضاع جزء كبيرا من تراث الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.
كانت سياسة إسبانيا لا تعرف الرحمة من أجل تصفية المسلمين وتنصيرهم بالجملة وهو العامل البارز في اشعال نار الانتفاضة في حي البيازيين عام (1499-1501م) بغرناطة، وقد أبيد من أجل القضاء عليها قرى كاملة بسكانها قتل فيها آلاف المسلمين وشارك الملك فرديناند بنفسه في إخمادها. وعلى إثرها أصدر الملكان الكاثوليكيان مرسوما في سنة 908ه/ 12 فيفري 1502م يقضي بتخيير الموريسكيين بين التنصير أو ترحيلهم إلى شمال إفريقيا فمنهم من لجأ إلى الجبال واحتمى بها،[15] ومنهم من هاجر إلى مناطق مختلفة وكانت أعدادهم بالآلاف وعن تلك الهجرات يقول المقري[16]: " فخرجت ألوف الى فاس وألوف، وألوف أخر بتلمسان من وهران وجمهورهم خرج إلى تونس...وكذلك بتطاوين وسلا والجزائر...، وصلت جماعة إلى القسطنطينية العظمى وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الاسلام". ورضخ الباقي لقرار التنصير مرغما وخضعوا لمراقبة محاكم التفتيش لتحقق في صحة اعتناقهم للدين الجديد.
ونتيجة لضعف قوة الموريسكيين وانحصارهم في مناطق معزولة تكررت دعواتهم ووفودهم ورسائلهم إلى ملوك المسلمين في المشرق والمغرب لتخليصهم مما يعانونه، ومنهم السلطان العثماني حاكم الإمبراطورية العثمانية التي برزت خلال القرن السادس عشر كأقوى دولة في العالم مترامية الأطراف في القارات الثلاث ورفعت شعار حماية الإسلام والمسلمين في كل مكان، وكانت المنافسة بينها وبين الإمبراطورية الإسبانية على أشدها في مياه البحر الأبيض المتوسط[17]، وعلى سواحل شمال إفريقيا ولا عجب أن يستغيث بها مسلمي الأندلس، بعدما استحال على بلاد المغرب نجدتهم لما كانت عليه من ضعف وهوان كما أن هاته البلدان نفسها لم تكن بمنأى عن الخطر الإسباني والبرتغالي الذي سيطر على أهم سواحلها منذ نهاية القرن الخامس عشر.
وقد اتجهت أنظار مسلمي الأندلس إلى سلاطين الدولة العثمانية على إثر فتح القسطنطينية سنة 1453م في عهد محمد الفاتح(1429-1480م)، فأرسلوا سفارة إلى إسطنبول في منتصف سنة 1477م وناشدوه للتدخل لإنقاذهم غير أن انشغاله بالدفاع عن دولته من خطر التحالف المسيحي ضده منعه من التدخل، كما أرسلوا سفارة إلى سلطان مصر الملك الأشرف في أواخر القرن الخامس عشر، مستنجدة إياه في التدخل لإنقاذهم من ملوك إسبانيا، فأرسل وفود إلى البابا بروما وإلى ملوك أوربا يذكرهم بأن النصارى الذين هم تحت حمايته يتمتعون بكل الحريات بينما أن مسلمي الأندلس يعانون أشد أنواع الظلم، وهدد باستعمال سياسة القصاص تجاه رعاياه المسحيين إذ لم يكف ملك قشتالة وأرغون وغرناطة عن هذا الاعتداء وتهجير المسلمين عن بلادهم وعدم التعرض لهم وردّ ما أخذ من أراضيهم.[18] ولكنه لم يجد آذان صاغية لوفوده وتهديداته واستمر الاسبان في سياستهم المتعصبة ضد الموريسكيين.
ومرة أخرى استصرخ مسلمي الأندلس بالسلطان بايزيد الثاني (1480-1511م) وأرسلوا إليه رسالة في شكل قصيدة مطولة بالعربية سنة 1478م جسدت معاناتهم من الظلم والاضطهاد الاسباني وختم الشاعر قصيدته بتجديد الاستغاثة بالدولة العثمانية والرجاء لإنقاذهم وإجلائهم من البلاد.[19] فتمّ الاتفاق بين السلطان بايزيد الثاني وملك مصر على أن يرسل الأول أسطولا بحريا لمواجهة سواحل صقلية لكونها تابعة لمملكة إسبانيا، وأن يرسل ملك مصر جيشا من جهة شمال إفريقيا، تأخر السلطان العثماني لكنه في الأخير أرسل أسطولا بحريا بقيادة كمال ريس أغار على سواحل إسبانيا بعد سقوط غرناطة، فكان أول من قام بإجلاء عدد كبير من مسلمي ويهود الأندلس وتوطينهم في الأناضول[20]. وعليه قرر الملكان الكاثوليكيان حراسة كل السواحل الجنوبية لقطع الامدادات عن غرناطة[21]. وواصل الإسبان حربهم ضد المسلمين وصبوا عليهم جم غضبهم وحقدهم الدفين.
