دفتر العقاري ودور في الحماية القانونية للملكية العقارية

 

كريمة برني

الجامعة:جامعة الإخوة منتوري  قسنطينة

 

الملخص:

يعد القطاع العقاري واحدا من القطاعات الاقتصادية الهامة في أية دولة كانت، وذلك نتاج لجملة من العوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية وارتباطه بمختلف القطاعات الاقتصادية وتأثره بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة محليا و إقليميا وعالميا.

  ومن جهة، يعتبر العقار الركن الهام في أية تنمية اقتصادية، باعتباره الحاضن للنشاط الاقتصادي، مما تترتب عليه أن تولي له الدولة أهمية إستراتجية حال رسمها للسياسة التشريعية المنظمة له،الأمر الذي يؤدي إلى القول أن نجاح أو فشل تلك السياسة مرتبط طرديا بنسبة تحقيقها للتنمية الاقتصادية، لكن بالرغم من وجود القانون العقاري والأحكام التي جاء بها إلا أن الواقع استغلال العقار من ناحية العملية فرضا نمطا آخر.

ولقد كانت هذه الفكرة محل تبني وتطبيق من قبل الدولة الجزائرية خلال 50 سنة من الاستقلال،انتقلت فيها الجزائر من أنظمة قانونية إلى أخرى مستجيبة لذلك لحاجات التنمية الاقتصادية المتطورة.

 و تعتبر الملكية العقارية أساس تقدم ورقي الحضارات الإنسانية لمل لها دور في التنمية عموما والتنمية العمرانية على وجه الخصوص فلا يمكن التحكم في التنمية الاقتصادية دون وجود تنظيم وتوجيه للاستثمارات العقارية.

 وقد حضيت الملكية العقارية الخاصة باهتمام المشرع الجزائري، وكرسها دستور 1996 من خلال نص المادة 52 التي تنص على أن "الملكية الخاصة مضمونة" كما تضمنها قانون التوجه العقاري 90/25 من خلال نص المادة 28، وعرفها في نص المادة 27 منه[1] ، وقد بين هذا القانون الأملاك الوطنية العقارية، والملكية العقارية الخاصة، وتصنيف الملكية والقيود التي ترد عليها، فيهدف هذا القانون إلى استقرار الملكية العقارية وتوجيه كيفية استخدامها واستغلاله[2]

كما تطرق المشرع لتعريف حق الملكية في نص المادة 674 من قانون المدني الجزائري" الملكية هي حق التمتع والتصرف في الأشياء بشرط أن لا يستعمله استعمالا تحرمه القوانين[3] والأنظمة."

وتبدو جليا أهمية هذه الدراسة من خلال تبيان الآليات القانونية التي يمكن استخدامها لإثبات الملكية العقارية الخاصة في ظل النظام الشهر العيني وفق القانون الجزائري، والتي بادرت بها الجزائر و خولت لكل حائز لعقار لم تشمله بعد عملية المسح الحصول بفضل هذه الوسائل القانونية على سند الملكية "دفتر العقاري" التي تعود نشأة تسليمه مرتبط ارتباطا وثيقا بإتمام عمليات المسح العام[4]وهذا ناجم عن إرادة المشرع في تطهير الوضعية العقارية في البلاد.

من هذا المنطلق، فإن الإشكالية التي أود إثارتها في هذا الورقة البحثية المتواضعة، والنقطة التي تحتاج إلى تمحيص وتحليل،إلى أي مدى يمكن اعتبار الدفتر العقاري كآلية إثبات للملكية العقارية في الأراضي المسموحة ؟، وما مدى حجيته في الإثبات أمام القضاء أو الجهات الإدارية في الدولة؟.

وللإلمام بهذه التساؤلات سنحاول تسليط الضوء على أهمية الدفتر العقاري في الإثبات وذلك بعد التطرق لكيفية الحصول عليه وتعريفه ومضمونه وإبراز طبيعته القانونية في" المبحث الأول"ثم نعرج في دراسة "  المبحث الثاني" حجيته في إثبات الملكية العقارية ثم نختمها بأهم التوصيات التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة.

المبحث الأول: ماهية الدفتر العقاري

إن موضوع الدفتر العقاري لم ينل بعد الكثير من الاهتمامات من قبل المختصين ومزال يحيطه الكثير من الغموض، لذا سأتناول في هذا المبحث إلى مفهوم دفتر عقاريومضمونه في ( المطلب الأول ) ثم نعرج لدراسة الطبيعة القانونية للدفتر العقاري في( المطلب الثاني).

- إن المشرع الجزائري بعد الاستقلال، في إطار إعادة تنظيم الملكية العقارية واستقرارها وتطورها وفق ما تقتضيه التنظيمات العقارية الحديثة صدر الأمر رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقار[5] وقد عرفت المادة الثانية منه مسح الأراضي العام" بأنه يحدد ويعرف النطاق الطبيعي للعقارات، وهوية المالك الظاهر للعقار وأصحاب الحقوق العينية، كما عرفت المادة 03 من نفس الأمر أن السجل العقاري هو يضبط الوضعية القانونية للعقارات، ويبين الحقوق العينية العقارية، والسجل العقاري هو المرآة العاكسة لكل عقار والتغيرات التي تطرأ عليه مهما كانت نوعها، وبهذا أخذ المشرع الجزائري بنظام الشهر العيني، بدل الشهر الشخصي[6].

