النصب الكتابية بنوميديا الشرقية
ﺃ. دحو كلثوم/ باحثة
مديرة متحف سيرتا سابقا
توطئــــــــــــــــة:
لقد كشفت الأبحاث الأثرية عن وجود المئات بل أكثر من ذلك بكثير من النصب التي نقشت عليها كتابات غير مألوفة لفترات عديدة من العصور العتيقة الليبو-نوميدية. ولذلك كانت موضوعا لعدد من الدراسات المنشورة في المجامع Corpus وفي المجلات المتخصصة. والملفت للانتباه أنّها لا تزال إلى اليوم غير مقروءة، رغم بعض المحاولات التي تتوصّل إلى فكّ "شفرتها". هذه الكتابة هي الخط المعروف عند المتخصصين باسم الخط الليبي Le libyque الذي يسميه البعض الخط النوميدي-الأمازيغي والخط التيفيناغ أحيانا.
وحيث أنّ تقديم شيء بخصوص قراءة تلك النصوص الأثرية الليبية غير متيسّر، ولا ندّعي القدرة على خوض ذلك الموضوع الصعب. منه سنحاول في هذه الورقة تحديد توزّعها وانتشارها على خريطة الشرق الجزائري، من الحدود الجزائرية التونسية شرقا حاليا إلى وادي الصمام غربا، ومن أقصى نقطة تتواجد فيها جنوبا إلى المنطقة الساحلية.
- الأبجدية الليبية:
إن الأبجدية الليبية هي من كتابات العالم القديم، ينسبها رواد البحث في هذا المجال إلى أسرة اللغات السامية-الحامية Chamito-sémitiques . وقد أشار هيرودوت ابتداء من القرن V ق.م، الى اللغة اللوبية عندما ذكر سكان هذه المنطقة.[1] بينما يحاول البعض الآخر ضمّها إلى الكتابات القديمة التي ظهرت في البلدان المتوسطية، كالفينيقية والبونقية والإغريقية واللاتينية. ولقد اكتشفت هذه الكتابة منقوشة على مئات النصب الجنائزية، وفي مواقع عديدة على امتداد الشمال الأفريقي.
وصلت إلينا الكتابة الليبية عبر النصب الجنائزية التي اكتشفت في مناطق عديدة بشمال أفريقيا، ويعتقد البعض أن أقدم هذه النقائش هي نقيشة "دوقة" المزدوجة التي تعود إلى سنة 139 ق.م.[2] وهي محفوظة في المتحف البريطاني. وعلى عكس الأبجديات المعاصرة لها فإنها استمرّت إلى الآن تحت اسم "التيفيناغ". ولا تزال حيّة عند المجموعة الترقية، التي احتفظت بها بعيدا عن المؤثرات التي حملها المستعمرون المتعاقبون، على حكم الشمال الأفريقي.
كانت الأبجدية الليبية حرّة في كتابتها إذ تكتب أفقيا أو عموديا، لكن التأثر باللغة العربية في عصور تالية جعلها تحاكيها في الكتابة أفقيا، ومن اليمين إلى اليسار.
.Iالنقائش الليبية :
قمنا بعد جمع هذه النقوش (1 )بتوزيعها على مناطق اكتشافها(2)لنتوصل إلى معرفة أين كانت تتواجد بكثافة وأين كانت أقلّ كثافة وأين تنعدم (3) .ومن خلال هذا أمكن لنا أن نتعرف على أماكن الكثافة البشرية بشمال أفريقيا، خلال فترة انتشار تلك الكتابات.
وخلال توزيع هذه النقوش على الخريطة حسب مناطق العثور عليها، برزت أمامنا حقيقة وهي تواجد نقوش بعدد كبير ببعض المناطق. مما أدى بنا الي رسم خريطة أخرى على سلّم مناسب، لإظهار أماكن تواجدها. ويتعلق الأمر بالمنطقة الحدودية ما بين "القالة" و"طبرقة" حيث توجد أكبر نسبة من النقوش الليبية، وقد وزعناها على الخرائط أدناه كما يلي :
- الخريطة الأولى للنقوش الليبية تحمل حرف "أ"
- الخريطة الثانية للنقوش الليبية تحمل حرف "أ1".
- الخريطة الأولى "أ" والثانية "أ1" للنقوش الليبية نرمز لها بمثلث أسود وعددها عشرة نقوش، وبمثلث أبيض لنقيشة واحدة.