في هذا الوقت كان البحر الأبيض المتوسط مسرحا لانتصارات مدوية أحرزها عروج وخير الدين بربروسا في غارته على سفن وشواطئ إسبانية وجنوة وفرنسا وسردينا ومايورقة ومينورقة وصقلية، وصارا اسمهما كالأسطورة، يكفي ذكر "بربروسا" لتستلم أقوى السفن[22]. ولا شك أن الموريسكيين قد طلب مساعدتهما قصد نقلهم إلى بلاد المغرب، وحسب شارل "أندري جوليان" فإن السلطان الحفصي أعطى لعروج جزيرة جربة للإقامة فيها بعد أن ضاع صيته على إثر إنقاذه للآلاف من الموريسكيين وحملهم إلى الجزائر وتونس[23].
وتذكر المصادر أنه خلال سنة 1513 م أبحر عروج مع أخيه خير الدين بأسطولهما الصغير المتكون من ثمانية سفن وجنودهما (300-400 جندي) إلى سواحل الأندلس لنجدة الموريسكيين، ولا تذكر العدد المهجر بالتدقيق وتكتفي بالقول أنه تم "نقل عدد كبير من المسلمين " إلى الجزائر وتونس[24]، وهناك من المؤرخين من يذكر أنهم كانوا يزيدون عن عشرة آلاف موريسكي[25].
هكذا كان انقاذ عروج للموريسكيين ونقلهم إلى بر الأمان بالجزائر وتونس، وغاراته على السفن المسيحية والإسبانية بصفة خاصة سببا في شهرته والاستنجاد به في المغرب الأوسط والأندلس، ذلك لأنه حقق للسكان والموريسكيين ما عجزوا بمعية حكامهم عن تحقيقه وهو ضرب الإسبان ونجدة مسلمي الأندلس من الاضطهاد.
وعلى إثر استغاثة سكان بجاية بعروج حاول فتحها وطرد الاسبان منه إلا أنه فشل مرتين؛ الأولى سنة 1512 والثانية سنة 1515م لضعف سلاح مدفعيته أمام تحصيناتهم القوية، لكنه تمكن من تخليص جيجل من قبضة الجنويين عام 1514م بإعانة سكانها والقبائل المجاورة واستقر بها، وخلال نفس السنة طلب مساعدته سليم التومي أمير مدينة جزائر بني مزغنة لتخليصه من الإسبان وخاصة من حصن "البينون" الذي كان يراقب ميناء المدينة، ومن الإتاوة التي كانوا يدفعونها لهم[26]. لم يتأخر عروج وخرج مع جيشه وسفنه إلى مدينة الجزائر واستقبله السكان استقبال الفاتحين. توقف في المدينة عدة أيام ثم سار إلى شرشال التي أغلب سكانها من الموريسكيين[27] المعروفين بشجاعتهم، فحررها من الاسبان وجنّد منهم حسب "دوهايدو"، 500 جندي مسلحين كلهم تقريبا بالبنادق(Mousquets)[28]. وقد شاركوا معه ومع خير الدين من بعده في جميع المعارك ضد الاسبان أو الامراء الموالين لهم ومكنهم من الأخذ بثأرهم.
وعلى إثر عودة عروج إلى مدينة الجزائر حاول تحطيم حصن البينون بمعية القوات الموريسكية، ولنا أن نتصور الحماس والقوة اللّذان كان يعمل به هؤلاء الموريسكيين لتحطيم الحصن والقبض على حراسه الاسبان لكن ضعف مدفعته حال دون ذلك.
وعلى أية حال فقد نصبوا عروج حاكما لمدينة الجزائر، فشرع في تنظيم أمورها؛ فصك العملة باسمه وفرض الضرائب، ودعم التسليح وأضاف أعمال جديدة إلى القصبة ورتب لها حامية من رجاله المخلصين العثمانيين والعرب ونجح في فرض النظام والأمن في مدينة الجزائر وضواحيها[29].