المطلب الأول: مفهوم الدفتر العقاري    

لم يتطرق المشرع الجزائري في الأمر رقم 75/74 ولا في المرسوم التنفيذي رقم 76/63 المؤرخ في 05/03/1776 المتضمن تأسيس السجل العقاري[7] ولا في التعديل الذي لحقه لإعطاء مفهوما دقيقا، وعليه نتطرق له في الفرع الأول من خلال تعريف دفتر العقاري وبيان مضمونه في الفرع الثاني.

الفرع الأول: تعريف الدفتر العقاري

يستمد الدفتر العقاري وجوده القانوني من مرسوم التنفيذي 73/32 المؤرخ في 05/01/1973 المتعلق بإثبات حق الملكية الخاصة، لا سيما في المادة 32 منه والتي تعتبر كشهادة ميلاد للدفتر العقاري وتنص:تستبدل شهادات الملكية بدفاتر العقارية بمجرد إحداث المسح العام للأراضي البلاد المنصوص في المادة 25 من الأمر 71/73 المؤرخ في 08/11/1971.

كما نصت المادة 33من نفس المرسوم: إن الدفاتر العقارية الموضوعة على أساس مجموعة البطاقات العقارية البلدية ومسح الأراضي المحدث يشكل حسب الكيفيات التي ستحدد في نصوص اللاحقة المنطلق الوحيد لإقامة البينة في شأن الملكية العقارية، وبموجب الأمر رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري الصادر بتاريخ 12/12/1975 في القسم الثاني منه تم التطرق للدفتر العقاري في المادتين 18و19 بنصيهما:

المادة 18: " يقدم إلى مالك العقار بمناسبة الإجراء الأول دفتر العقاري تنسخ فيه البيانات الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية."

المادة 19: "تسجل جميع الحقوق الموجودة على العقار من وقت الإشهار في سجل العقاري وفي دفتر العقاري الذي يشكل سند الملكية".

والمرسوم التنفيذي رقم 76/63 المعدل بالمرسوم رقم 93/103 المتعلق بتأسيس السجل العقاري والذي نظم من خلال المواد من 45 إلى 54 الدفتر العقاري الصادر بتاريخ 25/ 03/1976، ومن ثم وبعد استقراء النصوص القانونية يمكن إعطاء تعريف دفتر العقاري "عبارة عن سند إداري يسلم إلى أصحاب العقارات الثابتة حقوقهم بعد انتهاء من عملية المسح العام للأراضي وتأسيس السجل العقاري يسلم إلى مالك الذي حقه قائم بمناسبة إنشاء بطاقة عقارية مطابقة وهذا السند محدد بموجب نموذج خاص بالقرار الصادر عن وزير المالية بتاريخ17/05/1977 وهو يعبر عن الوضعية القانونية الحالية للعقارات".

ومنخلال تعريف تبين لنا عدة خصائص:

ينشأ الدفتر العقاري بعد انتهاء من عملية المسح العام الأراضي وتأسيس السجل العقاري،

يسلم دفتر العقاري للمالك الذي ثبت حقه على العقار الممسوح لعد إنشاء بطاقة عقارية تظهر الوضعية القانونية للعقار المعني.

دفتر العقاري يكون مطابق للنموذج المحدد بموجب القرار الوزاري وعملية إعداده وكيفية التأشير عليه محددة بنص قانوني، وبالرجوع إلى نص المادة 45 فقرة 01 من المرسوم رقم 76/63 المعدل والمتمم، نجد أن المشرع الجزائري قد ترك للوزير المكلف بالمالية مبادرة وتجديد نموذج الدفتر العقاري كما ترك للإدارة المكلفة بمسك الدفتر العقاري[8] إمكانية إعداد دفتر العقاري بواسطة استنساخ أو تصوير.

دفتر العقاري سند للملكية العقارية وهذا ما جاءت يه المادة 19 من الأمر 75/76 والمادة 33 من المرسوم التنفيذي رقم 73/32 المؤرخ في 23/01/1973، المذكور أعلاه

   ومن خلال هذه التعاريف يمكن القول أن الدفتر العقاري لا يسلم إلا للمالك الذي يثبت حقه بعد الانتهاء من عملية المسح العام للأراضي وتأسيس السجل العقاري، وأنه لا يمكن للشخص إثبات ملكيته   العقارية مهما كان نوعها بالأراضي الممسوحة إلا عن طريق الدفتر العقاري الذي يعتبر سند وحيد لإثبات الملكية العقارية، وهذت ما أكدت عليه المادة 19 من الأمر رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري.

الفرع الثاني: مضمون دفتر العقاري وكيفية إعداده

أولا: مضمون الدفتر العقاري

إن دفتر العقاري يعد الوثيقة إدارية تسلم بقرار من محافظ العقاري وهو موظف الذي أوكلت لع مهمة مسك السجل العقاري عكس ما هو جاري به العمل في معظم الدول التي تستعمل النظام الشهر العيني والتي أسندت مهمته إلى قاضي من قضاة المحكمة وهو قاضي العقاري[9].

ويتميز بأن وجوده مقترنا دائما بعملية المسح العام للأراضي ويسلم بعد إيداع وثائق مسح الأراضي بالمحافظة عقارية تنفيذ الإجراءات الأولية الخاصة بترقيم العقارات.