- الخريطة الثالثة للنقوش البونيقية كما أشرنا لبعض النقوش المزدوجة بحرف "ب"، ورمزنا لنقيشة واحدة بمربع أبيض ولعشرة نقوش بمربع أسود.
- الخريطة الرابعة لمدينة «قرطن- سرت» ، قسنطينة وضواحيها نظرا لكثرة النقوش التي تواجدت بهذه المدينة.
تواجدت النقوش الليبية في المنطقة الحدودية المحصورة ما بين القالة شمالا وسوق أهراس جنوبا، إلى قالمة غربا.
وتبدأ في التباعد عن بعضها البعض بشرق مدينة قسنطينة لتتكاثف أكثر بجنوبها ما بين أولاد رحمون وسيقوس وشرق عين مليلة وغرب مدينة قسنطينة ثمّ تتكاثف بدرجة أقلّ بجوار مدينة ميلة إلى "فج مزالة" غربا ومن "وادي العثمانية" إلى "تلاغمة" جنوبا. لتتباعد مرة ثانية بالسهول العليا الشرقية من عين البيضاء إلى جنوب عين مليلة.
تذكر المصادر الأدبية أسماء بعض القبائل التي كانت تقطن بهذه المناطق، لكن لم نتوصل إلى معرفة مواقع استقرارها[3] ، وهنا ينبغي طرح السؤال في ما إذا كانت هذه النقوش الكتابية متواجدة[4] بأماكن تواجد تلك القبائل أو بأماكن مدن قديمة أو خارجها ؟ ولو توفّر لنا الجواب على هذا السؤال لأمكننا أن نقارنها بأماكن تواجد الكتابة الليبية[5] اعتمادا على المواقع الأثرية التي ذكرها اسطيفان قزال سأسمفي أطلسه الأثري[6].
(1) توزيع النقوش الليبية في الشرق الجزائري (كلثوم قيطوني دحو 1981)
وحسب هذا التواجد فإنّ النقوش الليبية موجودة بكثافة في منطقة محصورة بين الطارف جنوبا، بوحجار غربا. أين نجد أيضا "الدولمن" الداخلية بكثافة[7]، وهو ما أثبتته الأبحاث الأثرية في هذه المنطقة التي كانت موطن قبائل ميسيكيري Misiciri . التي ذكرت النقوش الليبية اسمها بالكامل[8]. كما أن جل أماكن استقرار كبرى للقبائـل النوميدية شرقي المملكة النوميدية تتكاثف بها النقوش الليبية على غرار "قبيلة نوميدية" Numidiae ، وقاعدتها مدينة "تبرسق النوميدية"Tubursicu-Numidarumجنوب غرب سوق اهراس وغير بعيد عنها.
(2) توزيع النقوش الليبية جنوب شرق مدينة عنابه (كلثوم قيطوني دحو 1981)
ونلاحظ شبه انعدام هذه النقوش بالمدن القديمة والمعروفة[9] ، وهو ما استند عليه القائلون بأنّ ذلك يعود إلى عدم اتخاذ هذه الكتابة كتابةً رسمية. ووجودها بكثافة خارج هذه المدن، دليل على استعمالها من طرف عامة المجتمع.
.IIالنقائش المزدوجة الليبية – البونية والليبية - اللاتينية :
تتوزّع الأولى كالآتي :
- نقيشة بمدينة قسنطينة.
- نقيشة بمدينة قالمة.
- نقائش ما بين الجنوب الشرقي والجنوب الغربي من مدينة قالمة.
- نقيشتان جنوب شرق مدينة ميلة
- نقيشة بجنوب غرب نفس المدينة.
أما النقائش المزدوجة الليبية-اللاتينية فهي موزعة كالآتي :
- نقيشة بجنوب شرق مدينة عنابه.
- نقيشتان بجنوب غرب نفس المدينة " عنابه".
- نقيشتان بشمال عزابه.
- نقيشة بجنوب غرب قالمة.
- نقيشة بشمال غرب سوق أهراس.