اعتبرت الحكومة الإسبانية النجاح الذي حققه عروج في مدينة الجزائر بإقامة دولة وتحصينها خطرا يهددها، لأن هذه المدينة ستصبح وكرا لأكبر قراصنة البحر المتوسط وأعوانه يهددون أساطيلها في البحر المتوسط وسواحلها،[30] ويساعدون الموريسكيين في تهجيرهم وتحويلهم إلى محاربين ضدها إلى جانب آل بربروسا، لذلك لم يتأخر الكاردينال خمينيس (Cinseros Ximénés) الذي تولى حكم إسبانيا مؤقتا بعد وفاة الملك فرديناند سنة 1516 في تنظيم حملة عسكرية بحرية للقضاء على حكم الإخوة بربروسا وطردهم من الجزائر وكان قوامها 35 سفينة حربية تحمل أكثر من ثلاثة آلاف رجل تحت قيادة "ديقو ديفيرا" (Diego de Vera) أرست بميناء الجزائر في 30 سبتمبر 1516م، بيد أن عروج قد هزمهم مع جيشه وسكان المدينة هزيمة تامة لم ينجوا منهم أحد وحطمت العاصفة معظم أسطولهم، وعلى إثر هذا الانتصار أخذ عروج يوسع في ملكه، حيث استعان بأخيه خير الدين لفتح الجهة الشرقية من البلاد، وسار هو باتجاه الغرب إلى أن بلغ المدية ومليانة وكامل بلاد القبائل وتنس[31]. ومن هناك اتصل به وفد من تلمسان وطلبوا منه نجدتهم ضد حاكمها أبو حمو الزياني المتحالف مع الإسبان. هاجم عروج تلمسان وهزم أبو حمو ودخل مدينة تلمسان وقضى على بقية بني زيان[32]، وعلى إثر طرده توجه أبو حمو فورا إلى وهران وقطع البحر إلى إسبانيا قاصدا الإمبراطور شارل الخامس (1519-1556م) متوسلا إليه أن ينجده ويعينه على سكان تلمسان وعروج، فلبى دعوته وأرسل معه جيشا قويا استطاع أبو حمو بواسطته أن يرجع إلى مملكته ويقتل عروج وعددا من اتباعه وكان ذلك سنة 1518م[33].
ثالثا: خير الدين يواصل جهوده في التضييق على الإسبان ونجدة الموريسكيين:
ما إن وصل خبر استشهاد عروج حتى قام الجنود ورياس البحر الأتراك بتعيين خير الدين حاكما على الجزائر[34]، وافق خير الدين على المنصب وقرر المضي في نفس الطريق الذي سار عليه عروج وهي التضييق على الإسبان في الجزائر وفي البحر الأبيض المتوسط[35]، ولتحقيق هذه الغاية قرر مع أعيان مدينة الجزائر ربطها بالدولة العثمانية باعتبارها في ذلك الوقت أكبر دولة إسلامية تتوجه نحو حماية المسلمين في كل مكان[36]، وافق السلطان سليم الأول على انضمام المغرب الأوسط إلى دولته وتمتين العلاقات السياسية والعسكرية بينهما، فمنحه رتبة "بيلرباي" الجزائر وأمده بقوات وأسلحة عسكرية[37] كان في أمس الحاجة إليها لمواجهة الخطر الاسباني المتربص به.
وحسب مذكرات خير الدين فإنه قام باستعدادات كبيرة خلال فصل الشتاء لمواجهة قوات شارل الخامس الذي لم يتأخر وأرسى بقواته في خليج مدينة الجزائر، وكان عدد الإسبان المشاركين في الحملة عشرين ألف جندي قضى خير الدين وأتباعه على أغلبهم وأسر منهم حوالي 700 إ اسباني[38]. وهكذا تغيرت موازين القوى واستطاع خير الدين وجيشه تمريغ أنوف الاسبان في تراب مدينة الجزائر بعدما كان سكانها يهابونهم ويدفعون لهم الإتاوة مقابل سلامتهم، ولكن المؤامرات الداخلية التي دبرها زعماء القبائل بمساعدة حكام تونس وفاس ضد خير الدين دفعته إلى الانسحاب إلى جيجل لمدة ثلاث سنوات تاركا حكم البلاد لابن القاضي تفاديا لحرب أهلية[39].
وخلال ثلاث سنوات التي قضاها بجيجل[40] لم يتخل خير الدين عن مسلمي الأندلس، فحسب مخطوط غزوات عروج وخير الدين فإنه كان يسافر باستمرار "وعلى عادته إلى بلاد الاندلس" وينقل منهم الأعداد الكثيرة إلى بلاد المسلمين ولا ندري هل يقصد بلاد المغرب أو سائر بلاد الإسلام، وجاء أيضا في ذات المصدر أن رياسه كانوا يقتدون به في نجدة الموريسكيين حيث استأذنه أحد رياسه للسفر إلى سواحل إسبانيا فإذن له ورجع بعدد كبير منهم "جملة واسعة من أهل الاندلس المسلمين" [41].
وبعد أن رجع خير الدين إلى مدينة الجزائر سنة 1525م قام بتوحيد البلاد وتنظيمها والقضاء على كل معارضيه، ثم تفرغ لحصن البينون؛ فحاصره في 6 ماي 1529م وبدأت المدافع تطلق عليه النار واستمرت لمدة 25 يوم، دون توقف إلى أن هدمت أسواره وقتلت حاميته، وبدون انتظار أعطى خير الدين أوامره لتهديم الحصن وأنشأ بحطامه رصيف طويل شكل ميناء تحتمي إليه السفن. وبهذا الانجاز تخلصت مدينة الجزائر نهائيا من مراقبة الإسبان.