بالرجوع إلى نموذج دفتر العقاري المحدد بموجب قرار من وزير المالية حسب ما نصت عليه المادة 45 من المرسوم 76/63 نجده يشتمل على إطار علوي و06 جداول، فالطابع عبارة عن مجموعة من البيانات المعرفة للعقار المخصص له الدفتر ويتضمن البلدية، القسم، مجموعة الملكية، سعة المسح.

أما بالنسبة للجداول، الأول تعين فيه مجموعة الملكية مع ذكر النطاق الطبيعي( الموقع، المساحة، عدد القطع المكونة...).

أما الثاني يتعلق بتلك الإجراءاتالأولية لشعر الحقوق العقارية، وكذا جميع التصرفات العقارية على العقار، وينم فيه تعيين المالك أو المالكين من حيث هويتهم( الاسم، اللقب، المهنة، الجنسية...) أما الجدول الثالث فتسجل فيه جميع الإجراءات المتعلقة بالاشتراكات  بالفاصل مع الارتفقات الايجابية والسلبية لمجموعة الملكية العقارية مع ذكر مراجع إشهارها في الخانة المقابلة لها، كما تؤثر فيه جميع التغيرات أو النشاطات التي تلحق بالحقوق المشهرة[10].

الجدول الرابع يتضمن مجموع الحقوق المشهرة المتعلقة بالتجزيئات والأعباء، مثلا حالة التجزئة إلى قسمين تؤشر فيه كل الامتيازات و الرهن على مجموعة الملكية.

بينما الجدول الخامس يخص تأشيرة التصديق والتي من خلالها يصادق المحافظ العقاري وتحت مسؤوليته على أمرين:

الأمر الأول: هو التصديق على تاريخ تسليم هذا الدفتر لمالك

الأمر الثاني: هو التصديق على تطابق التأشيرتان المتباينتان في هذا الدفتر مع البطاقة العقارية الموافقة له، ويتم التصديق عن طريق وضع الخاتم الرسمي للمحافظة وتوقيع المحافظ[11].

ثانيا: كيفية إعداد الدفتر العقاري

إن تأسيس الدفتر العقاري يكون انطلاقا من عملية المسح العام للأراضي والتي تجد لها أساسا قانونيا في المادة 02 من الأمر رقم 75/74 المتضمن إعدادا مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري، حيث أن الهدف من عملية المسح هو تحديد النطاق الحقيقي  والطبيعي للعقارات، وتقوم على طرق وقواعد هندسية وإقامة مخططات لها، وبذلك يكون الأساس المادي للسجل العقاري والبطاقات العقارية المكونة له[12]، ولكون أن عملية المسح عبارة عن أعمال مادية وأخرى قانونية، فإنها تمر بعدة إجراءات في إطار ما نص عليه الأمر رقم 75/74 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري.

وعليه،يتم إعداد أي تشريع وخاصة التشريع العقاري على أساس قواعد وأسس دقيقة ومتينة، وهدا راجع إلى إتباع عدة طرق ووسائل مادية وبشرية لكي يتم تجسيدها على أرض الواقع وذلك مرور بمرحلتين هما:  مرحلة التحضيرية والمرحلة الميدانية[13].

[13] 

1/ المرحلة التحضيرية:

تتم هذه الإجراءات عن طريق جمع الوثائق اللازمة والضرورية وذلك بواسطة التحري وإعداد الخريطة المتعلقة بالبلدية المعنية والمنجزة من طرف المعهد الوطني للخرائط التي يتم بواسطتها تنسيق جميع الجهود لأجل جمع كل المخططات والتصاميم اللازمة والضرورية.

كما يتم أيضا جمع كافة الوثائق المتواجدة على مستوى جميع المصالح المحلية والتي يمكن جمعها وحصرها في الوثائق المتعلقة بالأملاك التابعة للدولة والهيئات المحلية، المتواجدة لدى البلديات والمصالح العمومية والمؤسسات الإدارات العمومية[14].

أولا:افتتاح عملية المسح العام للأراضي

إن عملية المسح العام للأراضي أو عملية المسح العقاري هي تلك العملية الفنية والقانونية التي تهدف إلى وضع هوية العقار عن طريق تثبيت وتحديد مواقع العقارات، وتحديد أوصافها الكاملة وتعيين الحقوق المترتبة عليها والتعريف بالأشخاص المترتبة عليهم الحقوق.

تخضع جميع الأملاك العقارية دون استثناء سواء كانت خاصة أو عامة إلى عملية المسح وذلك على كل تراب الوطن وهذا ما نصت عليه المادة 04 من الأمر رقم 74/74 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري والتي جاءت في ما يلي" يتم على مجموع التراب الوطني تحديد الملكيات قصد إعداد مخطط منظم وتأسيس مسح للأراضي[15].

ثانيا:إنشاء لجنة المسح

بمجرد افتتاح عملية المسح على مستوى البلدية تتم أنشاء لجنة المسح و تتشكل هذه اللجنة من عدة أعضاء مكلفة بمهمة المسح و تحديد مهامهم وهذا حسب المادة 07 التي تحدد تشكيلية لجنة المسح للأراضي(36) و تتكون هذه الجنة من :

_ قاضي من المحكمة التي توجد ضمن دائرة اختصاصها و هو يقوم برئاستها.

- تعيين رئيس المجلس الشعبي البلدي أو من يمثله ويكون نائب الرئيس .