.IIIالنقوش البونية:
وُجِدت النقوش البونيقية Puniquesبكثرة بمدينتي قسنطينة قالمة وبجنوبيهما، وبكثافة أقل بالمنطقة ما بين عين مليلة وباتنة . أما بميله فتتوزّع في أماكن بعيد بعضُها عن بعض، كما وُجد بعضها شرقي سوق أهراس، وشمال وغرب مدينة الطارف. أما بالسواحل فهي شبه منعدمة، وُجد منها نقشان اثنان بمدينة عنابه، وواحد بمدينة القل وواحد بمدينة بجاية. وعموما فإنّ توزّيع النقوش البونيقية أكثر في المدن، هو الذي جعل البعض يرى فيها الكتابة الرسمية للغة الرسمية[10] في الممالك النوميدية. مع أنّ هذا الحكم ليس نهائيا لأنّ الأمر متوقّف على الأبحاث الأثرية التي يمكن في حال استئنافها أن تقلب ما يراه البعض اليوم حقائق مؤكّدة.
أما المدينة الثانية التي تواجدت بها النقوش البونية، فهي مدينة قالمة. ويحتمل أنها كانت المدينة الملكية أو المدينة المفضلة للملوك.
أما النقائش البونيقية - اللاتينية فنجدها منحصرة مابين شمال تونس ونواحي قالمة كالآتي :
- نقيشة بجنوب قالمة.
- نقيشة بغربها .
- نقيشة بشمالها.
- نقيشة بشمال شرق صدراته.
- نقيشة بشرق ميلة أي غرب مدينة قسنطينة.
ومن خلال تواجد هذه النقوش بالشرق الجزائري نستنتج ما يلي:
ان النقوش البونيقية منحصرة وبكثافة بمدينتي قسنطينة و قالمة، بينما النقوش الليبية نجدها خارج هاتين المدينتين، وتحيط بهما من الجهات الأربع. الأمر الذي يؤدي بنا إلى استنتاج أنّ الكتابة البونيقية كانت تستعمل في المدن للتعامل الرسمي، والديني، والإداري. بينما خارج هاتين المدينتين في الأريا،ف فنجد كثافة النقائش الليبية لكنها ، تواجدت في بعض المدن والقلاع كمدينة ميلة و"قلعة تيديس".
(3) توزيع النقوش البونقية الجديدة والمزدوجة بالشرق الجزائري (كلثوم قيطوني دحو 1981)
.IVالنقوش الكتابية بـ"كرتن Krtn" سرت و ضواحيها:
ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي وأثناء الاحتلال الفرنسي تم تقسيم مدينة قسنطينة إلى قسمين[11] :
- المدينة العربية الإسلامية: أدخلت عليها تغييرات لبناء أحياء أوربية[12] فوق الصخرة. وأثناء التحويل والحفر كشف الستار عن آثار ولقي مختلفة، ونصب عليها كتابات، بمواقع مختلفة من المدينة وبالضواحي(فوق الصخرة، في كدية عاتي، في المقبرة الأوروبية، حي المنظر الجميل، في منحدر جواد الطاهر، بحي بيدي لويزة وبمنحدر سيدي مْسيد.) (أنظر خريطة اللقى).
وتوج هذا الاكتشاف بالعثور على حوالي ألف نقيشة بمعبد الحفرة[13] Sanctuaire punique d’El Hoffra بحي بيدي لويزة "حاليا" ، بموقع شركة سوناكوم "رونو سابقا" وكان هذا الاكتشاف سنة 1950.
- المدينة الأوربية : تواجدت في الضواحي خاصة منطقة الكدية ، وخلال أشغال البناء اكتشفت مئة وخمسون نقيشة بونيقية بمنحدر جواد الطاهر"حاليا" ، "لالوم سابقا ".
- غير بعيد عن "معبد الحفرة" ما بين 1866- 1927[14]. أما شرقي خانق الرمال في مرتفع المنصورة فقد اكتشفت نقيشة واحدة بها ثلاثة أحرف بونيقية ليصبح المجموع أكثر من ألف نقيشة. كتبت بأربع كتابات منها "البونيقية والبونقية الجديدة Néopunique، والمزدوجة والإغريقية واللاتينية. ومن بين هذه النقوش التي وجدت "بمعبد الحفرة" و"منحدر جواد الطاهر"، ثلاثة عشر نقيشة تعود إلى عهد الملك "ماسينيسا" ما بين سنتي 163-162 ق.م. وسنتي 148-147 ق.م.[15] وواحدة تعود إلى عهد ابنه "ميسيبسا" 128-127 ق.م.[16]
.Vالنقائش والأنصاب التي اكتشفت فوق الصخرة:
- نقيشة فوق الصخرة [17].
- نقيشة بالقرب من مقرّ البلدية.
- نقيشة بساحة قصر الياي[18] .
- نقيشة بالجناح الغربي لهذه الساحة.
- نقيشة بكدية عاتي " أين كانت المقبرة العتيقة".