كان نبأ انتشار تلك الانتصارات التي أحرزها خير الدين في إسبانيا عاملا محفزا لإعلان الثورة من قبل الموريسكيين على الاسبان حيث نزل ثمانون ألفا من الذين كانوا معتصمون بالجبال وهاجموا الإسبان وألحقوا بهم هزائم معتبرة، وما كادت أخبار ثورة الموريسكيين تصل إلى الجزائر حتى أمر خير الدين أحد رياسه بالخروج على رأس أسطول مكون من 36 سفينة لنصرة الثوار، وبالجملة فإن أسطول خير الدين إلى غاية سنة 1529م قام بواحد وعشرين حملة على الأندلس في كل منها كان يخلص آلاف الموريسكيين رجالا ونساء وأطفالا وينقلهم إلى سواحل شمال إفريقيا، كما أن السلطان سليمان القانوني كان يحث خير الدين على مساعدتهم عبر رسائل عديدة وصلت إليه[42].
ولا نتصور أن عمليات إنقاذ الموريسكيين التي قام بها خير الدين ورجاله كانت تتم بسهولة، بل على العكس من ذلك؛ فقد كانت تتلقى من القوات الإسبانية المكلفة بحراسة الشواطئ الجنوبية مقاومة شرسة، وحسب "دوهايدو" فإن خير الدين ورياسه قد أظهروا شجاعة وإقدام كبيرين لنجدتهم ونقلهم إلى سواحل إفريقيا بأمان.[43]
وخلال سنة 1533م، جدد الموريسكيون ثورتهم ضد الاسبان وتحركوا للدفاع عن دينهم وتسلحوا وأخذوا معم نساءهم وأطفالهم وتحصنوا بجبل بالأندلس يسمى باردونا Pardona فحاصرهم المسيحيين وبعد معارك كثيرة أجبرهم الجوع ونقص الذخيرة على العودة إلى مدنهم وقراهم التي تركوها وبسبب تلك الظروف القاسية التي باتوا يعانون منها أرسلوا إلى خير الدين رسالة وشرحوا له أحوالهم، وفي الحال قرر تسليح 36 سفينة بالمدفعية والجنود، لإنقاذ المورسكين وبعد معارك كبيرة مع السفن الإسبانية انتصر الجزائريون، ورجعوا إلى الموريسكيين ونقلوهم مع نساءهم وأطفالهم وممتلكاتهم، وكان من المستحيل على تلك السفن أن تنقل الجميع في رحلة واحدة لأنهم كانوا بإعداد كبيرة ، فاتفقوا معهم أن يتحصنوا بجبل باردونا وتركوا لحراستهم فرقة من ألف جندي إلى غاية عودة المسلمين لترحيلهم جميعهم. وكان على هذا الأسطول أن يقوم بسبع رحلات متتالية نقلت إلى سواحل الجزائر سبعين ألف شخص[44].
هذه الجهود التي بذلها خير الدين ورجاله لتخليص الموريسكيين ونقلهم إلى بر الأمان بقوة السلاح رصدتها لنا بعض المصادر وغيرها التي ماتزال في دور الأرشيف وتحتاج لجهود الباحثين للكشف عنها خاصة في الأرشيف العثماني الذي يكتسي أهمية بمكان في كتابة التفاصيل المهمة في تاريخ العلاقات بين الجزائر والدولة العثمانية في إطار الصراع الدائر مع إسبانيا ومأساة الموريسكيين. وتوضح لنا النصوص التاريخية الأسباب التي جعلت الموريسكيين يكتبون رسالة إلى السلطان العثماني سنة 1541 ويطلبون منه إعادة خير الدين دون غيره إلى الجزائر لإنقاذهم من محنتهم بعد أن انتقل إلى اسطنبول سنة 1535م، ويثنون عليه كل الثناء حيث قالوا عنه: المجاهد في سبيل الله خير الدين وناصر الدين وسيف الله على الكافرين[45].
وتشير المصادر أن خير الدين ورياس البحر الجزائريين قد تعهدوا بالسفر إلى سواحل الأندلس ونجدة العائلات الموريسكية ونقلها إلى سواحل إفريقيا[46]. وجعلوها قانونا يلتزمون به هم وخلفائهم. هذا، وقد استمرت غارات رياس البحر الجزائريين على طول السواحل الاسبانية أكثر من مائة سنة، أي منذ سقوط غرناطة الى غاية الترحيل النهائي للمورسكيين 1609م، وقدر عددها ما بين 1528-1584م ب 33 غارة، سببت خسائر معتبرة للإسبان، وأنقذ فيها الآلاف من الموريسكيين الذين قدموا معلومات دقيقة ساعدت رياس البحر في نجدتهم وترحليهم عن المنطقة. وقد تمكن خلفاء خير الدين من انقاذ الاعداد التالية[47]:
تمكن الريس درغوث في سنة 1559 من ترحيل 2500 موريسكي، وفي سنة 1570 نقل جميع مسلمي بلمير (Palmire) وفي سنة 1574م، نقل أسطول جزائري 2300 موريسكي، وفي سنة 1575م نقل اسطول جزائري جميع سكان كالوسا، (Calosa)، وهذا الترحيل للموريسكيين اعتبره الاسبان إهانة لإسبانيا وتخريب لاقتصادها لأنه يفقدها العمال والحفريين.