- موثق يعين من طرف الغرفة الجهوية للموثقين، و يكون له دور أساسي في عمل المسح العقاري وحضوره ضروري عند افتتاح هذه العملية[16].

- ممثلا عن إدارة الأملاك الوطنية أو أملاك الدولة الذي يعمل على تجسيد أهداف عماية المسح إضافة إلى التحقق من عدم المساس بالأملاك الوطنية التابعة لأملاك الدولة.

تمثل مهام اللجنة وفقا لنص المادة 06 من المرسوم 92/134 المعدل بالمرسوم التنفيذي رقم 76/62 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام بما يلي:

- جمع الوثائق والبيانات من أجل تسهيل إعداد الوثائق المساحية.

- التثبت عند الاقتضاء من اتفاق المعنيين حول حدود عقاراتهم وفي حالة عدم وجود اتفاق،محاولة التوفيق بينهم .

- البث بالاستناد إلى جميع الوثائق العقارية ولاسيما السندات وشهادات الملكية المسلمة على إثر عمليات معاينة صحة الملكية المتممة في نطاق الثورة الزراعية في جميع المنازعات التي لم تسويتها بالتراضي.

2/ المرحلة الميدانية

إن عملية التحقيق تهدف إلى ضبط الإجراءات الأولية حيث من خلالها تحقيق للحالة العقارية في جوانب  الطبيعية والقانونية، وهي تهدف إلى جمع والتقاط كل العناصر الضرورية لمعاينة حق الملكية والحقوق العينية الأخرى، وجمع المعلومات المتعلقة بتعريف هوية ذوي الحقوق وتطبيقها.

 أولا: التحقيق الميداني

يتولى الأعوان المكلفون بمهمة التحقيق العقاري معاينة أصحاب الحقوق والقيام باستدعائهم سواء المالك الظاهر أو صاحب  الحق وسواء أشخاص طبيعيين أو معنويين.

ويكون تعيين الأشخاص بطبيعتهم إذا كانت شركة أو جمعية بتحديد هويتها وذلك بتقديم اسمها، وطبيعتها القانونية. مقرها الاجتماعي، وقانونها الأساسي، أما إذا كانت تابعة للهيئات المحلية فجيب بيان إذا كانت بلدية أو ولاية، أما إذا كانت تابعة للهيئات الوطنية فيجب ذكر اسمها ومقرها، بعد إيداع وثائق المسح لدى المحافظة العقارية  وترقيم العقارات في السجل العقاري ترقيما نهائيا بمجرد استلامه وثائق المسح مما يخول للمالك الحق في الحصول على الدفتر العقاري وهكذا يتم تعين الملكية وإثباتها لكن بشرط وجود عقود أو سندات لإثبات حق الملكية[17].

تقوم مصلحة المسح العقاري أثناء التحقيق بفحص المعلومات التي توجد على السند المقدم من طرف الملك وجمع أقوال وتصريحات الأشخاص المعنيين وإثارة كل المعلومات التي قد تنير التحقيق ومقارنة هذه المعلومات  ميدانيا بتلك الموجودة على مستوى أرشيف المحافظة العقارية الموجودة على مستوى إدارة أملاك الدولة والوثائق الأخرى المجمعة أثناء الأشغال التحضيرية وإعداد بطاقة التحقيق العقاري.

ثانيا: إيداع وثائق المسح لدى مقر البلدية

بمجرد الانتهاء من العمليات التقنية والتحقيقات العقارية وإعداد الوثائق، نودع وثائق المسح الأراضي بمقر البلدية لمدة شهر على الأقل لتمكين الجمهور وكل شخص معني بعملية المسح من الاطلاع عليها، وتسلم الوثائق من طرف رئيس مكتب المسح إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي يسلمه شهادة الإيداع، ويلاحظ أن النص تناول الإيداع ولم يوجب إعلانه بشكل صريح كما أنه تناول مدة الإيداع ولم يضبطها بدقة رغم ما لهذه العملية من أهمية مما يترتب عليها آثار قانونية،إذ أن انتهاء هذه المرحلة يجعل نتائج المسح بما فيها المخططات المنجزة والبيانات التي تحتويها نهائية، وأهمية الإعلان تكمن في أنه يؤدي وظيفيتين الأولى في إعلام المعنيين بانطلاق هذه المرحلة والثانية أن يكون أساسا لبدء حساب مدة الإيداع[18].

يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعلان الجمهور عن طريق إشعار ممضي من طرفه وينشر في الأماكن المعتادة للبلدية والبلديات المجاورة وكذا الوسائل أو الإعلانات الكتابية أو الشفوية[19].

3/ الإجراءات القانونية:

بعد استكمال الإجراءات المادية لإعداد الوثائق اللازمة لعملية المسح يتم إيداعها لدى المحافظة العقارية والتي تقوم بإجراءات أهرى تتمثل أساسا في الإجراءات القانونية المتشكرة في تأسيس السجل العقاري ليتم فيما بعد تسليم الدفتر العقاري ومدى حجيته في الإثبات وهذا ما سنتطرق له بشيئ من التفصيل في النقاط التالية:

أ- تأسيس السجل العقاري:

المشرع الجزائري لم يأتي بتعريف السجل العقاري وإنما عرفه المشرع المصري بأنه" مجموعة من الصحائف التي تبين أوصاف كال عقار وتبين حالاته القانونية، وينص على حقوقه المترتبة له وعليه وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به[20].