- نقيشة بونيقية جميلة.
- نصب غير منقوش[19].
- نصب مكسورة.
- نقيشة بنهج قيطوني عبد المالك Ex-Rue de bienfait.
- نقيشة بالمقبرة المسيحية "بونيقية متأخرة".
- نقوش بالمنظر الجميل "وجدت بأماكن مختلفة من هذا الحي".
- نقوش بونيقية بالمنظر الجميل.
- نقوش بونيقية.
- نصب غير مكتوبة.
- نقيشة بالكتابة الإغريقية[20].
ومن خلال هذا العدد أصبحت مدينة قسنطينة المدينة الثانية بعد قرطاج، التي احتفظت بنصوص بونيقية ، وقبل سوسة )هاضرموت(*) (Hadrumetum. أما من حيث أهميتها التاريخية فنصوص قسنطينة ذات أهمية خاصة. أما خارج المدينة وبالجهة الشمالية الغربية وبالضبط "بمدينة تيديس" فقد تم اكتشاف تسعة نقوش بونيقية حديثة أي متأخرة. بينما يرى بيرتي في كتابه "نوميديا ، روما والمغرب" أنها نقوش فينيقية[21] . ونجد هذه النقوش تتباعد في شمال مدينة قسنطينة وجنوبها، وغربها. وشرق وجنوب مدينة ميلة، كما نجدها متباعدة عن بعضها البعض، وبأقل كثافة بجنوب مدينة الطارف. وغرب مدينة بوحجار، وجنوب شرق مدينة سوق أهراس. أما بالجنوب فهي منعدمة تماما وشبه منعدمة بالسواحل، ماعدا بمدن عنابه والقل وبجاية [22].
(4) مواقع الاكتشافات الأثرية في قسنطينة
من 1853 إلى الآن:
1.كدية عاتي : المقبرة ، مئات من القطع الأثرية (فخار وزجاج وغيره).
2.الحفرة 1225 (نصاب، فخاريات...)
- اكتشافات عديدة."قبور"
4.المنصورة: اكتشافات أثرية عديدة.
5.سيدي مبروك: لقي مختلفة.
6.السيلوك (CILOC): فخار.
7.الصخرة – القصبة : قطع أثرية هندسية . قصر الباي : أنصاب بونيقية.
8.المقبرة المسيحية : قبور وأنفورات
9.مساكن ولقي أ ثرية بحي سيدي مسيد.
.VIالكتابة الفينيقية:
إن أبجدية هذه الكتابة مستعملة في كل أنحاء العالم القديم، حيث انتقلت مع التجار الفينيقيين، ثم تطورت في ثلاث مناطق من البحر الأبيض المتوسط. والموطن الأصلي "صيدا" و"صور" و"قبرص" و "قرطاج" ، وقد استمرت "صور" على علاقة بمستعمراتها الأفريقية، حيث ظهر ذلك في الكتابة. ويلاحظ أن الكتابة "بصور" وبالسواحل الأفريقية، لها نفس شكل الأبجدية القديمة دون تغيير جوهري. ثم ظهر نموذج جديد من الكتابة سميت "بالكتابة البونيقية"، وتطورت عنها البونيقية المتأخرة أو البونيقية الحديثة.
اختلف الباحثون في تاريخ ظهور هذه الكتابة، فهناك من يرى أنها ظهرت بعد حرق قرطاج. لما تغلغلت هذه الكتابة بالداخل وأصبحت داخل الأقاليم المجاورة، مع تنقل سكان قرطاج إلى داخل الأراضي. وأصبحت تعرف بالكتابة البونيقية الحديثة أو المتأخرة. وهناك من يرى أنها ظهرت بعد إحياء قرطاج من جديد أي بعد قرن من تدميرها.
كتابة بونيقية [23]
ظهرت هذه الكتابة بعد إحراق "قرطاج" مباشرة وهناك نماذج تؤكد هذا. إذ اكتشف "بمعبد الحفرة" بمدينة قسنطينة أكثر من ثمان مئة نقيشة بونيقية، ونماذج من النقوش بالكتابة البونيقية، ونماذج من الكتابة البونيقية المتأخرة معاصرتين.