الخاتمة:
من خلال ما تقدم يمكننا أن نستخلص النتائج التالية:
- كان تفكك بلاد الأندلس والمغرب إلى إمارات صغيرة متناحرة سببا في ضعفها وتسلط إسبانية عليها التي سعت في المقابل إلى وحدتها ومن ثمة قضت على غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس سنة 1492م ولاحقتهم إلى سواحل المغرب.
- بروز الإمبراطورية العثمانية مع نهاية القرن الخامس عشر كأكبر دولة إسلامية في العالم تتوجه لحماية المسلمين في كل مكان لم يستفد منه الموريسكيون كثيرا بسبب بعد المسافة وانشغالها بالفتوحات على الجبهة الشرقية، وحروبها المستمرة.
- إنّ روح التسامح التي أبداها العثمانيون مع الشعوب الأوربية المغلوبة كانت روحا مثاليا حيث تركوا لهم حرية العبادة والمعتقد ولم يجبروا أحدا على ترك دينه، وهذا خلافا لما فعله الإسبان مع الموريسكيين حيث أجبروهم على التنصير وأقاموا لهم محاكم التفتيش التي أدت إلى حد القتل والحرق بالنار ومصادرة الممتلكات وتهجيرهم من أراضيهم وتذكرنا بما تفعله اليوم اسرائيل بالفلسطينيين.
- لعب عروج وخير الدين دورا بارزا في محاربة الإسبان وانقاذ الموريسكيين من الظلم والاضطهاد، حيث نقلوا إلى سواحل إفريقيا الآلاف منهم، وبعد استشهاد عروج واصل خير الدين مسيرته في التضييق على الإسبان في البحر الابيض المتوسط ونجدة الموريسكيين.
- مكّن عروج الموريسكيين ومن بعده خير الدين من الأخذ بثأرهم عندما ضمهم إلى جيشه في محاربة الإسبان والأمراء الموالين لهم.
- وضع عروج نواة الإيالة الجزائرية وأتمها خير الدين بعد أن ربطها بالدولة العثمانية وتحصل على دعمها السياسي والعسكري قصد التصدي للأخطار الداخلية والخارجية التي تترصده وخاصة خطر الإمبراطورية الاسبانية بقيادة شارل الخامس.
- كان هدف سليم الأول من ضم إيالة الجزائر إلى دولته هو الحصول على جبهة متقدمة للدفاع ضد الاسبان في الحوض الغربي للبحر المتوسط والتفوق عليه.
- لقد حقق خير الدين نجاحا كبيرا في الجزائر التي أصبحت حصنا منيعا يلتجئ اليه المهاجرون الاندلسيون بعدما ألزم رياس البحر الجزائريين ترحيلهم وجعله قانون دائم في دولته.
- كان خير الدين ورجاله رياس البحر عاملا بارزا في تحطيم الكثير من المشاريع الإسبانية في الأندلس والجزائر، إذ تمكنوا من إلحاق الهزائم بجيشه على أرض الجزائر وبسفنه في عرض البحر المتوسط وعلى سواحل بلاده، وأنقذوا الآلاف من الموريسكيين وأسكنوهم في قرى ومدن الجزائر، التي استفادت من خبراتهم في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والفنية والعمرانية ومازالت بعض آثارهم واضحة في الحياة الجزائرية إلى غاية اليوم كالموسيقى الأندلسية وبعض الالفاظ والأطعمة والأقمشة وغيرها.
- ارتكب الاسبان جرائم بشعة في حق الحضارة والعلم باضطهاد الموريسكيين وحرق آثارهم وتشريد علمائها، ولم ينتبهوا وهم في غمرة الابتهاج بترحيل مسلمي الاندلس نهائيا من وطنهم أنهم أساءوا الى بلادهم إساءة كبيرة، لأن النفي ترك أثرا بالغا في النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية لأنهم كانوا من أفضل العناصر السكانية النشطة وأكثرهم إسهاما في خزينة الدولة لتطورهم في الزراعة واستئثارهم بالتفوق في العلوم والفنون والمهن، كما كانوا أبرع الاطباء والمهندسين والصناع والحرفيين، وبرحيلهم أغلقت الكثير من المصانع وهجرت الحقول وتعطلت نظم الري، وكثرت الغارات على الشواطئ الاسبانية نتيجة لتحول الكثير منهم الى مجاهدين في البحر[48] وزاد خطرهم أكثر بعد تأسيس خير الدين لإيالة الجزائر العثمانية وانضمامهم إلى رياسه.
- نجح عروج وخيرالدين في تحرير عدة مدن في الجزائر من الاحتلال وإفشال الحملات الحربية الاسبانيةعلى مدينة الجزائر سنة 1516و1519م والقضاء على الأمراء الموالين لهم ومنع الإتاوات والمعاملات الاقتصادية مع الاسبان في وهران بعد ضم تلمسان.