  أما المشرع الجزائري فقد نص في نص المادة 19 من المرسوم التنفيذي رقم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري على بيان كيفية مسك السجل العقاري بالإشارة إلى نص المادة 13 من الأمر رقم 75/74 المتعلق بإعداد مسح العام للأراضي وتأسيس السجل العقاري التي تنص بأنه يمسك مجموعة البطاقات العقارية التي تبين الوضعية القانونية للعقارات، وتبين تداول الحقوق العينية ويجب أن يكون مطابقا للمخطط الفتوغرافي ووثائق المسح بصورة مطلقة حتى تكون الناطق الطبيعي فيما يتعلق بالحقوق العينية والارتفاقات وتعديلات على حالة العقار.

ب-إيداع وثائق المسح لدى المحافظة العقارية

تتم عملية إيداع الوثائق والبيانات التي تم جمعها عند القيام بعملية المسح لدى المحافظة العقارية المختصة إقليميا بعد انتهاء من الإجراءات المسحية لكل قسم أو مجموعة أقسام البلدية المعنية وذلك من أجل تحديد حقوق الملكية والحقوق العينية وشهرها في البطاقات العقارية التي يتم إعدادها لتكوين السجل العقاري، حيث تثبت هذه الوثائق في محضر يسلم للمحافظ العقاري مقابل وصل استلام ويتم شهر هذا المحضر في أجل 8أيام[21].

يمنح لكل ذي مصلحة أجل 04 أشهر للإطلاع على الوثائق خلال عملية المسح وتقديم الاعتراضات بشأنها، وإيداع كل الوثائق التي لم تسلم للجنة المسح أو أنها لم تتم قبولها من خلال هذه الأخيرة وتشكل هذه العملية همزة وصل بين الإدارة المسح والمحافظة العقارية والتي من خلالها يشرع المحافظ العقاري في الترقيمات العقارية .

- الترقيم العقاري: إن عملية الترقيم تبدأ من يوم إيداع الوثائق المسح لدى المحافظة العقارية ويعتبر الترقيم قد تم من يوم الإمضاء على المحضر التسليم وثائق المسح، وفقا لنص المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري المعدل والمتمم[22]. وهو يكون في حالتين الترقيم المؤقت والترقيم النهائي.

- إنشاء البطاقات العقارية: تعتبر البطاقات العقارية من الوثائق الأساسية المكونة للسجل العقاري، فهي وثيقة مطابقة لنماذج محددة بمقتضى قرار وزير المالية، ويقوم المحافظ العقاري بإنشاء البطاقة العقارية بحيث تحتوي كل بطاقة عقارية على مجموعة تبين الحالة المادية والقانونية للعقار، وتعمل هذه الأخيرة على تشجيع المتعاملين في العقار وتوفير الحماية والإئتمان، وهي تخضع لعملية التأشير وعي نوعين:

- بطاقات عقارية عينية وهي التي تعد بعد إتمام عملية المسح العام للأراضي.

- بطاقات عقارية شخصية وهي ذات طبيعة مؤقتة لأنها أعدت خصيصا للعقارات والحقوق العينية الي لم يتم مسحها.

ج- تسليم الدفتر العقاري

عند الانتهاء من عملية المسح العام للأراضي لجميع الإجراءات القانونية والتأكد  من صحة الوثائق المسحية، يتم بعد ذلك تسليم الدفتر العقاري لمن له الحق في الملكية حتى يكون لع حجية في الإثبات.

يمنح الدفتر العقاري إلى مالك العقار عند إجراء الإشهار الأول الذي يحمل بيانات البطاقة العقارية لذلك فإن الدفتر العقاري يسلم إلى المالك الذي حقه قائم بمناسبة إنشاء بطلقة عقارية مطابقة، وفي حالة الشيوع يودع لدى المحافظة العقارية دفترا واحدا ما لم يقوموا بتعيين وكيل لهم لحيازة الدفتر[23].

أما في حالة الضياع يحق للمالك الحصول على الدفتر العقاري آخر يؤشر في البطاقة العقارية وهذا وفقا لنص المادة 52 من المرسوم التنفيذي رقم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري.

وبالتالي فإن تسليم الدفتر العقاري يختلف باختلاف من له الحق في الملك سواء كان إنفراديا أو ملك على الشياع، أما فيما يتعلق بالملك الانفرادي فإنه يسلم إلى صاحب الملك بصفة شخصية و وإذا كان ملك الشياع فإنه يسلم إلى وكيل الذي يعين بموجب وكالة قانونية، أين يؤشر المحافظ العقاري على البطاقة العقارية الخاصة بالعقار،لأن منح الدفتر العقاري لصاحب الحق له حجية في إثبات ملكيته.

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للدفتر العقاري

 يعتبر الدفتر العقاري من ضمن الأعمال الإدارية التي تختص بها المحافظات العقارية التابعة للمصالح الخارجية لوزارة المالية على مستوى الأقاليم،أما بالنسبة للطبيعة القانونية للدفتر العقاري فقد اختلف الفقهاء والباحثون في تحديدها فمنهم من يعتبر الدفتر العقاري قرارا إداريا ( الفرع الأول) ومنهم من يعتبره عقدا إداريا (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الدفتر العقاري قرار إداري

لقد حضي موضوع القرار الإداري باهتمام العديد من الفقهاء، كما أسهم أيضا في الكشف عن ملامحه، ولقد تعددت التعاريف بشأنه بحيث أن هناك من يعرفه على أنه" إفصاح الإدارة عن إرادته الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين بابتغاء المصلحة العامة [24].