كتابة فينقيه[24]
خاتمــــــــــــــــــة :
تواجدت النقوش الليبية موزعة على المنطقة النوميدية من الحدود الحالية الجزائرية - التونسية إلى "وادي الصمام" مرورا "بجبال المجردة" و"الجبال القسنطينية" وحتى "جبال القبائل الصغرى". نلاحظ تكوُّن كتلتين: إحداهما توجد حول وادي وجبال "مجردة" والثانية حول الوادي الكبير "بومرزوق - الرمال". وتقل هذه النقوش كلما اتجهنا نحو الجنوب والغرب، أما في الشمال فهي شبه منعدمة [25].
ظهرت أبجدية الكتابة الفينيقية، وهي أمّ الأبجدية والكتابة البونيقية، لأول مرة في "فينيقيا" حوالي القرن الخامس عشر ق.م.[26] وانبثقت عن الكتابة السامية ويتفق المؤرخون القدامى على أن الفضل في اختراع الأبجدية يعود إلى الفينيقيين وأقدم النصوص الفينيقية هو النصّ الذي ظهر على "تابوت حيرام" حوالي 1200 ق.م.
وتتواجد النقوش البونيقية حصرا في المدن مثل قالمة وخاصّة في قسنطينة، التي تأتي في الدرجة الثانية بعد قرطاج، من حيث عدد النقوش البونيقية المكتشفة بها حتى اليوم. كما نجد بعضها بجوار مدينة قالمة، وفي المنطقة ما بين الطارف وسوق أهراس، وشمال وغرب مدينة قسنطينة. ويبدو أنّ استعمال الكتابة البونيقية استمرّ حتى القرن الأول الميلادي في بعض المدن الداخلية[27].
بالنظر إلى خريطة توزّيع هذه النقوش نستنتج أنّ كلاّ من الكتابتين الليبية والبونقية، كانتا متعايشتين بل إن البعض جعل الأولى (البونيقية) كتابة رسمية للمملكة النوميدية. كانت مستعملة في النصوص الإدارية والدينية والجنائزية، داخل بعض المدن آنذاك، فهي لغة التجارة والإدارة ولغة الديانة. والثانية (الليبية) كانت كتابة محلية، مرتبطة أكثر بالأوساط الشعبية والريفية منها، على وجه الخصوص. (*).
وقد حاول البعض بعد أنّ روّج لفكرة "البونيقية لغة رسمية في المملكة النوميدية" أن يجد مبررا لذلك بالقول : إنّ اختيار الملوك لهذه الكتابة ككتابة رسمية لم يكن عفويا، بل لغرض الانفتاح على العالم الخارجي. وللاحتكاك بالحضارات المعاصرة لهم، كالحضارتين الإغريقية والرومانية. ودليلهم هو وجود كتابات وأدوات حضارية بمدينة قسنطينة واردة من حضارات معاصرة لفترة الممالك النوميدية. أمّا الكتابة الليبية فكانت كلها تقريبا كتابات جنائزية، حاول البعض فكّ رموزها دون التوصّل إلى شيء ذي أهمّية، عدا استخراج عدد من أسماء الأعلام منها.
يلاحظ أيضا شبه انعدام للنقوش البونيقية، والانعدام التام للنقوش الليبية في المنطقة الساحلية. مع العلم أن بعض النصوص والاكتشافات الأثرية، تثبت وجود عناصر ثقافية بونيقية-قرطاجية. وأخرى نوميدية، معاصرتين لبعضهما في المدن النوميدية الساحلية، التي توجد بها مصارف فينيقية، ثمّ قرطاجية على التوالي. أين كانت اللغتان البونيقية والليبية متعايشتين، وهذا بشهادة "القديس أوغسطين" الذي قال: " إن سكان أرياف عنابه يتكلمون البونيقية بالإضافة إلى وجود من يتكلم لغة أباءهم، أي الليبية وكذا اللغة اللاتينية". فلماذا تكلم القديس أوغسطين عن ضواحي عنابه ولم يتكلم عن عنابه المدينة ؟ هل كان سكان عنابه في فترته يتكلمون اللاتينية ؟ بل إن البونيقية كان أحرى بها أن تبقى في ضواحي قرطاج ومنطقة الساحل التونسي ؟
في الأخير نسجّل أنّ وجود النقوش الليبية بكثافة وخاصة في منطقة القالة إلى طبرقة) أنظر أعلاه الخريطة رقم 2( هو دليل قوي على أنّ الكتابة الليبية ظلّت حيوية واستمرت في الاستعمال في الأوساط الشعبية حتى بعد سقوط المملكة النوميدية وهذا ما تبيِّنه كثافة هذه النقوش بتلك الربوع.