- استمرت الغارات البحرية التي كان يشنها رياس البحر الجزائريين على السواحل الإسبانية عنصرا يزعج الحكومة الاسبانية، وقد زاد عددها واشتد ضربها بالأخص منذ منتصف القرن السادس عشر، وكان هذا غريبا، ذلك لأن إسبانيا كانت يومئذ سيدة البحار وكانت أساطيلها الضخمة تجوب مياه الأطلنطي حتى بحر الشمال وجزر الهند الغربية وتسيطر على غرب البحر المتوسط، بيد أنها لم تستطع أن تقمع تلك الغارات الصغيرة المفاجئة يقوم بها رياس البحر الجزائريين وبمساعدة إخوانه الموريسكيون.
وفي الأخير يمكننا القول إن الجهود التي بذلها الاخوان بربروسا وخاصة خير الدين لإنقاذ الموريسكيين التي رصدتها لنا النصوص والوثائق التاريخية تستحق الشكر والثناء وكل التقدير من كل عاقل يؤمن بعدالة قضية الموريسكيين وحقهم في العيش بكرامة وحرية في وطنهم، كما أنهما يستحقا الشكر ولو بعد كل هذه السنوات من طرف كل شعوب شمال إفريقيا على التضحيات الجبارة التي بذلاها لتحرير بلدانهم من الاحتلال الاسباني والدفاع عنهم في الجزائر وتونس وطرابلس.
المصادر والمراجع:
- أولا: العربية
- أحمد المقري التلمساني، أزهار الرياض في أخبار عياض، ج1، أعيد طبع الكتاب تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الامارات العربية المتحدة، دون تاريخ.
- أحمد المقري التلمساني، نفح الطيب من عصن الأندلس الرطيب وذكر وزيره السان الدين ابن الخطيب، تحقيق وتعليق، مريم قاسم طويل، يوسف علي طويل، ج6، دار المعرفة الدولية، الجزائر، 2011.
- أحمد توفيق المدني، محمد بن عثمان باشا داي الجزائر 1756-1791، سيرته، حروبه، أعماله، نظام الدولة والحياة العامة في عهده، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986.
جمال يحياوي، سقوط غرناطة ومأساة الاندلسيين، تقديم، أبو القاسم سعد الله، منشورات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية، 2011.
- حتامله، محمد عبده، محنة مسلمي الأندلس عشية سقوط غرناطة، منشورات، المؤلف، بدعم من الجامعة الأردنية، عمان، 1779.
- حسن بن محمد الوزان الفاسي، وصف إفريقيا، ترجمه من الفرنسية، محمد حجمي، محمد الاخضر، دار الغرب الاسلامي، ط2، لبنان، 1983.
- حنيفي هلال، الحضور الاندلسي بالجلال في العهد العثماني على ضوء سجلات المحاكم الشرعية، جامعة سيدي بلعباس، الجزائر،2016.
- شارل اندري جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية تونس الجزائر المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى سنة 1830، ج2، تعريب محمد مزالي والبشير بن سلامة، ط2، الدار التونسية للنشر، تونس، 1983.
- عبد الجليل التميمي، تراجيديا طرد المورسكيين من الاندلس والمواقف الاسبانية والعربية منها، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس، فيفري، 2011.
- عبد الجليل التميمي، رسالة من مسلمي غرناطة إلى السلطان سليمان القانوني سنة 1541م، المجلة التاريخية المغربية، عدد، 3، 1975، تونس.
- عبد الحميد بن أبي زيان بن اشنهو، دخول الأتراك العثمانيين إلى الجزائر، درا الجيش الشعبي، الجزائر ، 1972.
- عبد الواحد دانون، حركة المقاومة العربية الإسلامية في الأندلس بعد سقوط غرناطة، المدار الإسلامي، ليبيا، 2004.
- عزيز سامح التر، الأتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية، ترجمة، محمود عامر، دار النهضة العربية، بيروت، 1989.
- فتحي زغروت، العثمانيون ومحاولات انقاذ مسلمي الاندلس (898-1115ه)/(1492-1609م)، الاندلس الجديدة، مصر، 2011.
- الفيكونت دو شاتوبريان، آخر بني سراج، ترجمة، شكيب أرسلان ومذيلة بخلاصة من تاريخ الأندلس إلى سقوط غرناطة المنار، ط2، مصر، 1924.
- محمد رزوق، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرن السادس والسابع عشر، أفريقيا الشرق، ط4، الدار البيضاء، 2014.
- محمد عبد الله عنان، دولة الاسلام في الاندلس، العصر الرابع نهاية الاندلس وتاريخ العرب المتنصرين، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1949.
- مذكرات خير الدين، ترجمة محمد دراج، شركة الأصالة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2010
- مرمول كاربخال، إفريقيا، ج2، ترجمة، محمد حجي، محمد زينبر، محمد الأخضر وآخرون، الرباط: الجمعية المغربية للتأليف الترجمة، مطبعة المعارف الجديدة، 1408 -1409هـ/1988-1989م.
- مؤلف مجهول، غزوات عروج وخير الدين، مخطوط بالمكتبة الوطنية الجزائرية، رقم 1623.