دفتر العقاري عبارة عن قرار إداري، يرى بعض أن دفتر العقاري عبارة عن قرار إداري إذ تنطبق عليه عناصر القرار الإداري يحث يعد أنه تصرف إداري الذي يخضع في تحديده للشكل المحدد قانونا.

صادر عن هيئة إدارية (محافظة العقارية)، يترتب عليه أثر قانوني يتعلق بحق الملكية.

وبالرجوع إلى كيفية إصدار الدفتر العقاري نجد أنه لا يعد إلا أن يكون قرارا إداريا على أساس أنه تصرف قانوني صادر من طرف المحافظة العقارية المختصة إقليميا، وهذا ما يمكننا من استنباط بعض الخصائص[25]:

أ- الدفتر العقاري صادر عن جهة إدارية، يعني أنه يصدر عن المحافظة العقارية والتي تعتبر مؤسسة عمومية إدارية تقدم خدمة عامة وذلك حسب ما حددته المادة 02 من الأمر رقم 06/03 المؤرخ في 15 ماي 2006 المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة [26].

ب- الدفتر العقاري يصدر بالإرادة المنفردة، ما يؤكد ذلك هو عدم وجود توقيع وبصمة المستفيد من الدفتر العقاري، وبالتالي فإن هذا الأخير يعتبر قارا إداريا يبعد كل البعد عن العقد الإداري الذي يجب أن يكون ممضيا من مصدر الدفتر العقاري والمستفيد منه، فالدفتر العقاري صادر بالإرادة المنفردة ويحمل توقيع المحافظ العقاري لوحده.

ج- الدفتر العقاري يحدث آثارا قانونية تجاه المستفيد منه، بمجرد استلام الدفتر القانوني يكون المالك متمتعا بكافة الصلاحيات في المال العقاري، ولقد تم تكريس هذه الخاصية في نص المادة 33 من المرسوم 73/32 المتعلق بإثبات الملكية العقارية وهذا المرسوم ملغى ضمنيا بموجب القانون رقم 90/25 المؤرخ في 12/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري معدل والمتمم، إضافة إلى نص المادة 19 من الأمر رقم 75/74 المتعلق بمسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري بحيث تسجل جميع الحقوق الموجودة على العقار مت وقت الإشهار في السجل العقاري في الدفتر العقاري الذي يشكل سند الملكية[27].

الفرع الثاني: الدفتر العقاري عقدا إداريا

دفتر العقاري ليس قرار إداري، وهو ما يراه جانب آخر من الفقه كون دفتر العقاري لاتنطبق عليه عناصر القرار إداري إذ أنه يعد عملا انفراديا، كما أنه لا يحدث أثر قانوني بل أن دوره كاشف للمراكز القانونية فقط. ويرى ان دفتر العقاري مجرد شهادة إدارية إذ أن المحافظ العقاري في دفتر العقاري يقتصر على الاشهاد بمطابقة هذا الأخير للبطاقات العقارية وكذا السجل العيني.

حتى في حالة الحائز حيازة قانونية الذي من حقه الحصول على دفتر العقاري مثبت للملكية فإن دور دفتر العقاري يبقى دائما كاشف للحق العيني أو مجرد إشهاد على هذا الحق، ذلك أن حق الملكية قد اكتسب بأحد أسباب كسب الملكية العقارية وهو التقادم المكسب.

 وإذا رجعنا إلى الدفتر العقاري نجد أن الإدارة ممثلة في شخص " المحافظ العقاري" ليست طرفا متعاقدا وإنما جهة مصدرة له، وبالتالي العقد الذي لا يكون أحد طرفيه شخص من أشخاص القانون العام لا يمكن أن يعتبر عقدا إداريا المتفق عليه أن العنصر الأول المتعلق بالعقد هو تطابق الإرادتين[28] وهذا ما ل انجده في الدفتر العقاري.

 وبالتالي نستنتج أن الدفتر العقاري يهدف إلى تحقيق الصالح العام الذي في هذه الحالة إلى العمل على استقرار المعاملات المدنية بوجه عام والعقارية بوجه خاص، وتنظيم السوق العقارية لأن أساس أي استثمار لا يبنى إلا بعقار واضح المعالم محددا لكافة البيانات الجوهرية له[29],  وذلك لا يكون إلا في الأراضيالممسوحة المترتبة عنها في آخر المطاف تسليم الدفتر العقاري.

إلا أن نرى أن الرأي الراجح، هو اعتبار دفتر العقاري قرارا إداري لتوافر مميزات القرار الإداريفيه،كحقه لتصرفات الإدارة التي تتمثل سواء في العقد الإداري أو القرار الإداري،ويترتب عن هذا الدفتر العقاري قرار إداريا أنه لايجوز الطعن فيه إلا عن طريق دعوى الإلغاء.