قائمة المصادر والمراجـــع:
Berthier A., L., R Charlier. (1952) .Le sanctuaire punique d’el Hofra à Constantine. Paris.
Berthier, A., (1983). La Numidie, Rome et le Maghreb. Paris.
Bertrandy, F., et Sznycer, M., (1987). Les Stèles punis Constantine. Note 10. Paris.
Camps, G., Massinissa ou le début de l’histoire. Libyca. T. VIII 1er semestre. 1960. p. 146. fig. 17.
Chabot, R.I.L. (1940). Les inscriptions publiées après 1940. dans R.S.A.C, et quelques inscriptions inédites.
Rebout R.S.A.C.T. XVIII et J. Bosco, R.S.A.C.T. XLVI. (1876-1877).
Saint Gsell. (1927) Atlas Archéologique de l’Algérie. feuille , VIII, IX, X , XI, XV, XVI, XVII, XVIII, XIX, XXV, XXVI, XXXVII, XXXVIII, LXVIII.
[1] Hérodote. (1960). Histoire. (Legrand, Ph., traducteur). T.IV. PARIS. P. 155-172.
[2] Chabot. (1940). Recueil des Inscriptions Libyques . R.I.L. N° 2-3 . Et les Inscriptions publiées après dans R.S.A.C, et quelques Inscriptions inédites.
(1)(2)Carte A, répartitions des inscriptions libyque=5 inscriptions.; Carte A1, répartition des inscriptions libyque = 1 inscription. A échelle plus grande la partie nord est où les inscriptions sont plus danses = inscription douteuse.
(3) Ibid., Carte A1 et A1
[3] Chabot, op. cit.
[4] G. Camps, Carte des tribus misiciri.
[5] Carte B .B1 répartitions des Inscriptions punique = 5 Inscriptions.; Carte B .B1 répartitions des Inscriptions punique = 1 Inscription. ; Carte B .B1 répartitions des inscriptions punique = ville.
[6] Saint, Gsell. (1927) .Atlas Archéologique de l’Algérie. feuille ; VIII, IX, X , XI, XV, XVI, XVII, VIII, XIX, XXV, XXVI, XXXVII, XXXVIII, LXVIII.
[7] Camps, G., (1960). Massinissa ou le début de l’histoire. Libyca T. VIII. 1er semestre. P. 146 fig. 17.
[8] Ibid. p. 248. fig. 26
[9] كرتن وكالمه (Krtn et Calama)
[10] Berthier, A. Charlier, A.R., (1952). Le sanctuaire punique d’el Hofra à Constantine. Paris. P. 3.
[11] Constantine : son passé son centenaire 1837-1937 voir carte Constantine R.S.A.C .Vol. LXIV.
[12] اتساع المدينة إلى الجهة الغربية والجنوبية الغربية، كما ضمّت الصخرة بعض الأحياء والمباني الأوروبية.
[13] Berthier et Charlier. Op. cit.,
[14] Rebout .T XVIII (1876-1877). P. 445 et J. Bosco. R.S.A.C.T. XLVI.P. 240-241.
[15] Berthier et Charlier. Op.cit., P. 2.
[16] Ibid. p. 3.
[17] Bertrandy, F ., et Sznycer, M ., (1987). Les Stèles punis Constantine. Paris.P.17 .Note 10.
[18] Berthier, A., Charlier, A.R., Op.Cit.,P. 1-2.
[19] R.S.A.C. T.XVIII .1876-1877. P. 306.
[20] Berthier, Charlier. Op, cit., P. 4.
(*) في اللاتينية Hadrumète ، ومنها اشتقّت الصيغة الفرنسية Hadrumète ، وفي كلتا الحالتين لا علاقة للاسم بحضرموت لأن هذا التوبونيم ليبي وهو مؤنّث آذروم ومعناه القرية.
[21] Berthier, A., (1983). La Numidie, Rome et le Maghreb. Paris. P. 169
[22] Carte B.
[23] Stéle Punique au Musée National de cirta : Constantine, N°3.C.P.659
[24] Internet . Stéle phénicienne. Image 2015.
[25] Ibid. Carte A.1.
[26] Berthier, Charlier.op. cit., p.2.
[27] بناء على نقيشة مكتشفة بقسنطينة وأخرى بقالمة تعودان للفترة الرومانية.
(*) هذا الاستنتاج يمكن أن يراجَع اليوم بعد أن تحررت الإرادة العلمية من إملاءات الأكاديميين الكولونياليين.