- نبيل عبد الحي رضوان، جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس واسترداد ه في مطلع العصر الحديث، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1407هـ-1987م.
- هنري شارلي، العرب والمسلمون في الاندلس بعد سقوط غرناطة، ترجمة، حسن سعيد الكرمي، دار لبنان، بيروت، 1988.
- ثانيا: الفرنسية
- Don Diégo de Haedo, Histoire des rois d’Alger, 1612, Trad, H- D-DE Grammont, libraire- éditeur, Alger, 1881.
- H-D. De Grammont, Histoire d’Alger Sous La Domination Turque (1515-1830),éd. Ernest, Paris, 1887.
- Laugier de Tassy, Histoire de Royaume d’Alger, édition, Henry du Sauzet Amsterdam, 1725.
- Rozet et Carette, L’Algérie, éd., Firmin Didot Frères, Paris.1850.
- Sinan Chaouch, fondation de la régence d’Alger, histoire de frères Barbarousse, Arroudj et Kheir- edine, Tard. J.M.e verture de paradis, Tome I , édition, ANGÉ,PARIS.
المواقع الالكترونية:
خالد بن الشريف، هكذا طُرد الأندلسيون: القصة الكاملة لطرد أهل الأندلس من ديارهم، منذ 3سنوات، 13 أبريل 2015م،
https://www.sasapost.com/the-full-story-of-the-expulsion-of-the-people-of-andalusia
[1] الموريسكيون: هي التسمية التي أطلقها الإسبان على المسلمين المتبقين في شبه الجزيرة الإبيرية بعد سقوط غرناطة وأصبحت متداولة بين المؤرخين. جمال يحياوي، سقوط غرناطة ومأساة الاندلسيين، تقديم، أبو القاسم سعد الله، منشورات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية، 2011، ص. 17
[2]خالد بن الشريف،هكذا طُرد الأندلسيون: القصة الكاملة لطرد أهل الأندلس من ديارهم، منذ 3سنوات، 13 أبريل 2015م،
https://www.sasapost.com/the-full-story-of-the-expulsion-of-the-people-of-andalusia
[3] عبد الجليل التميمي، تراجيديا طرد المورسكيين من الاندلس والمواقف الاسبانية والعربية منها، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس، فيفري، 2011، ص. 43
[4] حنيفي هلال، الحضور الاندلسي بالجلال في العهد العثماني على ضوء سجلات المحاكم الشرعية، جامعة سيدي بلعباس، الجزائر، 2016، ص.1
[5]جزيرة ميدللي: كانت تسمى قديما جزيرة ليسبوس وحاليا تسمى (Mitylène) الواقعة في بحر إيجا، عبد الحميد بن أبي زيان بن اشنهو، دخول الاتراك العثمانيين إلى الجزائر، درا الجيش الشعبي ، الجزائر ، 1972، ص. 38
[6] مؤلف مجهول، غزوات عروج و خير الدين، مخطوط بالمكتبة الوطنية الجزائرية، رقم 1623، ورقة رقم 1
[7] عزيز سامح التر، الأتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية، ترجمة، محمود عامر، دار النهضة العربية، بيروت، 1989. ص. 28
[8]Don Diégo de Haedo, Histoire des rois d’Alger, 1612, Trad, H- D-DE Grammont, libraire- éditeur, Alger, 1881, p. 51
[9] لمزيد من التفاصيل حول هذه المعركة البحرية بين عروج وخير الدين، ينظر: مخطوط غزوات عروج وخير الدين، المصدر السابق، روقة رقم 07-08
[10] شارل اندري جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية تونس الجزائر المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى سنة 1830، ج2، تعريب محمد مزالي و البشير بن سلامة، ط2، الدار التونسية للنشر ، تونس، 1983، ص.321-324
[11] عبد الواحد دانون، حركة المقاومة العربية الإسلامية في الأندلس بعد سقوط غرناطة ، المدار الإسلامي ، ليبيا، 2004، ص.7-8
[12] أحمد المقري التلمساني، نفح الطيب من عصن الأندلس الرطيب وذكر وزيره السان الدين ابن الخطيب، تحقيق وتعليق، مريم قاسم طويل، يوسف علي طويل، ج6، دار المعرفة الدولية، الجزائر، 2011، ص.281-282
[13] كانت محاكم التفتيش تتابع وتعاقب المورسكيين بسبب ما يأتي: -الطهارة – الصلاة –صوم رمضان –الاحتفال بيوم الجمعة – عدم شرب الخمر واكل لحم الخنزير وقراءة الكتب العربية-ختان الأطفال. محمد رزوق، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرن السادس والسابع عشر، أفريقيا الشرق، ط4، الدار البيضاء، 2014، ص. 84
[14] نبيل عبد الحي رضوان، جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس واسترداد ه في مطلع العصر الحديث، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1407هـ-1987م، ص. 33