المبحث الثاني: حجية الدفتر العقاري في الإثبات

كما سيق الإشارة إليه فإن الدفتر العقاري هو بمثابة الحالة العقارية حيث تسجل فيه جميع البيانات المتعلقة بالعقار وتلك الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية لدى مصلحة السجل العقاري، لاسيما وصف العقار والأعباء المثقل بها والهوية وأهلية وأصحاب الحقوق العينية. كما يسجل كل تغيير يطرأ على ملكية العقار في البطاقات العقارية وفي الدفتر العقاري كالبيع والرهن أو القسمة وغيرها من التصرفات القانونية التي تنقل الملكية العقارية الخاصة، هذا ما يقودنا إلى طرح التساؤل التالي: عن حجيته في إثبات الملكية العقارية الخاصة التي تم مسحها والإجابة عنها في(المطلب الأول)، وعن موقف المشرع الجزائري من هذه الحجية؟في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القوة الثبوتية للدفتر العقاري 

 كما سبق ذكره، أن القاعدة في نظام الشهر العيني أن دفتر العقاري يعتبر السند الوحيد في إثبات الملكية العقارية كما هومنصوص عليه في المادة 19 من الأمر 75/74: على أنه تسجل جميع الحقوق الموجود على عقار ما وقت الإشهار في سجل العقاري وفي دفتر العقاري الذي يشكل سند الملكية.

إن الدفاتر العقارية الموضوعية على أساس مجموعة البطاقات العقارية البلدية ومسح الأراضي المحدث بشكل المنطلق الوحيد لإقامة البينة في نشأة الملكية العقارية.

بالاستناد إلى المادة 19 من الأمر 75/77 المتضمن إعداد المسح العام وتأسيس السجل العقاري التي جاءت صريحة وواضحة في مضمونها، وهي تفيد بأن دفتر العقاري سند يسلم إلى الشخص المالك الذي حدد عقاره تحديد كليا بعد إعداد عملية مسح كما أن دفتر العقاري يعتبر السند الوحيد وأقوى في إثبات الحق العيني العقاري الأصلي وليس السند الذي سيكون مستقبلا الدليل الوحيد للإثبات ملكية العقارية عملا بالمادة 19.

والقاعدة في نظام الشهر العيني: أن عملية المسح العام الأراضي تظهر العقار حسب حقيقته القانونية بما في ذلك كل الحقوقوالأعباء التي تنقله، وعلى أساس ذلك يتم تحرير دفتر العقار بحيث لايمكن لأي شخص أن يدعي خلاف ما يتضمنه دفتر العقاري من بيانات أو يدعي اي حق عيني عقاري عليه ما لم يكن حقه مقيد بالبطاقة العقارية الخاصة بكل عقار بعد إحداث  عملية المسح لأن الغرض  من المسح العام الأراضي وتأسيس السجل العقاري هو إعطاء القوة الثبوتية المطلقة للحقوق تسهيلا لتداول العقارات وبعث الائتمان العقاري وضبط الملكية العقارية[30]، وبهذا المفهوم يعتبر بمثابة حسم الملكية العقارية يستمد روحه من وثائق المسح ويشكل كل مخالفة هذه القواعد من طرف المحافظ العقاري خرقا فادح لأحكام الشهر تترتب عنه مسؤولية كاملة بمجرد ثبوت خطأه المتمثل في تسليم الدفاتر العقارية، دون مراعاة مقاييس الرسم الطبوغرافية لحدود الملكيات المنجزة بمناسبة أشغال المسحية.

وبما أن الدفتر العقاري هو منتوج نظام الشهر العقاري العيني فهو يستمد منه خصائصه ومميزاته من القوة الثبوتية والحجية وتطهير التصرفات ودلالته القطعية على الملكية العقارية.

المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري من القوة الثبوتية للدفتر العقاري

 بالرجوع إلى نص المادة 16 الفقرة 01 من المرسوم التنفيذي رقم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتضمن تأسيس السجل العقاري، نلاحظ أن المشرع الجزائري قلل من القوة الثبوتية المطلقة للحقوق المقيدة، ذلك أنه خرج نسبيا عن القواعد العامة المقررة في ظل نظام الشهر العيني، بحيث خول للأشخاص إمكانية إعادة النظر في الحقوق الثابتة عن طريق القضاء حتى بعد الترقيم النهائي العقارات بالمحافظة العقارية.

 أما عن مضمون نص المادة فهو كما يلي:" لا يمكن إعادة النظر في الحقوق الناتجة عن الترقيم النهائي الذي تم بموجبه أحكام المواد 12 و13 و14 ومن هذا الفصل إلا عن طريق القضاء.

 وفي إطار تطبيق نص المادة 16 المشار إليها سابقا صدرت عدة أحكام قضائية عن المحكمة العليا تكريسا لمحتواها نذكر منها القرار الصادر عن الغرفةالمدنية المؤرخ في 16/03/1994، ملفرقم 10800 المجلة القضائية العدد الثاني لسنة 1995، ص80 والذي جاء فيه مايلي:

إشهار الحقوق – الحصول على الدفتر العقاري- لا يمكن فسح تلك الحقوق ـوإبطالها ‘لا عن طريق المعارضة بدعوى قضائية مقبولة.

المادة 85 من المرسوم رقم 76/63 المعدل والمتمم بالمرسوم رقم 80/210 والمرسوم التنفيذي رقم 93/123 المؤرخ في 19/05/1993 المتعلق بتأسيس السجل العقاري.

من المقرر قانونا أن دعاوى القضاء الرامية إلى النطق بفسخ وإبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم شهرها،لا يمكن قبولها إلا إذا تم إشهارها، ومن ثم فإن قضاة الموضوع بإبطالهم مباشرة عقد البيع الرسمي المبرم بين الطاعن الحالي والمرحومة موروثة المطعون ضدهم مع أنهم مرتكز على عقد الصحيح تحصلت لموجبه على الدفتر العقاري ولم تقع أية معرضة مقبولة ضده فإنهم أساؤوا بذلك تطبيق القانون وعرضوا قرارهم لنقض.

وبالتالي فإن المشرع الجزائري جعل القوة الثبوتية للدفتر العقاري نسبية، إذ يمكن الطعن فيه قضائيا طبقا لنص المادة المذكورة سابقا.

إلا أن هناك بعض الآراء تدعوا إلى إضفاء القوة الثبوتية المطلقة للدفتر العقاري مبررين رأيهم بأن الجهود والتكاليف التي تتكبدها الدولة في سبيل عمليات المسح لتكريس نظام الشهر العيني، أن ينتج عنه بالمقابل الدفتر العقاري المكتسب للقوة الثبوتية المطلقة، وبناء عليه إذا حدث وأن أصيب شخص بأضرار نتيجة الأثر التطهيري للشهر العيني، فما عليه سوى اللجوء إلى الجهة القضائية المختصة للاحتماء بالقواعد العامة التي لا تخوله إلا الحق بالطالبة بالتعويض جبرا لما لحقه من ضرر، دون أن يخوله القانون الحق في التماس أي تعديل في الحقوق المقيدة.

وفي الأخير، نقول أن المشرع الجزائري سلك الطريق العادل عندما يسمح لكل من له الحق من الطعن في الدفاتر العقارية، وهذا حتى لا تضيع حقوق الأفراد اعتمادا على الحجية المطلقة للدفتر العقاري، وبالتالي فإن الدفتر العقاري له حجية نسبية في مجال إثبات الملكية العقارية.

الخاتمة:

باستقراء النظام القانوني لملكية العقار والأملاك الوطنية بصفة خاصة في الجزائر، نلمس ذلك التذبذب وعدم الاستقرار منذ الاستقلال إلى غاية صدور أول قانون الأملاك الوطنية وذلك بسبب سياسة التغيير الشامل التي كانت تنتهجها البلاد في كل مرة وخاصة في أواخر الثمانينات والمتمثلة في الإصلاحات الجدرية التي مست جميع الميادين باختلاف أنواع السياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.

إن النظام الأساسي للملكية العقارية يشكل قاعدة من القواعد الأساسية لكل مجتمع لأنه يضمن الاستقرار والاستمرارية، كما تعد مسألة النظام العقاري أساسية كذلك بالنسبة لأي سلطة مهما كان نوعها، لذا فإنه إقامة مسح عام للأراضي كنظام عقاري حتما من تحديد وضعية الأملاك العقارية.

من أجل ذلك بات من الضروري الاهتمام بموضوع الملكية العقارية الخاصة في المناطق الممسوحة وتسليم سنداتها، والتعرف المسبق على هذه الملكية والحقوق العينية العقارية الواردة عليها، لإنجاح عملية العقارية واستقرار الملكية العقارية، وبعد الانتهاء من عملية المسح العام الأراضي تسليم الدفتر العقاري الذي يعتبر بطاقة تعريف للعقار والسند الوحيد لإثبات الملكية العقارية الخاصة في الأراضي الممسوحة ،وعليه، يعتبر الدفتر العقاري منتوج نظام الشهر العيني ويجب أن يستمد منه خصائصه ومميزاته من قوة ثبوتيه وحجية وقدرة على تطهير التصرفات القطعية على الملكية، إلا أن المشرع لم يأخذ بالقوة الثبوتية المطلقة للدفتر العقاري، وهذا يقلل من أهمية نظام الشهر العيني، ويؤدي إلى عدم استقرار الملكية العقارية في بلاد وضعف درجة الائتمان العقاري إذ يبقى المالك دائما مهددا بظهور المالك الجديد.

و من أبرز النتائج والتوصيات التي نستطيع أن نخرج بها هي:

إضافة مواد ضمن الأمر رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري تنص صراحة على مبدأ قوة الثبوت المطلقة واستبعاد مبدأ القوة النسبية للدفتر العقاري في إثبات الملكية

 العقارية في الأراضي الممسوحة.

- مراجعة النصوص القانونية الصادرة بخصوص التنظيم العقاري وإعادة النظر في كل ما يتعلق بالتعديل أو الإلغاء إذا استوجب ذلك حتى يكون مناسب للوضع الاقتصادي الجديد المتطور.

- القيام بعملية المسح الشامل للأملاك العقارية التي تحدد ملكية الأفراد والملكية الخاصة بالدولة.

- العمل على تكريس الحجية المطلقة لسند الملكية العقارية، وتأكيد القوة الثبوتية له لأن الدفتر العقاري يعتبر الوسيلة الوحيدة التي تثبت بها الملكية العقارية، والطعن فيه يعرض للفسخ أو الإبطال لأن ذلك يشكك في مصداقيته وقوته الثبوتية، وهذا ما يتعارض مع مبادئ الشهر العيني على تكريس الحجية المطلقة.

- ضرورة تطوير وتحديثالمحافظة العقارية بالوسائل الحديثة والتكنولوجية المتطورة لتسهيل أداء مهامها بشكل سريع، ولتسهيل المعاملات بين الأفراد.