[15] عبد الواحد دانون، المرجع السابق، ص-ص. 31-35
[16] أحمد المقري التلمساني، المصدر السابق، ص. 282
[17] محمد عبد الله عنان، دولة الاسلام في الاندلس ، العصر الرابع نهاية الاندلس وتاريخ العرب المتنصرين، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1949
[18] عبد الجليل التميمي، رسالة من مسلمي غرناطة إلى السلطان سليمان القانوني سنة 1541م، المجلة التاريخية المغربية، عدد رقم 3، سنة 1975، تونس، ص. 37-38
[19] أحمد المقري التلمساني، أزهار الرياض في أخبار عياض، ج1، أعيد طبع الكتاب تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الامارات العربية المتحدة، دون تاريخ، ص. 109-115
[20] مذكرات خير الدين، ترجمة محمد دراج، شركة الأصالة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2010، ص.54
[21] شكيب ارسلان، خلاصة من تاريخ الاندلس، المرجع السابق، ص. 267
[22] عزيز سامح التر، المرجع السابق، ص. 47-50
[23] شارل اندري جوليان، المرجع السابق، ص. 326
[24] مذكرات خير الدين، المصدر السابق، ص.54
[25] عبد الحميد بن أبي زيان بن اشنهو، المرجع السابق، ص. 31
[26] حسن بن محمد الوزان الفاسي، وصف افريقيا، ترجمه من الفرنسية، محمد حجمي، محمد الاخضر، دار الغرب الاسلامي، ط2، لبنان، 1983، ص.38-39
[27]وكان للمهاجرين في شرشال حوالي 5000 مسكن، والذين يكون نواتهم كل من الثغريين (Tagarinos)، والمدجنين (Mudéjares)، والأندلسيين، ينظر: مرمول كاربخال، إفريقيا، ترجمة، محمد حجي، محمد زينبر، محمد الأخضر و أخرون، الرباط: الجمعية المغربية للتأليف الترجمة، مطبعة المعارف الجديدة، 1408 -1409هـ/1988-1989م،ج2، ص. 357، 362.
[28]Don Diégo de Haedo, Op.cit., p. 26
[29]Rozet et Carette, L’Algérie, éd., Firmin Didot Frères, Paris.1850.p.430-431
[30] Idem, p.432
[31] H-D. De Grammont, Histoire d’Alger Sous La Domination Turque (1515-1830),éd. Ernest, Paris, 1887, p. 23
[32] أحمد توفيق المدني، محمد بن عثمان باشا داي الجزائر 1756- 1791، سيرته، حروبه، أعماله، نظام الدولة والحياة العامة في عهده، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ص. 24
[33] وكانت قيمة الاتاوة التي فرضت عليه مقايل رجوعه إلى الملك 12000 مثقال من الذهب 12 فرسا و6 صقور إناث سنويا، ينظر: حسن بن محمد الوزان الفاسي، المصدر السابق، ص. 9-10
[34] Laugier de Tassy, Histoire de Royaume d’Alger, édition, Henry du Sauzet Amsterdam, 1725. p. 36
[35] مذكرات خير الدين المصدر السابق، ص. 93
[36] انظر الرسالة التي نشرها عبد الجليل التميمي في المجلة التاريخية المغربية، عدد، 6، 1976، تونس، ص. 117 وما بعدها
[37] فتحي زغروت، العثمانيون ومحاولات انقاذ مسلمي الاندلس (898-1115ه)/(1492-1609م)، الاندلس الجديدة، مصر، 2011، ص.59
[38] مذكرات خير الدين، المصدر السابق، ص. 94
[39]أحمد توفيق المدني، المرجع السابق، ص. 26
[40] غزوات عروج وخير الدين، المصدر السابق، الورقة. 18
[41]غزوات عرو وخير الدين، المصدر السابق، الورقة. 16
[42] مذكرا ت خير الدين، المصدر السابق، ص. 159-160
[43] يقدم دوهايدو صفحات مشرقة من المقاومة التي ابداها خير الدين ورياسه ضد السفن الاسبانية من أجل انقاذ اخوانهم في الدين ونقلهم الى بر الامان، ينظر:
Don Diégo de Haedo, Op.cit., pp. 39-40
[44]Sinan Chaouch, fondation de la régence d’Alger, histoire de frères Barbarousse, Arroudj et Kheir- edine, Tard. J.M.e verture de paradis, Tome I, édition, J. ANGÉ, PARIS, 1837, pp . 281-283
[45] عثر على هذه الرسالة الاستاذ عبد الجليل التميمي، بأرشيف متحف طوب كابي باستانبول تحت رقم 3154 T.K.A.ونشرها في المجلة التاريخية المغربية، العدد، 3، المرجع السابق، ص. 43-46
[46]Sinan Chaouch,Op.cit., p.283
[47] هنري شارلي، العرب والمسلمون في الاندلس بعد سقوط غرناطة، ترجمة، حسن سعيد الكرمي، دار لبنان، بيروت، 1988، ص. 124-125
[48] حتامله، محمد عبده، محنة مسلمي الأندلس عشية سقوط غرناطة، منشورات، المؤلف، بدعم من الجامعة الأردنية، عمان، 1779، ص. 120-121